اسْتِقْبَالُ الْمَدَارِسِ 23 شَوَّال 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّين . أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَأَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذَا الأُسْبُوعُ بِإِذْنِ اللهِ يَتَوَجَّهُ مِئَاتُ الآلافِ مِنْ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا إِلَى مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ مِنْ جَدِيدٍ بَعْدَ أنْ قَضَوْا إِجَازَتَهُمُ السَّنَوِيَّةَ الْمْعُتَادَةَ , وَفِي هَذَا مَصْلَحَةٌ لَهُمْ وَلِذَوِيهِمْ وَلِمُجْتَمَعِه ِمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - حَيْثُ يَتَعَلَّمُونَ عُلُومَاً نَافِعَةً فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّنَا فِي نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ فِي بِلادِنَا الْمَمْلَكَةِ , وَفِي خَيْرٍ كَثِيرٍ لا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ نَظَرَ إِلَى غَيْرِنَا مِنَ الْبُلْدَانِ . وَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلاً فَهُوَ الذِي لَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ , ثُمَّ نَدْعُو اللهَ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ وَالْهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ عَلَى مَا قَامُوا بِهِ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الذِي نَحْنُ فِيهِ , ثُمَّ نُقَابِلُ ذَلِكَ بِطَاعَةِ اللهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ , فَبِذَلِكَ يُشْكَرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَتُشْكَرُ نِعْمَتُهُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
وَإِنَّ مِنَ الْخَيْرِ الذِي عِنْدَنَا مَا نَحْنُ بِصَدِدِ الْكَلامِ عَلَيْهِ وَهُوَ : التَّعْلِيمُ ! فَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ فِي نِعْمَةٍ وَاضِحَةٍ وَخَيْرٍ كَبِيرٍ .
فَالتَّعْلِيمُ - عِنْدَنَا - مِنْ جِهَةٍ مَادِّيَّةٍ : مَجَّانِيٌّ , فَقَدْ وَفَّرَتِ الْحُكُومَةُ- وَفَّقَهَا اللهُ - كَافَّةَ الخَدَمَاتِ لِلطُّلَابِ وَمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُدَرِّسِينَ وَالإِدَارِيِّي نَ , فَالْمَبَانِي فِي الْغَالِبِ حُكُومِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَحْسَنِ الْطِرَازِ وَمُجَهَّزَةٌ بِأَحْدَثِ التَّجْهِيزَاتِ , وَالْخَدَمَاتُ مُتَوَفِّرَةٌ مِنْ جَمِيعِ النَّوَاحِي , وَلَوْ وُجِدَ تَقْصِيرٌ فَهُوَ مِنْ طَبِيعَةِ الْعَمَلِ البَشَرِيْ , وَكَلامُنَا عَلَى الأَعَمِّ الْأَغْلَبِ .
وَمِنَ النِّعْمَةِ التِي نَرْفُلُ بِهَا : أَنَّ التَّعْلِيمَ عِنْدَنَا لَيْسَ مُخْتَلَطَاً بَيْنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ , بَلْ كُلُّ جِنْسٍ مُسْتَقِلٌّ عَنِ الآخَرِ , وَلا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ إِلَّا فِي بَلَدِنَا نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَهَا , كَمَا نَسْأَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ مَنْ يُرِيدُ إِزَالَتَهَا , وَأَنْ يَكُفَّ تِلْكَ الأَيَادِي الشِّرِّيرَةَ التِي تَعْمَلُ فِي الْخَفَاءِ لِدَمْجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِي تَعْلِيمٍ مُخْتَلَطٍ , فَإِنَّهُ خَطَرٌ عَظِيمٌ لا يَعْلَمُ مَدَاهُ إِلَّا اللهُ , وَإِنَّهُ إِيذَانٌ بِخَرَابِ الْمُجْتَمَعِ , فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ , وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُم ْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ , فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ , فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاء) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَإِنَّ الْجِهَةَ الأَهَمَّ فِي جَانِبِ التَّعْلِيمِ عِنْدَنَا فِي الْمَمْلَكَةِ - وَالتِي تُعْتَبَرُ بِحَقٍّ مِنَّةً جُلَّى ومِنْحَةً كُبْرى - هِيَ : الْمَنَاهِجُ الدِّرَاسِيَّةُ , فَإِنَّهَا بِحَقٍّ مِنْ أَنْفَعِ مَا يَكونُ لِدِينِ الطُّلَابِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
فَعِنْدَنَا - وَللهِ الْحَمْدُ - عِنَايَةٌ بِكِتَابِ اللهِ , الْقُرْآنُ الكريمُ , سَوَاءً فِي التَّعْلِيمِ الْعَامِّ أَوِ الْمَدَارِسِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَهِيَ مَدَارِسُ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ , التِي لَهَا الْعِنَايَةُ اللَّائِقَةُ بِهَا مِنَ الْمَسْؤُولِينَ , حَيْثُ يُمَيَّزُ الطُّلَابُ الْمُلْتَحِقُون َ بِهَا بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ , مِنْ جِهِةِ اخْتِيَارِ مَنْ يُعلِّمُهُمْ , أَوْ مِنْ جِهِةِ الْمُكَافَآتِ الْمَالِيِّةِ الشَّهْرِيَّةِ التِي يُعْطَونَهَا , وَهَذِهِ الْمَدَارِسُ تُوجَدُ لِلْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِي الْمَرَاحِلِ التَّعْلِيمِيَّ ةِ الثَّلاثِ : الابْتِدَائِيِ وَالْمُتَوَسِّط ِ وَالثَّانَوِيِّ .
وَمِنَ الْعِنَايَةِ بِكِتَابِ اللهِ : الْعِنَايَةُ بِتَفْسِيرِهِ حَيْثُ يَأْخُذُهُ الْمُتَعَلِّمُو نَ فِي الْمَرْحَلَةِ الْمُتَوَسِّطَة ِ فَمَا فَوْقَهَا !
وَمِنَ الْخَيْرِ فِي الْمَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّ ةِ عِنْدَنَا : الْعِنَايَةُ بِالْعَقِيدَةِ وَالتَّوْحِيدِ , حَيْثُ يَدْرُسُ الطُّلَّابُ هَذَيْنَ الْعِلْمَيْنِ عَلَى وِفْقِ مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَلَى وِفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ , وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَمِنَ الْخَيْرِ الذِي فِي مَدَارِسِنَا : الْعِنَايَةُ بِالْفِقْهِ, وَالْعِنَايَةُ بِالْحَدِيثِ , وَالْعِنَايَةُ بِالآدَابِ , فَيَأْخُذُ الدَّارِسُونَ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ مَا يُنَاسِبُهُمْ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ بَحَسَبِهَا .
كَمَا أَنَّ فِي مَدَارِسِنَا مَا لا يَخْفَى مِنْ تَدْرِيسِ الْعُلُومِ الْعَصْرِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّة ِ مِنَ الرِّيَاضِيَّات ِ وَالْعُلُومِ الإِنْسَانِيَّة ِ وَالطَّبِيعِيَّ ةِ وَالْجُغْرَافِي َّةِ وَغَيْرِهَا , وَهَذِهِ عُلُومٌ يَحْتَاجُهَا الْمُجْتَمَعُ , فَتَلْقَى عِنَايَتَهَا فِي مَدَارِسِنَا .
أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ : يَا أَوْلِيَاءَ أُمُورِ الطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ : إِنَّ عَلَيْكُمْ فِي الْعَمَلِيَّةِ التَعْلِيمِيَّة ِ مَا يَلِي : (أَوَّلاً) احْتِسَابُ الثَّوَابِ مِنَ اللهِ فِيمَا تُنْفِقُونَ , فَإِنْفَاقُكُمْ عَلَى مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ صَدَقَةٌ سَوَاءً أَكَانَ فِي الْمَأْكِلِ أَوِ الْمَلْبَسِ أوِ اللَّوَازِمِ الْمَدْرَسِيَّة ِ أَوْ غَيْرِهَا , وَأَنْتُمْ مَأْجُورُونَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى , لِأَنَّ مَا يُنْفِقُهُ الإِنْسَانُ عَلَى أَهْلِهِ صَدَقَةٌ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ , فَقَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (أَنْتَ أَبْصَرُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَلا تَسْتَثْقِلْ – يَا أَخِي الْكَرِيم - مَا بَذَلْتَ فِي شِرَاءِ مَا يَحْتَاجُهُ مَنْ تَحْتَ يَدِكَ مِنَ الطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ , فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ وَمَأْجُورٌ عَلَى مَا تُنْفِقُ .
(ثَانِيَاً) لَيْسَ مَعْنَى أَنَّكَ مَأْجُورٌ عَلَى النَّفَقَةِ أَنْ تَشْتَرِيَ كُلَّ مَا يَطْلُبُونَهُ , بَلِ انْظُرْ قَدْرَ حَاجَتِهِمْ وَابْذِلْ الْمَالَ فِيهِ , وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا فَلا دَاعِيَ لَهُ ! قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)
(ثَالِثَاً) تَجَنَّبْ مَا لا يَنْبَغِي مِنَ الأَدَوَاتِ الْمَدْرَسِيَّة ِ , كَالتِي عَلَيْهَا صُوَرُ ذَوَاتِ الأَرْوَاحِ , أَوْ أَسَمَاءُ الْكُفَّارِ , أَوِ الْعَلامَاتُ التِي تَرْمُزُ لِأَدْيَانِ الْكُفَّارِ كَالصُّلْبَانِ أَوْ أَعْلامُ الدُّوَلِ الْكَافِرَةِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى التَّعَلُّقِ بِهِمْ , لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِهَا فِي الظَّاهِرِ يَجُرَّ إِلَى التَّعَلُّقِ بِأَهْلِهَا فِي الْبَاطِنِ ! وَالتَّعَلُّقُ بِالْكُفَّارِ هَلَاكٌ لِدِينِ الْمُسْلِمِ وَدُنْيَاهُ , وَلِذَلِكَ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ وَلَوْ فِي الظَّاهِرِ , فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَتَجَنَّبْ - كَذَلِكَ - شِرَاءَ الأَلْبِسَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِلذُّكُورِ أَوِ الإِنَاثِ ! فَإِيَّاكَ أَنْ تَلْبَسَ الْبِنْتُ الْقَصَيرَ أَوِ الشَّفَافَ أَوِ الْفَاتِنَ مِنَ الْعَبَاءَاتِ أَوْ غَيْرِهَا , وَإِيَّاكَ أَنْ يَلْبَسَ الابْنُ الثَّوْبَ الطَّوِيلَ النَّازِلَ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّهُ إِسْبَالٌ مُحَرَّمٌ , وَأَنْتَ الْمُطَالَبُ بِمَنْعِهِ مِنْهُ , وَكَذَلِكَ إِيَّاكَ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ (الْمُخَصَّرَ) الذِي يُشْبِهُ أَلْبِسَةَ النِّسَاءِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون)
(رَابِعَاً) عَلَيْكَ - يَا وَلِيَّ الأَمْرِ - أَنْ تُحَفِّزَ مَنْ تَحْتَ يَدِكَ مِنَ الدَّارِسِينَ عَلَى الاهْتِمَامِ بِالدِّرَاسَةِ مِنَ الْبِدَايَةِ , بَلْ وَمِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ , فَيَذْهَبُونَ عَلَى أَتَمِّ الاسْتِعْدَادِ مِنْ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ , وَمَعَهُمْ أَدَوَاتُهُمْ , وَجَمِيعُ مَا يَحْتَاجُونَهُ , وَهُمْ مُتَهَيِّؤُونَ لِلتَّعْلِيم ِ.
وَأَمَّا مَا شاَعَ فِي أَوْسَاطِ الْمُتَعَلِّمِي نَ : مِنْ أَنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ أَوْ أَوَّلَ أُسْبُوعٍ لَيْسَ فِيهِ دِرَاسَةٌ , فَهُوَ غَلَطٌ يَجِبُ أَنْ يُزَالَ , فَإِنَّ الإِجَازَةَ قَدِ انْتَهَتْ , وَالدِّرَاسَةُ قَدْ بَدَأَتْ فَلا وَقْتَ يُضَيَّعَ إِلَّا عِنْدَ الْكُسَالَى ! وَلا يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنْ تُدَرَّسَ الْمَناهِجُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ , بَلْ يَكُونُ تَرْتِيبٌ وَتَنْظِيمٌ , تَقُومُ بِهِ إِدَارَةُ الْمَدْرَسَةِ وَمُدَرِّسُوهَا , وَيَكُونُ فِيهِ تَهْيِئَةٌ لِلطُّلَابِ لِتَلَقِّي الْمَنَاهِجِ وَالْبَدْءِ فِي الدِّرَاسَةِ بَعْدَ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ تَوْزِيعٌ لِلطُّلَّابِ فِي الْفُصُولِ وَالْمَقَاعِدِ .
أَقَرَّ اللهُ عَيْنَكَمْ بِصَلاحِ أَبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ , وَأَعَانَكَمْ عَلَى الْقِيَامِ بِتَرْبِيَتِهِم ْ . أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ , وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتِغْفِرُوه ُ , إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ , عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ , وَأُصَلِّي عَلَى خَيْرِ مُعَلِّمٍ , نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبِهِ وَأُسَلِّمْ .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ : أَنْتُمُ الْقَادَةُ , فَهَنِيئَاً لَكُمْ هَذِهِ الرِّيَادَةُ ! وَأَبْشِرُوا بِالأَجْرِ الْوَفِيرِ مِنَ الرَّبِّ الْكِبيرِ , فَأَنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْعُلُومَ النَّافِعَةَ وَالأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ , وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنْكُمْ وَأَجْرٌ لَكُمْ , فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ , حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ , لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْر) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ : إِنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَحْتَسِبَ الأَجْرَ فِي تَعْلِيمِكَ , وَأَنْ تُخْلِصَ فِيهِ للهِ , فَتُرَاقِبَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَخَافَ مِنْهُ , فَهُوَ عَلَيْكَ حَسِيبٌ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ إِدَارَةُ الْمَدْرَسَةِ أَوْ إِدَارَةُ التَّعْلِيمِ , وَأَنْ تَسْتَعِدَّ بِالتَّحْضِيرِ الْجَيِّدِ وَالطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى لِإِيصَالِ الْمَعْلُومَاتِ لِلطُّلَّابِ , كَمَا أَنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَهْتَمَّ بِأَدْيَانِ الطُّلَّابِ وَأَخْلاقِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَهْتَمَّ بِتَعْلِيمِهِمْ , فِبِئْسَ الْعِلْمُ إِذَا خَلَا مِنَ الأَدَبِ , إِنَّ الْمُعَلِّمَ النَّاجِحَ يَكُونُ قُدُوَةً صَالِحَةً لِطُلَّابِهِ فِي أَخْلاقِهِ وَآدَابِهِ , وَكَلامِهِ وَمَظْهَرِهِ , وَجِدِّهِ وَنَشاطِهِ فِي مَادَّتِهِ , فَإِنَّهُمْ يَقْتَدُونَ بِكَ - أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ - فِي كُلِّ ذَلِكَ ! وَكَمْ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ كَانَ لَهُمُ الأَثَرُ الصَّالِحُ فِي طُلَّابِهِمْ , وَكَمْ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ اكْتَسَبُوا السَّيِّئَاتِ بِمَا أَثَّرُوا فِيمَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ !!! فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ الْحُسْنَى , وَفَّقَكَ اللهُ وَسَدَّدَكَ .
أَيُّهَا الطُّلَّابُ : يَا رِجَالَ الْمُسْتَقْبَلِ , وَقَادَةَ الأُمَّةِ : إِنَّ جَمِيعَ مَا سَمِعْتُمْ مِمَّا تَقَدَّمَ كُلُّهُ مِنْ أَجْلِكُمْ وَفِي خِدْمَتِكُمْ , فَمَا تُوَفِّرُهُ الْحُكُومَةُ وَمَا يَقُومُ بِهِ الأَوْلَيَاءُ وَمَا يَبْذُلُهُ الْمُعَلِّمُونَ كُلُّهُ لِأَنَّكَمْ مَوْجُودُونَ , فَهَلْ عَرَفْتُمْ قِيمَتَكُمْ ؟ وَأَنَّ الْجَمِيعَ يَهْتَمُّونَ بِكُمْ وَيَتْعَبُونَ مِنْ أَجْلِكُمْ !
أَيُّهَا الطَّالِبُ : احْتَسِبِ الأَجْرَ فِي تَعَلُّمِكَ وَانْوِ بِهِ التَّقُرَّبَ إِلَى اللهِ , فَإِنَّكَ تَتَعَلَّمُ عُلُومَاً دِينِيَّةً نَافِعَةً أَمَرَ اللهُ بِتَعَلُّمِهَا , وَعُلُومَاً نَافِعَةً دُنْيَوِيَّةً أَذِنَ اللهُ فِي طَلَبِهَا , وَإِنَّ الطَّالِبَ الْجَادَّ الْمُقْبِلَ عَلَى الدِّرَاسَةِ يَخْرُجُ بِحَصِيلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ إِذَا تَخَرَّجَ مِنْ هَذِهِ الْمَدَارِسِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ .
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ , إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا ، وَدُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشَنُا ، وَآخِرَتَنَا التِي فِيْهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ .
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ , رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ , رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَاد . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .