النَّاسُ خمس طبقاتٍ فاجتنب أربعاً، والزم واحدة !
أخرج ابن بطة في "الإبانة" (1/404) عن يحيى بن معاذ أنه قال:" الناس خمس طبقات فاجتنب أربعا، والزم واحدة ، فأما الأربع الذين يجب عليك أن تجتنبهن"_ فذكر ثلاث طبقات اختصرت أنا الكلام بترك وصفهم لكثرته_ ثم قال: " والطبقة الرابعة: فهم المتعمقون في الدين الذين يتكلمون في العقول، ويحملون الناس على قياس أفهامهم، قد بلغ من فتنة أحدهم، وتمكن الشك من قلبه، أنك تراه يحتج على خصمه بحجة قد خصمه بها، وهو نفسه من تلك الحجة في شك، ليس يعتقدها، ولا يجهل ضعفها، ولا ديانة له فيها، إن عرضت له من غيره حجة هي ألطف منها انتقل إليها فدينه محمول على سفينة الفتن يسير بها في بحور المهالك يسوقها الخطر، ويسوسها الحيرة، وذلك حين رأى عقله أملى بالدين، وأضبط له، وأغوص على الغيب، وأبلغ لما يراد من الثواب من أمر الله إياه، ونهيه، وفرائضه الملجمة للمؤمنين عن اختراق السدود، والتنقير عن غوامض الأمور، والتدقيق الذي قد نهيت هذه الأمة عنه، إذ كان ذلك سبب هلاك الأمم قبلها، وعلة ما أخرجها من دين ربها وهؤلاء هم الفساق في دين الله المارقون منه التاركون لسبيل الحق المجانبون للهدى الذين لم يرضوا بحكم الله في دينه حتى تكلفوا طلب ما قد سقط عنهم طلبه، ومن لم يرض بحكم الله في المعرفة حكما لم يرض بالله ربا، ومن لم يرض بالله ربا كان كافرا، وكيف يرضون بحكم الله في الدين، وقد بين لنا فيه حدودا، وفرض علينا القيام عليها، والتسليم بها، فجاء هؤلاء بعد قلة عقولهم، وجور فطنهم وجهل مقاييسهم، يتكلمون في الدقائق، ويتعمقون؟ فكفى بهم خزيا سقوطهم من عيون الصالحين، يقتصر فيهم على ما قد لزمهم في الأمة من قالة السوء، وألبسوا من أثواب التهمة، واستوحش منهم المؤمنون، ونهى عن مجالستهم العلماء، وكرهتهم الحكماء، واستنكرتهم الأدباء، وقامت منهم فراسة البصراء، شكاكون جاهلون، ووسواسون متحيرون، فإذا رأيت المريد يطيف بناحيتهم فاغسل يدك منه، ولا تجالسه "