السلام عليكم
هذه من مسائل العقيدة
فالبعض يقول أن عذاب القبر ليس حقيقي بمعنى أنه مجرد عرض على العذاب
مستدلين بقول الله عن آل فرعون " النار يُعرَضون عليها غدواً وعشياً "
فذكر الله أن عذاب القبر هو أن ترى مقعدك من النار وما ستلقاه من عذاب يوم القيامة
فيكون بذلك عذاب معنوي
أي مجرد إرهاب نفسي دون وجود ألم حسي
هذا ما يقوله البعض ومنهم الشيخ الشعراوي رحمه الله
مع العلم أنني أقول " حسي " وليس " جسدي "
لأننا لا ندرك ماهية العذاب إلا من النصوص
ومعلوم أن جسد الإنسان يفنى ويتحلل ، كما أن بعض الناس يموتوا في انفجار قنبلة وتتفتت أجسادهم
فلا أتكلم عن الجسد
بل أقول حسي لأن الروح قد يكون لها عذاب حسي إذا ما دل النص على ذلك
وأعني بالعذاب المعنوي مجرد العرض على النار أي مثلاً - بقياس الأولى - كأن تدخل غرفة ترى فيها أشخاص يتم تعذيبهم ، وأنت تعلم أنك ستكون مكانهم غداً ، فهذا اسمه عذاب معنوي
المهم : أن البعض يقول أن عذاب القبر عذاب معنوي وليس حسي حقيقي
لأن النار لن يدخلها العاصي أو الكافر إلا يوم القيامة
أرى والله أعلم أن هذا الكلام باطل
ولا أقصد بالبطلان هو أن الكافر لن يدخل النار إلا يوم القيامة فهذا معلوم بالنصوص
بل أقصد بالبطلان هو تفسير العذاب بالعذاب المعنوي وليس الحسي
ذلك لأنه وقع تحت يدي حديثين أحدهما صحيح والآخر حسن ، فيهم دلالة على أن الشخص يُعَذَّب عذاب حقيقي
الحديث الأول ورد في صحيح البخاري :
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يعني - مما يكثر أن يقول لأصحابه : ( هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا ) . قال : فيقص عليه من شاء اللهُ أن يقص، وإنه قال ذات غداةٍ : ( إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلِق، وإني انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجعٍ، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرةٍ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغُ رأسَه، فيتدَهْدَهُ الحجرُ ها هنا، فيتبع الحجرَ فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصحَّ رأسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرةَ الأولى، قال : قلتُ لهما : سبحان اللهِ ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلِقْ انطلِقْ، قال : فانطلقنا، فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوبٍ من حديدٍ، وإذا هو يأتي أحدٌ شقيٌّ وجهِه فيشرشرُ شِدقُه إلى قفاهُ، ومنخرُه إلى قفاهُ، وعينُه إلى قفاهُ - قال : وربما قال أبو رجاء : فيشقُّ - قال : ثم يتحولُ إلى الجانبِ الآخرِ فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأولِ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصحَّ ذلك الجانبُ كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرةَ الأولى، قال : قلتُ : سبحان اللهِ ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلِقْ انطلِقْ، فانطلقنا، فأتينا على مثلِ التنُّورِ - قال : وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال : فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوضَوا، قال : قلتُ لهما : ما هؤلاءِ ؟ قال : قالا لي : انطلِقْ انطلِقْ، قال : فانطلقنا، فأتينا على نهرٍ - حسبت أنه كان يقول - أحمرُ مثلُ الدمِ، وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شطِّ النهر رجلٌ قد جمع عنده حجارةٌ كثيرةٌ، وإذا ذلك السابحُ يسبَح ما يسبحُ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارةَ، فيفغر له فاهُ فيلْقمْه حجرًا فينطلق يسبَحُ، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغَرَ له فاهُ فألقمَه حجرًا، قال : قلت لهما : ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلِقْ انطلِقْ، قال : فانطلقنا، فأتينا على رجلٍ كريهِ المرآةِ، كأكره ما أنت راءٍ رجلًا مرآةً، فإذا عنده نارٌ يحشُّها ويسعى حولها، قال : قلتُ لهما : ما هذا ؟ قال : قالا لي : انطلِقْ انطلِقْ، فانطلقنا، فأتينا على روضةٍ معتمةٍ، فيها من كل لونِ الربيعِ، وإذا بين ظهري الروضةِ رجلٌ طويلٌ، لا أكاد أرى رأسَه طولًا في السماء، وإذا حولَ الرجلِ من أكثر وِلدانٍ رأيتُهم قطُّ، قال : قلتُ لهما : ما هذا ما هؤلاءِ ؟ قال : قالا لي : انطلِقْ انطلِقْ، قال : فانطلَقْنا فانتهينا إلى روضةٍ عظيمةٍ، لم أر روضةً قطُّ أعظمَ منها ولا أحسنَ، قال : قالا لي : ارقَ فيها، قال : فارتقَينا فيها، فانتهينا إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلبِنِ ذهبٍ ولبِنِ فضةٍ، فأتينا بابَ المدينةِ فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا فيها رجالٌ شطرٌ من خلقِهم كأحسنِ ما أنت راءٍ، وشطرٌ كأقبحِ ما أنت راءٍ، قال : قالا لهم : اذهبوا فقُعوا في ذلك النهرِ، قال : وإذا نهرٌ معترضٌ يجري كأن ماءَه المحضُ في البياضِ، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوءُ عنهم، فصاروا في أحسنِ صورةٍ، قال : قالا لي : هذه جنةُ عدنٍ وهذاك منزلُك، قال : فسمَا بصري صعَدًا، فإذا قصرٌ مثلُ الربابةِ البيضاءَ، قال : قالا لي : هذاك منزلُك، قال : قلتُ لهما : بارك اللهُ فيكما ذراني فأدخله، قالا : أما الآن فلا، وأنت داخلُه، قال : قلتُ لهما : فإني قد رأيتُ منذ الليلةِ عجبًا، فما هذا الذي رأيتُ ؟ قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك، أما الرجلُ الأولُ الذي أتيتَ عليه يثلغُ رأسُه بالحجر، فإنه الرجلُ يأخذ القرآنَ فيرفضه وينام عن الصلاةِ المكتوبةِ، وأما الرجلُ الذي أتيت عليه، يشرشَر شدقُه إلى قفاه، ومنخرُه إلى قفاه، وعينُه إلى قفاه، فإنه الرجلُ يغدو من بيته، فيكذب الكذبةَ تبلغ الآفاقَ، وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثل بناء التنورِ، فإنهم الزناةُ والزواني، وأما الرجلُ الذي أتيت عليه يسبَحُ في النهرِ ويلقَم الحجارةَ، فإنه آكلُ الربا، وأما الرجلُ الكريهِ المرآةِ، الذي عند النارِ يحشُّها ويسعى حولها، فإنه مالكٌ خازنُ جهنمَ، وأما الرجلُ الطويلُ الذي في الروضةِ فإنه إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وأما الوِلدانُ الذين حوله فكل مولودٍ مات على الفطرةِ ) . قال : فقال بعض المسلمين : يا رسولَ اللهِ، وأولادُ المشركين ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( وأولادُ المشركين، وأما القومُ الذين كانوا شطرًا منهم حسنٌ وشطرًا منهم قبيحٌ، فإنهم قوم خلطوا عملًا صالحًا وآخرَ سيئًا، تجاوز اللهُ عنهم ) .
الراوي: سمرة بن جندب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7047
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الحديث الثاني ورد عند الألباني في صحيح الترغيب والترهيب :
أُمِرَ بعبد من عباد الله يضرب في قبره مئة جلدة ، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة ، فامتلأ قبره عليه نارا ، فلما ارتفع وأفاق قال : على ما جلدتموني ؟ قال : إنك صليت صلاة بغير طهور ، ومررت على مظلوم فلم تنصره
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2234
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره
بعد استعراض هذان الحديثان يظهر لي والله أعلم أن نعيم القبر وعذاب القبر حقيقان ، وليس مجرد أن ترى مقعدك في الجنة أو ترى مقعدك في النار كنعيم أو عذاب نفسي معنوي بالفرح في النعيم والخوف في العذاب
لا ، بل عذاب حقيقي ونعيم حقيقي
والله أعلم