تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: تفسير آية (متجدد)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    Lightbulb تفسير آية (متجدد)

    قال القرطبي في تفسير قوله تعالى انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا الآية:
    "إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعُقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً، شباباً وشيوخاً، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، من مُقل أو مكثر، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم، كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم، لزمه أيضاً الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها، سقط الفرض عن الآخرين، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو، ولا خلاف في هذا"
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 51]

    أخبر سبحانه أنه جعل الأرض ذلولا منقادة للوطئ عليها وحفرها وشقّها والبناء عليها, ولم يجعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منها. وأخبر سبحانه أنه جعلها مهادا وبساطا وفراشا وكفاتا (بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم من قول الشعبي).

    وأخبر أنه دحاها (أخرج منها الماء) وطجاها وأخرج منها ماءها ومرعاها, وثبّتها بالجبال, ونهج فيها الفجاج (الطريق الواسع بين الجبلين) والطرق, وأجرى فيها الأنهار والعيون, وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها,ومن بركتها أن الحيوانات كلها وأقواتها وأرزاقها تخرج منها.

    ومن بركتها أنها تحمل الأذى على ظهرها وتخرج لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها, فتوارى منه كل قبيح وتخرج له كل مليح. ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه وتواريها وتضمّه وتؤويه, وتخرج له طعامه وشرابه, فهي أحمل شئ للأذى وأعوده بالنفع, فلا كان من التراب خيرا منه ولا أبعد عن الأذى منه وأقرب من الخير.

    والمقصود أنه سبحانه جعل لنا الأرض كالجمل الذلول الذي كيفما يقاد ينقاد. وحسن التعبير بمناكبها عن طرقها وفجاجا لما تقدّم من وصفها بكونها ذلولا, فالماشي عليها يطأ على مناكبها وهو أعلى شئ فيها, ولهذا فسرت المناكب بالجبال كمناكب الانسان وهي أعاليه.

    قالوا: وذلك تنبيه على أن المشى في سهولها أيسر.

    وقالت طائفة: بل المناكب الجوانب والنواحي, ومنه مناكب الانسان لجوانبه, والذي يظهر أن المراد بالمنكب الأعالي. وهذا الوجه الذي يمشي عليه الحيوان هو العالي من الأرض دون الوجه المقابل له, فان سطح الكرة أعلاها, والمش انما يقع في سطحها, وحسن التعبير عنه بالمناكب لما تقدّم من وصفها بأنها ذلول.

    ثم أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها, فذلّلها لهم ووطّأها, وفتق فيها السبل والطرق التب يمشون فيها, وأودعها رزقهم فذكر تهيئة المسكن للانتفاع والتقليب فيها بالمجئ والذهاب, والأكل مما أودع فيه للساكن. ثم نبّه بقوله:{ واليه النشور} [الملك: 15], على أنّا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين بل دخلناه عابري سبيل فلا يحسن أن نتخذه وطنا ومستقرّا, وانما دخلناه لنتزوّد منه الى دار القرار, فهو منزل عبور لا مستقر حبور (سرور), ومعبر وممر, ولا وطن مستقر.

    فتضمّنت الآية الدلالة على ربوبيّته ووحدانيّته, وقدرته وحكمه ولطفه, والتذكير بنعمه واحسانه, والتحذير من الركون الى الدنيا, واتخاذها وطنا ومستقرا, بل نسرع فيها السير الى داره وجنّته.

    فلله ما في ضمن هذه الآية من معرفته وتوحيده, والتذكير بنعمته, والحث على السير اليه, والاستعداد للقائه, والقدوم عليه, والاعلام بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأنها لم تكن, وأنه يحيى أهلها بعدما أماتهم واليه النشور.
    (الفوائد)
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,727

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    جزاكم الله خيرا
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  4. افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    قرأت في شرح الأربعين النووية للشيخ عبد المحسن العباد عند الحديث الرابع والثلاثون " مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده "
    قال كلاماً جيداً ثم أشار إلى (أضواء البيان) لمحمد الأمين الشنقيطي في تفسير الآية 105 سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم مَن ضل إذا اهتديتم " . وقال الشيخ عبد المحسن أن للشيخ الشنقيطي في تفسير هذه الآية تقريرات جميلة .
    حاولت نسخها لكم فوجدتها تصل إلى عشرة صفحات ، من صفحة 200 إلى 211 ، فوددت الإحالة عليها من خلال تحميل المجلد الثاني من أضواء البيان والنظر في الآية المذكورة في الصفحات المذكورة .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    تفسير آية {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
    أود من سماحة الشيخ أن يفسر هذه الآية: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36]؟
    على ظاهرها فالله ينهى عن كون الإنسان يتكلم فيما لا يعلم (ولا تقف) يعني لا تقل في شيء ليس لك به علم، بل تثبت، (إن السمع) يقول: سمعت كذا، وهو ما سمع {وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} الإنسان مسئول عن سمعه وقلبه وبصره، فالواجب عليه أن لا يقول: سمعت كذا إلا عن بصيرة، ولا يقول: نظرت كذا إلا عن بصيرة، ولا يعتقد بقلبه شيء إلى عن بصيرة، لا بد، فهو مسئول، فالواجب عليه أن يتثبت وأن يعتني حتى لا يتكلم إلا عن علم، ولا يفعل إلا عن علم، ولا يعتقد إلا عن علم، ولهذا قال جل وعلا: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً، فالإنسان يتثبت في الأمور والله يقول -جل وعلا-: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] فجعل القول على الله بغير العلم فوق هذه الأشياء كلها، فالواجب على الإنسان يتعلم حتى يكون على علم، ويتبصر فلا يقول: سمعت، ولا يقول: رأيت، ولا يقول: كذا وكذا إلا عن بصيرة عن علم.

    (فتاوى نور على الدرب)
    الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    تفسير آية: {ويَمنَعوُن المَاعُون} "سورة الماعون"

    من نعم الله جل و علا على الأمة المحمدية أن منّ عليها بالقرآن الكريم ، و ما أنزله الله ليُقرأ بدون فهم بل أمرنا بتدبر آياته الجليلة لنعمل بها ، و من العجيب أن تمر علينا آيات كثيرة في قصار السور تحمل معان عظيمة، نرددها مرارا و تكرارا دون أن نفقه معناها رغم أن التفاسير الميسرة متعددة و متوفرة في أيامنا، فعلى المسلم أن يعتني بهذا الجانب من فهم كتاب الله سبحانه، وتكون البداية بفهم قصار السور فهي غالب ما يٌحفظ حفظا متقنا.

    والآيات في قصار السور عديدة اقتطفت منها واحدة من سورة الماعون و هي آخر آية في هذه السورة التي يذكر فيها عز و جل صفات المكذبين بالدين أي بالبعث و الجزاء، صفات ذميمة يجب على المسلم أن يبتعد عنها كل البعد فلا يتصف بأي منها ، و من هذه الصفات منع الماعون و به سميت "سورة الماعون" ، فما هو الماعون ؟!

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:
    و{الماعون }: يطلق على الإِعانة بالمال، فالمعنى: يمنعون فضلهم أو يمنعون الصدقة على الفقراء. فقد كانت الصدقة واجبة في صدر الإِسلام بغير تعيين قبل مشروعية الزكاة.

    وقال سعيد بن المسيب وابن شهاب: الماعون: المال بلسان قريش.

    وروى أشهب عن مالك: الماعون: الزكاة، ويشهد له قول الراعي:
    قوم على الإِسلام لمّا يمنعوا ماعونهم ويضيِّعوا التهليلا
    لأنه أراد بالتهليل الصلاة فجمع بينها وبين الزكاة.

    ويطلق على ما يستعان به على عمل البيت من آنية وآلات طبخ وشدّ وحفر ونحو ذلك مما لا خسارة على صاحبه في إعارته وإعطائه. وعن عائشة: الماعون الماء والنار والملح.

    وجاء في صحيح أبي داود(و غيره) عن عبد الله بن مسعود أنه قال : كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو ، والقدر.

    ففي هذه الآية حث على بذل الأموال الخفيفة، كعارية الإناء والدلو والكتاب و نحوهم أو على سبيل الهبة، لأن الله ذم من لم يفعل ذلك، وهذا ذم له بمنتهى البخل.

    فنعوذ بالله أن نكون ممن يمنعون الماعون !
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    أقوال المفسرين في آية {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
    هل هي ليلة النصف من شعبان أم ليلة القدر؟
    اختلف المفسرون في المراد بالليلة (التي يُفرق فيها كل أمر حكيم) على أقوال:
    القول الأول: المراد بهذه الليلة ليلة القدر التي في رمضان:
    وبه قال ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وأبو عبد الرحمن السلمي وعكرمة وأبو الجوزاء وأبو نضرة وقتادة وعمر مولى غفرة.
    1- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال في قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}: (يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو موت أو حياة أو مطر، حتى يكتب الحاج يحج فلان ويحج فلان)[1].
    وقال أيضًا رضي الله عنه: (إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق، وقد وقع اسمه في الموتى)، ثم قرأ: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3، 4]، قال: (يعني ليلة القدر، ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل، موت أو حياة أو رزق، كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها من قابل)[2].

    2- وعن ربيعة بن كلثوم قال: كنت عند الحسن فقال له رجل: يا أبا سعيد، ليلة القدر في كل رمضان؟ قال: "إي والله، إنها لفي كل رمضان، وإنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل أجل وأمل ورزق إلى مثلها"[3].

    3- وعن مجاهد بين جبر المكي في قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: "في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت يقدّر فيها المعايش والمصائب كلها"[4].
    وعن منصور قال: سألت مجاهدًا فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم، وإن كان اسمي في الأشقياء فامحه منهم، واجعله بالسعداء؟ فقال: حسن. ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك فسألته عن هذا الدعاء، قال: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ % فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3، 4]، قال: "يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يتغير"[5].

    4- وعن أبي عبد الرحمن السلمي في قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}: "يدبر أمر السنة في ليلة القدر"[6].

    5- وعن عكرمة مولى ابن عباس قال: "يؤذن للحاج ببيت الله في ليلة القدر، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر تلك الليلة أحد ممن كتب"، ثم قرأ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، "فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم"[7].

    6- وعن أبي الجوزاء في قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: "هي ليلة القدر، يجاء بالديوان الأعظم السنة إلى السنة، فيغفر الله عز وجل لمن يشاء، ألا ترى أنه قال: {رَحْمَةً مّن رَّبّكَ}"[8].

    7- وعن أبي نضرة في قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: "يفرق أمر السنة في كل ليلة قدر، خيرها وشرها ورزقها وأجلها وبلاؤها ورخاؤها ومعاشها، إلى مثلها من السنة"[9].

    8- وعن قتادة في قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} قال: "ليلة القدر {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، كنا نحدّث أنه يفرق فيها أمر السنة إلى السنة"[10].

    9- وعن عمر مولى غفرة قال: "ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها، وذلك لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ}، وقال: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}"، قال: "فنجد الرجل ينكح النساء ويغرس الغرس واسمه في الأموات"[11].

    القول الثاني: المراد بهذه الليلة ليلة النصف من شعبان:
    وهو قول عطاء، وقول آخر لعكرمة.
    1- عن محمد بن سوقة عن عكرمة في قول الله تبارك وتعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: "في ليلة النصف من شعبان يبرم فيه أمر السنة، وتُنسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد"[12].

    2- وعن عطاء بن يسار قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة، فيقال: اقبض من في هذه الصحيفة، فإن العبد ليفرش الفراش وينكح الأزواج ويبني البنيان وإن اسمه قد نسخ في الموتى"[13].

    - الراجح من القولين:
    والذي يترجح أن المراد بالليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان، والأدلة على ذلك ما يأتي:
    1. الضمير في قوله تعالى: {فِيهَا} يعود إلى الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، قال ابن جرير: "اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم نحو اختلافهم في الليلة المباركة، وذلك أن الهاء التي في قوله: {فِيهَا} عائدة على الليلة المباركة"[14].
    والليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر على الصحيح.
    قال قتادة في قوله تعالى {فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ}: "هي ليلة القدر"[15].
    وقال ابن زيد: "تلك الليلة ليلة القدر، أنزل الله هذا القرآن من أم الكتاب في ليلة القدر"[16].
    قال ابن جرير: "والصواب من القول في ذلك قول من قال: عنى بها ليلة القدر"[17].

    2. أن قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ} وقوله هنا: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} يوجب أن تكون هذه الليلة المباركة هي تلك المسماة بليلة القدر لئلا يلزم التناقض[18].
    وتقدم أن مرجع الضمير في قوله: {فِيهَا} يعود لليلة المباركة فتكون هي ليلة القدر.

    3. أنه تعالى قال في صفة ليلة القدر: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} وقال هنا: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وهو يناسب قوله: {تنزل الملائكة والروح فيها}، وكذا قوله هنا: {أمرًا من عندنا}، وفي سورة القدر: {بإذن ربهم من كل أمر} فيه تناسب، وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بإن إحدى الليلتين هي الأخرى[19].

    4. أن معنى قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ} أي: في ليلة التقدير لجميع أمور السنة من رزق وموت وحياة وولادة ومرض وصحه وخصب وجدب وغير ذلك من جميع أمور السنة، وعلى هذا التفسير الصحيح لليلة القدر فالتقدير المذكور هو بعينه المراد بقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[20].

    5. قال ابن الجوزي: "وعلى ما روي عن عكرمة أن ذلك في ليلة النصف من شعبان والرواية عنه بذلك مضطربة قد خولف الراوي لها، فروي عن عكرمة أنه قال: ليلة القدر وعلى هذا المفسرون"[21].

    - أقوال العلماء في تأييد القول الراجح:
    1. قال ابن جرير: "وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر، لما تقدم من بياننا أن المعنى بقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} ليلة القدر، والهاء في قوله: {فِيهَا} من ذكر الليلة المباركة"[22].

    2. قال ابن العربي: "وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر، ومنهم من قال: إنها ليلة النصف من شعبان، وهو باطل؛ لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: {شهر رمضان الذي أنزل فيها القرآن} فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عبر عن زمانية الليل ها هنا بقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعوَّل عليه، لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها"[23].

    3. قال ابن رجب: "وقد روي عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أنها ليلة النصف من شعبان، والجمهور على أنها ليلة القدر وهو الصحيح"[24].

    4. قال الرازي: "وأما القائلون بأن المراد من الليلة المباركة المذكورة في هذه الآية هي ليلة النصف من شعبان فما رأيت لهم فيه دليلاً يعوَّل عليه، وإنما قنعوا فيه بأن نقلوه عن بعض الناس، فإن صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه كلام فلا مزيد عليه، وإلا فالحق هو الأول"[25].

    5. قال الواحدي: "{إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} يعني: ليلة القدر.. {فِيهَا يُفْرَقُ} أي: في تلك الليلة المباركة"[26].

    6. وقال ابن كثير في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}: "أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وما يكون فيه إلى آخرها... ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان"[27].

    7. وقال الشوكاني: "والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان؛ لأن الله سبحانه أجملها وبينها في سورة البقرة بقوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن القرآن}، وبقوله في سورة القدر: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ} فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ولا ما يقتضي الاشتباه"[28].

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    -----------------------------
    [1] أخرجه محمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (7/ 399).
    [2] أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 487) وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 321)، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (7/ 400).
    [3] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/ 8) وعبد بن حميد ومحمد بن نصر كما في الدر (7/ 400).
    [4] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/9) وسعيد وعبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور (7/ 399).
    [5] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/ 10).
    [6] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/9) والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 321) وعبد بن حميد ومحمد بن نصر كما في الدر المنثور (7/ 400).
    [7] أخرجه ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر وابن المنذر كما في الدر المنثور (7/ 399).
    [8] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 322).
    [9] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 322) وعبد بن حميد ومحمد بن نصر كما في الدر المنثور (7/ 401).
    [10] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/9) والبيهقي في الشعب (3/ 322) وعبد الرزاق وعبد بن حميد ومحمد بن نصر كما في الدر المنثور (7/ 400).
    [11] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/9).
    [12] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/ 10) وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدرر (7/ 401) وابن الدبيثي في جزء: ليلة النصف من شعبان وفضلها ص 128-129 وضعف إسناده محقق الكتاب: عمرو بن عبد المنعم بن سليم.
    [13] أخرجه ابن أبي الدنيا كما في الدرر (7/ 402).
    [14] جامع البيان (22/ 8).
    [15] جامع البيان (22/7).
    [16] جامع البيان (22/ 7).
    [17] جامع البيان (22/ 7).
    [18] جامع البيان (22/ 7).
    [19] التفسير الكبير (27/ 238).
    [20] أضواء البيان (7/ 321) وانظر: الحوادث والبدع ص 265.
    [21] زاد المسير (7/ 112).
    [22] جامع البيان (22/ 10 ـ 11).
    [23] أحكام القرآن (4/ 1690).
    [24] لطائف المعارف ص 268.
    [25] التفسير الكبير (27/ 238).
    [26] الوسيط في تفسير القرآن المجيد (4/ 85).
    [27] تفسير القرآن العظيم (4/ 148).
    [28] فتح القدير (4/ 811).
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,757

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    نفع الله بك .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    قال سبحانه وتعالى: في سورة الأعرف رقم الأية (40): {إِن الذينَ كَذبُوا بِآياتنا وَاستكبرُوا عَنهَا لاَ تفتحُ لهُمء أبوَابُ السَّمَاء وَلا يدخلونَ الجنةَ حَتى يلجَ الجَملُ فِي سَمّ الخياطِ...}


    قال ابن كثير رحمه الله:
    وقوله تعالى: (ولايدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) هكذا قرأه الجمهور وفسروه بأنه البعير قال بن مسعود هو الجمل بن الناقة وفي رواية زوج الناقة وقال الحسن البصري حتى يدخل البعير في خرق الإبرة وكذا قال أبو العالية والضحاك وكذا روى علي بن أبي طلحة والعوفي عن بن عباس وقال مجاهد وعكرمة عن بن عباس أنه كان يقرؤها يلج الجمل في سم الخياط بضم الجيم وتشديد الميم يعني الحبل الغليظ في خرم الإبرة وهذا إختيار سعيد بن جبير وفي رواية أنه قرأ حتى يلج الجمل يعني قلوس السفن وهي الحبال الغلاظ ).

    وقال ابن جرير الطبري:
    ( قال أبو جعفر والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار وهو حتى يلج الجمل في سم الخياط بفتح الجيم والميم من الجمل وتخفيفها وفتح السين من السم لأنها القراءة المستفيضة في قراء الأمصار وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القراء وكذلك ذلك في فتح السين في قوله سم الخياط، وإذ كان الصواب من القراءة ذلك فتأويل الكلام ولا يدخلون الجنة حتى يلج والولوج الدخول من قولهم ولج فلان الدار يلج ولوجا بمعنى دخل الجمل في سم الإبرة وهو ثقبها).


    المجلد الثالث من تفسير السعدي رحمه الله تعالى:
    يخبر تعالى عن عقاب من كذب باياته فلم يؤمن بها، مع انها ايات بينات، واستكبر عنها فلم يَنْقَد لاحكامها، بل كذب وتولى، انهم ايسون من كل خير، فلا تفتح ابواب السماء لارواحهم اذا ماتوا وصعدت تريد العروج الى اللّه، فتستاذن فلا يؤذن لها، كما لم تصعد في الدنيا الى الايمان باللّه ومعرفته ومحبته كذلك لا تصعد بعد الموت، فان الجزاء من جنس العمل‏.‏
    ومفهوم الاية ان ارواح المؤمنين المنقادين لامر اللّه المصدقين باياته، تفتح لها ابواب السماء حتى تعرج الى اللّه، وتصل الى حيث اراد اللّه من العالم العلوي، وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه‏.‏
    وقوله عن اهل النار ‏{‏وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ‏}‏ وهو البعير المعروف ‏{‏فِي سَمِّ الْخِيَاطِ‏}‏ اي‏:‏ حتى يدخل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسما، في خرق الابرة، الذي هو من اضيق الاشياء، وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال، اي‏:‏ فكما انه محال دخول الجمل في سم الخياط، فكذلك المكذبون بآيات اللّه محال دخولهم الجنة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏اِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَاْوَاهُ النَّارُ‏}‏ وقال هنا ‏{‏وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }‏ اي‏:‏ الذين كثر اجرامهم واشتد طغيانهم‏.‏
    ‏{‏لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ‏}‏ اي‏:‏ فراش من تحتهم ‏{‏وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ‏}‏ اي‏:‏ ظلل من العذاب، تغشاهم‏.‏
    ‏{‏وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ‏} ‏ لانفسهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد‏.‏

    وهذا تفسير العلامة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله:
    يسأل عن تفسير قول الله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ))
    على ظاهرها، من كذب بآيات الله، واستكبر عن اتباع الحق هكذا شأنه لا ترفع روحه إلى السماء، بل ترد إلى الأرض، وإلى جسده حتى يمتحن ويختبر ويعاقب في قبره، ثم تنقل إلى النار نسأل الله العافية، كما قال تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (46) سورة غافر. وهكذا غيرهم، من استكبر عن الحق ولم يتبع الهدى لا تفتح له أبواب السماء، ولا ترد روحه إلى السماء ولا إلى الله -عز وجل-، بل ترد إلى جسدها الخبيث وتعاقب في قبرها مع عقوبة النار يوم القيامة نسأل الله العافية. وكذلك لا يدخلون الجنة أبداً، ولهذا بين سبحانه أن لن يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ومعلوم أن الجمل لا يلج سم الخياط، سم الخياط يعني خرق الإبرة، والمقصود من أن هذا مستحيلاً أن يدخل الجنة، كما أن دخول الجمل في سم الخياط مستحيل، فهكذا دخولهم الجنة؛ لكفرهم وضلالهم، ومستحيل دخولهم الجنة، بل هم إلى النار أبد الآباد نسأل الله العافية. جزاكم الله خيراً
    والاستـــــــما ع من هنا
    http://binbaz.org.sa/mat/8957


    ومن هنا تفسير العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
    ما المراد بقوله تعال " إن الذين كفروا بآياتنا .. ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ؟
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    Lightbulb رد: تفسير آية (متجدد)

    تفسير آيات الصيام


    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].(يا أيها) يا: حرف نداء، وهو أكثر الحروف استعمالًا مِن بين حروف النداء؛ فهو أمُّ الباب، ولذلك لا يُقدَّر عند الحذف غيرُه؛ مثل: ﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ [يوسف: 29] التقدير: يا يوسف، ومثله كثير.

    اختلف العلماء فيما يُنادى بها؛ فقال ابن مالك: هي للبعيد حقيقةً أو حكمًا كالنائم والساهي، وقال أبو حيان: هي أمُّ الحروف وتُستخدَم للقريب والبعيد مُطلَقًا، وهذا هو الذي يظهر من استقراء كلام العرب، وقال ابن هشام: (يا) حرف لنداء البعيد حقيقة أو حكمًا، وقد يُنادى بها القريب توكيدًا[1].
    ويقول ابن مالك في ألفيته:
    وللمنادى الناء أو كالناء "يا" ................
    الخلاصة:أن حرف النداء (يا) في أصل استعماله يُستخدم للبعيد أو مَن في حكمه، وقد جاء الخطاب في القرآن (بيا) أكثر من ثلاثمائة مرة.

    والسؤال هنا: لماذا افتتح الحديث عن الصيام بالنداء؟ ولماذا استعملت (يا) التي هي للبعيد مع أهل الإيمان، مع أن الأصل فيهم القرب منه - سبحانه؟
    والجواب على ذلك - كما قال صاحب "التحرير والتنوير" -: افتُتح الكلام بالنداء؛ لأن فيه إشعارًا بخبر مُهمٍّ عظيم؛ فإن شأن الأخبار العظيمة التي تَهول المخاطب أن يُقدَّم قبلها ما يهيئ النفسَ لقَبولها؛ لتستأنس بها قبل أن تَفْجَأَها[2].

    أي إن الآية افتتحت بالنداء؛ لما في النداء مِن إظهار العناية بما سيُقال بعده.


    والجواب في النقطة الثانية: أن المؤمنين قريبون من الله - عز وجل - وأنزلهم منزلة البعيد: كان لقرْع الأسماع، لإيقاظ القلوب، لتعلم أن أمر الخطاب عظيم، وأنه يستحق الانتباه؛ لأنه ليس كأي خطاب[3]؛ كما قال ابن هشام: "وقد ينادى القريب بها توكيدًا".(أيها) حرف النداء لا يَجوز أن يدخل على ما فيه (أل) إلا في بعض الحالات؛ فلا يجوز أن نقول: يا الذين آمنوا؛ لأن (يا) لا يجوز أن تدخل مباشرة على الاسم الموصول، فلذلك إذا كان الاسم المنادى معرَّفًا بالألف واللام، فلا بدَّ مِن الاستعانة بـ (أي، وأية) ويجب إفرادها وإلحاق هاء التنبيه.
    يا أيها: يا حرف نداء مبنيٌّ على السكون، لا محل له من الإعراب.
    أي: منادى مَبنيٌّ على الضمِّ في محل نصب.ها: حرف تنبيه مبنيٌّ على السكون لا محل له من الإعراب.
    الذين: اسم موصول مبنيٌّ على الفتح في محلِّ رفع بدل مِن أيها[4].

    فائدة:النداء بالإيمان: تكرَّر النداء بـ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ في القرآن ثلاثًا وثمانين مرةً، وهو خامس نداء في السورة الكريمة.

    وفائدته:
    1- أن النداء موجَّه للذين آمنوا؛ لأن ما جاء بعده خطاب تكليفي ببعض فروع الشريعة، وخطابات التكليف بفروع الشريعة إنما توجَّه لمَن آمن بالله وسائر الأركان.أما النداء بـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، فيشمل المؤمنين والكافرين، ويتعلق بقضايا إيمانية أو كونية أو أدلة تُثبت حقيقة مِن حقائق الإيمان.أما الخطاب بالفروع الشرعية الإسلامية وأحكامها التكليفية العملية، فنجده في القرآن موجهًا في الغالب للذين آمنوا، وهذا أمر طبيعي[5]

    لذلك حينما أرسل النبي معاذًا إلى اليمن قال: ((إنك تأتى قومًا هم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاةً في أموالهم تؤخذ مِن غنيهم فتردُّ على فقيرهم))[6].

    فحق الله على العباد يتلخَّص في أمرين:
    (1) الإيمان بالله ربًّا خالقًا.
    (2) الطاعة له - تبارك وتعالى - وعبادته وحده.
    ثانيًا: بدأ النص بـ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾؛ ليُحرك عنصر الإيمان الذي يُهوِّن على النفوس الصعاب مهما عظُمت.يقول في كتابه "حصاد الغرور": إذا كانت الحاجة أمَّ الاختراع، فإن الإيمان هو أبو الاختراع وأمُّه[7].فلا يصبر على مرارة الجوع إلا المؤمن؛ لأنه يبغي الله والجنة والإنسان، لا بد له دائمًا من إيمان يدفعه، وخوف يمنعه.
    ثالثًا: يقول صاحب "مفاتيح الغيب" وهو يَنقل لنا نكتةً في غاية الروعة: "إن المؤمن هو أشرف الأسماء والصفات، فإذا كان يخاطبنا في الدنيا بأشرف الأسماء والصفات، فنرجو مِن فضله أن يعاملنا في الآخرة بأحسن المعاملات".

    ثم ينقل الكلام في الآية إلى إصدار حكْم ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ﴾، وكُتَب؛ أي: فُرض، والواجب أو الفرض هو: ما طلَب الشارع فِعلَه على وجه اللزوم؛ بحيث يُذمُّ تاركه ويُعاقب، ويُمدَح فاعله، ومع المدح الثواب.وقال الجرجاني في "التعريفات": "الفرض هو: ما ثبَت بدليل قطعيٍّ لا شبهة فيه، ويَكفُر جاحده، ويُعذَّب تاركه"[8].

    ويُستدلُّ على الواجب أو الفرض بالأمر الصريح مِن الله والرسول؛ لأن الأمر مِن الأعلى للأدنى يُفيد الأمر، ومن الأدنى للأعلى يُفيد الرجاء، ومِن الإنسان لمَن يُساويه في الدرجة يُفيد الطلب.ويستدلُّ عليه ببعض الألفاظ مثل (كتب - فرض - قضى)، ويُستدلُّ عليه بالوعيد الشديد على ترك شيء معيَّن، وقد وردَت فريضة الصيام في القرآن عن طريق أمرَين: الأول: بلفظ (كتَب)؛ أي: فرض، والثاني: الأمر؛ ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].

    الصيام: وهو في اللغة: الإمساك..
    وشرعًا: الإمساك عن شهوتَي البطن والفرْج مِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنيَّة التقرُّب إلى الله.

    وردَت هذه الكلمة في القرآن (الصيام - صيامًا - صيام) ثمانِ مرات، أما كلمة (صومًا) فقد وردَت مرة واحدة، وظاهرٌ ظهورَ الشمس في منتصف النهار أن القرآن استعمل الصيام وصوَره الأخرى في معنًى خاصٍّ غير المعنى الذي أريد منه (صومًا).

    فالصيام أريد منه تلك العبادة المخصوصة التي لا تتحقَّق إلا بالإمساك عن الطعام والشراب والشهوة بنيَّة التقرُّب إلى الله مِن طلوع الفجْر إلى غروب الشمس.

    أما (صومًا) التي هي في سورة مريم، فالمراد منها الكفُّ عن الكلام، فجاءت بدليل ما جاء بعدها مباشرة ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26].

    فالامتناع عن شهوتَي البطن والفرْج أمرٌ شاقٌّ، أما الإمساك عن الكلام، فأمره يَسير؛ لذلك التزم القرآن الصيام في التكاليف الشاقَّة، والصوم في الأمر السهل، وزيادة المبنى يدلُّ على زيادة المعنى؛ فالصيام أكثر حروفًا مِن الصوم[9].

    ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، ويُسمى ذلك في البلاغة بأسلوب التشبيه.

    فما معناه وما فائدته؟
    ظاهر الآية يدلُّ على أن الشرائع الربانية السابقة فيها صيام مفروض على أمم هذه الشرائع، وظاهر التشبيه يدلُّ على أن الصيام المفروض علينا في القرآن مثل الذي فُرض عليهم، ولكن هذا الظاهر غير قطعيٍّ؛ إذ يُحتمل أن يكون التشبيه من بعض الوجوه؛ أي: بينهما بعض وجوه التماثل دون الصيام، ونظرًا لتحريفهم كتبهم؛ فليس بين أيدينا ما يدل على كيفية صيامهم.

    وقد ثبَت في السنة أن اليهود كانوا يصومون اليوم العاشر من شهر الله المحرَّم، وسبب ذلك نجاة موسى، وصام المسلمون حينما قدموا المدينة.

    روى الحسن أن النصارى صاموا أول ما صاموا شهر رمضان في حرٍّ شديد فحوَّلوه إلى وقت لا يتغيَّر، ثم قالوا عند التحويل: نزيد فيه؛ أي عِوَضًا عن عملية التغيير في شرع الله، فزادوا عشرًا، فصاروا يصومون أربعين يومًا، ثم بعد زمانٍ اشتكى مَلِكُهم فنذر سبعًا؛ فزادوا الصيام سبعة أيام أخرى، ثم جاء مَلِك آخَر فقال: ما بال هذه الثلاثة؟ فأتمَّه خمسين يومًا.

    وقد نفهم ذلك؛ أي: إن صيامهم كان مثل الذي فُرض علينا مِن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه عمرو بن العاص: ((فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر))[10].
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,672

    Lightbulb رد: تفسير آية (متجدد)

    أما فائدة التشبيه:
    فأولاً: الاهتمام بهذه العبادة والتنويه بشأنها؛ لأن الله شرعها مِن قبْل الإسلام، وشرعها للمسلمين؛ وذلك يقتضي صلاحها في كل زمان.
    ثانيًا: إنهاض المسلمين لتلقِّي هذه العبادة؛ كي لا يتميَّز بها مَن كان قبلهم.
    ثالثًا: للتهوين على المُكلَّفين؛ فإن الأمور الشاقة إذا عمَّت طابت؛ كما قال الله لنبيِّه ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام: 34]؛ أي: إن كنتَ أوذيتَ، فقد أوذي مَن كان قبلك، وكذلك قال رسول الله لخباب بن الأرت حينما أتاه وهو متوسِّدٌ رداءه في ظَهر الكعبة، وقال: يا رسول الله، ألا تدعو لنا، ألا تَستنصِر لنا، فقال رسول الله: ((لقد كان يُؤتَى بالرجل قبلكم فيوضع المنشار على رأسه فيُشقُّ نصفَينِ، فما يصرفه ذلك عن دينه، ولكنكم قوم تَستعجِلون، والله ليَسيرنَّ الراكب مِن صنعاء إلى حضر موت لا يَخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون)).
    وكما قالت الخنساء:
    فلولا كثْرَة الباكين حَولي ====على قتلاهُمُ لقتَلْتُ نَفسِي
    رابعًا: إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة؛ حتى لا يَكونوا مُقصِّرين في قبول هذا الفرض، بل ليأخذوه بقوةٍ تَفوق الأمم السابقة.

    ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، والتقوى أن تجعل بينك وبين ما يُغضِب الله وقاية؛ أي: حاجزًا، فالصيام يقي الإنسان مما يؤذيه في نفسِه وجسمه، ويقيه في الآخرة من عذاب الله.

    وعلاقة الصيام بالتقوى:
    أن المعاصي قِسمان: قسم ينجح في تركه بالتفكُّر كالخمر والسرقة؛ وذلك بالوعد والوعيد، وحال مَن وقع في ذلك.

    وقسم مِن المعاصي ينشأ مِن دواعٍ طبعية كالغضب والشهوة الطبيعية التي قد يصعب تركها بمجرَّد التفكُّر، فجعل الصيام وسيلة لاتِّقائها؛ لأنه يَعدل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي، فيَصعد مِن درك المادة إلى عالم الروح، فكذلك يقول رسول الله: ((الصوم جُنَّة)).

    وما أخرجه البخاري عن ابن مسعود: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))؛ أي؛ وقاية، فالشهوة أمُّ المعاصي، والصوم يَكسِرها.

    وقد جاء جماع صفات المتَّقين في آية البرِّ الجامعة في بداية ربْع الصيام، يقول الإمام البيضاوي مُعلِّقًا عليها: والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأَسرِها، دالة عليها صريحًا أو ضِمنًا؛ فإنها بكثرتها وتشعُّبِها مُنحصرة في ثلاثة أشياء: صحة الاعتقاد، وحسن المعاشرة، وتهذيب النفْس.

    قوله - عز وجل -: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].
    معدودات:
    جمع قِلة، ومعنى معدودات؛ أي: أيام قليلة، والمعنى الآخَر: أنها أيام مقدورات بعدد معلوم ومضبوط.

    يقول الإمام الآلوسي: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾؛ أي: مُعينات بالعدد، أو قليلات؛ لأن القليل يسهل عدُّه فيُعدُّ، والكثير يؤخذ جزافًا؛ قال مقاتل: كل معدودات في القرآن أو معدودة: دون الأربعين، ولا يُقال ذلك لما زاد.

    وإذا نظرنا إلى هذه اللفظة في القرآن، وجدناها دائمًا تُشير إلى القِلة؛ فمثلاً قوله - سبحانه -: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]، المراد بها: أيام التشريق، وقوله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [آل عمران: 24]، ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ [يوسف: 20].

    والمراد بهذه الأيام: المراد بها عند جمهور العلماء أيام شهر رمضان، وهو قول ابن عباس، والحسن، وأبي مسلم، وأكثر المحقِّقين.

    وقيل: إن المراد بالأيام المعدودات غير رمضان، والمراد ثلاثة أيام مِن كل شهر مضافًا إليها يوم عاشوراء، ثم نسخ ذلك بوجوب شهر رمضان.

    الراجح والمعتمد بين المحقِّقين من العلماء هو القول الأول؛ لأنه كما قال الإمام الرازي: لا وجه لحمله على غيره، والقول بالنسخ زيادة لا دليل عليها.

    ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ﴾ المرض: العِلة في البدن، ونقيضه الصحة، أو هو خروج الجسد عن حدِّ الاعتدال، وقد يُستعمل على سبيل المجاز فيما يَعرض للمرء فيخلُّ بكمال نفسه؛ كسوء العقيدة، والحسد؛ أي مرض القلب؛ كقول الله - تعالى -: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة: 10]، والمرض في الآية هنا على حقيقته.

    يقول صاحب "روح المعاني": ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ﴾ مرضًا يَعسُر عليه الصوم معه، كما يُؤذِن به قوله - تعالى - فيما بعد: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وعليه أكثر الفقهاء.

    وذهب ابن سرين وعطاء والبخاري إلى أن المُرخّص مُطلَق المرض؛ عملاً بإطلاق اللفظ، وحُكي أنهم دخلوا على ابن سيرين في رمضان وهو يأكل، فاعتلَّ بوجع إصبعه، وهو قول الشافعية.

    وقال القرطبي: "للمرض" حالتان:
    إحداهما: ألاَّ يُطيق الصوم بحالٍ، فعليه الفِطر واجب.
    ثانيًا: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقَّة، فهذا يُستحب له الفطر؛ فالفطر مباح في كل مرض، إلا المرض اليسير الذي لا كُلفة معه في الصيام".
    هل الأفضل للمريض الصيام أو الفطر؟ فيها خلاف بين الفقهاء.
    قوله - سبحانه -: ﴿ أَوْ عَلَى سَفَرٍ يقول الآلوسي: "أو راكب سفرٍ مُستعْلٍ عليه، مُتمكِّنٌ منه؛ بأن اشتغل به قبل الفجر، ففيه إيماء إلى أن من سافر في أثناء اليوم لم يفطر؛ ولهذا المعنى أفطر عليٌّ مُسافِرًا، واستدلَّ بإطلاق السفر على أن السفر القصير وسفر المعصية مُرخّص للإفطار، وأكثر العلماء على تقييده بالمباح وما يلزم العسر غالبًا، وهو السفر إلى المسافة المُقدَّرة في الشرع".

    ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾؛ أي: فعليه صوم عدة أيام المرض أو السفر مِن أيام أخر إن أفطر، وهذا الإفطار مشروع على سبيل الرخصة؛ فالمريض والمسافر إن شاءا صاما، وإن شاءا أفطرا، كما عليه أكثر الفقهاء.

    هل يُشترط التتابع في الصوم؟ خلافٌ، والأصحُّ عدم اشتراطه.

    ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ:
    فيها رأيان:
    الأول: أي وعلى الذين يستطيعونه ولكن لا يريدون الصيام، عليهم إطعام مسكين عن كل يوم، وحينما قرأ ابن عمر هذه الآية قال: إنها منسوخة؛ فقد كان الأمر أولاً أن مَن شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم؛ أخرج البخاري عن سلمة قال: "لما نزلت: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ كان من أراد أن يُفطر ويَفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها".
    الثاني: يُطيقونه؛ أي: الذين يستطيعون الصيام ولكن مع المشقة والحرج؛ مثل الشيخ والشيخة اللذين لا يَستطيعان الصيام، وهذا قول ابن عباس، ولكن ذلك غير صحيح؛ بدليل ما بعده: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾، فكيف يفضَّل الصوم مع المشقَّة والحرج، والإسلام جاء لرفع الحرج؟الراجح: والراجح هو الأول؛ لما ورَد في الصحيحَين.

    ﴿ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾: اختلف العلماء في حدِّ الفقير والمسكين؛ فقال بعضهم: إن المسكين أسوأ حالاً، وقال البعض العكس، ولعلَّ الأرجح أنَّ المسكين أحسن حالاً من الفقير؛ لأن رسول الله كان يستعيذ من الفقر ويدعو: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر))، وفى نفس الوقت يَسأل الله قائلاً: ((اللهم أحيِني مسكينًا، وأمتْني مسكينًا)).

    ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾، ومعناه أي: زاد في كمية الطعام للمسكين أو أطعمَ أكثر مِن واحد عن اليوم الواحد.

    والفرق بين الفرض والتطوع مِن ناحية الثواب أن الفرض يرفع الإنسان إلى القربِ من الله، والتطوُّع يرفع إلى الحبِّ.

    قال الله - عز وجل - في الحديث القدسي: ((مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمَع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدتُ في شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته)).

    ملحوظة ﴿ لَهُ ﴾؛ أي: للمتصدِّق؛ إشارة إلى أن النفع سيتعدى إلى المتصدِّق أولاً، وأن النفع بالنسبة إليه أكثر مِن المتصدَّق عليه.

    ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ استعمل حرف الشرط (إن) الذي يُفيد عدم التحقُّق، ولم يَستعمل (إذا) التي تُفيد تحقُّق وقوع الشيء؛ إشارةً إلى خفاء المنافع الدينية والدنيوية من وراء الصيام؛ لذلك في الحديث القدسي: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أَجْزي به، والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يَصخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقلْ: إني صائم، والذي نفس محمد بيده، لَخُلُوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه))؛ أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.

    [1] عدة السالك إلى أوضح المسالك؛ لمحيي الدين عبدالحميد.
    [2] التحرير والتنوير.
    [3] دراسات آيات الصيام؛ د: سامي وديع عبدالفتاح.
    [4] التطبيق النحوي؛ د: عبده الراجحي.
    [5] الصيام في القرآن والسنة؛ لابن حبنكة الميداني.
    [6] البخاري ومسلم.
    [7] حصاد الغرور
    [8] التعريفات؛ للجرجاني.
    [9] دراسات جديدة في إعجاز القرآن؛ د. عبدالعظيم المطعني.
    [10] الصيام في القرآن والسنة لابن حبنكة الميداني.

    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: تفسير آية (متجدد)

    بارك الله فيك أبا مريم
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •