تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: ولا تعتدوا...

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي ولا تعتدوا...

    وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ
    كتبه المعيصفي
    20 رمضان 1431
    30 / 8 / 2010

    المحتويات:

    1:
    سبب تأليف الكتاب .

    2 :
    أقوال العلماء في بيان تحريم القتل بغير الحق من الكتاب والسنة والإجماع .

    3 :
    آيات من القرآن الكريم تبين تحريم القتل بغير حق مع شروح العلماء لها .

    4:
    أحاديث من السنة الصحيحة تبين تحريم القتل بغير حق .

    5 :

    تحريم قتل الإنسان نفسه .

    6 :
    توبة قاتل المؤمن متعمدا ً .

    7 :

    متى يجوز قتل المسلم ؟ .

    8 :

    من يقيم الحد ويقتل القاتل عمدا ً أو الزاني الثيب أو المرتد ؟ .

    9
    :
    حالات أخرى يجوز فيها قتل المسلم :
    1: الحرابة .

    2: المسلم الصائل .

    3
    : قتل من أراد تفريق المسلمين وهم جميع .

    10 :

    شبهات استحلت بها الدماء المعصومة والمحرمة .

    الشبهة الأولى :
    التترس
    وفيه .
    1 : شروط جواز ضرب العدو في حالة تترسه ببعض المسلمين

    2 : أقوال علماء المذاهب في مسألة التترس

    3 : الخلاصة في مسألة الترس

    4 : أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى :

    { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ }... الآية .

    5 : مناقشة
    أدلة القائلين بجواز قتل المسلمين المختلطين بالعدو أو بدعوى التترس :

    الدليل الأول
    (( يغزو هذا البيت جيش الحديث ))

    الدليل الثاني
    (( أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم ... الحديث ))

    الدليل الثالث
    (( حديث رمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل الطائف بالمنجنيق ))

    ثانيا :
    شبهة جواز قتل نساء وأطفال المشركين وفيها .

    1 : الأدلة على تحريم قتل نساء وأطفال المشركين

    2 : تفسير قوله تعالى :
    { وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين }

    3 : تفسير قوله تعالى
    { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً }

    ثالثا :
    شبهة أنه لا يجوز تعطيل الجهاد

    رابعا :
    شبهة أن جهاد الدفع يجوز فيه ما لا يجوز في الطلب

    وأخيرا

    الخاتمة.

    الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له .
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

    أما بعد :
    سبب تأليف الكتاب :
    إن ما يراق اليوم من دماء المسلمين بغير حق ليس بأيدي أعدائهم بل بأيدي البعض منهم لهو أشد وأعظم جرما ً مما يسومهم أعداؤهم من اليهود والنصارى ومن يعاونهم من المرتدين الظالمين المعتدين من أنواع العدوان والظلم .
    ولا ينبغي أن يتعجب من يقرأ الكلام أعلاه , فإن من المعلوم من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المسلم المرتد عن دينه أعظم ذنبا ً من الكافر الأصلي بالرغم من أن الذنب هو الذنب , وهو الكفر بالله تعالى .
    فالكافر الأصلي قد يكون كفره بأنه يجعل مع الله إلها ً آخر يدعوه ويتقرب إليه بأنواع العبادات .
    وقد يرتد المسلم بنفس فعل الكافر الأصلي فيجعل مع الله إلها ً آخر يدعوه ويتقرب إليه بأنواع القربات التي لا يتقرب بها إلا لله تعالى خالق السماوات والأرض .
    فالفعل هو نفسه ولكن فعل المرتد أعظم وأشد . وعقوبته في الدنيا والآخرة أعظم وأشد .
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
    " وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلي .
    ومنها أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلي الذي ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلي إلى غير ذلك من الأحكام .

    وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه ."
    [ مجموع الفتاوى ج28/ص534 ]

    ومن أهم أسباب ذلك هو الضرر العظيم الذي يقع على الإسلام والمسلمين من ترك بعض المسلمين لهذا الدين العظيم وارتدادهم عنه إلى دين الشرك وما ينتج عنه من زعزعة صفوف المسلمين وهو مثل فعل الذين يهربون من ساحة المعركة مع العدو وما يسببونه من زعزعة صفوف الجيش التي قد تؤدي إلى هزيمته .
    وكذلك فإن قتل المسلمين بأيدي بعضهم ممن يدّعون تمثيلهم للإسلام الحق مستحلين لهذا القتل هو أشد من قتل المسلمين بأيدي الكفار الذين هم يستحلون قتل المسلمين أصلا ً .
    لما فيه من المفاسد والتي منها أن يتحدث أعداء هذا الدين أن المسلمين يقتل بعضهم بعضا ً .
    وأن الإسلام دين لا يحترم دماء من ينتسب له سواء كانوا رجالا ً أو نساء ً أو أطفالا ً فهم يُقتَلون مع من يُقتَل من غير أهل الإسلام . من غير أن يهتم لذلك من يقتلهم من المسلمين .
    وبالتالي يكون سببا ً في انصراف الناس من الدخول في الإسلام , أو في اصطفاف بعض من يتضرر من المسلمين من هذه الأفعال مع صفوف الأعداء ومعاونتهم على المسلمين انتقاما ً من الذين تسببوا في قتل عزيز له أو قريب .
    وغير ذلك من المفاسد الملموسة والمشاهدة في واقعنا اليوم
    ولأن هذا التعدي على حدود الله تعالى هو من أهم أسباب الخذلان والخسارة في الدنيا والآخرة . ومن أهم أسباب تسلط أعداء الله تعالى علينا في الدنيا .
    فإني أقدم هذا الكتاب لكل من قتل نفسا ً بغير حق أو أعان على ذلك لكي يقف ويتفكر بما أعده العزيز الجبار من العقاب لمرتكب هذا الذنب العظيم .
    وكذلك فإني استعنت بالله على أن أجعل هذا الكتاب مبينا ً لمن يجوز قتله من المسلمين قصاصاً أو حدا ً بوجود السلطان المسلم .
    أو دفعا ً بوجود السلطان أو بغيابه فيما يتعلق بالمسلم الصائل على المال والدم والعرض والدين .
    والرد على شبهات أستحلت بها دماء المسلمين .
    ومنها حكم التترس .
    وحكم قتل نساء وأطفال المشركين وغيرها من المسائل.
    ولأن المسائل التي سأتناولها تتعلق بدماء المسلمين فإني التزمت في بيان أحكامها بما جاء من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة بفهم علماء الأمة .
    فمن وجد في ما تناولته كلاما يخالف ما التزمت به فليطرحه عرض الحائط .
    ويجب على كل مسلم بعد أن يقرأ الكتاب ويعلم أن أفعاله مخالفة للكتاب والسنة أن يتركها ويتوب إلى الله عز وجل منها .
    قال تعالى { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
    [الزمر : 53]
    وأدعو من يقرأ الكتاب أن يقرأه كاملا ً . وليعطيه سويعات من وقته لأن ما فيه من الترهيب من القتل بغير الحق .
    وكذلك ما فيه من كشف لشبهات الذين يقتلون المسلمين بغير حق ما يستحق تلك السويعات .
    ولعلها تكون سببا ً في معرفة ما كان أحدنا يجهله ولم يطلع عليه من قبل .
    أو كشف ما ألبس على القلوب من تلبيسات أولياء الشيطان وأهل الأهواء والغواية .


    ملحوظة : سأجعل الكتاب في عدة مشاركات لتسهيل قراءته .ويمكن تحميل الكتاب من هذا الرابط
    http://www.sunnahway.net/up/do.php?id=1659

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...

    فصل
    أقوال العلماء في بيان تحريم القتل بغير الحق من الكتاب والسنة والإجماع
    قال الشافعي رحمه الله تعالى [ 150? - 204?] :
    1 ) قال الله تبارك وتعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
    [ الأنعام 151 ] .
    2 ) وقال تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراًً }
    [ الإسراء 33 ] .
    3 ) وقال الله تبارك وتعالى { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً & يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا }
    [ الفرقان 68 / 69 ] .
    4 ) وقال تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ً } [
    النساء 93 ]
    وهذه آيات تدل على تحريم قتل ولدان المشركين :
    1) وقال جل ثناؤه { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }
    [ التكوير 8 /9 ] .
    2) وقال تعالى{ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ.. } [ الأنعام 137 ] .
    كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغارا ً خوف العيلة عليهم والعار بهم .
    فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب .
    وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق
     فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي الكبائر أكبر فقال أن تجعل لله ندا ً وهو خلقك , قلت ثم أي . قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك ) [ متفق عليه¹ ] .



    :¹[ متفق عليه ] : هو الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم .
    و [ الجماعة ] أي ما رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داوّد و الترمذي وابن ماجة وأحمد بن حنبل .
    [ أخرجاه ] أي البخاري ومسلم
    [ صحيح ] أقصد به صححه الألباني .

    وأما تحريم القتل من السنة :
     فعن عثمان رضي الله عنه
    ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
    لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس ) .
    [ أبو داوّد / صحيح ( أي صححه الألباني )]
    [ الأم للشافعي ج 6 ص 3 ]

    وقال النووي رحمه الله تعالى [ 631? - 676? ] : ــ
    إن القتل بغير حق حرام . والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع .
    أما الكتاب : فقوله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ }
    [ الأنعام 151]
    وقوله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [ النساء 92 ] .
    فأخبر أنه ليس للمؤمن أن يقتل مؤمنا ً إلا خطأ ولم يرد بقوله إلا خطأ أن قتله خطأ يجوز وإنما أراد : لكن إذا قتله خطأ فعليه الدية والكفارة .
    وقوله تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [ النساء 93 ] .
    وأما السنة فعلى ما جاء بالأحاديث :
     فعن البراء بن عازب رضي الله عنه
    عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق )) [ ابن ماجة / حسن ]
     عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنه
    عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))
    [ الترمذي / صحيح ]
    وأما الإجماع : فلا خلاف بين الأمة في تحريم القتل بغير حق .
    وإذا ثبت هذا فمن قتل مؤمنا متعمدا ً بغير حق فسق واستوجب النار إلا أن يتوب .
    [ المجموع للنووي / كتاب الجنايات ]

    قال العلامة الصنعاني رحمه الله تعالى [ 1099? - 1182 ? ] : ــ
     عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
    قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء )) [ الجماعة إلا أبو داوّد ] .
    فيه دليل على عظم شأن دم الإنسان فإنه لا يقدم في القضاء إلا الأهم ..
    ولكنه يعارضه حديث (( أول ما يحاسب به العبد عليه صلاته ...)) أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي هريرة
    رضي الله عنه [ صحيح ] .
    ويجاب بأن حديث الدماء فيما يتعلق بحقوق المخلوق وحديث الصلاة فيما يتعلق بعبادة الخالق .
    وبأن ذلك في أولوية القضاء والآخر في أولوية الحساب .
    كما يدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
    :
     قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء )) [ النسائي / صحيح ]
    وهذا الذي ذكرنا في القضاء في الدماء .
    وأما في الأموال : ــ
     فعن ابن عمر رضي الله عنه
    قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته ليس ثم دينار ولا درهم )) [ ابن ماجة / صحيح ]
    وفي معناه عدة أحاديث وأنها إذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه طرح عليه من سيئات خصمه وألقي في النار¹.
    [سبل السلام للصنعاني ج 3ص 231 /232 ]

    فصل
    آيات من القرآن الكريم تبين تحريم القتل بغير حق مع شروح العلماء لها .
    1 ) قال تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ } [ الأنعام 151]
    قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى [ 224 ? - 310 ? ] : ــ
    "
    يعني بالنفس : التي حرم الله قتلها نفس مؤمن أو معاهد² .
    وقوله إلا بالحق يعني بما أباح قتلها به . من أن تَقتُل نفسا ً فتُقتَل قَودا ً بها . أو تزني وهي محصنة فتُرجم . أو ترتد عن دينها الحق فتُقتل . فذلك الحق الذي أباح الله جل ثناءه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به . "
    [ تفسير الطبري ج 8 ص 84 ]

    قال القرطبي رحمه الله تعالى [ 600? – 671 ? ] :
    " وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها .
    [ تفسير القرطبي ج7 ص 133 ]
    2 ) قوله تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [ النساء 93 ]

    قال ابن حزم الأندلسي [ 384 ? – 456 ? ] : ــ
    لا ذنب عند الله عز وجل بعد الشرك أعظم من شيئين أحدهما تعمد ترك صلاة فرض حتى يخرج وقتها والثاني قتل مؤمن أو مؤمنة عمدا ً بغير حق لقوله تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا... } [ النساء 93 ]
     فعن ابن عمر رضي الله عنه
    قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما ً حراما ً )) . [ غاية المرام / صحيح ]
     وقال ابن حجر في شرح الحديث السابق : ــ وقال ابن العربي الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره .
    [ فتح الباري حديث 6355 ]

    ¹: لعله يقصد ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه
    : أن رسول الله رضي الله عنه
    قال (( أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع , فقال المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا و ضرب هذا فيعطا هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )) [ مسلم و الترمذي وغيرهما ]
    ² : المعاهد: مشرك بين المسلمين وبين قومه معاهدة سلام .
     وقال ابن عمر رضي الله عنه
    (( إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله )) [ البخاري ]
    [ المحلى لابن حزم ج10 ص342/ 343 ]
    قال ابن العربي [ 468 ? – 543 ? ] : ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالتقي الصالح .
    [ فتح الباري حديث 6356 ]
    قال الآلوسي رحمه الله تعالى [ 1217 ? – 1270 ? ] : ــ
    فنزلت هذه الآية مشتملة على إبراق وإرعاد وتهديد وإبعاد وقد تأيدت بغير ما خبر ورد عن سيد البشر رضي الله عنه

    فقد أخرج أحمد والنسائي :
    عن معاوية رضي الله عنه (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل ذنب عسى الله تعالى أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا ً أو الرجل يقتل مؤمنا ًمتعمدا ً ))
    [صححه الألباني ] [تفسير الآلوسي ج 4 ص 183 ]
    فصل
    أحاديث من السنة الصحيحة تبين تحريم القتل بغير حق :
    عن أبي بكرة رضي الله عنه
    عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (( فإن دماؤكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم فلا ترجعن بعدي كفارا ً (أو ضلالا ً) يضرب بعضكم رقاب بعض ... )) [ الجماعة ]
    وفي لفظ آخر لمسلم ( فلا ترجعوا ) .
     قال النووي : وأرجح الأقوال أنه فعل كفعل الكفار . وهو اختيار القاضي عياض رحمه الله تعالى . [ شرح النووي على صحيح مسلم ج 2 ص 55 ]
     عن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه
    قَالَ (( قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ )) [ الجماعة إلا أبو داوّد ].
    الفسق: في اللغة الخروج .
    وفي الشرع : الخروج عن طاعة الله ورسوله وهو في عرف الشرع أشد من العصيان قال الله تعالى { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان }
    [ الحجرات 7 ].
    ففي الحديث تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق .
    قوله (( قتاله كفر )) : لم يرد به حقيقة الكفر التي هي الخروج عن ملة الإسلام بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير .
    [ فتح الباري لابن حجر ج 14 ص 112]

    عن أبي هريرة رضي الله عنه
    عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (( اجتنبوا السبع الموبقات .قالوا يا رسول الله وما هن ؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات )) [ الجماعة ]
    قوله : (( الموبقات )): أي المهلكات .
     قال المهلب : سميت بذلك لأنها سبب لإهلاك مرتكبيها .
    [ فتح الباري ج 12 ص 182 ]
    عن أبي هريرة رضي الله عنه
    عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار )
    [ متفق عليه ]
     قال ابن العربي : إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن , فكيف الذي يصيب بها ؟ وإنما يستحق اللعن إذا كانت إشارته تهديدا سواء كان جادا أم لاعبا كما تقدم ، وإنما أوخذ اللاعب لما أدخله على أخيه من الروع .
    ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجاد وإنما نهي عن تعاطي السيف مسلولا لما يخاف من الغفلة عند التناول فيسقط فيؤذي .
    [ فتح الباري ج 13 ص 25 ]
     عن ابن عباس رضي الله عنه
    (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبغض الناس إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه )) [ البخاري ]
    قوله : أبغض : قال المهلب وغيره : أي إنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله .
    [ فتح الباري ج 12 ص 210 ]
     عن أبي هريرة رضي الله عنه
    عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (( ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه )) [ مسلم ]
    قوله : ( يتحاشى ): أي لا يكترث بما يفعله فيها ولا يخاف وباله وعقوبته .
    [ شرح النووي على صحيح مسلم ج 12 ص 239 ]
    قوله : ( ولا يفي لذي عهدها ) ( لفظ النسائي ) : أي لا يفي لذمي ذمته .
    قوله : ( فليس مني ): أي فهو خارج عن سنتي .
    [ حاشية السندي على سنن النسائي ج 7 ص 123 ]
     عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه
    قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لقي الله لا يشرك به شيئا ً لا يتند بدم حرام دخل الجنة )) [ أحمد وابن ماجة صحيح ] قوله : ( لم يتند ): قال السيوطي أي لم يصب منه شيئا ً ولم ينله منه شيء .
    [ حاشية السندي على سنن ابن ماجة ج 5 ص 278 ]
    وفي شرح سنن ابن ماجة ( لم يتند ): أي لم يبلل يده وكفه من دم حرام .
    [ شرح سنن ابن ماجة ج 1 ص 188 ]
     ( سئل ابن عباس رضي الله عنه
    عمن قتل مؤمنا ً متعمدا ً ثم تاب وآمن وعمل صالحا ً ثم اهتدى قال ويحه وأنى له الهدى سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول (( يجيء القاتل والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه يقول يا رب سل هذا لم قتلني )) والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم ثم ما نسخها بعدما أنزلها )
    [ ابن ماجة والنسائي صحيح ].
     قال ابن عباس رضي الله عنه
    سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول (( يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دما حتى يأتي به العرش فيقول المقتول لرب العالمين : هذا قتلني . فيقول الله عز وجل للقاتل : تعست . ويذهب به إلى النار ))
    [ الترمذي والطبراني في الأوسط / صحيح ]
     عن البراء بن عازب رضي الله عنه
    أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق )) [ ابن ماجة / صحيح لغيره ]
     قال الإمام السندي : ــ الكلام مسوق لتعظيم القتل وتهويل أمره وكيفية إفادة اللفظ ذلك هو أن الدنيا عظيمة في نفوس الخلق فزوالها يكون عندهم على قدر عظمتها فإذا قيل إن زوالها أهون من قتل المؤمن يفيد الكلام من تعظيم القتل وتهويله وتقبيحه وتشنيعه ما لا يحيطه الوصف ولا يتوقف ذلك في كون الزوال إثما أو ذنبا حتى يقال إنه ليس بذنب فكل ذنب بجهة كونه ذنبا أعظم منه فأي تعظيم حصل للقتل بجعل زوال الدنيا أهون منه .
    [ حاشية السندي على ابن ماجة ج 5 ص 279 ]
     عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنه
    عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))
    [ الترمذي / صحيح ]
     قال الطيبي رحمه الله : لو للمضي فإن أهل السماء فاعل والتقدير لو اشترك أهل السماء ( في دم مؤمن ) أي إراقته . والمراد قتله بغير حق ( لأكبهم الله في النار )
    أي صرعهم فيها وقلبهم . [ تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي ج 4 ص 545 ]
     عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
    عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (( من قتل مؤمنا ً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ً ولا عدلا ً )) [ أبو داوّد / صحيح ]
    فاغتبط : قال الخطابي : أي فقتله بغير سبب .
    وفسره يحيى بن يحيى الغساني : بأنه الذي يقتل صاحبه في الفتنة فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله من ذلك .
    [ عون المعبود شرح سنن أبي داوّد ج 11 ص 237 ] 10

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...


    فصل

    تحريم قتل الإنسان نفسه
    قال تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [ النساء 29 ]
     عن أبي هريرة رضي الله عنه
    (( أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا ً مخلدا ً فيها أبدا ً ومن تحسى سما ً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا ً مخلدا ً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا ً مخلدا ً فيها أبدا ً ))
    [ متفق عليه ]

    قال ابن حجر العسقلاني [ 773 ? – 852 ? ] : وأولى ما حمل عليه هذا الحديث ونحوه من أحاديث الوعيد أن المعنى المذكور جزاء فاعل ذلك إلا أن يتجاوز الله تعالى عنه .
    [ فتح الباري ج 10 ص 248 ]
     عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه
    ( بأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة وأن رسول الله قال من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا ً متعمدا ً فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة )
    [ البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي باختصار ]

    قال ابن دقيق العيد [ 625 ? – 702 ? ] : هذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية ، ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه.
    [ فتح الباري ج 11 ص 539 ]

    فصل

    توبة قاتل المؤمن متعمدا ً
    قال تعالى{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ً } [ النساء 93 ]
     قال الإمام الطبري في تفسيره : ــ وقال آخرون ذلك إيجاب من الله سبحانه لقاتل المؤمن متعمدا ً كائنا ً من كان القاتل . على ما وصفه في كتابه . ولم يجعل له توبة من فعله .
    قالوا فكل قاتل مؤمن عمدا فله ما أوعده الله من العذاب والخلود في النار ولا توبة له .
     فعن سالم بن أبي الجعد (( قال كنا عند ابن عباس رضي الله عنه
    بعدما كف بصره فأتاه رجل فناداه : يا عبد الله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمنا ً متعمدا ً ؟ .
    فقال جزاؤه جهنم خالدا ً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما .
    قال : أفرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ًثم اهتدى ؟ .
    قال ابن عباس : ثكلته أمه ! وأنى له التوبة ؟ .
    فوالذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ثكلته أمه ! رجل قتل رجلا ً متعمدا ًجاء يوم القيامة آخذا ً بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دما ً في قُبُل عرش الرحمن يلزم قاتله بيده الأخرى يقول : سل هذا فيما قتلني ؟ .
    ووالذي نفس عبد الله بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وما نزل بعدها من برهان ))
    [ أحمد / صحيح ]
    ــ تشخب : أي تسيل دما ً له صوت في خروجه .
    ثم قال رحمه الله ( الطبري ) : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : ــ
    معناه : ــ ومن يقتل مؤمنا ً متعمدا ً فجزاؤه إن جزاه جهنم خالدا ً فيها .
    ولكنه يعفوا ويتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله فلا يجازيهم بالخلود فيها .
    ولكنه عز ذكره إما أن يعفوا بفضله فلا يدخله النار .
    وإما أن يدخله إياها ثم يخرجه منها بفضل رحمته لما سلف من وعده عباده المؤمنين { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ً }
    [ الزمر 53 ]
    [ تفسير الطبري ج 9 ص 63/69 ]

    قال النووي : ــ
     " قوله صلى الله عليه وآله وسلم (( إن رجلا ً قتل تسعا ً وتسعين نفسا ً ثم قتل تمام المائة . ثم أفتاه العالم بأن له توبة ))
    هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم على صحة توبة القاتل عمدا ً ولم يخالف منهم أحد إلا ابن عباس رضي الله عنه
    .
    وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة لا أنه يعتقد بطلان توبته , وهذا الحديث ظاهر فيه ".
    ثم جاء الإمام النووي بالتفصيل التالي : ــ
    إن قتل عمدا ً مستحلا ً بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد يخلد في جهنم بالإجماع.
    وإن كان غير مستحل بل معتقدا ً تحريمه فهو فاسق مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدا ً فيها .
    لكن تفضل الله تعالى وأخبر أنه لا يخلد من مات موحدا ً فيها فلا يخلد هذا ولكن قد عفى عنه ولا يدخل النار أصلا ً .
    وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار .
    [ شرح صحيح مسلم للنووي ج 17 ص 83 ]

    فصل
    متى يجوز قتل المسلم ؟
    أجاب عن هذا السؤال نبيك ورسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : ــ
    (( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة ))
    [ متفق عليه ] .
    وفي رواية لمسلم ( التارك لدينه المفارق للجماعة )
    ولفظ آخر لمسلم ( التارك الإسلام المفارق للجماعة )
    وفي لفظ لأبي داوّد ( كفر بعد إيمان ) [ صحيح ]
    وفي لفظ للترمذي ( ارتداد بعد إسلام ) [ صحيح ]
    وفي لفظ آخر للحديث:
     عن عثمان بن عفان رضي الله عنه
    . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم أو قتل عمد أ فعليه القَوَد أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل ))
    [ النسائي صحيح ]
    ــ قوله
    صلى الله عليه وآله وسلم ( يشهد أن لا إله إلا الله ) : ــ

     قال ابن حجر في فتح الباري : ــ
    هي صفة ثانية ذكرت لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين .
    أو هي حال مقيدة للموصوف إشعارا ً بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم .
    وهذا رجحه الطّيبي واستشهد بحديث أسامة ( كيف تصنع بلا إله إلا الله ) .

    قال الشوكاني [ 1173 ? – 1250 ? ] : ــ
    هذا وصف كاشف لأن المسلم لا يكون مسلما ً إلا إذا كان يشهد تلك الشهادة .
    [ نيل الأوطار ج 10 ص 496 ]

    قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( النفس بالنفس ) : ــ
     قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ــ
    أي من قَتل عمدا ً بغير حق قُتِل بشروطه .
    ووقع في حديث عثمان رضي الله عنه
    المذكور ( قتل عمدا ً فعليه القود ) .
    وفي حديث جابر رضي الله عنه
    عند البزار ( ومن قتل نفسا ً ظلما ً ) .
    [ فتح الباري لابن حجر ج 12 ص 201 ]
     قال الشوكاني : ــ " المراد به القصاص ." ( أي من قتل مسلما ًمتعمدا ً فإن السلطان يقتله ).
    [ نيل الأوطار للشوكاني ج7 ص 147 ]

    قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( والثيب الزاني ) : ــ
    قال الحافظ في الفتح : ــ
    أي فيحل قتله بالرجم . وقد وقع في حديث عثمان رضي الله عنه
    عند النسائي بلفظ ( رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم )
    [ فتح الباري ج 12 ص 201/ 202 ]

     قال الشوكاني : ــ " هذا مجمع عليه ".
    [ نيل الأوطار للشوكاني ج7 ص 147 ]
    قلت : ويلحق به ما جاء في حق من عَمِل عَمَل قوم لوط كما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه
    قال : (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل ، والمفعول به ))
    [ أبو داوّد / حسن صحيح ]
    وكذلك ما جاء في الذي يأتي بهيمة .
    فعن ابن عباس رضي الله عنه
    قال : (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه )) قال : قلت له : ما شأن البهيمة ؟ قال : " ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها . [ أبو داوّد / حسن صحيح ]

    قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( والمفارق لدينه التارك للجماعة ) : ــ
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : ــ
    والمراد بالجماعة : جماعة المسلمين أي فارقهم أو تركهم بالارتداد .
    فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة وإلا لكانت الخصال أربعة .
    وهو كقوله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك ( مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ) فإنها صفة مفسرة لقوله ( مسلم ) وليست قيدا ً فيه إذ لا يكون مسلما ً إلا بذلك .
    ويؤيد ما قلته أنه وقع في حديث عثمان رضي الله عنه
    ( أو يكفر بعد إسلامه ) أخرجه النسائي بسند صحيح .
    وفي لفظ له صحيح أيضا ً ( ارتد بعد إسلامه ) .
    وله من طريق عمرو بن غالب عن عائشة رضي الله عنه
    ( أو كفر بعدما أسلم ) .
    وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه
    عند النسائي ( مرتد بعد إيمان ) .
    قال ابن دقيق العيد : الردة سبب لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجل وأما المرأة ففيها خلاف .
    وقد استدل بهذا الحديث الجمهور في أن حكمها حكم الرجل لاستواء حكمهما في الزنا .
    قال النووي : قوله ( التارك لدينه ) عام في كل من ارتد بأي ردة ¹ كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام .
    قال الشوكاني : ــ
    إذ المراد الترك الكلي ولا يكون إلا بالكفر لا مجرد ما يصدق عليه اسم الترك وإن كان لخصلة من خصال الدين للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصي بترك أي خصلة من خصال الإسلام .اللهم إلا أن يراد أنه يجوز قتل الباغي ونحوه دفعا ً لا قصدا ً . ولكن ذلك ثابت في كل فرد من الأفراد .
    فيجوز لكل فرد من أفراد المسلمين أن يقتل من بغى عليه مريدا ً لقتله أو أخذ ماله ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث الباب .
    بل المراد بالترك للدين والمفارق للجماعة الكفر فقط .
    [ فتح الباري ج 12 ص 201/ 202 ] [ نيل الأوطار للشوكاني ج7 ص 147 ]


    ¹قلت : ويمكن مراجعة كتب الفقه باب الردة ولي كتاب اسمه ( الهدي المبين في بيان نواقض الدين ) يمكن الإطلاع عليه فقد فصلت فيه أهم أنواع الردة .

    فصل

    من يقيم الحد ويقتل القاتل عمدا ً أو الزاني الثيب أو المرتد ؟
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية [ 661 ? - 728 ? ] : ــ
    خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا ً مطلقا ً كقوله
    { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة 38 ] وغيرها .
    ولكن علم أن المخاطب بالفعل لابد أن يكون قادرا ً عليه والعاجزون لا يجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية من القادرين .
    والقدرة هي : السلطان .
    فلهذا وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه . والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه . " انتهى باختصار "
    [ مجموع الفتاوى م/34 ص 175 ]

    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب [ 1115 ? - 1206 ? ] : ــ
    لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل عالم بالتحريم ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه إلا السيد يجلد رقيقه . " انتهى "
    [ مختصر الإنصاف والشرح الكبير ج 1 ص 718 ]

    قال الإمام النووي : ــ وأما المرتد فلأن قتله إلى الإمام لا إلى آحاد الناس . " انتهى "
    [ أسنى المطالب في شرح روض الطالب ج4 ص 11 ]

     وقال أيضا ً:ويقتل المرتد بضرب الرقبة دون الإحراق وغيره ويتولاه الإمام أو من ولاه فإن قتله غيره عزر .
    [ روضة الطالبين ج 10 ص 76 ]

    قال العلامة الشوكاني : وأليه وحده إقامة الحدود ." انتهى " ( أي الإمام ) .
    [ السيل الجرار ج 4 ص 517 ]

    قال ابن قدامة المقدسي [ 541 ? - 620 ? ] : ــ
    لا يجوز لأحد إقامة الحد إلا الإمام أو نائبه لأنه حق الله تعالى ويفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب¹ الله تعالى في خلقه , ولأن النبي r كان يقيم الحد في حياته ثم خلفاءه بعده . " انتهى "
    [ الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل لأبن قدامة ج 4 ص 234 ]

    قلت
    : وهنا مسألة مهمة : وهي أنه هناك فرق بين الحكم على شخص بالكفر والردة بعد إقامة الحجة الرسالية وبين إقامة الحد عليه أي قتله .
    وهو إن الحكم على شخص مسلم بالردة يمكن القيام به إذا كان من يقوم به عالما ً بصورة قطعية أن القول أو الفعل الذي ارتكبه هذا الشخص قد أجمعت الأمة على أنه ردة . ثم إنه يقيم الحجة الرسالية ( الكتاب والسنة ) عليه ويتأكد
    من عدم وجود مانع يمنع من التكفير فحينئذ يمكنه الحكم على هذا الشخص بالردة .
    أما إقامة الحد على هذا المرتد فلا يجوز القيام بها إلا من الإمام أو السلطان أو نائبه.
    ونحن الآن في هذا البلد ( العراق ) ليس لنا إمام ٌ عام ٌ بل نحن متفرقون إلى جماعات ولا تتوفر في بلادنا شروط دار الإسلام التي حددها العلماء .
    فليس لنا أرض .
    ( 1 ) يقام فيها حكم الكتاب والسنة .
    ( 2 ) ويأمن المسلم على نفسه ودينه فيها .
    ( 3 ) ويخاف فيها الكافر على دينه ونفسه .
    كما ذكر ذلك العلامة الشوكاني في [ السيل الجرار ج 4 ص 575 ] والشافعي في [كتابه الأم ج 4 ص 183 ] وغيرهما وهو قول الجمهور .

    وبالتالي فلا يمكن إقامة الحدود الآن .
    وإلا إذا كانت إقامة الحد على المرتد يجوز لكل مسلم القيام بها لانتشر الفساد في الأرض ولقتل المسلمون بعضهم بعضا والله أعلم .

    ¹نائب الله : هذه اللفظة لا تجوز لأنها توهم معنى غير لائق في حق الله تعالى وهي سبق قلم من ابن قدامة فوجب التنبيه .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...

    فصل
    حالات أخرى يجوز فيها قتل المسلم :
    1) الحرابة : ــ وهي خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لإحداث الفوضى وسفك الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل .

    ولا فرق بين أن تكون هذه الطائفة من المسلمين أو الذميين أو المعاهدين أو الحربيين ما دام ذلك في دار الإسلام وما دام عدوانها على كل محقون الدم قبل الحرابة من المسلمين أو الذميين .
    وكما تتحقق الحرابة بخروج جماعة من الجماعات فإنها تتحقق كذلك بخروج فرد من الأفراد
    . [ فقه السنة لسيد سابق ج 2 ص 464 ]

    قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : ــ الأصل في حكمهم هو قول الله تعالى
    { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ }
    [ المائدة 33 ] .
    وهذه الآية في قول ابن عباس وكثير من العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين وبه يقول مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي .

    الشروط التي تعتبر بها الحرابة :

     قال ابن قدامة : ــ للحرابة ثلاثة شروط هي : ــ
    1: اشترط بعض العلماء أن تكون في الصحراء ( بعيدا ً عن قوة السلطان ) .
    ومن قال بهذا هم ( أبو حنيفة والثوري واسحق ) .
    وأكثر العلماء أن المحاربة تكون في كل مكان .

    ومن قال بهذا هم ( المالكية والشافعية وأصحاب أحمد وأبو يوسف والظاهرية والليث والأوزاعي وأبو ثور وغيرهم ) .
    2: أن يكون معهم سلاح :فإن لم يكن معهم سلاح فهم غير محاربين لأنهم لا يمنعون من يقصدهم . ولا نعلم في هذا خلافا ً نعلمه .
    فإن عرضوا بالعصي والحجارة فهم محاربون وبه قال الشافعي وأبو ثور .
    3: أن يأتوا مجاهرة ( علنا ً) ويأخذوا المال قهرا ً .
    فأما إن أخذوه مختفين فهم سرّاق . وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم .
    [ المغني ج 9 ص 124/125 ]

    عقوبة الحرابة : ـ

     قال ابن تيمية : وقول أكثر أهل العلم ومنهم الشافعي وأحمد وهو قريب من قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في قطاع الطريق أنهم :
    إذا قَتلوا وأخذوا المال قُتِلوا وصُلِبوا .
    وإذا قَتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ولم يُصلبوا .
    وإذا أخذوا المال ولم يَقتلوا قُطِعت أيديهم وأرجلهم من خلاف .
    وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا ً نفوا من الأرض .
    وقال : فمن كان من المحاربين قد قَتَل فإنه يقتله الإمام حدا ً لا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء ذكره ابن المنذر .
    ولا يكون أمره إلى أولياء المقتول .
    وقال : حتى لو كان المقتول غير مكافئ للقاتل مثل أن يكون القاتل حرا ً والمقتول عبدا ً أو القاتل مسلما ً والمقتول ذميا ً ( كافر غير محارب في ديار الإسلام ) أو مستأمنا ً ( كافر محارب عنده أمان من المسلمين في دار الإسلام ) . فقد اختلف الفقهاء هل يقتل في المحاربة ؟ والأقوى أنه يقتل . لأنه قتل للفساد العام حدا ً .
    وقال وإذا كان المحاربون الحرامية جماعة فالواحد منهم باشر القتل بنفسه والباقون له أعوان .
    فالجمهور على أن الجميع يقتلون ولو كانوا مائة وأن الردء ( المعاونون ) والمباشر سواء وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين .
    فان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل ربيئة المحاربين والربيئة هو الناظر الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء ولأن المباشر إنما تمكن من قتله بقوة الردء ومعونته .
    وقال فالصواب الذي عليه جماهير المسلمين أن من قاتل على أخذ المال بأي نوع كان من أنواع القتال فهو محارب قاطع .
    [ مجموع الفتاوى ج28 ص 311 ]

    2) المسلم الصائل : ــ
     عن أبي هريرة رضي الله عنه
    قال (( جاء رجل فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي , قال : فلا تعطه مالك ., قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله , قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد , قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار ))
    )) [ مسلم والنسائي صحيح ]

    عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
    قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد)) . [ الترمذي / صحيح ]

    عن سعيد بن زيد رضي الله عنه
    قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (( من قتل دون دينه فهو شهيد , ومن قتل دون دمه فهو شهيد , ومن قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون أهله فهو شهيد )) [ أبو داوّد والترمذي والنسائي / صحيح ]

    قال الشوكاني : ــ وأحاديث الباب فيها دليل على أنه تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق .
    وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي والحافظ في الفتح .
    وقال بعض العلماء : إن المقاتلة واجبة .
    وقال بعض المالكية : لا تجوز إذا طلب الشيء الخفيف .
    ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه
    من الأمر بالمقاتلة والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه .
    وأما القائل بعدم الجواز في الشيء الخفيف , فعموم أحاديث الباب يرد عليه .
    ولكنه ينبغي تقديم الأخف فالأخف .
    فلا يعدل المدافع إلى القتل مع إمكان الدفع بدونه .
    وكما تدل الأحاديث المذكورة على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والأهل .
    وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال : من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة .
    قال ابن المنذر : والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما ً بغير تفصيل .
    إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه . انتهى
    وأحاديث الباب مصرحة بأن المقتول دون ماله ونفسه وأهله ودينه شهيد .
    ومقاتله إذا قُتِل في النار , لأن الأول محق والثاني مبطل .
    [ نيل الأوطار ج 9 ص 143/145 ]

    3 ) قتل من أراد تفريق المسلمين وهم جميع :
    عن عرفجة رضي الله عنه
    قال (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان )) [ مسلم ]
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا بويع لخليفتين ، فاقتلوا الآخر منهما )) [ مسلم ]
    قال النووي :
    ومعنى هذا الحديث إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أو جاهلين وسواء كانا في بلدين أو بلد أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره .
    هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء .
    وقيل تكون لمن عقدت له في بلد الإمام وقيل يقرع بينهم وهذان فاسدان .
    واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا .
    وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد قال أصحابنا لا يجوز عقدها شخصين قال وعندي أنه لا يجوز عقدها لإثنين في صقع واحد وهذا مجمع عليه .
    [ شرح النووي على صحيح مسلم ج12/ص231 / 232 ]

    وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه
    عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (( ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر )) [ مسلم ]

    معناه ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله .
    [شرح النووي على صحيح مسلم ج12/ص234 ]

    فصل
    شبهات استحلت بها الدماء المعصومة والمحرمة
    1:التترس

    إن من أعظم الأسباب التي أدت إلى إزهاق أرواح المسلمين وسفك الدماء المعصومة أو المحرم سفكها هي الطريقة التي فهم بها الكثير من المقاتلين في العراق وغيره من بلاد الإسلام مسألة التترس .
    فكانت من المصائب العظيمة التي أصابت المسلمين في العراق وغيره من بلاد الإسلام التي ابتليت بالعدوان الصليبي واليهودي.
    فبعد قيام المسلمين في هذه البلاد بواجب جهاد الدفع . لدفع هؤلاء المعتدين الظالمين . ولخصوصية المعركة التي يخوضها المسلمون اليوم ولكونها تختلف عن المعارك التي كان يخوضها المسلمون في فترات التأريخ السالفة من حيث كيفيتها وأسلحتها وطرق القتال فيها .
    وبسبب تصدر من ليس أهلا ً للفتوى .
    مما أدى إلى ظهور فتاوى رجالها ليسوا من الفقهاء أو العلماء بل هم في أحسن أحوالهم طلاب علم في بداية الطريق لطلب العلم .
    ذهبوا إلى نصوص الكتاب والسنة فاستنبطوا منها أحكاما ما سبقهم بها من أحد من العلماء .
    فتارة خالفوا إجماع الأمة . وأخرى قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين بغير دليل .
    وبحثوا في كتب العلماء عن متشابه القول فأخذوا به وتركوا محكمه .
    أو عن قول ليس له مستند من كلام ربنا جل وعلى ومن كلام نبينا
    صلى الله عليه وآله وسلم بل هو مجرد اجتهاد من ليس بمعصوم . وهو مخالف لأدلة الكتاب والسنة ..
    أو قد تكون الحالة التي أفتى فيها العالم في مسألة ما لا تشبه الحالة التي أراد هؤلاء تطبيق قول العالم فيها .
    فقد يكون للمسألة علة لا يصح قياس غيرها عليها إلا إذا توفرت نفس العلة .
    ومن هذه الفتاوى اعتبار مرور المسلمين بالقرب من مكان قد جعله بعض المقاتلين هدفا ً من غير أن يعلم من يمر من المسلمين بذلك .
    وكذلك وجود المسلم في مكان عام مثل السوق أو الطريق العام أو قرب بيته أو مزرعته أو مدرسته ومرور دورية للعدو بالقرب منه .
    أن العدو قد تترس بهذا المسلم .
    ولذلك فإنه يجوز ضرب العدو وإن أدى هذا الضرب إلى إزهاق روح المسلم .
    وقد يكون هذا المسلم المقتول من المجاهدين . وفي أحيان كثيرة لا يتضرر العدو من هذه الضربات بل الذي يتضرر هم المسلمون .
    فاستحلت الدماء المعصومة من غير دليل من كتاب أو سنة ولا برهان مبين .
    ولقد كان أحدُهم يَسألُ عن دليل السنن والنوافل من العبادات ويتوقف ولا يفعل أي عبادة حتى يأتيه الدليل الصحيح فيعمل به حينئذ .
    ولا يرضى قول العالم إلا بدليل صحيح من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    أما اليوم وحينما تتعلق المسألة بالدماء المعصومة ترى كثير منهم يتسارعون ويتنافسون في استحلال هذه الدماء والأرواح لمجرد حديث ضعيف أو لقول عالم ليس عليه دليل . أو لفهم خاطئ أو اتباع الهوى .
    من أجل ذلك فإني بحثت في كتب المذاهب الأربعة وغيرها وفي كتب التفسير عن التترس وأحكامه .
    لكي يعلم الجميع حكم هذه المسألة من خلال أدلة الكتاب والسنة وبفهم علماء الأمة .
    وهل صورة التترس التي يدّعون هي نفس الصورة التي تكلم عنها العلماء ؟
    وأبدأ بما يلي :
    أولا : معنى التترس :
    ▪التَتَرُس لغة ً : تترس أي توقى بشيء .
    [ لسان العرب لابن منظور ج 6 ص 32 ]

    ▪التُرْس : مسلمون أسرى عند العدو يحتمي بهم العدو من ضربات الجيش المسلم .
    ▪التترس ( باستقراء أقوال الفقهاء ) : هو أن يقوم العدو بوضع من لا يحل قتله عند المسلمين مثل مسلمين أسرى واحد فأكثر وجعلهم بينهم وبين جيش المسلمين لكي يحتمون بهم من ضربات المسلمين .
    [ تفسير القرطبي ج 16 ص 288 وغيره ]
    ثانيا ً : إن الأصل في حكم دم المسلم هو تحريم سفكه وكذلك تحريم أذية المسلم
    والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع لا يجهلها مسلم .
    فمن القرآن الكريم
    قوله تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ً }
    [ النساء 93 ]

    ومن السنة
    قوله عليه الصلاة والسلام ( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه ، وماله ، وعرضه )
    [ الجماعة إلا البخاري والنسائي ]

    وأما الإجماع فقال النووي : فلا خلاف بين الأمة في تحريم القتل بغير حق .
    [ المجموع للنووي / كتاب الجنايات ج 18 ص 346]

    فالذي يستحل دماء المسلمين في حالة معينة فيجب عليه أن يأتي بدليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يبيح له ذلك .
    فإن لم يجد دليلا ً فالواجب هو البقاء على الأصل وهو التحريم .

    ثالثا ً
    : إن حالة التترس التي جوز فيها جمهور الفقهاء ضرب العدو بشرط تجنب ضرب الترس المسلم وإن أدى ذلك إلى قتل الترس المسلم لا تنطبق على واقع المعركة مع العدو اليوم
    .
    وذلك لأن حالة التترس المقصودة في أقوال العلماء لها شروط و أحكاما ً هي :

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    Exclamation رد: ولا تعتدوا...

    شروط جواز ضرب العدو في حالة تترسه ببعض المسلمين

    :
    1 أن تكون المعركة بين جميع جيش المسلمين والكفار في مكان واحد .
    2 : أن يُخاف على جيش المسلمين من أن يُهزم فيَقتل الكفارُ المسلمين ويستولوا على جميع بلاد الإسلام .
    أي أن تكون المصلحة في ضرب العدو ضرورية وعامة تشمل الدفاع عن جميع المسلمين وعن بلاد المسلمين .
    3 : أن يكون الترس عبارة عن مسلمين قد أسرهم العدو ووضعهم بين جيشه وجيش المسلمين ليتوقى بهم .
    4 : أن لا يمكن ضرب العدو إلا بضرب الترس وذلك في حال التحام القتال والخوف على جيش المسلمين من أن يهزم إن لم نضرب العدو .
    5 : حكم الذي قتل مسلما ً تترس به الكفار له حالتان :
    أ : إذا لم يكن هناك ضرورة لرميهم : فيجب عليه القصاص .
    ب : إذا كان هناك ضرورة لرميهم : فأقل حكم في هذه الحالة هو أن يُعتبر قتلا ً خطأ ً.
    فيه الكفارة عند أكثر العلماء وعند آخرين الدية والكفارة .
    فبهذه الشروط جوز جمهور الفقهاء ضرب العدو بشرط تجنب تعمد ضرب الترس المسلم .
    أما معركتنا اليوم فهي لا تنطبق عليها الشروط المذكورة لأن معركتنا هي :
    1 : بين مجموعة صغيرة من المسلمين ( قد يكون مسلما واحدا ً يفجر قنبلة على رتل . أو مسلمَين أو أكثر ) لكنها لا تمثل جميع جيش المسلمين . وأخرى من الكفار ( دورية أو رتل من السيارات العسكرية ) .
    فالمسلمون اليوم يقاتلون العدو بشكل جماعات منفصلة أحدها عن الآخر تسمى كل واحدة جيش .
    والجيش الواحد يقاتل بشكل مجموعات صغيرة .
    والعدو أيضا ً قد نشر قواته في جميع أنحاء البلد .
    لذلك لا يمكن اعتبار أي مواجهة مع العدو أنها مصيرية أو فاصلة وتشبه معارك المسلمين التي بنى على هيئتها العلماء صورة التترس المقصودة .
    ولهذا فإن الشرط الأول لم يتوفر . فلا يمكن تطبيق حكم مسألة التترس اليوم .
    2 : ليس هنالك أي ضرورة لضرب دورية أو رتل للكفار إذا كان بقربهم مسلمون لأنه لا يؤدي ترك ضرب أي مجموعة من الكفار إلى قتل أكثر أو معظم جيش المسلمين .
    لأن المسلمين اليوم يقاتلون في جماعات صغيرة ومتفرقة .
    ولا يؤدي ترك ضربهم إلى استيلائهم على بلد المسلمين لأنهم مستولون عليها أصلاً .
    فأيضا لم يتوفر الشرط الثاني من الشروط الذي وضعها العلماء لجواز ضرب العدو.
    3: المسلمون الذين قد يكونون بالقرب من دوريات العدو هم ليسوا أسرى بيد العدو بل هم أحراراً ,
    وهم إما أنهم كانوا موجودين في طريق أو مكان ما ثم تمر دورية العدو بالقرب منهم وهي في طريقها .
    أو أن يأتي العدو إلى بعض المحلات أو البيوت للتفتيش أو لغاية أخرى .
    أو أن يكون المكان سوقا ً عاما ً فيه مسلمون ومن بينهم مجاهدون وفيه عدد من المحاربين .
    وغالبا ً ما يكون الهدف بضعا من المحاربين في سوق فيه العشرات بل المئات من المسلمين . فيؤدي الانفجار إلى قتل عدد قليل من المحاربين ومعهم العشرات من المسلمين .
    وكل هؤلاء المسلمين قادرون على ترك مكانهم قرب العدو لو كانوا يعلمون بأن هناك من يريد أن يفجرهم مع العدو .
    أما الأسير فهو لا يستطيع تغير مكانه حتى لو كان يعلم بأن هناك خطرا على حياته .
    فهل يمكن اعتبار مرور دورية للعدو بالقرب من مسلم أو مجيء العدو لمحل أو بيت للتفتيش أن هؤلاء المسلمين هم أسرى .
    وهل نعتبر وجود المسلمين في سوق عام تترسا ثم نعتبر أن العدو يتترس بهم ثم نُجوِّز ضرب العدو ثم لا يترتب على من يصيب مسلما في هذه الحالة قصاص ولا دية ولا كفارة .؟!
    فلا حول ولا قوة إلا بالله
    لذلك فإن الشرط الثالث لم يتوفر في معركتنا اليوم أيضا ً.
    4 : يمكن في أكثر الأحيان تأجيل ضرب الدورية أو حتى التضحية بما أعده المقاتل للعدو من سلاح لضربه به مقابل الحفاظ على دماء المسلمين المعصومة .
    ويمكن أيضا ً اختيار الأماكن والأوقات التي لا يوجد فيها المسلمون بالقرب من العدو وأهل كل منطقة أدرى بذلك من غيرهم .
    قال تعالى { مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [الطلاق : 2]

    أخي الحبيب : تبين لنا من كل ما سبق أنه لا يمكن اعتبار كل الحالات التي يستحل الكثير من المقاتلين اليوم في العراق وغيره بها دماء المسلمين بأنها من التترس . فضلا ً عن كونها من التترس الذي يجوز به ضرب الكفار .
    لذلك فإن حكم دم المسلم يبقى على الأصل وهو تحريم سفكه وعلى من يضرب العدو وهو يعلم أن هناك مسلما قد يصاب فإذا أصيب فعليه القصاص . والله أعلم .
    وهذا الحكم هو الأصل فيمن قتل مسلما ً متعمدا ً وهو ثابت في أدلة الكتاب والسنة والإجماع .
    ويجب على كل من يبيح قتل المسلم في حالة معينة أن يأتي لنا بدليل من الكتاب أو السنة يبيح له قتل المسلم في الحالة التي يدعي أنه يجوز قتله فيها . وليس الاحتجاج بأقوال العلماء فأقوال العلماء غير معصومة .
    والمعصوم هو قول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم

    وسأورد فيما يلي أقوال فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم في حكم التترس والشروط التي وضعوها لذلك مبينا ً قول كل مذهب بشكل مبسط قبل ذكره :

    1 : مذهب الأحناف في التترس :
    تحريم ضرب الكفار الذين يتترسون بمسلم أو أكثر إلا في حالة أن عدم ضربهم سيؤدي إلى انهزام جميع الجيش المسلم . وفي هذه الحالة إذا أصيب مسلم فعلى الرامي الدية والكفارة إذا علم أنه مسلم وإذا لم يعلمه مسلما فعليه الكفارة فقط .

    قال كمال الدين السيواسي
    [ توفي سنة 681 ?] :
    وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز رميهم في صورة التترس إلا إذا كان في الكف عن رميهم في هذه الحالة انهزام المسلمين وهو قول الحسن بن زياد ( صاحب أبي حنيفة ) .
    فإن رموا وأصيب أحد من المسلمين فعند الحسن بن زياد فيه الدية والكفارة ، وعند الشافعي فيه الكفارة قولا واحدا ، وفي الدية قولان .
    وقال أبو إسحاق : إن قصده بعينه لزمه الدية علمه مسلما أو لم يعلمه لقوله عليه الصلاة والسلام { ليس في الإسلام دم مفرج } ¹ وإن لم يقصده بعينه بل رمى إلى الصف فأصيب فلا دية عليه .
    وأما الأول فلأن الإقدام على قتل المسلم حرام ، وترك قتل الكافر جائز ؛ ألا ترى أن للإمام أن لا يقتل الأسارى لمنفعة المسلمين فكان تركه لعدم قتل المسلم أولى ، ولأن مفسدة قتل المسلم فوق مصلحة قتل الكافر .
    واعلم أن المراد أن كل قتال مع الكفار هو دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام : أي مجتمعهم ،
    وإن لم يحصل فيه الظفر تضرر المسلمون كلهم وهو محل تأمل ، وبتقديره هو ضرر خفيف أشد منه قتل المسلم في غالب الظن ، وإنما يكون الضرر العام مقدما على هذا إذا كان فيه هزيمتهم ونحوها .
    [ شرح فتح القدير للسيواسي / ج 5 ص 448 ]

    2 : ومذهب مالك في التترس :
    تحريم ضرب الكفار إذا تترسوا بمسلمين حتى في حالة الخوف على أنفسنا من أن يقتلنا العدو إذا كان عددنا أقل من نصف جيش المسلمين الذي يقاتل العدو .
    وجواز ضرب العدو إذا خفنا على أكثر الجيش أن يقتله العدو .
    قال محمد بن يوسف ( فقيه مالكي ) [ توفي سنة 897? ]:
    قال ابن شاس : لو تترس كافر بمسلم لم يقصد الترس ولو خفنا على أنفسنا فإن دم المسلم لا يستباح بالخوف .
    ولو تترسوا بالصف ، وإن تركوا انهزم المسلمون وخيف استئصال قاعدة الإسلام وجمهور المسلمين وأهل القوة منهم وجب الدفع وسقطت حرمة الترس انتهى .
    [ التاج والإكليل ج 3 ص 351]

    ¹ لم أجد حديثا ً بهذا اللفظ في ما تيسر لي من مصادر الحديث .

    قال محمد بن عرفة الدسوقي :

    قوله : ( وإن خفنا على أنفسنا ) أي جنس أنفسنا المتحقق في بعض الجيش
    ( قوله : إن لم يخف على أكثر المسلمين )
    هذا شرط في عدم قصد الترس .
    أي أن محل كونهم إذا تترسوا بمسلم يُقاتَلون ولا يقصد الترس إذا لم يخف على أكثر المسلمين أي بأن لم يخف عليهم أصلا أو خيف على أقل المسلمين أو على نصفهم .
    فإن خيف على أكثرهم جاز رمي الترس والمراد بالمسلمين هنا جماعة الجيش المقاتلين للكفار دون المتترس بهم وظاهره أنه إذا خيف على أكثر الجيش يجوز أن يرمى الترس ، ولو كان المسلمون المتترس بهم أكثر من المجاهدين
    [ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج 2 ص 178]


    3 : مذهب الشافعي في مسألة التترس هو :
    تحريم قتل المسلم الذي يتترس به الكفار إذا لم نخف أن يؤدي تركنا لضرب العدو النيل من بيضة الإسلام وهزيمة جميع المسلمين وكان بالإمكان ترك ضرب العدو في وقتها .
    والذي يضرب العدو في هذه الحالة فيقتل مسلما فعليه القصاص أي أنه يُقتَل .
    وإذا كان هنالك ضرورة لضرب العدو مثل أن يلتحم جيش المسلمين مع الكفار في قتال فيخاف المسلمون إن تركوا ضرب الكفار خوفا على الترس أن يُقتَل المسلمون وينهزم جميع الجيش .
    ففي هذه الحالة قولان :
    الأول : تحريم ضرب العدو أيضا ً.
    والثاني : يجوز أن نضرب ولكن نقصد الكفار ونتجنب الترس .
    ومن يصيب مسلما ً في هذه الحالة فإن كان لا يعلم أنه مسلم فعليه الكفارة .وهي عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين .
    وإن كان يعلم أنه مسلما ً فعليه الدية والكفارة .
    قال الشافعي رحمه الله : قال الأوزاعي : " يكف المسلمون عن رميهم فإن برز أحد منهم رموه فإن الله عز وجل يقول { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ } حتى فرغ من الآية . فكيف يرمى المسلمون من لا يرونه من المشركين " انتهى .
    فأما المسلم فحرام الدم حيث كان ومن أصابه إثم بإصابته إن عمده وعليه القود إن عرفه فعمد إلى إصابته والكفارة إن لم يعرفه فأصابه .
    والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذا لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن .
    وإذا كنا في سعة من أن لا نقاتل أهل حصن غيره وإن لم يكن فيهم مسلمون كان تركهم إذا كان فيهم المسلمون أوسع وأقرب من السلامة من المأثم في إصابة المسلمين فيهم .
    ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل مسلم فإن أصبناه كفَّرنا ¹ . وما لم تكن هذه الضرورة فترك قتالهم أقرب من السلامة وأحب إلي .
    [ الأم للشافعي ج 7 ص 350 ]
    قال الإمام النووي :
    لو تترس الكفار بمسلمين من الأسارى وغيرهم نظر إن لم تدع ضرورة إلى رميهم واحتمل الحال الإعراض عنهم لم يجز رميهم .
    فإن رمى رام فقتل مسلماً قال البغوي هو كما لو قتل مسلماً في دار الحرب إن علمه مسلماً لزمه القصاص .
    وإن ظنه كافراً فلا قصاص وتجب الكفارة وفي الدية قولان .
    وإن دعت ضرورة إلى رميهم بأن تترسوا بهم في حال التحام القتال وكانوا بحيث لو كففنا عنهم ظفروا بنا وكثرت نكايتهم فوجهان .
    أحدهما لا يجوز الرمي إذا لم يمكن ضرب الكفار إلا بضرب مسلم لأن غايته أن نخاف على أنفسنا ودم المسلم لا يباح بالخوف بدليل صورة الإكراه .
    والثاني وهو الصحيح المنصوص وبه قطع العراقيون جواز الرمي على قصد قتال المشركين ويتوقى المسلمين بحسب الإمكان لأن مفسدة الإعراض أكثر من مفسدة الإقدام ولا يبعد احتمال طائفة للدفع عن بيضة الإسلام ومراعاة للأمور الكليات .
    فإن جوزنا الرمي فرمى وقتل مسلماً فلا قصاص فتجب الكفارة وفي الدية طرق أصحها وظاهر النص وبه قال المزني وابن سلمة إن علم أن المرمي مسلم وجبت وإلا فلا .
    [ روضة الطالبين للإمام النووي ج 10 ص 246 ]

    4 : مذهب الحنابلة في التترس :
    إذا تترس الكفار بمسلم بعد أن قام المسلمون بالرمي وأصيب هذا المسلم ففيه قولان أولهما أن فيه الكفارة فقط والآخر أن على الذي رماه الدية والكفارة .
    وإذا تترس الكفار بمسلم قبل الرمي يحرم رميهم إذا لم نخف على جيش المسلمين من القتل وعلى الذي يصيب مسلم في هذه الحالة الدية .
    وإذا خفنا على جيش المسلمين جاز رميهم ويتجنب المسلم المتترس به وعلى الرامي في أحد القولين للمذهب الدية .
    قال ابن قدامة المقدسي :
    ولو رمى حربيا ، فتترس بمسلم ، فأصابه فقتله ، نظرنا ؛ فإن كان تترس به بعد الرمي ، ففيه الكفارة ، وفي الدية على عاقلة الرامي روايتان .
    وإن تترس به قبل الرمي ، لم يجز رميه ، إلا أن يخاف على المسلمين ، فيرمي الكافر ، ولا يقصد المسلم ، فإذا قتله ، ففي ديته أيضا روايتان ،
    وإن رماه من غير خوف على المسلم فقتله ، فعليه ديته ؛ لأنه لم يجز له رميه .
    [ المغني لابن قدامة ج 8 ص 246 ]

    وقال ابن قدامة : قال الليث : ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق .
    [المغني ج 9 ص 231]

    قال منصور بن يونس البهوتي [ 1000 ? – 1051 ? ] :
    وإن تترسوا بمسلم لا يجوز رميه ، لأنه يئول إلى قتله مع إمكان القدرة عليهم بغيره إلا إن خيف علينا بترك رميهم ، فيرمون نصا للضرورة ويقصد الكافر بالرمي دون المسلم .
    فإن لم يقدر عليهم إلا بالرمي ، ولم يخف علينا .لم يجز . لقوله تعالى { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ } [ الفتح 25 ]
    [ شرح منتهى الإرادات للبهوتي ج 1 ص 624]

    5 : مذهب الهادوية ( أهل الظاهر ) :
    ذكر العلامة الصنعاني مذهب أهل الظاهر فقال : ذهب الهادوية إلا أنهم قالوا في التترس : يجوز قتل النساء والصبيان ( المشركين ) حيث جعلوا ترسا ولا يجوز إذا تترسوا بمسلم إلا مع خشية استئصال المسلمين .
    [ سبل السلام للصنعاني ج 4 ص 49 ]

    قال العلامة الشوكاني :

    أقول الوجه في قتل الترس ما يلحق المسلمين من الضرر بتركه فإن الكفار لو جعلوا من لا يبيح الشرع قتله منهم تروسا لهم ليحصنوا أنفسهم من سهام المسلمين ورماحهم وكان يخشى من مخالطتهم للمسلمين بالقتال أن يكثر القتل في المسلمين أو يغلبوا جاز قتل الترس دفعا للمفسدة العظيمة بمفسدة دونها بمراحل وأدلة الشريعة الكلية تقتضي هذا .
    وأما إذا كان الترس مسلما وخشي استئصال المسلمين لمخالطة الكفار لهم بالقتال وملاحمتهم لهم فلا شك أن قتل واحد أو جماعة أهون من استئصال جيش المسلمين وإدخال الوهن على كل مسلم في الأقطار الإسلامية فهذا أهون من دفع المفسدة الكبيرة بمفسدة صغيرة وفي الشر خيار .
    ولكن لا يكتفي في ذلك بمجرد الظنون الكاذبة والخيالات المختلة فإن خطر قتل المسلم عظيم بل لا بد أن يكون خشية الاستئصال مما تتفق عليه عقول أهل الرأي والتجارب .
    وأما لزوم الدية فوجهه واضح لأن المقتول مسلم لا يهدر دمه وهكذا لزوم الكفارة على ما قد مر تحقيقه في موطنه .
    [ السيل الجرار ج 4/ص533 ]



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...

    وأستطيع هنا أن أجمل وأختصر لك أخي الحبيب ما يتعلق في مسألة التترس من مسائل فأقول :
    1 : الحكم الأصلي في قتل المسلم أنه حرام ومن أكبر الكبائر وقد ذكرت لك أدلة ذلك من الكتاب والسنة والإجماع .
    2 : جوز جمهور العلماء ضرب الكفار المتترسين بأسرى مسلمين مع وجوب تجنب ضرب الترس المسلم وإن أدى ضرب الكفار إلى إصابة الترس المسلم .
    وبالشروط التي ذكرتها سابقا ً . وذلك من باب ( الضرورات تبيح المحظورات ) أو (دفع المفسدة العظمى بالمفسدة الأخف ) وقاعدة ( يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ) .
    3 : لا يوجد دليل من الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة يبيح قتل المسلم في حالة التترس أو حالة اختلاط المسلمين بالمشركين المحاربين .
    4 : إن مسألة التترس قد اختلف فيها العلماء .
    فبالرغم من نقل شيخ الإسلام لاتفاق العلماء على جواز ضرب الكفار المتترسين بمسلمين إذا خفنا على عموم المسلمين من أن يقتلهم العدو . إلا أن هذا الاتفاق يقدحه ما نقل عن الشافعية في قول ٍ لهم أنه لا يجوز ضرب الترس حتى في حالة الخوف على المسلمين من أن يقتلهم العدو .
    فالواجب على المسلم في حال الاختلاف الرجوع إلى الكتاب والسنة .
    قال تعالى { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }
    [الشورى : 10]
    وقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }
    [النساء : 59]
    وقد علمت أخي الحبيب مما سبق أن أدلة الكتاب والسنة والإجماع على تحريم قتل المسلم بغير حق .
    فالرجوع إلى الكتاب والسنة يقتضي الالتزام بحكمهما في تحريم قتل المسلم .

    5 : إن عدم معرفة أكثر المقاتلين في بلدنا بمن قوله حجة ( الكتاب والسنة ) ويستدل به على الأحكام . ومن قوله ليس بحجة بل يستدل على قوله ( ما عدا الكتاب والسنة مثل العلماء ) .
    إن هذا الجهل أدى إلى أن يستدل أكثرهم بأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علماء الأمة المشهود لهم باتباع الكتاب والسنة ما استطاعوا لذلك سبيلا . ويعتبرون كلامهم دليلا شرعيا .
    وهذا الفعل حذر منه شيخ الإسلام نفسه وباقي علماء السلف الصالح .
    وأنقل لك أخي الحبيب كلام شيخ الإسلام حول وجوب اتباع قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم واللذان هما الحجة والبينة على كل مسلم . ونهيه عن تقليد أقوال العلماء التي ليس عليها دليل من الكتاب والسنة .
    قال شيخ الإسلام : قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
    حتى كان صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها يقول : أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم .
    واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
    ولهذا قال غير واحد من الأئمة : كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
    وهؤلاء الأئمة الأربعة رضي الله عنهم قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه وذلك هو الواجب عليهم .
    فالإمام مالك كان يقول : إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة .
    والشافعي كان يقول : إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط .
    والإمام أحمد كان يقول : لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري وتعلموا كما تعلمنا .
    وكان يقول : من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال وقال : لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا .
    ثم قال شيخ الإسلام :
    وانتقال الإنسان من قول إلى قول لأجل ما تبين له من الحق هو محمود فيه بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه .
    وترك القول الذي وضحت حجته أو الانتقال عن قول إلى قول لمجرد عادة واتباع هوى فهذا مذموم .
    فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع . وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول .
    وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر .
    فكذلك موارد النزاع بين الأئمة .
    وقد ترك الناسُ قول عمر وابن مسعود رضي الله عنه
    في مسألة تيمم الجنب وأخذوا بقول من هو دونهما كأبي موسى الأشعري رضي الله عنه
    وغيره لما احتج بالكتاب والسنة .
    وتركوا قول عمر رضي الله عنه
    في دية الأصابع (بعير واحد) وأخذوا بقول معاوية رضي الله عنه
    (خمسة) لما كان معه من السنة أن النبي
    صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( هذه وهذه سواء ))
    [ البخاري ].
    وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس رضي الله عنه
    في المتعة ( التمتع بالعمرة إلى الحج) فقال له : قال أبو بكر وعمر . فقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر ؟ .
    ولو فتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله ويبقى كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمته .
    وهذا تبديل للدين يشبه ما عاب الله به النصارى في قوله : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله وحده .
    " انتهى "
    [ مجموع الفتاوى لابن تيمية ج20 ص 215 ]

    وقال العلامة ابن كثير
    [ 700 ? – 774 ? ] :
    قال الإمام أحمد: " عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ، يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة } أتدري ما الفتنة؟.
    الفتنة: الشرك لعله إذا رد بعض قوله ( أي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .
    "انتهى .
    وما من عالم إلا ويرد عليه في مسائل اختارها إما عن رأي ، أو عن ضعف حجة ، وهم معذورون قبل إيضاح المحجة بدلائلها ، ولو تتبع الناس شذوذات المجتهدين ورخصهم ، لخرجوا عن دين الإسلام إلى دين آخر ، كما قيل : من تتبع الرخص تزندق .
    [ تفسير ابن كثير ج 3 ص 308]

    فيجب عليك أخي الحبيب أن تعبد الله بما شرع سبحانه .
    فالواجب ما أمر الله به في كتابه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في سنته . والحرام ما نهى الله عنه في كتابه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في سنته . و لا يجوز لمسلم متبع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتبع قولا لعالم ليس له دليل من الكتاب والسنة خصوصا ً إذا كان هذا القول يعارض أدلة الكتاب والسنة .
    أما أقوال العلماء في مسألة التترس وتجويزهم ضرب الكفار الذين يتترسون ببعض المسلمين فهي من باب الضرورات تبيح المحظورات . أي مثل تجويزهم أكل الميتة أو شرب الخمر للمضطر .
    فكما أنه لا يجوز لمسلم أكل الميتة أو شرب الخمر إلا إذا لم يكن عنده طعام غير الميتة أو ليس عنده شراب غير الخمر وقد أشرف على الموت . أما إذا أكل الميتة أو شرب خمرا ً ولم يكن قد أشرف على الهلاك أو كان عنده طعام وشراب غير الميتة والخمر . فهذا ليس بمضطر وهو ليس بمعذور .
    فيكون قد ارتكب محرما ً وتعدى على حرمات الله .
    ونوع الاضطرار الذي يقصده العلماء في مسألة التترس قد بينوه في الشروط التي وضعوها لجواز ضرب الترس فيجب الالتزام بهذه الشروط لكل من يحتج بأقوال العلماء في هذه المسألة .
    وأهم شرط اتفق عليه العلماء الذين جوزوا ضرب العدو المتترس بمسلمين هو أن نخاف على جميع جيش المسلمين من أن يقتلهم العدو ففي هذا الوقت يجوز ضرب الكفار . وهذا الشرط لا يتوفر اليوم في جميع أنواع المعارك التي يخوضها المسلمون وكما بينت سابقا ً .
    لأنه يستحيل جمع جميع أفراد الجماعات المقاتلة في مكان واحد لتقاتل جيش العدو ثم يكون الموقف أننا نخاف على هذا الجيش من أن يقتله العدو وكذلك لا يستطيع هذا الجيش المسلم أن يضرب العدو لأن العدو قد جعل بينه وبين جيش المسلمين أسرى مسلمين يتترس بهم ليتقي ضربات المسلمين .

    وبالنظر لعدم توفر الشروط التي وضعها العلماء فإن أمام المسلم في واقع المعارك التي يخوضها المسلمون اليوم طريق واحد فقط وهو البقاء على الأصل وهو تحريم
    قتل المسلم وهو ما دلت عليه أدلة الكتاب والسنة وهذا هو الواجب في وقتنا الحاضر .
    ولقد قدمت لك من الأدلة ما يكفي لتكون أخي الحبيب من أبعد الناس عن أذية المسلم أو الإضرار به فضلا ً عن قتله بغير حق .
    فمن يريد أن يتجرأ على سفك دماء المسلمين معتديا ً على حدود الله مخالفا ً لأدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة . فأذكره بقوله تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِير } [النساء : 115] .
    فهذه العقوبات الثلاثة التي توعد الله بها من يخالف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بعد ما ظهر له الحق , ويسلك طريقًا غير طريق المؤمنين , وما هم عليه من الحق , يتركه وما توجَّه إليه , فلا يوفقه للخير , ويدخله نار جهنم يقاسي حرَّها , وبئس هذا المرجع والمآل .
    [ التفسير الميسر ]

    وأذكره أيضا ً بقوله تعالى { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور : 63]
    أي : عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته ، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قبل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله ، كائنا ما كان ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) .
    أي: فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا{ أن تصيبهم فتنة } أي : في قلوبهم ، من كفر أو نفاق أو بدعة ،
    { أو يصيبهم عذاب أليم [ أي : في الدنيا ، بقتل ، أو حد ، أو حبس ، أو نحو ذلك .وعن أبي هريرة رضي الله عنه
    قال : (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها . جعل الفراش وهذه الدواب اللاتي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه ويتقحمن فيها . قال: فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار، فتغلبوني وتقتحمون فيها )) .
    [ متفق عليه ]
    [ تفسير ابن كثير ]

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...


    أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى :
    { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الفتح : 25]


    1: قال الطبري : يقول تعالى ذكره : ولولا رجال من أهل الإيمان ونساء منهم أيها المؤمنون بالله أن تطئوهم بخيلكم ورجلكم لم تعلموهم بمكة ، وقد حبسهم المشركون بها عنكم . فلا يستطيعون من أجل ذلك الخروج إليكم . فتقتلوهم .
    واختلف أهل التأويل في المعرّة .
    فقال بعضهم : عني بها الإثم . وقال آخرون : عني بها غرم الدية .
    والمعرّة : هي المفعلة من العرّ ، وهو الجرب وإنما المعنى : فتصيبكم من قبلهم معرّة تعرّون بها ، يلزمكم من أجلها كفَّارة قتل الخطأ، وذلك عتق رقبة مؤمنة ، من أطاق ذلك ، ومن لم يطق فصيام شهرين .
    لأن الله إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ، ولم يكن قاتله علم إيمانه الكفارة دون الدية ، فقال { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } لم يوجب على قاتله خطأ ديته ،
    فلذلك قلنا : عني بالمعرّة في هذا الموضع الكفارة ،
    وقوله { لَوْ تَزَيَّلُوا } يقول : لو تميز الذين في مشركي مكة من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات الذين لم تعلموهم منهم ، ففارقوهم وخرجوا من بين أظهرهم
    { لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يقول : لقتلنا من بقي فيها بالسيف ، أو لأهلكناهم ببعض ما يؤلمهم من عذابنا العاجل.
    فعن قتادة : إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار .
    وقال ابن زيد : لو تفرّقوا ، فتفرّق المؤمن من الكافر ، لعذّبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما.
    [ تفسير الطبري ج 26 ص 102]

    2 : قال القرطبي :
    قوله تعالى: { فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } المعرة العيب ، أي يقول المشركون : قد قتلوا أهل دينهم ¹. وقال ابن زيد : " معرة " إثم .
    وقال الجوهري وابن إسحاق : غرم الدية .

    وقال قطرب ¹ ( اللغوي توفي سنة 206 هجرية ) : شدة . وقيل غم .
    وقيل: المعنى يصيبكم من قتلهم ما يلزمكم من أجله كفارة قتل الخطأ ، لان الله تعالى إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ولم يعلم بإيمانه الكفارة دون الدية في قوله: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ }
    [ النساء: 92 ]
    وقوله تعالى : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } تفضيل للصحابة وإخبار عن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والعصمة عن التعدي، حتى لو أنهم أصابوا من ذلك أحدا لكان عن غير قصد .

    وهذا كما وصفت النملة عن جند سليمان عليه السلام في قولها : { لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
    [النمل : 18]
    قوله تعالى : { لَوْ تَزَيَّلُوا } أي تميزوا .
    وقيل : لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار لعذب الكفار بالسيف ، قاله الضحاك .
    ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار .
    وهذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن ، إذ لا يمكن أذاية الكافر إلا بأذية المؤمن .
    قال أبو زيد قلت لابن القاسم : أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم ، حصرهم أهل الإسلام وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم ،
    أيحرق هذا الحصن أم لا ؟
    قال : سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم ؟
    قال : فقال مالك لا أرى ذلك ، لقوله تعالى لأهل مكة : { لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }
    وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه .
    وإن فعل ذلك فاعل فأتلف أحدا من المسلمين فعليه الدية والكفارة.
    وكذلك قال مالك : وقد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنهم الماء، فكانوا ينزلون الأسارى يستقون لهم الماء ، فلا يقدر أحد على رميهم بالنبل ، فيحصل لهم الماء
    ( للروم ) بغير اختيارنا .
    وقال الثوري : فيه الكفارة ولا دية . وقال الشافعي بقولنا .
    وهذا ظاهر ، فإن التوصل إلى المباح بالمحظور لا يجوز ، سيما بروح المسلم ، فلا قول إلا ما قاله مالك رضي الله عنه . والله أعلم .

    " قلت ( الكلام للقرطبي ) : قد يجوز قتل الترس ، ولا يكون فيه اختلاف إن شاء الله ، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية .
    فمعنى كونها ضرورية ، أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس .
    ومعنى أنها كلية ، أنها قاطعة لكل الأمة ، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين ، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة .
    ومعنى كونها قطعية ، أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعا .
    قال علماؤنا : وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها، لان الفرض أن الترس مقتول قطعا ، فإما بأيدي العدو فتحصل المفسدة العظيمة التي هي استيلاء العدو على كل المسلمين .
    وإما بأيدي المسلمين فيهلك العدو وينجو المسلمون أجمعون .
    ولا يتأتى لعاقل أن يقول : لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه ، لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين ، لكن لما كانت هذه المصلحة غير خالية من المفسدة ، نفرت منها نفس من لم يمعن النظر فيها ، فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما حصل منها عدم أو كالعدم . والله أعلم .
    [ تفسير القرطبي ج 16 ص 285 /288 ]

    3 : قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

    وقد يدفع العذاب عن الكفار والفجار لئلا يصيب من بينهم من المؤمنين ممن لا يستحق العذاب . ومنه قوله تعالى { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ }
    - إلى قوله - { لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } فلولا الضعفاء المؤمنون الذين كانوا بمكة بين ظهراني الكفار عذب الله الكفار.
    [ مجموع الفتاوى ج 11 ص 114 ]

    4 : قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي [ 1307?1375 ? ] :
    وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم ، ولكن ثم مانع وهو : وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين ، وليسوا متميزين بمحلة أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى ، فلولا هؤلاء الرجال المؤمنون ، والنساء المؤمنات، الذين لا يعلمهم المسلمون أن تطؤوهم ، أي: خشية أن تطؤوهم { فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ }.
    والمعرة : ما يدخل تحت قتالهم ، من نيلهم بالأذى والمكروه ، فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب.
    { لَوْ تَزَيَّلُوا } أي : لو زالوا من بين أظهرهم { لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } بأن نبيح لكم قتالهم ، ونأذن فيه ، وننصركم عليهم .
    [ تفسير الكريم الرحمن / عبد الرحمن السعدي ج 1 ص 794 ]

    5 : قال العلامة الشوكاني :
    { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مؤمنات لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ }
    يعني : المستضعفين من المؤمنين بمكة ، ومعنى { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } : لم تعرفوهم وقيل : لم تعلموا أنهم مؤمنون { أَن تَطَئُوهُمْ } والمعنى : أن تطئوهم بالقتل والإيقاع بهم .
    وذلك أنهم لو كسبوا مكة ، وأخذوها عنوة بالسيف لم يتميز المؤمنون الذين هم فيها من الكفار ، وعند ذلك لا يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين ، فتلزمهم الكفارة ، وتلحقهم سبة ، وهو معنى قوله : { فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ }
    أي : من جهتهم ، و { مَّعَرَّةٌ } أي : مشقة بما يلزمهم في قتلهم من كفارة وعيب .
    قال الزجاج : لولا أن تقتلوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات ، فتصيبكم منهم معرّة .
    أي : إثم .
    وكذا قال الجوهري ، وبه قال ابن زيد . وقال الكلبي ، ومقاتل ، وغيرهما : المعرّة : كفارة قتل الخطأ ، كما في قوله : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } [ النساء : 92 ] .
    وقال ابن إسحاق : المعرّة : غرم الدية . وقال قطرب : المعرّة : الشدّة ، وقيل : الغمّ ،
    والتّزيّل : التميز ، أي : لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا منهم ؛ لعذبنا الذين كفروا ،
    وقيل التّزيّل : التفرق ، أي : لو تفرّق هؤلاء من هؤلاء ،
    وقيل : لو زال المؤمنون من بين أظهرهم ، والمعاني متقاربة ،
    والعذاب الأليم : هو القتل والأسر والقهر ،
    [ فتح القدير للشوكاني ج 5 ص 54 ]

    فصل
    أدلة القائلين بجواز قتل المسلمين المختلطين بالعدو أو بدعوى التترس :

    الدليل الأول :
    يستدل الكثير من الذين يجوزون التفجيرات في الأماكن العامة كالأسواق والطرق ووسائط النقل وقرب المدارس والجامعات وغيرها من الأماكن التي يوجد فيها المسلمون , لضرب عدد من الكفار المحاربين وإن أدى ذلك لإصابة المسلمين ويقولون أنهم يبعثون على نياتهم .
    وذلك بما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم. قالت : قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم . قال : يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم )
    [ متفق عليه ]
    وللحديث ألفاظ أخرى .
    منها عن أم سلمة رضي الله عنها قالت (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم . فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها . قال يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته))
    ويقولون بأن شيخ الاسلام قال بذلك .
    ومن أجل أن يعلم الجميع أن استدلال ابن تيمية رحمه الله بالحديث كان لبيان جواز قتال أو قتل جنود مسلمين انظموا إلى جيش التتار¹ يلبسون ملابسهم ويقاتلون معهم وهم غير معروفين وغير متميزين ولا يعلمهم المسلمون .
    وبيانه كان جوابا ً لسؤال حول مشروعية مقاتلة هذا الجيش الذي فيه مكرهون وغير مكرهين .



    ¹ التتار أعلنوا إسلامهم ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية كفرهم وكفر جيشهم لأنهم لم يحكموا بالكتاب والسنة بل كان لهم قانون اسمه الياسق يضم قوانين من دين التتار الأصلي الوثني وكذلك قوانين من اليهود والنصارى والإسلام وجيشهم يقاتل كل من يهدد ملك التتار وإن كان من أتقى الناس وأصلحهم وهو يضم فيه كفار أصليون وكفار من اليهود والنصارى ومسلمون مرتدون مثل الباطنية والرافضة ومتصوفة وزنادقة وفيهم بعض المسلمين المكرهين .

    وأنقل لك فيما يلي السؤال الموجه لشيخ الإسلام وجواب شيخ الإسلام كما جاء في مجموع الفتاوى :
    س / وما حكم من كان معهم ( التتار ) ممن يفر إليهم من عسكر المسلمين . الأمراء وغيرهم ؟ وما حكم من قد أخرجوه معهم مكرها ؟ وما حكم من يكون مع عسكرهم من المنتسبين إلى العلم والفقه والفقر والتصوف ونحو ذلك ؟

    فقال ابن تيمية موضحا ً حال من ينظم إلى جيش التتار وحكم قتاله :
    وغاية ما يوجد من هؤلاء يكون ملحدا نصيريا أو إسماعيليا أو رافضيا وخيارهم يكون جهميا إتحاديا أو نحوه فإنه لا ينضم إليهم طوعا من المظهرين للإسلام إلا منافق أو زنديق أو فاسق فاجر .
    ومن أخرجوه معهم مكرها فانه يبعث على نيته ونحن علينا أن نقاتل العسكر جميعه إذ لا يتميز المكره من غيره . وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :
    (( يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم . فقيل يا رسول الله : إن فيهم المكره فقال : يبعثون على نياتهم )) .
    فالله تعالى أهلك الجيش الذي أراد أن ينتهك حرماته - المكره فيهم وغير المكره - مع قدرته على التمييز بينهم مع أنه يبعثهم على نياتهم فكيف يجب على المؤمنين المجاهدين أن يميزوا بين المكره وغيره وهم لا يعلمون . بل لو ادعى مدع أنه خرج مكرها لم ينفعه ذلك بمجرد دعواه كما روى أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي لما أسره المسلمون يوم بدر يا رسول الله أنى كنت مكرها فقال : أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله .
    بل لو كان فيهم قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا بقتل هؤلاء لقتلوا أيضا .
    فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنه يجوز أن نرميهم ونقصد الكفار ولو لم نخف على المسلمين جاز رمى أولئك المسلمين أيضا في أحد قولي العلماء .
    ومن قتل لأجل الجهاد الذي أمر الله به ورسوله هو في الباطن مظلوم كان شهيدا وبعث على نيته ولم يكن قتله أعظم فسادا من قتل من يقتل من المؤمنين المجاهدين .
    وإذا كان الجهاد واجبا وإن قتل من المسلمين ما شاء الله فقتل من يقتل في صفهم من المسلمين لحاجة الجهاد ليس أعظم من هذا .
    [ مجموع الفتاوى ج28 ص 536 و537 ]

    فكلام شيخ الإسلام كان جوابا لسؤال حول مقاتلة جيش التتار الذي فيه بعض الجنود المسلمين المكرهين أو غير المكرهين والذين هم يقاتلون مع جيش التتار . يلبسون ملابسهم ويحملون أسلحتهم ويقاتلون في صفهم ولا يستطيع المسلمون تمييزهم عن جيش التتار .
    ولقد بين شيخ الإسلام أن المقصود بجواز قتلهم من كلامه هم الجنود المسلمون الذين يقاتلون في صف التتار في قوله " فقتل من يقتل في صفهم من المسلمين لحاجة الجهاد ليس أعظم من هذا " .
    فهل يمكن اعتبار المسلمين الذين يبيعون أو يشترون في الأسواق أو الذين يسيرون في الطريق أو الذين هم في بيوتهم أو مزارعهم أنهم كالجنود الذين سُئل عنهم شيخ الاسلام ؟! .
    والعجيب أن الكثير من طلبة العلم ومن هو دونهم يقولون أن شيخ الإسلام استدل بالحديث السابق على مسألة التترس .
    بينما من الواضح جدا ً أن شيخ الإسلام استدل به على جواز ضرب المسلمين الذين يقاتلون في جيش الكفار وعلى اختلاف نياتهم .
    ولم يجعل الحديث دليلا ً على مسألة التترس .
    فلا يجوز أن نقوّل ابن تيمية رحمه الله ما لم يقل .

    ملحوظة :
    أكمل بقية الكتاب غدا إن يسر الله ذلك

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...

    أقوال العلماء في شرح الحديث :
    قال الحافظ ابن حجر : في هذا الحديث التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر إلى ذلك
    "قال المهلب : في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم .
    قال واستنبط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وإن لم يشرب ،
    وتعقبه ابن المنير " بأن العقوبة التي في الحديث هي الهجمة السماوية فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية "،
    ويؤيده آخر الحديث حيث قال " ويبعثون على نياتهم "
    وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل ، والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر إلى ذلك "
    [ فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 4 ص341 ]

    وقال النووي في شرح مسلم :
    وفي هذا الحديث من الفقه التباعد من أهل الظلم ، والتحذير من مجالستهم ، ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين ؛ لئلا يناله ما يعاقبون به .
    وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا
    [ النووي شرح صحيح مسلم ج 9 ص 261 ]

    وقال المباركفوري [ 1283 ? - 1353? ] :
    معناه إن الأمم التي تعذب ومعهم من ليس منهم يصاب جميعهم باجالهم ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم فالطائع يجازى بنيته وعمله والعاصي تحت المشيئة قاله المناوي.
    [ تحفة الأحوذي ج 6ص 327 ]

    أخي
    الحبيب : وكما يظهر لك أن العلماء الذين شرحوا الحديث لم يستدلوا به على مسألة التترس أو على جواز قتل المسلمين الذين يختلطون بالعدو كما يستدل به الذين يستحلون دماء المسلمين اليوم .
    ويتبين لك أن من استحل دماء المسلمين في العراق وغيره محتجا ً بالحديث وبكلام شيخ الاسلام ابن تيمية قد استحلها بغير دليل أو حتى قول عالم .
    فلا حول ولا قوة إلا بالله .
    ولقد قال تعالى { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } ففي هذه الآية تحريم أن يقول الإنسان بغير علم .
    ولقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة في معنى حديث البيداء سأذكر واحدا ً منها مع شرح العلامة ابن حجر له .
    فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (( قال رسول الله إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم ))
    [ متفق عليه ]

    قال ابن حجر :
    " قوله إذا انزل الله بقوم عذابا : أي عقوبة لهم على سيئ أعمالهم .
    وقوله أصاب العذاب من كان فيهم : والمراد من كان فيهم ممن ليس هو على رأيهم .
    وقوله ثم بعثوا على أعمالهم : أي بعث كل واحد منهم على حسب عمله إن كان صالحا فعقباه صالحة وإلا فسيئة فيكون ذلك العذاب طهرة للصالحين ونقمة على الفاسقين .
    قال بن بطال . هذا الحديث يبين حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها حيث قالت (( أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث ))
    [ متفق عليه ]
    فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي .
    قلت ( الكلام لابن حجر ) : الذي يناسب كلامه الأخير حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه
    (( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ))
    [صحيح / أخرجه الأربعة وصححه بن حبان]
    وأما حديث بن عمر رضي الله عنه
    وحديث زينب بنت جحش رضي الله عنها فمتناسبان وقد أخرجه مسلم عقبه ويجمعهما أن الهلاك يعم الطائع مع العاصي وزاد حديث بن عمر رضي الله عنه
    أن الطائع عند البعث يجازى بعمله .
    ومثله حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا (( العجب أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا يا رسول الله أن الطريق قد تجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر والمجبور وبن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم ))
    [ أخرجه مسلم ].
    وله من حديث أم سلمة رضي الله عنها نحوه ولفظه (( فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها قال يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته )) .

    وله من حديث جابر رضي الله عنه رفعه (( يبعث كل عبد على ما مات عليه ))
    [ مسلم ]
    وقال الداوّدي : معنى حديث بن عمر أن الأمم التي تعذب على الكفر يكون بينهم أهل أسواقهم ومن ليس منهم فيصاب جميعهم بآجالهم ثم يبعثون على أعمالهم
    "
    [فتح الباري ج13/ص60 ]

    أخي
    الحبيب : أصبح لديك يقين بأن العلماء لم يستدلوا بالأحاديث المذكورة على جواز قتل المسلمين الذين يختلطون بالعدو أو على مسألة التترس ولا أعلم عالماً استدل بهذه الأحاديث على مسألة التترس .
    بل إن العلماء فهموا منها أنها وردت لبيان إهلاك الله تعالى للأقوام التي تعصي الله تبارك وتعالى وذلك بانتشار المعاصي بينهم أو بعدوانهم وظلمهم لغيرهم بالرغم أن فيهم صالحين . ثم يبعثون يوم القيامة على نياتهم .
    وأخيرا ً أطلب من كل مسلم يستدل بالحديث على مسألة التترس أن يأتي بكلام لعالم من علماء السلف الصالح يستدل فيه بالحديث على مسألة التترس أو على جواز قتل المسلمين المختلطين بالكفار . بشرط أن يأتي بالكلام كاملا ً ولا يقتطع منه ما يغير المعنى ويوهم القارئ بمعنى لم يرده ذلك العالم .

    الدليل الثاني :
    الأحاديث في جواز تبيت المشركين والإغارة عليهم .
    فعن الصعب بن جثامة رضي الله عنه
    (( قال مر بي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأبواء أو بودان وسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم قال هم منهم وسمعته يقول لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ))
    [ الجماعة إلا الترمذي ]
    وزاد أبو داود قال الزهري :ثم ((نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان ))

    قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
    قوله : (( عن أهل الدار ))
    أي المنزل ، هكذا في البخاري وغيره
    ومعنى البيات المراد في الحديث أن يغار على الكفار بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم .
    قوله : (( هم منهم ))
    أي في الحكم تلك الحالة ، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم ،
    بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم .
    وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال : وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان وهذا الحديث أخرجه أبو داود بمعناه من وجه آخر عن الزهري ، وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب ،
    وقال مالك والأوزاعي : لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم .
    [ فتح الباري ج 9 ص 224 ]

    وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :
    (( غزونا مع أبي بكر هوازن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتينا ماء لبني فزارة فعرسنا حتى إذا كان عند الصبح شنناها عليهم غارة فأتينا أهل ماء فبيتناهم فقتلناهم تسعة أو سبعة أبيات ))
    [ ابن ماجة حسنه الألباني ]
    عن نافع (( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم ، وأصاب يومئذ جويرية " ، حدثني به عبد الله بن عمر ، وكان في ذلك الجيش ))
    [ متفق عليه ]

    عن أنس رضي الله عنه
    (( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غزا قوما لم يغر حتى يصبح ، فإن سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح ))
    [ متفق عليه ]
    ▪ غارون : أي غافلون
    [ نيل الأوطار ج8/ص 55 ]

    قال الشافعي :
    فالعلم يحيط أن البيات والإغارة إذا حل بإحلال رسول الله لم يمتنع أحد بيت أو أغار من أن يصيب النساء والولدان فيسقط المأثم فيهم والكفارة والعقل والقود عن من أصابهم إذ أبيح له أن يبيت ويغير . وليست لهم حرمة الاسلام .
    ولا يكون له قتلهم عامدا لهم متميزين عارفا بهم .
    فإنما نهى عن قتل الولدان لأنهم لم يبلغوا كفرا فيعلموا به وعن قتل النساء لأنه لا معنى فيهن لقتال وأنهن والولدان يتخولون ¹ ( خدما ً وعبيدا ً يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم لسان العرب ) فيكونون قوة لأهل دين الله .
    [ الرسالة ج 1 ص 297 ]

    أخي الحبيب :
    لقد تبين لك من حديث الصعب بن جثامة أن السؤال كان عن حكم إصابة نساء وصبيان المشركين في حالة الهجوم على مدن المشركين ليلا ً حيث الظلام الذي لا يمكن للمسلمين أن يميزوا بين المقاتل من غير المقاتل من المشركين .
    فلا يجوز قياس إباحة قتل من حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتله من المشركين في هذه الحالة على جواز قتل المسلمين الآمنين الغافلين جهاراً نهارا ً في الطرقات والأسواق والمدارس بل والمساجد مستدلين بحديث الصعب بن جثامة .

    ¹ يتخولون : خدما ً وعبيدا ً يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم لسان العرب

    الدليل الثالث :

    حديث رمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل الطائف بالمنجنيق :
    الرد على من يستدل بهذا الحديث على جواز قتل المسلمين الذين يختلط بهم العدو من وجهين :
    الأول : صحة الحديث .
    الثاني : دلالة الحديث على الحكم أعلاه .
    الوجه الأول : يتطلب إثبات هذا الرمي ثبوت حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبين أنه قد فعل ذلك .
    فقد جاء ذكر محاصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للطائف في الصحيحين . ولكن رميهم بالمنجنيق جاء في عدة أحاديث وعدة طرق كلها ضعيفة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها .
    1 : في الطبقات الكبرى لابن سعد قال أخبرنا قبيصة بن عقبة ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن ثور بن يزيد عن مكحول : (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما ))
    وهو حديث مرسل لأن مكحول تابعي .
    والتابعي هو الذي رأى الصحابي ولم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمن بالإسلام ومات على الإيمان .
    والحديث المرسل من الأحاديث الضعيفة التي لا تثبت نسبتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
    لاحتمال أن يكون التابعي الذي روى الحديث قد أخذ هذا الحديث من تابعي آخر ضعيف لا يحتج به فيكون الحديث ضعيفا ً .
    2 : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : سمعت علي بن المديني يقول : جلست إلى عبد الله بن خراش وأنا حدث ، فسمعته يقول : حدثنا العوام ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه
    (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف فعلمت أنه كذاب )).
    قال البخاري : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني

    3 : وفي السنن الكبرى للبيهقي أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، أنبأ أحمد بن سلمان ، قال : قرئ على عبد الملك بن محمد ، وأنا أسمع ، ثنا عبد الله بن عمرو بصري وكان حافظا ، ثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي عبيدة رضي الله عنه
    ، (( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر أهل الطائف ، ونصب عليهم المنجنيق سبعة عشر يوما ))
    قال أبو قلابة : " وكان ينكر عليه هذا الحديث "
    قال الشيخ رحمه الله : " فكأنه كان ينكر عليه وصل إسناده ، ويحتمل أنه إنما أنكر رميهم يومئذ بالمجانيق
    فقد روى أبو داود في المراسيل ، عن أبي صالح ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى هو ابن أبي كثير ، قال )) حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرا . قلت : فبلغك أنه رماهم بالمجانيق ؟ فأنكر ذلك ، وقال : ما يعرف هذا . ))
    قال الشيخ رحمه الله : " كذا قال يحيى إنه لم يبلغه ، وزعم غيره أنه بلغه . روى أبو داود في المراسيل .

    4
    : وفي سنن الترمذي الجامع الصحيح
    حدثنا هناد قال : سمعت قتيبة قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن رجل ، عن ثور بن يزيد ، " " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف "
    " قال قتيبة : قلت لوكيع : من هذا ؟ قال : " " صاحبكم عمر بن هارون . ( متروك الحديث )

    فكل الأحاديث التي ذكرت رمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطائف بالمنجنيق ضعيفة لا يمكن الاستدلال بها على إثبات هذا الرمي .
    فإذا كان لا يجوز إثبات سنة من السنن عن النبي فضلا عن فرض من الفروض إلا بما ثبت من الأدلة فكيف إذا تعلق الأمر بالدماء وانتهاك الحرمات ؟ !

    الوجه الثاني : لا يمكن الاستدلال بالأحاديث على جواز رمي المسلمين الذين يختلطون مع العدو في الطرقات والأسواق وغيرها من الأماكن .
    لأن الحديث وإن كان غير صحيح فإنه يختص برمي مدن الكفار وليس مدن المسلمين فلا يمكن قياسه على المسلمين .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...



    فصل
    2 : شبهة جواز قتل نساء وأطفال المشركين .
    أخي الحبيب إن كنت من الذين يقولون بجواز قتل نساء وأطفال المشركين سواء كان هؤلاء المشركون محاربين للمسلمين أم ليسوا من المحاربين .
    فإن أدلة الكتاب والسنة تحرم عليك قتل نسائهم وأطفالهم إلا في حالة الهجوم عليهم ليلا ً فقط وعدم قدرة المسلمين على تمييز المقاتل وغير المقاتل أما من يستطيع التمييز وعلم أن هذا طفل وتلك امرأة ثم يقتلهم .
    فهذا قد ارتكب محرماً وخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعدى حدود الله ومن يتعدى حدود الله فإن الله لا يحبه قال تعالى { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } [البقرة : 190]
    ولا تظن أن الله يحبك ويرضى عنك أو يغفر لك لأنك تقاتل في سبيله ومن المجاهدين فلا يضرك ما ترتكبه من أخطاء ومخالفات بل وجرائم تتعدى بها على حرمات الله .
    فهل أنت أفضل من خالد بن الوليد الذي هو من الصحابة المجاهدين الذين قاتلوا في سبيل الله وفتح الله على يديه ما شاء الله من الفتوحات وسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيف الله .
    كما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه
    (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيدا ، وجعفرا ، وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : " أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب " وعيناه تذرفان : " حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم " )) يعني خالد بن الوليد رضي الله عنه
    .
    ولكن عندما أخطأ خالد رضي الله عنه
    وقتل الأسرى تبرأ من فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . كما في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه
    (( قال : بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ، فقالوا : صبأنا صبأنا ، فجعل خالد يقتل ويأسر ، ودفع إلى كل رجل منا أسيره ، فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره ، فقلت : والله لا أقتل أسيري ، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره ، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد " مرتين ))

    فلو أن رسول الله حيا ً بيننا فكم من أفعالنا سيتبرأ منها . فإذا تبرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فعل خالد رضي الله عنه
    بالرغم من أن خالدا ظن أنهم بقولهم صبأنا أنهم متمسكون بدين الشرك غير قابلين بالإسلام .
    فكيف بمن يستحل قتل المسلمين الغافلين الآمنين ؟
    هذا ذاهب لعمله وذلك إلى المستشفى والآخر ذاهب إلى المسجد وآخر من المجاهدين ذاهب للقاء أخ له في الجهاد وغيرهم كثير .
    كل ٌ ذاهب إلى غايته ثم تفاجئهم بتفجيرهم وقتلهم وتمزيقهم . تيتم الأطفال وترمل النساء وتحزن الأهل والأحباب على العشرات من المسلمين الغافلين بحجة التترس المزعومة .
    فهل أعددت الجواب لمالك يوم الدين يوم يقوم الناس لرب العالمين ؟

    الأدلة على تحريم قتل نساء وأطفال المشركين :
    قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر حديث الصعب بن جثامة السابق :
    وقد أخرج ابن حبان في حديث الصعب زيادة في آخره " ثم نهى عنهم يوم حنين " وهي مدرجة في حديث الصعب ،
    وذلك بيّن في سنن أبي داود فإنه قال في آخره " قال سفيان قال الزهري : ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان " .
    ويؤيد كون النهي في غزوة حنين ما سيأتي في حديث رياح بن الربيع الآتي " فقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا " .
    والعسيف : الأجير وزنا ومعنى ،
    وخالد رضي الله عنه
    أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة الفتح ، وفي ذلك العام كانت غزوة حنين ،
    وقال الشافعي والكوفيين : إذا قاتلت المرأة جاز قتلها .
    وقال ابن حبيب من المالكية : لا يجوز القصد إلى قتلها إلا إن باشرت القتل وقصدت إليه . قال : وكذلك الصبي المراهق .
    ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رياح بن الربيع رضي الله عنه
    قال (( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة ، فرأى الناس مجتمعين ، فرأى امرأة مقتولة فقال : ما كانت هذه لتقاتل )) .
    فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت ، .
    واتفق الجميع كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والولدان ، أما النساء فلضعفهن ، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر ، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم إما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به ،
    وحكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب ، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي ، وهو غريب ،
    وفي الحديث دليل على جواز العمل بالعام حتى يرد الخاص ، لأن الصحابة تمسكوا بالعمومات الدالة على قتل أهل الشرك ، ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان فخص ذلك العموم .
    [ فتح الباري لابن حجر ج 9 ص 224 والنص له و تحفة الأحوذي للمياركفوري ج 4 ص 234 و سبل السلام للصنعاني ج 6 ص 148 ]

    وقال المباركفوري :
    قوله : ( ونهى عن قتل النساء والصبيان )
    قال ابن الهمام : ما أظن إلا أن حرمة قتل النساء والصبيان إجماع .
    [ تحفة الأحوذي ج 4 ص 234 ]

    وقال الشوكاني :
    باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل
    عن ابن عمر رضي الله عنه
    قال : " وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان )) .
    [ رواه الجماعة إلا الترمذي ] .

    - وعن رياح بن ربيع رضي الله عنه
    (( أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد ، فمر رياح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة ، فوقفوا ينظرون إليها ، يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته فأفرجوا عنها ، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا )) .
    [ رواه أحمد وأبو داود [ صحيح ]،

    وعن الأسود بن سريع رضي الله عنه
    (( قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغزوت معه فأصبت ظهرا ، فقتل الناس يومئذ حتى قتلوا الولدان . وقال مرة : الذرية .
    فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : " ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية . فقال رجل : يا رسول الله ، إنما هم أولاد المشركين ، فقال : ألا إن خياركم أبناء المشركين . ثم قال : ألا لا تقتلوا ذرية ، ألا لا تقتلوا ذرية . قال : . كل نسمة تولد على الفطرة ، حتى يعرب عنها لسانها ، فأبواها يهودانها وينصرانها ))
    [ أحمد / صحيح ]

    وعن سليمان بن بريدة ، عن أبيه رضي الله عنه
    قال )) كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمّر أميرا على جيش ، أو سرية ، أوصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ))
    [ الجماعة إلا البخاري ]

    وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان ، وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال ، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم .
    وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المذكورة فقالوا : إذا
    قاتلت المرأة جاز قتلها .
    وقال ابن حبيب من المالكية : لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه ".
    [ نيل الأوطار ج 8 ص 72 ]

    ▪ يقول الكثير من الذين يبيحون قتل نساء وأطفال المشركين بأن نساء وأطفال المشركين كلهم محاربون فهم يساعدون أزواجهم وآبائهم على قتال المسلمين .
    فالرافضة كلهم محاربون فلقد رأيت صبيانا منهم يوشون بالمسلمين لدى العدو ونسائهم يفعلن ذلك أيضا فالرافضة كلهم محاربون .
    وأنا أدعو من يقول بهذا القول إلى التحاكم إلى سنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
    قال تعالى{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [النور : 51]
    ففي غزوة حنين أخرج مالك بن عوف ملك الطائف كل أهل الطائف الرجال والنساء والأطفال بل حتى دوابهم وأموالهم إلى أرض المعركة في حنين وكما ذكر ذلك أهل السير والتأريخ .
    قال الإمام الطبري :
    فلما أجمع مالك المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به فلما نزل قال بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس ملي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم فقال أين مالك فقيل هذا مالك فدعي له فقال يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير قال سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم .
    [تاريخ الطبري ج2/ص166 ]
    وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :
    قال ابن إسحاق لما سمعت هوازن بالفتح جمعها مالك بن عوف النصيري مع هوازن ثقيف كلها فلما أجمع مالك السير إلى رسول الله و ساق مع الناس أموالهم ونساءهم ذراريهم
    [ مختصر السيرة لمحمد بن عبد الوهاب ج 1ص 207 ]
    ولقد قتلت امرأة من المشركين في أرض المعركة في حنين . وكما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر .
    فما كان حكم رسول الله على هذه الحادثة . ؟
    هل قال بأنها تستحق القتل لأنها من المشركين وهي في أرض المعركة .
    ليست في بيتها أو في السوق بل هي مع زوجها أو أخيها الذي يقاتل المسلمين في تلك المعركة .
    هل قال بأنها ربما كانت تساعد زوجها فتناوله السهام أو تسقيه الماء أو تشجعه على القتال أو غير ذلك من أوجه المعاونة على قتال المسلمين ؟
    بل كان حكمه أن قال صلى الله عليه وآله وسلم (( ما كانت هذه لتقاتل . فقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا ))
    وفي رواية (( وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان )) .
    [ رواه الجماعة إلا الترمذي ] .
    ومن هذا الحكم نستفاد أن الحكم على شخص ما أنه محارب للمسلمين يجب أن يكون بطريق اليقين وليس بالظنون أو الشك . وخصوصا ً من هو ليس مظنة القتال كالمرأة والصبي والشيخ الكبير .
    لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي نهى عن قتل النساء قد أمر بقتل عدد من النساء اللاتي حاربن الله ورسوله باليقين .
    كالمرأتين اللتين أمر بقتلهما صلى الله عليه وآله وسلم في فتح مكة .
    فإذا حصل اليقين بأن هذه المرأة قاتلت المسلمين جاز قتلها .
    وليس بالظن أو الشك أو الخيالات أو بالأحكام العامة الشاملة الجزافية والتي لا تستند لأدلة يقينية .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...


    تفسير قوله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين }
    1:
    قال الطبري :
    ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار ، لم ينسخ . وإنما الاعتداءُ الذي نهاهم الله عنه ، هو نهيه عن قتل النساء والذَّراري ّ. قالوا : والنهي عن قتلهم ثابتٌ حُكمه اليوم .
    قالوا : فلا شيء نُسخ من حكم هذه الآية .
    فعن يحيى بن يحيى الغساني ، قال : كتبتُ إلى عمر بن عبد العزيز أسألهُ عن قوله:
    { وقاتلوا في سَبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يُحب المعتدين } ،
    قال: فكتب إليّ: "إنّ ذلك في النساء والذريّة ومن لم يَنصِبْ لك الحرَب منهم".
    وعن ابن عباس رضي الله عنه
    : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين }
    يقول: لا تقتلوا النساء ولا الصِّبيان ولا الشيخ الكبير وَلا منْ ألقى إليكم السَّلَمَ وكفَّ يَده، فإن فَعلتم هذا فقد اعتديتم.
    فتأويل الآية - إذا كان الأمر على ما وصفنا - : وقاتلوا أيها المؤمنون في سبيل الله ( وسبيلُه: طريقه الذي أوضحه، ودينه الذي شرعه لعباده ) .
    يقول لهم تعالى ذكره: قاتلوا في طاعتي وَعلى ما شرعت لكم من ديني ، وادعوا إليه من وَلَّى عنه واستكبر بالأيدي والألسن ، حتى يُنيبوا إلى طاعتي ، أو يعطوكم الجزية صَغارًا إن كانوا أهل كتاب .
    وأمرهم تعالى ذكره بقتال مَنْ كان منه قتال من مُقاتِلة أهل الكفر دون من لم يكن منه قتال من نسائهم وذراريهم ، فإنهم أموال وخَوَلٌ لهم إذا غُلب المقاتلون منهم فقُهروا ،
    فذلك معنى قوله: { قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } لأنه أباح الكف عمّن كف ، فلم يُقاتل من مشركي أهل الأوثان والكافِّين عن قتال المسلمين من كفار أهل الكتاب على إعطاء الجزية صَغارا.
    فمعنى قوله : { ولا تعتدوا } : لا تقتلوا وليدًا ولا امرأةً، ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابَين والمجوس
    { إنّ الله لا يُحب المعتدين } الذين يجاوزون حدوده ، فيستحلُّون ما حرَّمه الله عليهم من قتل هؤلاء الذين حَرَّم قتلهم من نساء المشركين وذراريهم .
    [ الطبري ج 2 ص 190 ][فتح القدير للشوكاني ج 1 ص252 ]
    [ البغوي ج 1 ص 161 ]

    2:
    قال ابن كثير :
    وقوله: { وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
    أي: قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي -كما قاله الحسن البصري - من المَثُلة، والغُلُول، وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم ، والرهبان وأصحاب الصوامع ، وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة .
    كما قال ذلك ابن عباس ، وعمر بن عبد العزيز ، ومقاتل بن حيان .
    [ ابن كثير ج1 ص 227 ]

    3 : قال العلامة عبد الرحمن السعدي :
    هذه الآيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله ، وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة، لما قوي المسلمون للقتال، أمرهم الله به، بعد ما كانوا مأمورين بكف أيديهم .
    وفي تخصيص القتال { فِي سَبِيلِ اللَّهِ } حث على الإخلاص، ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين.
    { الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ } أي : الذين هم مستعدون لقتالكم ، وهم المكلفون الرجال، غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال .
    والنهي عن الاعتداء ، يشمل أنواع الاعتداء كلها ، من قتل من لا يقاتل من النساء، والمجانين والأطفال، والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى، وقتل الحيوانات، وقطع الأشجار [ونحوها]، لغير مصلحة تعود للمسلمين.
    [ السعدي ج 1 ص 89 ]
    تفسير قوله تعالى { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً }


    1 : قال الإمام الطبري :
    وأما قوله : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } ، فإنه يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله، أيها المؤمنون، جميعًا غير مختلفين ، مؤتلفين غير مفترقين ، كما يقاتلكم المشركون جميعًا ، مجتمعين غير متفرقين
    [ الطبري ج 14 ص 241 ]

    2 :
    وقال القرطبي :
    قوله تعالى: { وقاتلوا المشركين كافة } فيه مسألة واحدة: قوله تعالى:
    { قاتلوا } أمر بالقتال.
    و { كافة } معناه جميعا ، وهو مصدر في موضع الحال .
    أي محيطين بهم ومجتمعين .
    قال بعض العلماء : كان الغرض بهذه الآية قد توجه على إلى عيان ثم نسخ ذلك وجعل فرض كفاية.
    قال ابن عطية : معنى هذه الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة.
    ثم قيدها بقوله: { كما يقاتلونكم كافة } فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم. والله أعلم.
    [ القرطبي ج 8 ص 136 ]

    3 :
    وقال ابن كثير :

    وأما قوله تعالى: { وقاتلوا المشركين كافة } أي جميعكم { كما يقاتلونكم كافة } أي جميعهم
    أي: كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم إذا حاربتموهم ، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون
    [ ابن كثير ج 4 ص 143 و144 ]

    4 :
    وقال الشوكاني :

    قوله : { وَقَاتِلُواْ المشركين كَافَّةً } أي جميعاً ، وهو مصدر في موضع الحال . قال الزجاج : مثل هذا من المصادر كعامة وخاصة لا يثنى ولا يجمع .
    { كَمَا يقاتلونكم كَافَّةً } أي جميعاً ، وفيه دليل على وجوب قتال المشركين ، وأنه فرض على الأعيان إن لم يقم به البعض
    [فتح القدير الشوكاني ج 3 ص 252 ]

    قلت : قد يستدل مسلم ٌ بالآية السابقة على أنه يجب أن نقاتل ونقتل جميع المشركين المقاتل منهم وغير المقاتل الرجال والنساء والأطفال .
    وسبب هذا الاستدلال هو الجهل بمعاني القرآن واللغة العربية . وعدم سؤال أهل العلم ومراجعة كتب أهل الذكر . ألا وهم العلماء الذين علموا معاني الذكر ألا وهو الكتاب والسنة .
    قال تعالى { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل : 43]

    ولكن بعد أن نقلت لك أخي الحبيب أقوال علماء التفسير حول معنى هذه الآية تبين لك المراد منها وهو أن يوحد المسلمون صفوفهم ويجمعوا قوتهم فيقاتلوا عدوهم كما أن الأعداء يجتمعون من جميع أنحاء الأرض لقتال المسلمين

    فصل
    3 : شبهة أنه لا يجوز تعطيل الجهاد :
    يقولون بأن الالتزام بالأصل وهو تحريم سفك دم المسلم وكذلك الالتزام بالشروط التي وضعها العلماء لاعتبار الحالة أنها من التترس الذي يباح فيه ضرب الكفار وإن أدى إلى قتل المسلمين الذين تترس بهم العدو .
    كل ذلك يؤدي إلى تعطيل الجهاد وهو أمر لا يجوز لأن الجهاد فرض . وخصوصا ً جهاد الدفع لدفع العدو الغاصب الظالم الذي يجب أن يدفع بحسب الإمكان .
    وأن الجهاد ليس كباقي الواجبات العينية كالصيام أو الزكاة والحج بل هو أهم من كل العبادات السابق ذكرها لأن تعطيل الجهاد يؤدي إلى تسلط أعداء هذا الدين علينا مما يؤدي إلى ذهاب الإسلام والمسلمين .
    والجواب على هذه الشبهة من عدة أوجه :
    الأول : يطالب من يقول بهذا الكلام بالدليل من كتاب الله أو من سنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على أنه يجوز قتل المسلمين الذين يختلطون بالعدو إذا أدى ترك ضربهم إلى تعطيل الجهاد . لأن إباحة دم المسلم في هذه الحالة هي حكم والحكم الشرعي يحتاج إلى دليل لكي تطمئن قلوب المسلمين له . فأين هو الدليل ؟
    بل إن من المعلوم من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (( ما نهيتكم عنه ، فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ))
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
    واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة وهذا منقول عن الإمام احمد .
    [فتح الباري ج13/ص 262 ]
    ففي هذه الحالة عندنا جهاد الدفع وهو واجب . ويقابله قتل المسلم فإنه منهي عنه .
    فالواجب على المسلم وحسب ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقدم النهي عن قتل المسلم على أداء واجب الجهاد .
    ويصدق على هذه المسألة القاعدة الفقهية ( دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) أي دفع مفسدة قتل المسلم يقدم على جلب مصلحة إقامة واجب جهاد الدفع .
    علما ً بأن مسألة قتل المسلم الغافل الآمن بغير حق بأيدي المسلمين شئ .وهي ما أقصده في كلامي .
    ومسألة أن يقتل المسلم المجاهد في سبيل الله بأيدي الكفار شئ آخر .
    فإن الله سبحانه وتعالى حرض المؤمنين على التضحية بأنفسهم قبل أموالهم في قوله تعالى { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا ْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة : 111]
    أي من جاهد من المسلمين فإنه قد يُقتل بأيدي الكفار وهذا أمر يتمناه المسلمون المخلصون لأن بهذا القتل ينال الشهادة وهي مكانة لا ينالها إلا من رضي الله عنه من المسلمين . وهي مصلحة للمسلم بنيله للشهادة وللمسلمين لأن هذا المجاهد ضحى بنفسه للحفاظ على الإسلام والمسلمين .
    أما قتل المسلم الغافل الآمن بأيدي المسلمين فهي مفسدة يجب دفعها .

    الثاني : أن حالة الخوف من أن يتسلط الكفار على بلاد المسلمين مما قد يؤدي إلى ذهاب الإسلام والمسلمين . قد وضع لها العلماء شروطا ً حتى تعتبر من الضرورات التي تبيح المحظورات ( أي قتل المسلم في هذه الحالة ) ولقد تبين للجميع أن هذه الشروط لا تتوفر في معارك اليوم .

    الثالث : إن الإدعاء بأنه لا يمكن ضرب العدو إلا بقتل عدد من المسلمين لأن العدو قد اختلط بالمسلمين في كل أنحاء البلد فلا يوجد مكان يستطيع المسلمون فيه ضرب العدو بدون أن يتأذى أحد من المسلمين .
    هو ادعاء غير صحيح من عدة وجوه .

    1 : بالنسبة لدوريات العدو التي تسير في الطرقات الخارجية والداخلية يمكن اختيار المكان والزمان المناسب لضربها مع التأكد من عدم إلحاق ضرر بالمسلمين خصوصاً وأن العدو يجعل بينه وبين مركبات المسلمين مسافة كافية ليتجنب المجاهد أذية مركبات المسلمين . وأهل كل منطقة أعلم من غيرهم بذلك .
    2 : بالنسبة إلى ضرب بعض المنشآت المهمة للعدو والتي يكون مكانها وسط تجمعات المسلمين من باب تدمير البنى التحتية للعدو وتعجيل النصر . لقد أثبتت التجارب السابقة عدم جدوى هذه العمليات من الناحية العسكرية لأن ما يدمر من البنيان يقوم العدو ببناء ما هو أفضل منه وأكثر تحصينا ً ويعين من الأشخاص من يقوم بنفس الأعمال التي كان يقوم بها من قتل منهم أثناء التفجير .
    أما بالنسبة لمن قُتل من المسلمين في تدمير هذه المنشأة أو تلك فما هو ثمن قتلهم ؟!
    الجواب : إن الثمن هو استحقاق من قتلهم دخول جهنم والخلود فيها وغضب الله عليه ولعنه و العذاب العظيم له .
    قال تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ً } [ النساء 93 ]

    وكذلك الثمن هو تأخير النصر إن لم يكن هو تعجيل الخسارة والخذلان وتسليط أعداء الله علينا أكثر فأكثر .
    وهذا ما حصل فعلا ً بعد سبع سنوات من القتال مع العدو . هاهو العدو ينظم صفوفه والمسلمون الذين كانوا يقاتلونه تشتت صفوفهم . والعدو تزداد عدته وعدده والمسلمون تقل عدتهم ويتناقص عددهم . العدو يبني قواعد عسكرية كثيرة ومحصنة والمسلمون تتناقص الأماكن التي تؤويهم .
    وأهم خسارة للمسلمين بسبب هذه العمليات التي يذهب بسببها الكثير من المسلمين الآمنين الغافلين هو خسارة تأييد ونصرة عموم المسلمين للمقاتلين لأن عموم المسلمين يعلمون أن قتل المسلم حرام بل أنهم ينتظرون من المجاهدين أن يقاتلوا العدو لكي يحقنوا دماء المسلمين وأموالهم وقبل ذلك كله يحفظوا لهم دينهم لذا سمي هذا الجهاد بجهاد الدفع أي أن يستفرغ المجاهدون وسعهم في دفع العدو ومنعه من أن يلحق الضرر بالإسلام والمسلمين .
    ولكن عندما يقوم المجاهدون بقتل وتفجير المسلمين مع العدو فإن هذا العمل يظهر لعموم المسلمين أن الذي فعله لا يهتم لأمر من قُتل منهم وأنه لا يقيم لحرمة دمائهم وزنا وبالتالي فإن منزلته عندهم ستكون بمنزلة العدو لأن فعله شابه فعل العدو في سفك دمائهم بغير حق .

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...

    أخي الحبيب :
    يجب أن تكون لك في رسول الله أسوة حسنة في صيانة الإسلام وأهله .
    فقد ترك صلى الله عليه وآله وسلم قتل المنافقين الذين علّمه الله سبحانه بأسمائهم خشية أن يقول الناس أن محمدا يقتل أصحابه .

    فعن عمر و جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قالا (( كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بال دعوى الجاهلية قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار .
    فقال دعوها فإنها منتنة . فسمعها عبد الله بن أبي فقال قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .
    قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ))
    [ متفق عليه ]

    قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج16/ص138:
    "قوله صلى الله عليه وآله وسلم (( دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه )) :فيه ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم من الحلم وفيه ترك بعض الأمور المختارة والصبر على بعض المفاسد خوفا من أن تترتب علي ذلك مفسدة أعظم منه وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين وتتم دعوة الإسلام ) " انتهى.

    قلت : علما ً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حينها رئيسا ً لدولة الإسلام يملك القوة والقدرة على تنفيذ الحدود . ولقد كان هؤلاء المنافقون يتآمرون على النبي والمسلمين ، ويؤذون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أقوالهم . ولكن ترك قتلهم للحفاظ على مصلحة الإسلام والحفاظ على الدعوة لهذا الدين ولكي يدخل فيه ما شاء الله من الناس رغبة ً في مكارم أخلاقه وما يدعو إليه من العدل وإيتاء كل ذي حق حقه وغيرها من الأخلاق .
    فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يترك قتل المنافقين لأن ظاهرهم الإسلام خوفا ً من أن يقول الناس أن محمدا ً يقتل أصحابه فكيف بك أخي الحبيب تقتل المسلمين ولا تبالي بهم ولا بالمفاسد العظيمة من وراء ذلك .
    فإننا نسمع جميعا ً ما يقوله الناس عن هذه الأفعال .
    فمنهم من يقول أن من يقوم بذلك ليس من الإسلام لأن المسلم كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (( المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، ))
    [الجماعة إلا ابن ماجة ]
    وفي لفظ النسائي (( المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ))
    ومنهم من يقول إذا كان هؤلاء المجاهدون يريدون أن يقيموا دولة الإسلام حقا ً فكيف سنأمن حينها على أنفسنا منهم حينما تقام لهم تلك الدولة . ونحن الآن لا نأمن على أنفسنا منهم فهم يستحلون دماءنا وأموالنا من غير دليل من الكتاب والسنة . بل يحرف بعضهم أقوال العلماء وينقل منها بعضها ويخفي منها ما يشاء لينصر فكرته .
    فالذي يريد أن يحكم بالكتاب والسنة فلابد أن يكون طريقه للوصول إلى ذلك هو تحكيم أدلة الكتاب والسنة .
    وليس قولا لعالم يعارض أدلة الكتاب والسنة أو تأويلا فاسد أو شبهات أو تبريرات لا تسمن ولا تغني عنهم من الله شيئا ً .
    ومنهم من يفقد أخا ً له أو أبا ً مسلما ً مؤمنا ً آمنا ً , من جراء إحدى العمليات التي يصنفونها أنها من التترس . فيؤدي ذلك إلى أن يتعاون مع الأعداء وذلك بالوشاية بمن يعرف أنه من المجاهدين انتقاما منه لما فقده بسبب فعل بعض المقاتلين .
    بل واعتقادا ً منه وإيمانا ً أنه يجب القضاء على جميع المجاهدين لأنهم يشكلون خطرا ً على أرواح المسلمين الآمنين .
    وغير ذلك من المفاسد الكثيرة والتي كما بينت أن رسول الله كان يدفعها أشد الدفع حفاظا ً على الإسلام ودعوته .

    فصل
    4 : شبهة أن جهاد الدفع يجوز فيه ما لا يجوز في الطلب :
    وهذه شبهة قد يستدل البعض بها على تسويغ قتل المسلمين بغير حق وأيضا ً يستدلون بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية الآتي ويبدو أن شيخ الإسلام رحمه الله سيتزيد من الحسنات بسبب ما يُفترى عليه هذه الأيام والله أعلم .
    قال شيخ الإسلام :
    وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده والجهاد
    [ الفتاوى الكبرى ج4/ص608 ]
    فكلام ابن تيمية ( وإن كان هو ليس دليلا ً شرعيا ً وليس بحجة ) فقد كان حول ما يشترط توفره لجهاد الطلب مثل الزاد والراحلة والقدرة أو غيرها من الشروط وبين ما يشترط لجهاد الدفع فقال رحمه الله تعالى : بأن جهاد الدفع لا يشترط له شروطا ً بل يدفع العدو بحسب الإمكان أي من كان قادرا ً على دفع العدو بمقاتلته باليد فيجب عليه ذلك ومن عجز عن دفع العدو بالقتال وكان يملك المال وجب عليه أن يبذل ماله في سبيل الله ومن عجز عن المقاتلة وبذل المال وجب عليه دفع العدو باللسان مثل إبداء الرأي والمشورة العسكرية وكذلك الدعوة لنشر العقيدة الصحيحة بين الناس وتعليمهم شرائع الإسلام ومنها سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كيفية مقاتلة أعداء الله .
    ولا يوجد في كلام ابن تيمية إشارة إلى أن هنالك فرق بين جهاد الدفع والطلب من ناحية إزالة حرمة دم المسلم في جهاد الدفع , إلا لمن يريد أن يجد لنفسه العذر لفعل ذلك لأنه لم ولن يجد دليلا ً من الكتاب والسنة يبيح له ذلك فاضطر إلى البحث في المتشابه من أقوال العلماء ليستدل به
    وليستنبط منه أحكاما ً مناطها الخيالات والظنون التي قد توفر له تبريرات نفسية ذاتية لا تغني عنه يوم القيامة من الله شيئا ً قال تعالى { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً } [الفرقان : 27]

    قال ابن كثير :
    وقوله تعالى { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ } يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم وعض على يديه حسرة وأسفا ً .
    فهذه الآية عامة في كل ظالم .
    فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم ويعض على يديه قائلا { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة { لقد أضلني عن الذكر } وهو القرآن { بعد إذ جاءني } أي بعد بلوغه إلي قال الله تعالى { وكان الشيطان للإنسان خذولا } أي يخذله عن الحق ويصرفه عنه ويستعمله في الباطل ويدعوه إليه .
    [ تفسير ابن كثير ج3/ص318 ]

    الخاتمة

    أخي الحبيب يجب أن تعلم أن الجهاد بكافة أنواعه هو عبادة من العبادات والعبادات توقيفية أي يجب على كل مسلم أن يتوقف ولا يخطو أي خطوة حتى يعلم دليلها فإن لم يكن ثم دليل فلا يجوز له أن يخطوها . وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة (( صلوا كما رأيتموني أصلي ))
    [ متفق عليه ]
    " قال أبو حاتم رضي الله عنه : قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) لفظة أمر تشتمل على كل شيء كان يستعمله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته ، فما كان من تلك الأشياء خصه الإجماع أو الخبر بالنفل ، فهو لا حرج على تاركه في صلاته ، وما لم يخصه الإجماع أو الخبر بالنفل فهو أمر حتم على المخاطبين كافة ، لا يجوز تركه بحال "
    [ صحيح ابن حبان / كتاب الصلاة باب الأذان ]
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم عن الحج ((لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ))
    [ متفق عليه ]
    وفي رواية (( خذوا عني مناسككم ))
    [ البيهقي والطبراني صححه الألباني ]
    وكذلك الجهاد فهو ذروة سنام الإسلام فيجب أن نأخذه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن نجاهد كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجاهد .
    فمن أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتاله أو قتله قاتلناه وقتلناه ومن نهانا عن قتاله أو قتله تركناه طاعة ً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك طريقة القتال أو القتل فما أمرنا بها رسول الله فعلناها وما نهانا عنها تركناها .
    واعلم أن كل عبادة لا تقبل ولا يثاب عليها صاحبها إلا إذا توفر فيها شرطان :
    أولهما .
    هو إخلاص النية لله تعالى فلا يبتغي بفعلها إلا وجه الله .
    وثانيها .
    أن تكون وفق ما شرع الله في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .
    واعلم أيضا ً أن الصحابة الذين هم أفضل الخلق وأقربهم إلى الله تعالى بعد الرسل والأنبياء قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه من المكانة والمنزلة العظيمة باتباعهم للكتاب والسنة .
    ولم يكن في زمانهم أقوال للمذاهب أو لعالم من العلماء أو لأمير جيش تقدم على ما قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
    وقد أوردت لك فيما سبق كيف عصى ابن عمر رضي الله عنه
    أميره خالد بن الوليد رضي الله عنه
    عندما خالف فعل خالد أوامر رسول الله .
    وأما طاعة أمير جماعة معينة في كل ما يقول ويفعل بشبهة أنه من الذين يقاتلون العدو وهو رافع للواء الجهاد فمثل هذا لا يمكن أن تكون أفعاله أو جهاده مخالف للكتاب والسنة فلابد أن يكون عنده دليل على كل ما يفعله وما يختاره من طرق القتال .
    ولأنه لا يمكن أن يفعل فعلا ً يؤدي بنفسه أو بمن يتبعه أن يكونوا من أصحاب الجحيم أو من المخالفين لسنة إمام المتقين . وغير ذلك , والذي هو من باب إحسان الظن بمن يُعتقد أنه ممن اصطفاهم الله تعالى لقيادة المجاهدين في هذا الزمان .
    إن إحسان الظن هذا والذي يؤدي إلى تقليد هذا الأمير تقليدا أعمى من غير السؤال عن دليل أقواله وأفعاله لهو أكبر دليل على ضلال من يقوم به وهو من جنس ضلال الأقوام التي ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز ليحذرنا من طريقتهم في تحصيل العلم ألا وهي إحسان الظن بالأباء والأمراء وتقليدهم في كل ما كانوا يفعلونه ظنا ً منهم أنهم ما فعلوا ذلك إلا عن علم وأنه الحق الذي لا يجوز التخلي عنه .
    قال تعالى مبينا ذم تقليد الآباء { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [المائدة : 104]
    قال ابن كثير :
    أي إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه وترك ما حرمه قالوا يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك .
    [ تفسير ابن كثير ج2/ص109 ]

    وقال سبحانه مبينا ً ذم تقليد الأمراء { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } [الأحزاب : 67]
    قال ابن كثير :
    قال طاوّس : سادتنا يعني الأشراف وكبراءنا يعني العلماء [رواه بن أبي حاتم ]
    أي اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئا وأنهم على شيء فإذا هم ليسوا على شيء .
    [ تفسير ابن كثير ج3/ص520 ]

    فحسبك أخي الحبيب كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تصل بالالتزام بهما إلى رضى الله سبحانه وتعالى وقبول عباداتك ومنها الجهاد في سبيل الله .
    وأما إذا قدّمت قول أميرك على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيتحقق فيك قوله تعالى
    { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [النساء : 14]



    والله أعلم

    هذا ما استطعت كتابته فالحمد لله رب العالمين

    20 رمضان 1431
    30 / 8 / 2010


  12. #12
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي رد: ولا تعتدوا...

    أنصح بقراءة الموضوع قراءة تدبر .
    وخصوصا الفصول التي تتكلم عن الإجابة عن الشبهات التي استحلت وتستحل بها الدماء المحرمة والمعصومة .
    وذلك بسبب ما يجري في بلاد المسلمين من فتن وهرج ومرج .
    لعل الله يهدي من يشاء ممن وقع في تلك الشبهات .

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    1,056

    افتراضي

    " ولا تعتدوا "
    كتاب أجاب على أهم الشبهات التي تستحل بها الدماء المحرمة والمعصومة التي تُهدر في هذا الزمان باسم الجهاد في سبيل الله .
    ومن هذه الشبهات : التترس ... وأن جهاد الدفع لا يشترط فيه ما يشترط لجهاد الطلب . وغيرهما .
    http://up.top4top.net/downloadf-top4...58891-pdf.html

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •