قال محققوا المسند
( طبعة دار الرسالة / المشرف العام على التحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط ) :
وقد ذُكِرَ في اللوحة الأولى من هذا المجلد إسنادُ الشيخ عبد الله بن سالم البصري بالمسند إلى مؤلِّفه الإِمامِ أحمد بن حنبل ، وهاك نصُّه :
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فيقول الفقيرُ إلى الله سبحانه عبدُ الله بن سالم بن محمد بن سالم البصري : أروي " مسندَ " الإِمام الحُجة أحمد بن محمد بن حنبل عن شيخنا شيخ الإسلام الشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ، وذلك بقراءة شيخنا وأستاذنا الشيخ عيسى بن محمد المغربي المالكي عليه عام مجاورته بمكة المشرفة سنةَ سبعين وألف من أول مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو أوَّلُ المسند إلى قوله : إنك أنت الغفور الرحيم ، في دعاء الصلاة وأجاز سائره عن علي بن يحيى الزَّيَّادي ، عن الشِّهاب أحمد بن محمد (1) الرَّمْلي ، عن الشمس محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، عن العز عبد الرحيم بن محمد
الحنفي ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن الجوخي ، قال : أخبرتنا به أُمُّ أحمد زينب بنت مكي الحرَّانية ، سماعاً ، قالت : أخبرنا أبو علي حنبلُ بنُ عبد الله بن الفرج الرُّصافي ، قال : أخبرنا أبو القاسم هبةُ الله بن محمد بن عبد الواحد الشيباني ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن علي التميمي ، قال :
أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد ابن حنبل قال : حدثني أبي رحمه الله فذكره .
فهذا إسناد رجاله كلهم مِن أهل العلم وشيوخه :
1- أما راوي النسخة عبد الله بن سالم بن محمد بن سالم البصري ،
__________
(1) كذا في نسخة السماع ، لكن جاء في " خلاصة الأثر " : 3 / 195 في ترجمة تلميذه علي بن يحيى الزيادي أن اسم أبيه حمزة ، وكذا سماه الزركلي في " الأعلام " 1 / 120 .
فهو الأستاذ الكبير ، حافظ البلاد الحجازية ، البصري أصلاً ، المكي مولداً ومدفناً ، الشافعي مذهباً ، ولد سنة (1048 هـ) ، وتوفي سنة (1134 هـ) (1) .
قال الوجيه الأهدل في " النفس اليماني " (2) : ومن مناقبه تصحيحُه للكتب الستة ، حتى صارت نسخته يُرجع إليها من جميعِ الأقطار ، ومن أعظمها " صحيح البخاري " الذي وجد فيه ما في اليونينية وزيادة ، أخذ في تصحيحه وكتابته نحواً من عشرين سنة ، وجمع " مسند أحمد " بعد أن تفرَّق أياديَ سَبَأ ، وصححه ، وصارت نسخته أُمَّة .
ومن مؤلفاتِه " ضياء الساري شرح صحيح البخاري " ولَمَّا يطبع ، وقد أكثر النقل منه الإمام اللكنوي في " التعليق الممجد " ، وكان يُلَقَّبُ أميرَ المؤمنين في الحديث . وهذا اللقب لم يكن يمنحه أهل العلم إلا لمن بَلَغَ الغاية في الحديث رواية ودراية ، وهو يُعَدُّ أعلى ألقاب الرواية ، والموصوفون به غاية في النُّدْرة .
2- وأما الشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ، فهو محمد بن علاء الدين أبو عبد الله ، شمس الدين البابلي ، القاهري ، الأزهري ، الشافعي ، الحافظ الرحلة ، أحد الأعلام في الحديث والفقه ، وهو أحفظُ أهل عصره لمتون الأحاديث ، وأعرفُهم بجرحها ورجالها ، وصحيحها وسقيمها . وكان شيوخُه وأقرانُه يعترفون له بذلك .
ولد سنة (1000 هـ) ، وتوفي عصر يوم الثلاثاء (25) جمادى الأولى سنة (1077 هـ) (3) .
__________
(1) له ترجمة في فهرس الفهارس للكتاني : 1 / 193 - 199 .
(2) ص 68 .
(3) ترجمته في خلاصة الأثر : 4 / 39 .
3- وأما الشيخ عيسى بن محمد المغربي ، فهو إمامُ الحرمين ، وعالمُ المغربين والمشرقين ، الإمام العالم العامل ، الورع ، الزاهد ، المتفنن في كُلِّ العلوم ، الكثير الإحاطة والتحقيق ، عيسى بن محمد بن محمد بن أحمد بن عامر جار الله ، أبو مكتوم ، المغربي ، الجعفري ، الثعالبي ، الهاشمي ، المالكي ، نزيل المدينة المنورة ، ثم مكة المشرفة .
وُلِدَ سنة (1020 هـ) بمدينة زواوة من أرض المغرب ، وبها نشأ ، وتلقى مبادئ العلوم ، ثم رحل في طلب العلم إلى أن استقرَّ بمكة المشرفة ، وبها كانت وفاته يومَ الأربعاء لستٍّ بقين من رجب سنة (1080 هـ) ، ودُفِن بمقبرة الحجون (1) .
4- وأما عليُّ بن يحيى الزيَّادي ، فهو الإمام الحجة ، العلي الشأن ، رئيس العلماء بمصر .
قال المحبي (2) : بلغت شهرتُه الآفاق ، وتصدر للتدريس بالأزهر ، وانتهت إليه في عصره رياسةُ العلم ، بحيث إن جميع علماء عصره ما منهم إلا وله عليه مشيخة . وكان العلماء الأكابر تَحْضُرُ درسَه وهم في غاية الأدب ، وله مؤلفات ، وكانت وفاته ليلة الجمعة (5) ربيع الأول سنة (1024 هـ) ، ودُفِنَ بباب تربة المجاورين في القاهرة .
والزَّيَّادي : نسبة لمحلة زيَّاد بالبحيرة .
5- أما الشهاب أحمد الرملي ، فهو الشيخ العالم ، العلامة ، الناقد ، الجِهبذ ، الفهَّامة ، شيخ الإسلام والمسلمين ، وهو أحدُ الأجلاء من تلاميذ
__________
(1) ترجمته في خلاصة الأثر : 3 / 240 - 243 .
(2) خلاصة الأثر : 3 / 196 .
شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري ، له شرح عظيم على " صفوة الزبد " في الفقه ، وانتهت إليه الرياسةُ في العلوم الشرعية بمصر ، توفي سنة (957 هـ) .
والرملي : نسبة إلى رملة المنوفية بمصر (1) .
6- وأما محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، فهو الشيخ الإمام العلامة ، المسند ، الحافظُ ، المتقن ، شمسُ الدين ، أبو الخير ، السخاوي الأصل ، القاهري المولد ، الشافعي المذهب ، نزيل الحرمين الشريفين ، تلميذ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني .
له عدةُ تواليف ، منها " الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " وقد ترجم فيه لنفسه (2) ، ومن كتبه أيضاً " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث " .
ولد سنة (831 هـ) بالقاهرة ، وتوفي سنة (902 هـ) بمكة المكرمة (3) .
7- وأما العز عبد الرحيم بن محمد الحنفي ، فهو القاضي المحدث ، مسند الديار المصرية ، عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم بن علي ، المصري ،القاهري ، الحنفي .
ولد سنة (759 هـ) بالقاهرة ، وأخذ الحديث عن الحافظ زين الدين العراقي ، وكان خيراً ، فاضلاً ، صدوقاً ، توفي سنة (851 هـ) (4) .
8- وأما أبو العباس أحمد بن محمد الجُوَخي ، فهو الصدرُ ، المسند
__________
(1) ترجمته في الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة : 2 / 119 - 120 .
(2) الضوء اللامع : 2 / 8 - 32 .
(3) الكواكب السائرة : 1 / 53 - 54 .
(4) ترجمته في الضوء اللامع : 4 / 186 - 188 .
الكبير ، المعروف بابن الزقاق وبابن الجُوَخي ، حدث كثيراً ، وطال عمره ، وانتفع به .
ولد سنة (683 هـ) ، وتوفي سنة (764 هـ) (1) .
وذكر ابن حجر : أنه توفي بعد أن حدث بالمسند بسماعه من زينب بنت مكي (2) .
9- وأما زينب بنت مكي الحرَّانية ، فهي ممن سَمِعَ " المسند " من حنبل بن عبد الله الرُّصافي ، وقد روت الكثيرَ ، وطال عمرها حتى بلغت أربعاً وتسعين سنة ، وكانت أسندَ من بقي مِن النساء في الدنيا ، سَمِعَ منها غيرُ واحد من الحفاظ ، وروت " المسند " كله .
توفيت سنة 688 هـ (3) .
وأما من فوقها فقد سلفت تراجمهم في أثناء كلامنا على رواة المسند .