ذكر العلامة الألباني - رحمه الله وطيب ثراه - الحديث في الصحيحة وصححه بطرقه وشواهده وذكر له شواهد من حديث بلال وابن مسعود وعائشة وأبي هريرة – رضوان الله عليهم أجمعين-، والحقيقة أن الخبر يروى من حديث أم المؤمنين عائشة وأبي هريرة فقط أما كونه من مسند ابن مسعود وبلال فهذا خطأ منشأه الخلاف الذي حصل على مسروق في حديث أم المؤمنين عائشة، وحديثا أبي هريرة وعائشة ضعيفان والروايات المرسلة هي الأصواب وتفصيل ذلك:
حديث أم المؤمنين عائشة
يرويه مسروق واختلف عليه:
فقد أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (70 و683)، ومحمد بن المظفر في "حديثه" (عمرية/م56/ل262/أ)، والعسكري في "الأمثال" – كما في "المقاصد الحسنة" (رقم201)- وأبو طاهر المخلص في "المخلصيات" (1257) – ومن طريقه أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (2077)- وأبو طاهر الزيادي في "مجالس من أماليه" (ق104/أ/الظاهرية) – وعنه البيهقي في "شعب الإيمان" (1393) -، وابن عساكر في "معجمه" (335)؛ جميعهم من طريق مفضل بن صالح الأسدي عن الأعمش عن طلحة بن مصرف الأيامي عن مسروق بن الأجدع عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا يا بلال قلا يار سول الله ما عندي إلا صبر من تمر خبأته لك قال أما تخشى أن يخسف الله به في نار جهنم أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا.
وفيه خلاف أخر فقد سئل عنه الدارقطني في "العلل" (3634) فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه؛
فرواه مفضل بن صالح، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عائشة وروي عن زائدة، عن الأعمش، عن طلحة، عن خيثمة، عن مسروق، عن عائشة قال ذلك سفيان بن وكيع، عن سويد بن عمرو، عن زائدة، عن الأعمش، زاد خيثمة فيه. اه
قلت: سفيان بن وكيع كان صدوقا فأدخل عليه وراقه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه.
ورواه أبو إسحاق السبيعي عن مسروق واختلف فيه عليه:
يرويه عنه إسرائيل واختلف فيه عليه:
فقد أخرجه وكيع في "الزهد" (377) – وعنه أحمد في "الزهد" (46)- عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسروق، مرسلا.
وخالفه محمد بن الحسن الأسدي، فقد أخرجه البزار (1366)، والطبراني (1/رقم 1098) من طريق محمد بن الحسن الأسدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسروق عن بلال، فأسنده.
قال البزار عقبه: وهذا الحديث قد رواه غير محمد بن الحسن، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بلال، ولم يسنده إلا محمد بن الحسن.
قلت: ومحمد بن الحسن الأسدي فيه لين وقد خالف وكيع وهو أوثق منه فالصحيح عن إسرائيل الرواية المرسلة والتي تابع إسرائيل على الإرسال أيضا سفيان الثوري وزكريا بن أبي زائدة، فقد أخرجه ابن قتيبة في "غريب الحديث" (1/ 412) من طريق سفيان الثوري، وابن الأعرابي في "معجمه" (120) – ومن طريقه القضاعي في "مسنده" (750)- من طريق زكريا بن أبي زائدة، كلاهما (الثوري وزكريا)عن أبي إسحاق السبيعي عن مسروق، مرسلا.
ورواه أبو حماد الحنفي، فقد أخرجه أبو نعيم في "المعرفة" (1139)، وابن مردويه في "حديث أبي الشيخ" (94) من طريق جبارة بن المغلس عن أبي حماد الحنفي عن أبي إسحاق عن مسروق عن بلال.
وهذا إسناد ضعيف جدا، جبارة ضعيف، وأبو حماد الحنفي هو مفضل بن صدقة قال يحيى ليس بشيء وقال النسائي متروك وقال أبو حاتم ليس بقوي ويكتب حديثه."ميزان الاعتدال" (4/ 168)، "لسان الميزان" (8/ 138).
قلت: فطريق السبيعي كما تقدم يتبين منه أن المرسل هو الأشبه بالصواب.
ورواه أبو حصين واختلف فيه عليه:
فقد أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (71 و684)، والحارث في "مسنده" (941/بغية) – ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 149)، وفي المعرفة (1138)-، والبزار (1978)، وابن المنذر في "الأوسط" (7520)، والهيثم بن كليب في "مسنده" (388 و389 و390 و391)، وابن الأعرابي في "معجمه" (120)، والمخلدي في "فوائده" (289/مجموع ثلاثة أجزاء)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/رقم1020 و10300)، وابن المقرئ في "معجمه" (581)، والخلعي في "الخلعيات" (319)، والضياء في "المنتقى من مسموعات مرو" (ق1430/أ) من طرق عن قيس بن الربيع عن أبي حصين الأسدي عن يحيى عن مسروق عن ابن مسعود.
إلا أنه سقط ابن مسعود من مطبوعة نوادر الأصول وذلك في الموضع الثاني فقط وهو مكرر للأول.
قال البزار: وهذا الحديث هكذا رواه قيس، عن أبي حصين، عن يحيى، عن مسروق، عن عبد الله، رواه عنه أبو غسان، وعاصم، ورواه يحيى بن أبي بكير، عن قيس، عن أبي حصين، عن يحيى، عن مسروق، عن عائشة.
قلت: رواية يحيى بن أبي بكير التي أشار إليها البزار لم أقف عليها والحمل في هذا أولى على قيس بن الربيع؛ فإنه صدوق وساء حفظه لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، وقد خالف من هو أوثق منه فقد أخرجه وكيع في "الزهد" (378) – وعنه هناد في "الزهد" (626) – عن مسعر عن أبي حصين الأسدي مرسلا. وسنده صحيح إلى أبي حصين.
فجملة القول أن للحديث ثلاث طرق:
الأولى: طريق الأعمش وقد اختلف فيه عليه على وجهين كلاهما ضعيف فهي رواية مضطربة.
الثانية: طريق أبي إسحاق السبيعي وقد تبين منها أن المرسل هو الأشبه بالصواب.
الثالثة: رواية أبي حصين الأسدي والمرسل فيها أصح من المسند كما تقدم فهي كسابقتها.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة:
يرويه عنه محمد بن سيرين واختلف فيه عليه:
فرواه عنه عبد الله بن عون واختلف فيه عليه:
فأخرجه أحمد في الزهد (403) عن إسماعيل عن ابن عون عن محمد مرسلا.
وخالفه بكار بن عبد الله فأسنده، أخرجه البزار(9930)، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 152)، والطبراني (1/رقم 1024)، وفي "الأوسط" (3/رقم 2572)، وأبو طاهر المخلص في "المخلصيات" (242)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 280)، وفي "المعرفة" (1140)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/ 347)، من طريق بكار بن عبد الله عن عبد الله بن عون عن محمد عن ابي هريرة.
ومن طريق الطبراني والمخلص أخرجه ابن حجر في "الأمالي المطلقة" (ص158)
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ابن عون إلا بكار.
وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث ابن عون عن محمد.
قلت: بكار بن عبد الله هو السيريني، قال البخاري: يتكلمون فيه، وقال أبو حاتم: لا يسكن القلب عليه، مضطرب. وقال أبو زرعة: كتبت عنه وهو ذاهب روى أحاديث مناكير ولا أحدث عنه حدث عن ابن عون بما ليس من حديثه. وقال ابن حبان: يروي عن ابن عون أشياء مقلوبة لا يتابع عليها لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، وانظر: "الجرح والتعديل" (2/409 ـ 410)، "المجروحين" (1/197)، "الكامل" (2/221 ـ 223)، "ميزان الاعتدال" (1/341).
ورواه عنه يونس بن عبيد واختلف فيه عليه:
فرواه عنه مبارك بن فضالة، مسندا: أخرجه البزار(9893)، وإسماعيل الصفار في "حديثه" (567/ مجموع فيه مصنفاته والأصم) – ومن طريقه ابن حجر في "الأمالي المطلقة" (ص158)-، وابن الأعرابي في "معجمه" (786)، والطبراني (1/رقم 1026)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 305)، وأبو نعيم في "المعرفة" (1142)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3067) من طريق مبارك بن فضالة عن يونس عن محمد عن أبي هريرة
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن يونس , عن محمد , عن أبي هريرة رضي الله عنه , إلا مبارك بن فضالة.
وقال البيهقي: وخالفه بشر بن المفضل ويزيد بن زريع فروياه عن يونس عن محمد على الإرسال.
قلت: مبارك بن فضالة يدلس وقد عنعنه
وأخرجه أبو يعلى (6040)، والطبراني (1/رقم 1025) – وعنه أبو نعيم في "المعرفة" (1141)-، والقطيعي في "جزء الألف دينار" (332)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 280) وفي (6/ 274 /عن القطيعي)، من طريق بشر بن سيحان، عن حرب بن ميمون، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
قال أبو نعيم: غريب من حديث هشام تفرد به عنه حرب بن ميمون.
قلت: حرب بن ميمون متروك.
ورواه عوف بن أبي جميلة واختلف فيه عليه:
فرواه عثمان بن الهيثم عنه مسندا، أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (1283) من طريق عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف، عن محمد، عن أبي هريرة.
قلت: وعثمان بن الهيثم ثقة لكن تغير وصار يتلقن.
وخالفه روح بن عبادة فرواه عن عوف، عن محمد مرسلا، أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (1283) من طريق روح بن عبادة عن عوف عن محمد مرسلا.
وسنده صحيح إلى روح.
جملة القول في حديث أبي هريرة :
يرويه عنه محمد بن سيرين وفيه عنه أربعة طرق:
الأولى طريق هشام بن حسان وهي ضعيفة كما تقدم.
الثانية طريق يونس بن عبيد وفيها خلاف والمرسل أصح إسنادا من المتصل.
الثالثة طريق عوف بن أبي جميلة وفيها خلاف وهي كسابقتها أيضا.
الرابعة: طريق عبد الله بن عون وفيها خلاف والمرسل أصح إسنادا فهي كسابقتيها.
فإذا انضمت رواية الثقات في الطرق الثلاث المرسلة ترجح مجتمعة أن المرسل هو الأشبه بالصواب في حديث محمد بن سيرين؛ لذا فحديث أبي هريرة لا يصلح أن يكون شاهدا للحديث السابق؛ لذا قال العراقي: رواه البزار من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وبلال دخل عليه النبي - صلّى الله عليه وسلم - وعنده صبر من تمر فقال ذلك ورواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة وكلها ضعيفة - اهـ.
والله أعلم