فليس من شرط الجهمي المكفر عند السلف أن يقول بفناء الجنة والنار أو أن يقول بقول جهم في الإيمان ( والأشعرية يقولون به ) وإنما يكفي أن يقول بخلق القرآن لكي يطلق عليه لقب ( جهمي ) الذي يدخله في نصوص السلف الواردة في تكفير الجهمية
قال البخاري في خلق أفعال العباد 68- وَقِيلَ لأحمد ابن يونس : أَدْرَكْتَ النَّاسَ ، فَهَلْ سَمِعْتَ أَحَدًا يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ؟ فَقَالَ : الشَّيْطَانُ تَكَلِّم بِهَذَا ، مَنْ تَكَلِّم بِهَذَا فَهُوَ جَهْمِيٌّ ، وَالْجَهْمِيُّ كَافِرٌ.
فلو قلنا ( من أنكر العلو فهو جهمي والجهمي كافر ) لكانت عبارة مستقيمة يدخل فيها الأشاعرة ولا ينكرها إلا جاهل لا يعرف مذهب السلف
وقال ابن هانيء: وسألته (يعني أبا عبد الله أحمد بن حنبل) عن الذي يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟
قال: هذا كلام جهم، من كان يخاصم منهم، فلا يجالس، ولا يكلم، والجهمي كافر. «سؤالاته» (1864) .
فهنا أحمد أدخل اللفظي في الجهمية المكفرين في مسألة واحدة فكيف بالأشاعرة الذين وافقوا جهماً في مسائل كثيرة ومنها ما هو أخطر وأوضح من مسألة اللفظ بل قولهم في القرآن أقرب إلى قول جهم من قول اللفظية
وسمى شيخ الإسلام الأشاعرة جهمية مع علمه أن السلف يكفرون الجهمية
قال شيخ الإسلام في الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز ص6 :" ثم أقرب هؤلاء الجهمية الأشعرية يقولون : إن له صفات سبعًا : الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر . وينفون ما عداها،وفيهم من يضم إلى ذلك اليد فقط، ومنهم من يتوقف في نفي ما سواها، وغلاتهم يقطعون بنفي ما سواها "
وكثير من الناس جاءهم الغلط من الخلط بين الإطلاق والتعيين فإذا قلت بدعة الأشاعرة مكفرة ظن أنه يلزم من هذا تكفير أعيان الأشاعرة وهذا غلط
فمعنى ( بدعة مكفرة ) ليس أن كل متلبس بها يكون كافراً ، وإنما يعني أن من وقع في هذه البدعة إذا أقيمت عليه الحجة يكون كافراً
قال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/109) :" ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434- مجموع الفتاوى) :
" لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة ".
يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند"
وإنني لأعجب من بعض إخواننا يرى أن الجاسوس للكفار ضد المسلمين واقع في الكفر الأكبر ولا يرى بدعة الأشاعرة مكفرة !
بين يعقوب بن شيبة والأشاعرة
يعقوب بن شيبة حافظ كبير من أئمة العلل ، ومع ذلك بدعه الإمام أحمد لما قال بالوقف بلفظ صريح فقال ( مبتدع ) ولا شك أن كل الأشاعرة شر من يعقوب بن شيبة فكلهم يقول بما هو شر من الوقف وكثير منهم خصوصاً المتأخرين ينكر عامة الصفات ولا يقتصر أمره على التوقف في صفة معينة
اشتهر بين طلبة العلم أن ابن حزم ( جهمي جلد ) علماً أن ابن حزم يخالف جهماً في الإيمان والقدر والأشاعرة يوافقون
وابن حزم يرد على من يقول بخلق القرآن وله مذهب غريب في المسألة
وابن حزم يثبت الرؤية ولكنه يقول أن أسماء الله أعلام وليست نعوت فنسب إلى الجهمية
فكيف بمن ينفي الرؤية والعلو ويقول بخلق القرآن الذي بين أيدينا ويوافق جهماً في الإيمان والقدر مع بعض التمويه والمخرقة
لا شك أنه أولى بنعت التجهم من ابن حزم
الأشاعرة المتأخرون لا يختلفون عن المعتزلة
قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصبهانية ص78 :" أئمة أصحاب الأشعري كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني وشيخه أبي عبد الله بن عبد الله بن مجاهد وأصحابه كأبي علي بن شاذان وأبي محمد بن اللبان بل وشيوخ شيوخه كأبي العباس القلانسي وأمثاله بل والحافظ أبي بكر البيهقي وأمثاله أقرب إلى السنة من كثير من أصحاب الأشعري المتأخرين الذين خرجوا عن كثير من قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة.
فإن كثير من متأخري أصحاب الأشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة إذ صاروا موافقين في ذلك كما سننبه عليه.
وما في هذا الاعتقاد المشروح هو موافق لقول الواقفة الذين لا يقولون بقول الأشعري وغيره من متكلمة أهل الإثبات وأهل السنة والحديث والسلف بل يثبتون ما وافقه عليه المعتزلة البصريون فإن المعتزلة البصريين يثبتون ما في هذا الاعتقاد ولكن الأشعري وسائر متكلمة أهل الإثبات مع أئمة السنة والجماعة يثبتون الرؤية ويقولون القرآن غير مخلوق ويقولون: "إن الله حي بحياة عالم بعلك قادر بقدرة" وليس في هذا الاعتقاد شيء من هذا الإثبات"
فهنا ينص على أن اعتقاد متأخري الأشاعرة لا يختلف عن اعتقاد المعتزلة البصريين
إنكار السلف على من لا يكفر الجهمية بالنوع
قال ابن عبد الخالق في زوائد كتاب الورع ص89 : سألت عبد الوهاب عمن لا يكفر الجهمية قلت يا ابا الحسن يصلي خلفه قال لا يصلي خلفه هذا ضال مضل منهم على الاسلام
سألت عبد الوهاب قلت يا ابا الحسن كان لي مع رجل سماع حديث ثم تبين لي بعد ذلك انه صاحب بدعة آخذ سماعي منه قال لا ليس بمأمون على اخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم لاتأخذ منه.
وقال حرب الكرماني في عقيدته التي نقل عليها إجماع أهل العلم في عصره :" والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولًا، ومن زعم إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع.
ومن لم يكفرها ولا القوم ولا الجهمية كلهم فهو مثلهم، وكلم الله موسى وناوله التوراة من يده إلى يده، ولم يزل الله متكلمًا عالمًا فتبارك الله أحسن الخالقين"
فهنا ينكر على من لا يكفر الواقفة الشاكة ، فكيف لو رأى من لا يكفر منكر العلو والقائل بخلق القرآن الذي بين أيدينا وغيرها من العقائد
وهنا التكفير ليس للأعيان وإنما للقول فليتنبه لهذا
وقال البخاري في خلق أفعال العباد :" نَظَرْتُ فِي كَلاَمِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ ، وَإِنِّي لَأَسْتَجْهِلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُمْ إِلاَّ مَنْ لاَ يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ"
وإنني والله لأستجهله أيضاً وأستغرب أنني أضطر لكتابة هذا والله المستعان ، ولا يعزب عن ذهنك نصوص السلف في أن منكر العلو جهمي
بدعة إنكار العلو اجتمع فيها ثلاثة أمور
الأولى : أنها بدعة مكفرة
الثانية : أنها مخالفة لما اشتهر فيه الخلاف بين أهل السنة وأهل البدعة
الثالثة : أنها مخالفة في معنى كلي
ووصف رجل تلبس ببدعة هذه أوصافها الثلاثة بأنه من أهل السنة أمرٌ لا يجري على الأصول أبداً وما رأيت أحداً من السلف يفعله مع من هم أهون من هؤلاء كمرجئة الفقهاء والنواصب والخوارج والشيعة المفضلة فكيف بهؤلاء ؟!
وقال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الجامع ص121: " ومن قول أهل السنة: أنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا "
وتفسير كلامه والله أعلم أن من خالف إلى بدعة جليلة لا يعذر في الحكم الدنيوي فيوصفه في الابتداع وإلا فعذره بالجهل في الحكم الأخروي أمرٌ متقرر عند أهل السنة ، وقد ضرب مثلاً بالخوارج وبدعتهم ليست مكفرة عند جماهير أهل السنة ،فكيف بمن كانت بدعته مكفرة والخلاف معه في باب التوحيد
فالخوارج الأوائل لم يعطلوا الصفات ، ولم يفسروا الإله بالقادر على الاختراع ، ولم ينهجوا علم الكلام ، ولم ينفوا الحكمة والتعليل ، ولم يقولوا بالجبر ولم يخالفوا أهل السنة في باب النبوات
ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن حد البدعة التي يجعل بها الرجل من أهل الأهواء
قال كما في مجموع الفتاوى (35/414) :" و البدعة التى يعد بها الرجل من أهلالأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعةالخوارج والروافض والقدرية والمرجئة"
ولا شك أن بدعة المعطلة اشتهرت مخالفتها للكتاب والسنة حتى في أن مسألة واحدة منمسائل الخلاف معهم وهي مسألة علو الله عز وجل على خلقه قد خالفوا أكثر منألف دليل على علو الله عز وجل على خلقه
ولا شكأن مرجئة الفقهاء خير من مرجئة الأشاعرة المتجهمين ، وأن بدعة التعطيل شرمن بدعة الإرجاء والخوارج كما نص عليه شيخ الإسلام فيما تقدم نقله من بيان تلبيس الجهمية
وقال العلامة عبد الله أبو بطين كما في رسائله ص176 :" والأشعرية لا يثبتون علوالرب فوق سماواته واستواءه على عرشه ويسمون من أثبت صفة العلو والاستواءعلى العرش مجسما مشبها، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة؛ فإنهميثبتون صفة العلو، والاستواء، كما أخبر الله -سبحانه- بذلك عن نفسه، ووصفهبه رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف ولا تعطيل.
وصرحكثير من السلف بكفر من لم يثبت صفة العلو والاستواء. والأشاعرة وافقواالجهمية في نفي هذه الصفة، لكن الجهمية يقولون: أنه -سبحانه وتعالى- في كلمكان، ويسمون الحلولية، والأشعرية يقولون: كان ولا مكان، فهو على ما كانقبل أن يخلق المكان. والأشعرية يوافقون أهل السنة في رؤية المؤمنين ربهم فيالجنة، ثم يقولون: إن معنى الرؤية إنما هو زيادة علم، يخلقه الله في قلبالناظر ببصره، لا رؤية بالبصر حقيقة عيانا. فهم بذلك نافون للرؤية التي دل عليها القرآن، وتواترت بها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومذهبالأشاعرة: أن الإيمان مجرد التصديق، ولا يدخلون فيه أعمال الجوارح. قالوا: وإن سميت الأعمال في الأحاديث إيمانا، فعلى المجاز لا الحقيقة.
ومذهبأهل السنة والجماعة: أن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعملبالجوارح. وقد كفر جماعة من العلماء من أخرج العمل عن الإيمان. فإذا تحققتما ذكرنا عن مذهب الأشاعرة من نفي صفات الله -سبحانه وتعالى- غير السبع التي ذكرنا، ويقولون: إن الله لم يتكلم بحرف، ولا صوت، وأن حروف القرآن مخلوقة، ويزعمون أن كلام الرب -سبحانه وتعالى- معنى واحد، وأن نفس القرآنهو نفس التوراة والإنجيل، لكن إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنهبالعبرانية فهو توراة، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل، ولا يثبتون رؤيةأهل الجنة ربهم بأبصارهم، إذا عرفت ذلك عرفت خطأ من جعل الأشعرية من أهلالسنة، كما ذكره السفاريني في بعض كلامه"
وهذا ملخص مفيد ، وتأمل كيف أنه صرح بأن الأشاعرة تنفي العلو والرؤية معاً وذكر بدعة نفي العلو مكفرة
وقال العلامة سليمان بن سحمان البيان المبدي وهو يحكي اعتقاد الإمام المجدد ص42 :" ويبرأ من رأي الكلابية اتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب القائلين بانكلام الله هو المعنى القائم بنفس الباري وأن ما نزل به جبرئيل حكاية أوعبارة عن المعنى النفسي ويقول هذا من قول الجهمية"
وقال في الضياء الشارق ص386 :" ولبشر المريسي وأمثاله من الشبه والكلام في نفيالصفات ما هو من جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين، بل كلامه أخفإلحاداً من بعض هؤلاء الضلال، ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره، وعلىأن الصلاة لا تصح خلف كافر جهمي أو غيره"
وقوله ( الجهمية المتأخرين ) يريد به متأخري الأشاعرة
وقال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في مجموعة الرسائل والمسائل ( 1/221) وهو يتكلم عن الأشعرية :" وقد حكى ابن القيم -رحمه الله- عن خمسمائة إمام من أئمة الإسلام، ومفاتيه العظام أنهم كفّروا من أنكرالاستواء، وزعم أنه بمعنى الاستيلاء، ومن جملتهم إمامك الشافعي -رحمهالله-، وجملة من أشياخه كمالك وعبد الرحمن بن مهدي والسفيانين، ومن أصحابه أبو يعقوب البويطي والمزني، وبعدهم إمام الأئمة ابن خزيمة الشافعي، وابن سريج، وخلق كثير. وقولنا: إمامك الشافعي مجاراة للنسبة، ومجرد الدعوى، وإلافنحن نعلم أنكم بمعزل عن طريقته في الأصول، وكثير من الفروع، كما هو معروف عند أهل العلم والمعرفة"
الخلاصة في هذه المسألة أن بدعة الأشاعرة مكفرة إجماعاً ولا يلزم من ذلك تكفير أعيانهم بل لا بد من إقامة الحجة ، أو وجود الإعراض المؤثر واليوم دخل البلاد مد أشعري وصارت العقائد الأشعرية تشرح في الإذاعات الرسمية عندنا في الكويت فلا بد من تضافر جهود أهل السنة لخمد هذه الفتنة لا التشويش على من يريد الرد عليهم فإن هذا مسلك لا ينتفع به إلا أهل الأهواء
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم