مجموع تغريدات الشيخ بندر الشويقي حول فتيا العلامة عبدالرحمن البراك .
1- بسم الله ... نبدأ مستعينين بالله التعليق حول فتيا الشيخ عبدالرحمن البراك -حفظه الله-.
2- أبدأ أولاً بتقيد ملحظ لا بد منه. فكثير من الإخوة إذا علقوا على تحركات القيادة المصرية الحالية يتعاملون معها وكأنهم يتعاملون مع ملك مطلق.
3- هناك فرق بين موقع الرئيس في النظام المصري الحالي، وبين الملك أو الزعيم الآمر الناهي، الذي يملك القرارات في دولته، ويكون المسؤول الأول عنها.
4- ومن المعلوم بداهةً أن كل أحدٍ إنما يحاسب على ما يستطيع، وأما ما يعجز عنه، فليس مكلفاً أو مسؤلاً عنه.
5- فالرئيس في الوضع المصري الحالي لا يملك إثبات حرف واحد في الدستور موضع الجدل، والقرار فيه فقط بين طرفين: جمعية تأسيسية تقترح، وشعب يصوت.
6- والجمعية مشكلة من أطراف متباينة، الإسلاميون -على اختلاف مشاربهم-، والعلمانيون على تباين مرابتهم، بل حتى الأقباط ممثلون في هذه الجمعية.
7- إذا كان الأمر بهذه الصورة، فالإشكالات الشرعية في الدستور الحالي نتيجة متوقعة من مثل هذه التركيبة المتناقضة في أديانها وأفكارها وآرائها.
8- يبقى الكلام بعد هذا عن موقف الناس الذين سيطلب منهم التصويت الدستور قبولاً أو رفضاً.
9- القبول يعني اعتماد الدستور ليكون مرجعاً لتشريعات الدولة. وأما الرفض فيعني البحث عن دستور آخر يحظى بتأييدٍ شعبي أكثر.
10- هذه صورة المسألة المعروفة لدى المتابعين، لكن كان لا بد من إعادة ترتيبها قبل الكلام عن حكم التصويت على الدستور.
11- ومما تقدم نفهم أن التصويت الآن سيتم على دستور يتفق الجميع على تضمنه مواد مناقضة للشرع. وأن هذه المواد ستكون حاكمة لأنظمة الدولة حال إقرارها.
12- وقد قرأت فتيا الشيخ عبدالرحمن البراك -حفظه الله- فرأيت هذه الصورة واضحة عنده تمام الوضوح.
13- فالشيخ أفتى بناءً على أنه لا اختيار للناس إلا هذا الدستور أو ما هو أسوأ منه. وبناءً على ذلك قال بالجواز، وربما الوجوب، دفعاً للمفسدة الأكبر.
14- ثم نظرت في الاعتراضات التي خرجت، فرأيت أكثرها يدول حول أن الشيخ أباح الكفر (الذي هو الحكم بغير ما أنزل الله)، لأجل المصلحة والضرورة.
15- أعدت قراءة فتيا الشيخ، فلم أجد فيها شيئاً من ذلك. لكن المسألة ترجع للتروي والفهم قبل الاعتراض.
16- وأصل الإشكال: أن المعترض هنا ألزم الشيخ بشيء لم يقله. فالشيخ لم يقل: إن التصويت على الدستور كفرٌ، لكن يجوز فعله للمصلحة.
17- فكون الدستور يتضمن مواد كفرية، لا يعني هذا أن التصويت عليه يكون كفراً بإطلاق. وبيان ذلك يكون بالنظر في مأخذ التكفير في التحاكم لغير شرع الله
18- فالذي يكفر بالحكم بغير شرع الله، إنما هو من يدع شرع الله مختاراً غيره. أما العاجز عن التحاكم لشرع الله، فالنصوص هنا لا تتناوله.
19- قال تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون).
20- وقال تعالى: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، إذا فريق منهم معرضون).
21- وقال تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً).
22- هذه الآيات كلها تتحدث عن المعرض عن شرع الله، وعمن يكون الشرع أمامه، ويكون قادراً على الاحتكام إليه، ثم يعرض عنه مختاراً راغباً عنه إلى غيره.
23- ولأجل هذا المعنى أفتى جمع من أهل العلم بجواز استخلاص الحقوق عن طريق المحاكم الوضعية في البلاد التي لا توجد فيها محاكم شرعية.
24- يفتون بجواز هذا، مع قولهم بأن التحاكم للقانون الوضعي كفر. وموقفهم هذا لا يعني أنهم جوزوا ارتكاب الكفر للضرورة والمصلحة. ومن فهم هذا فقد أخطأ
25- هم أصلا لا يرون الاحتكام للقانون الوضعي المناقض للشرع كفراً، إلا بالنسبة لمن اختاره على قانون الشرع.
26- أما العاجز عن الاحتكام للشرع، والذي لا يجد سبيلاً لاستخلاص حقه إلا عبر محاكم بلده الوضعية، فمثل هذا غير مقصود بقولهم إن التحاكم للقانون كفر.
27- وهؤلاء المسلمون اليوم في أكثر بلاد الإسلام، بل وفي بلاد الكفار الأصليين، لا يجدون سبيلاً للاستخلاص حقوقهم إلا عبر محاكم تلك البلاد.
28- فلو تعرض الواحد من هؤلاء لجناية في نفسه أو ماله أو عرضه، هل نقول له إن استنصارك بالنظام الوضعي كفر يخرجك من الملة؟
29- أو نقول له: أنت مضطر، فارتكب الكفر لأجل اضطرارك.
30- لا نقول هذا، ولا ذاك. بل نقول: إن تحاكم مثل هذا إلى القانون الوضعي، لا علاقة له بالكفر أصلاً. لأنه لم يعرض عن شرع الله، ولا اختار غيره عليه.
31- نأتي الآن للتصويت على الدستور المصري، مع ما تضمنه من مخالفات لشريعة الإسلام.
32- فمن اعتقد أنه بالإمكان الإتيان بدستور موافق لشرع الله، وأن القائمين على الدستور من الإسلاميين قادرون على ذلك، لكنهم فرطوا وخانوا وقصروا
33- واعتقد -زيادة على ذلك- أنه بالإمكان تنحية هؤلاء، والإتيان بغيرهم، وتأسيس جمعية دستورية أفضل، كي تصوغ دستوراً إسلامياً نظيفاً
34- من اعتقد هذا، فله أن ينادي برفض الدستور، ثم يسعى بعد ذلك للإتيان بالدستور الإسلامي الأنظف الذي من الممكن أن يقر ويحظى بالتأييد والقبول.
35- أما من يعلم أن هذا الأمر متعذر، وأن الدستور بصياغته الحالية هو أقصى من يمكن الوصول إليه، وأن عدم التصويت عليه يعني الإتيان بالأسوأ.
36- من اعتقد هذا، ونادى بتأييد الدستور، فلن يكون فعله هذا رضى بالمخالفات الشرعية المضمنة فيه. فضلاً عن أن يكون كافراً مرتداً نابذاً للشرع.
37- وفتيا الشيخ البراك تقرر هذا المعنى. فالشيخ -حفظه الله- لم يقل: إن التصويت كفر، لكنه يجوز للمصلحة والضرورة كما فهم بعض الناس.
38- هو لا يرى التصويت كفراً بإطلاقٍ، وفتياه خالية من هذا المعنى الذي ابتكره بعض الناس، ثم قالوا: إن الشيخ جوز الكفر للمصلحة والضرورة.
39- خلاصة الكلام: أن التصويت بصورته الحالية اختيار بين سيء وأسوأ منه. فمن اختار السيء على الأسوأ، لا يقال إنه راضٍ بالسيء.
40- تبقى هنا كلمة لا بد أن تذكر بها القيادات العلمية في الجماعات الإسلامية التي اختارت دخول هذه المسالك بعدما رأتها أنفع السبل لإقامة شرع الله.
41- دعوة الناس للتصويت على مثل هذه المواد المناقضة للشرع، لا بد أن يكون مقروناً ببيان واضحٍ جلي بأن هذا أقصى المستطاع، وأن المأمول أمر فوق ذلك.
42- تلك التصرفات والمناورات السياسية التي تتخذ تحت بند الاضطرار، متى قيل بجوازها، فلا يجوز أبداً الاستسلام لها، ولا تحويلها إلى أصلٍ شرعي.
43- معاني الاضطرار المؤقت لا بد أن تكون حاضرة في الخطاب الإسلامي، حتى لو كان أمد هذا الاضطرار طويلاً.
44- متى غفل الإسلاميون عن هذا، فإن جيلهم القادم سيكون عرضة للذوبان في المفاهيم الليبرالية والقيم العلمانية المبثوثة في الخطاب السياسي المعاصر.
45- وحين أقول الجيل القادم، فلا أعني أن الجيل الحالي سالمٌ من هذا الداء. فالبوادر والمقدمات موجودة. لكن الخوف الآن من استفحال الأمر واتساعه.
46- هذا ما لدي .... والله أعلم.
د بندر الشويقي .