قال عمرو بن قيس الملائي : " إذا رأيت الشاب أول ماينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه فإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه فإن الشاب على أول نشؤه .
قال : إن الشاب لينشأ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم وإن مال إلى غيرهم كاد أن يعطب "
الســـــؤال : قرأت عبارة في أحد الكتب فهل يمكن يافضيلة الشيخ تبين لنا ما مقصود المؤلف منه وهي إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه ؟
الإجـــــابة : هذه المقالة لعمرو بن القيس الملائي، أبو عبد الله في بيان عظم شأن البدعة، وأنها أشد من الكبيرة، قال: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه: يعني: يُرجى له الخير. أما إذا رأيت الشاب مع أهل البدع فايأس منه فإن الشاب على أول نشوئه، إذا نشأ على معتقد أهل السنة والجماعة نشأ عليه، وإذا نشأ على معتقد أهل البدع نشأ عليه. وهذا فيه التحذير من البدع، وفيه أنه ينبغي على طالب العلم أن يحرص على معتقد أهل السنة والجماعة وأن يعض عليه بالنواجذ، وأن يحمد الله على أن وُفق لأن ينشأ على معتقد أهل السنة والجماعة. ولهذا تجد علماء كبارا فطاحل لم يوفقوا لمشايخ ينشئونهم على معتقد أهل السنة والجماعة، وهم علماء كبار خدموا الإسلام: مثل الحافظ ابن حجر -رحمه الله- شارح صحيح البخاري، عالم كبير حافظ له اليد الطولى في علوم الحديث، ومع ذلك تجده يؤول الصفات على معتقد الأشاعرة لأنه لم يوفق لمن ينشئه على معتقد أهل السنة والجماعة. ونرجو أن يغفر له هذه الزلات في بحر حسناته الكثيرة لم يتعمد، لكن ما وفق لمن ينشئه على معتقد أهل السنة والجماعة، وظن أن هذا هو الحق، وأن فيه تنزيه الله، تجده يؤول الغضب مثلا بالانتقام، يؤول الرضا بالثواب. وكذلك الإمام النووي رحمه الله العالم الجليل، له التصانيف العظيمة: رياض الصالحين هذا الكتاب العظيم الذي قلّ أن يوجد مسجد أو بيت إلا وفيه رياض الصالحين، وهذا من حسن نيته، ومع ذلك تجده يؤول الصفات على معتقد الأشاعرة؛ لأنه ما وفق من الأساس لمن ينشئه على معتقد أهل السنة والجماعة . وإذا قرأت -أحيانا- في الشروح شرح فتح الباري أو غيره في بعض الصفات يقول: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ أو في بعضها ينقل لك نقولا كثيرة عن علماء كبار فطاحل كلهم يؤولون الصفات، ولا يصلون إلى مذهب أهل السنة والجماعة. وتجد الإمام النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم إذا جاء في الصفات مثلا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يقول: للناس مذهبان: مذهب للسلف، ومذهب للخلف، مذهب السلف لا يتكلم في الصفات ويفوضها إلى الله، ومذهب الخلف يتأولها. وكل من المذهبين ما وصل لمذهب أهل السنة مذهب السلف الذي سمى نفسه مذهب المفوضة يعني: يفوضون المعني، ومذهب الخلف مذهب المؤولة، ما وصلا إلى مذهب أهل السنة والجماعة، لا هذا ولا هذا، ما السبب؟ السبب أنهم لم يوفقوا لمن ينشئهم على معتقد أهل السنة والجماعة، بل نشأهم مشايخهم على هذا، وظنوا أن هذا هو الحق، وأن هذا فيه تنزيه الله -عز وجل-. فهذا يؤيد ما ذكره أهل العلم من أن من نعمة الله على العبد أن ينشأ على معتقد أهل السنة والجماعة، فإذا رأى أن هؤلاء العلماء الكبار الفطاحل أوَّلوا الصفات، ولم يتبين لهم معتقد أهل السنة والجماعة الذي درج عليه الصحابة، والتابعون والأئمة الأربعة وغيرهم، وقرره العلماء، يخاف على نفسه، ويعض على معتقد أهل السنة والجماعة. فإذا زل هؤلاء العلماء الكبار فأنت حري أن تزل هذا -يعني- يجعل الشاب وطالب العلم يحرص على معتقد أهل السنة والجماعة، ويعضد عليه بالنواجذ، ويحمد الله أن وُفق لمن ينشئه على معتقد أهل السنة والجماعة. شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- والعلامة ابن القيم نشروا مذهب أهل السنة والجماعة بعد أن اندفن، هذه الكتب العظيمة التي ألفها أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- العقيدة الواسطية، عقيدة عظيمة تكتب بماء الذهب، ينبغي لطالب العلم أن يحفظها. كلمات معدودة كتبها بعد العصر في جلسة واحدة جوابًا عن سؤال من بلدة اسمها واسطة فسميت الواسطية في العراق، يعني: عقيدة عظيمة مركزة، كلمات معدودة بيان معتقد أهل السنة والجماعة في الصفات وفي الأسماء وفي الأحكام وفي الصحابة تكتب بماء الذهب، بل هي أغلى من ماء الذهب، ماء الذهب لا يساوي شيئا. كذلك الحموية رسالة عظيمة في الصفات وفي العلو جوابا لسؤال من بلدة حمى والتدمرية جوابا لسؤال من بلدة تدمر، رسائل عظيمة كذلك العقيدة الطحاوية عامة لبيان أصول الدين، كذلك -أيضا- مؤلفات شيخ الإسلام -رحمه الله- الكثيرة مجموع الفتاوى وفي غيرها ومؤلفات ابن القيم كذلك أئمة الدعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وأئمة الدعوة كلهم نشروا مذهب أهل السنة والجماعة، وبينوه في رسائلهم ومكاتباتهم ودروسهم، وصارت مدرستهم امتدادا لمدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم -رحمه الله-. هذه نعمة عظيمة مَنَّ الله بها علينا في آخر الزمان، في هذه الأزمنة المتأخرة نُشر مذهب أهل السنة والجماعة، انتشر وصار في زمن الإمام محمد بن عبد الوهاب، والإمام محمد بن سعود -رحمهما الله- في القرن الثاني عشر والثالث عشر يعني: صار زمانهم يُضم إلى زمان الصحابة والتابعين لشدة تمسكهم بالحق، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر وشدة غيرتهم على دين الله، ونشرهم لمعتقد أهل السنة والجماعة. ولا نزال نتفيأ ظلال هذا البيان والإيضاح، وظلال هذه الدعوة السلفية التي وفق الله لها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وانتشرت في مشارق الأرض ومغاربها، فلله الحمد على هذه النعمة العظيمة في آخر الأزمنة. فهذه نعمة عظيمة منَّ الله بها عليك لو لم يوفقنا الله، ولم ننشأ على معتقد أهل السنة والجماعة لكنا مثل غيرهم جهمية أو أشاعرة، أو معتزلة أو رافضة، أو ملاحدة وحدة وجود، نسأل الله السلامة والعافية، كلها موجودة في القديم والحديث. إذا خرجت إلى أي بلد من البلاد تجد فيها صوفية، تجد في البلد مائة طريقة، كل طريقة لها شيخ يدعوا إلى النار -والعياذ بالله- تَجِدُ صوفية، تجد ملاحدة، تجد وحدة الوجود، تجد جهمية، تجد أشاعرة، تجد معتزلة، تجد رافضة، تجد مرجئة، تجد خوارج. ولكن الله مَنَّ علينا بمعتقد أهل السنة والجماعة، ومنَّ الله على من شاء في سائر أقطار الأرض ممن وفقه الله لسلوك معتقد أهل السنة والجماعة، والعمل بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فلله الحمد على هذه المِنة العظيمة. فعمرو بن قيس الملائي -رحمه الله- يقول: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه: ارجُ له الخير، يرجى له الخير، أما إذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه، فإن الشاب على أول من منشئه، هذا هو الأغلب، وإلا فقد يوفق الله الإنسان ولو كان من أهل البدع قد يوفقه الله لمعتقد أهل السنة والجماعة. في الغالب أن من الشباب إذا نشأ على معتقد أهل السنة والجماعة فإنه يرجى له الخير والاستمرار عليه، وإذا نشأ مع أهل البدع فالغالب أنه يستمر على بدعته، نسأل الله السلامة والعافية.
منقول من فتاوى موقع الشيخ عبد العزيز الراجحي - حفظه الله تعالى -
شبكة الأثري السلفية