عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ - يَعْنِي لَيْلَةَ الْجِنِّ -؟» قُلْتُ: لَا , قَالَ: «فَمَا هَذِهِ الْإِدَاوَةُ؟» , قُلْتُ: فِيهَا نَبِيذٌ , فَقَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ, قَالَ: «فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى».
حديث منكر:
وقد رُوِيَ هذا الحديث من طرق:
الطريق الأول:
رواه الترمذي في ((الجامع)) (88)، وابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (263)، وفي ((مسنده)) (300)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (693)، وأحمد في ((المسند)) (3810)، و(4296)، و(4301)، و(4381)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (173)، والقاسم ابن سلام في ((الطهور)) (264)، وأبو يعلى في ((مسنده)) (5046)، و(5301)، والطبراني في ((الكبير)) (9962)، و(9963)، و(9964)، و(9965)، و(9966)، و(9967)، والبيهقي في ((الكبير)) (26)، و(27)، وابن شاهين في ((ناسخ الحديث ومنسوخه)) (94)، والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي، المعروف بقاضي المارستان في ((مشيخته)) (311)، والشاشي في ((مسنده)) (822)، و(827)، و(828)، وابن الأعرابي في ((معجمه)) (727)، والجوزقاني في ((الأباطيل)) (311)، جميعهم من طرق، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ الْعَبْسِيِّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيِّ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، به.
وهذه طريق ضعيفة لجهالة أَبِي زَيْدٍ هَذَا، كما ذكر ذلك أبو زرعة، وابن عديٍّ وغيرهما؛ قال أبو زرعة: ((أبو زيد هذا مجهول لا يُعْرَفُ، ولا أَعْرِفُ اسمه)).
وقال الترمذي: ((وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ لاَ تُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ غَيْرُ هَذَا الحَدِيثِ)).
وقال ابن المنذر في ((الأوسط)) (173): ((ورَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالُوا: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ اللهِ، وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِوَايَةِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ مَعَ أَنَّ عَلْقَمَةَ قَدْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللهِ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ)).
وقال الجوزقاني في ((الأباطيل)) (1/ 502): ((فَأَبُو زَيْدٍ هَذَا، قَدِ اخْتَلَفُوا فِي كُنْيَتِهِ، وَرِوَايَتِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ مَنْ سَمَّاهُ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَنَّاهُ، لَكِنَّهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَا يُوقَفُ عَلَى صِحَّةِ كُنْيَتِهِ، وَاسْمُهُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ أَبِي فَزَارَةَ، وَلَا رِوَايَةٌ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ)).
وقال البغوي: في ((شرح السنة)) (2/ 64): ((وَهَذَا حَدِيثٌ غير ثَابِت، لأَنَّ أَبَا زَيْدٍ مَجْهُولٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ)).
قلت: الحديث رواه مسلم (450)، وغيره: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ.
وقال ابن عدي في ((الكامل)) (5/ 23): ((وأَبُو زيد مولى عَمْرو بن حريث مجهول، والحديث ضعيف لأجل أبي زيد هذا)).
وقال أيضًا: (9/ 194): ((وَهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي فَزَارَةَ، عَن أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرو بْنِ حُرَيْثٍ، عنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وأَبُو فَزَارَةَ مَشْهُورٌ وَاسْمُهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، وأَبُو زيد مولى عَمْرو بن حريث مَجْهُولٌ، ولاَ يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، وَهو خِلافُ الْقُرْآنِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حُبَيْشٍ، عَن أَبِي هُبَيْرَةَ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شِبْهٌ مِنْ هَذَا الْمَتْنِ، وَهو غَيْرُ مَحْفُوظٍ أَيضًا)).
الطريق الثاني:
رواه أحمد في ((المسند)) (4353)، وأبو يعلى في ((المعجم)) (27)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (607)، والجوزقاني في ((الأباطيل)) (308)، وابن شاهين في ((ناسخ الحديث ومنسوخه)) (95)، من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عن عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، دون قوله: ((تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ)).
ومدار هذا الطريق على عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ الْقُرَشِيِّ، وهو متروك الرواية.
قال أحمد: ليس بشيء.
وقال الجوزجاني: واهي الحديث، ضعيف، وفيه ميل عن القصد، لا يُحتج بحديثه.
وقال أبو زرعة: ليس بقوي.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه.
وقال سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد حدثنا عليُّ بن زيد، وكان يُقَلِّبُ الأحاديث، وفي رواية: كان يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غدا فكأنه ليس ذلك.
وقال عمرو بن عليٍّ: كان يحيى بن سعيد يتقي الحديث عن عليِّ بن زيد، حدثنا عنه مرة ثم تركه، وقال: دعه.
وقال أبو معمر القطيعي عن ابن عيينة: كتبت عن عليِّ بن زيد كتابًا كثيرًا فتركته زهدا فيه.
وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (2/ 103): ((وَكَانَ يَهِمُ فِي الْأَخْبَار ويخطئ فِي الْآثَار حَتَّى كثر ذَلِك فِي أخباره وَتبيَّن فِيهَا الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ))ا ه.