الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
قال العلماء : قوله تعالى ) وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم ولا تعتدوا ( أول آية نزلت في الأمر بالقتال ولا خلاف في أن القتال كان محظوراً قبل الهجرة بقوله ) ادفع بالتي هي أحسن ( وقوله ) فاعف عنهم واصفح ( وقوله ) واهجرهم هجراً جميلاً ( وقوله ) لست عليهم بمسيطر ( وما كان مثله مما نزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمر بالقتال فنزل ) وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ( قاله الربيع بن أنس وغيره .
وروى عن أبي بكر الصديق أن أول آية نزلت في القتال ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ( والأول أكثر وأن آية الإذن إنما نزلت في القتال عامة لمن قاتل ولمن لم يقاتل من المشركين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه إلى مكة للعمرة فلما نزل الحديبية بقرب مكة والحديبية اسم بئر فسمى ذلك الموضع باسم تلك البئر فصده المشركون عن البيت وأقام بالحديبية شهراً فصالحوه على أن يرجع من عامه ذلك كما جاء على أن تخلى له مكة في العام المستقبل ثلاثة أيام وصالحوه على ألا يكون بينهم قتال عشر سنين ورجع إلى المدينة فلما كان من قابل تجهز لعمرة القضاء وخاف المسلمون غدر الكفار وكرهوا القتال في الحرم وفي شهر الحرام فنزلت هذه الآية أي يحل لكم القتال إن قاتلكم الكفار فالآية متصلة بما سبق من ذكر الحج وإتيان البيوت من ظهورها فكان عليه السلام يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزل ) فاقتلوا المشركين ( فنسخت هذه الآية قاله جماعة من العلماء ، وقال أبو زيد والربيع : نسخها ) وقاتلوا المشركين كافة ( فأمر بالقتال لجميع الكفار ، وقال ابن عباس وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد : هي محكمة ، أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم على ما يأتي بيانه ، قال أبو جعفر النحاس : وهذا أصح القولين في السنة والنظر فأما السنة فحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان رواه الأئمة .
وأما النظر فإن فاعل لا يكون في الغالب إلا من اثنين كالمقاتلة والمشاتمة والمخاصمة والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم كالرهبان والزمنى والشيوخ والأجراء فلا يقتلون وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام إلا أن يكون لهؤلاء إذاية أخرجه مالك وغيره .
الشيخ احمد نافع سليمان المورعي