المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف
باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما..
من كتاب كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالىللشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
(باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما) يعني ما حكمه؟
الجواب هو مشرك؛ يعني: باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فهو مشرك.
وقوله (من تبرَّك), التبرك: تفعُّلٌ من البركة، وهو طلب البركة، والبركة مأخوذة من حيث الاشتقاق من مادة بُرُوك أو من كلمة بِرْكة.
أما البروك فبروك البعير يدلّ على ملازمته وثبوته في ذلك المكان.
والبِرْكة وهي مجمتع الماء يدل على كثرة الماء في هذا الموضع وعلى لزومه له وعلى ثباته في هذا الموضع.
فيكون إذا معنى البركة كثرة الشيء الذي فيه الخير وثباته ولزومه.
فالتبرك: هو طلب الخير الكثير وطلب ثباته وطلب لزومه, تبرَّك يعني طلب البركة، والنصوص في القرآن والسنة دلّت على أنَّ البركة من الله جل وعلا، وأن الخلق لا أحد يبارك أحدا وإنما هو جل وعلا يبارك قال سبحانه «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ»[الفرقان:1]؛ يعني عَظُم خير من نزل الفرقان على عبده وكثر ودام وثبت، «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»[الملك:1]، وقال سبحانه»وَبَارَك ْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ»[الصافات:113]، وقال «وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا»[مريم:131]، فالذي يُبارك هو الله جل وعلا، فلا يجوز للمخلوق أن يقول باركتُ على الشيء أو أبارك فعلكم؛ لأن لفظ البركة ومعنى البركة، إنما من الله؛ لأن الخير كثرته وثباته ولزومه إنما هو من الذي بيده الأمر.
والنصوص في الكتاب والسنة دلت على أن البركة التي أعطاها الله جل وعلا بالأشياء:
* إمّا تكون الأشياء هذه أمكنة أو أزمنة.
* وإمّا أن تكون تلك الأشياء من بني آدم؛ يعني مخلوقات آدمية.
أمَّا الأمكنة والأزمنة: فظاهر أن الله جل وعلا حين بارك بعض الأماكن كبيت الله الحرام، وكما حول بيت المقدس «الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ»[الإسراء:1]، بالأرض المباركة ونحو ذلك, أنّ معنى أنها المباركة أن يكون فيها الخير الكثير اللازم الدائم لها، ليكون ذلك أشجع في أن يلازمها أهلُها الذين دُعوا إليها.
وهذا لا يعني أن يُتمسح بأرضها، أو أن يُتمسح بحيطانها، فهذه بركة لازمة لا تنتقل بالذات؛ فبركة الأماكن أو بركة الأرض ونحو ذلك هي بركة لا تنتقل بالذات؛ يعني إذا لمست الأرض أو دفنت فيها أو تبركت بها فإن البركة لا تنتقل بالذات، وإنما الأرض المباركة من جهة المعنى.
كذلك بيت الله الحرام هو مبارَك لا من جهة ذاته؛ يعني أن يُتمسح به فتنتقل البركة، وإنما هو مبارك من جهة ذاته من جهة المعنى؛ يعني اجتمعت فيه البركة التي جعلها الله في هذه البِنية من جهة تعلق القلوب بها وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها وأتاها وطاف بها وتعبَّد عندها.
حتى الحجر الأسود هو حجر مبارَك، ولكن بركته لأجل العبادة؛ يعني أنه من استلمه تعبُّدا مطيعا للنبي ( في استلامه له وفي تقبيله فإنه يناله به بركة الإتباع، وقد قال عمر ( لمّا قبّل الحجر: إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر -قوله (لا تنفع ولا تضر) يعني لا ينقل لأحد شيء من النفع ولا يدفع عن أحد شيء من الضر- ولو لا أني رأيت رسول الله ( يقبلك ما قبلتك. هذا من جهة الأمكنة.
وأمّا الأزمنة: فمعنى كون الزمـان مباركا مثل شهر رمضان أو بعض أيام الله الفاضلة؛ يعني أن من تعبد فيها ورَامَ الخير فيها، فإنه يناله من كثرة الثواب ما لا يناله في ذلك الزمان.
والقسم الثاني البركة المنوطة ببني آدم: والبركة التي جعلها الله جل وعلا في الناس إنما هي بركة فيمن آمن؛ لأن البركة من الله جل وعلا، وجعل بركته للمؤمنين به، وسادة المؤمنين هم الأنبياء والرسل، والأنبياء والرسل بركتهم بركة ذاتية؛ يعني أن أجسامهم مباركة، فالله جل وعلا جعل جسد آدم مباركا، وجعل جسد إبراهيم عليه السلام مباركا، وجعل جسد نوح مباركا، وهكذا جسد عيسى وموسى عليهم جميعا الصلاة والسلام، جعل أجسادهم مباركة؛ بمعنى أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم إما بالتمسح بها أو بأخذ عَرَقها أو بأخذ بعض الشعر فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة.
وهكذا النبي ( محمد بن عبد الله جسده أيضا جسد مبارك، ولهذا جاءت الأدلة في السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه, يتبركون بشعره، وإذا توضأ اقتتلوا على وَضوئه، وهكذا في أشياء شتى.
ذلك لأن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية يمكن معها نقل أثر هذه البركة أو نقل البركة والفضل والخير من أجسادهم إلى غيرهم.
وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل، أما غيرهم فلم يرد دليل على أنّ ثَم من أصحاب الأنبياء من بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر فقد جاء بالتواتر القطعي أنَّ الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بجنس تبركهم بالنبي ( بالتبرك بالشعر أو بالوضوء أو بالنُّخامة أو بالعَرَق أو بالملابس ونحو ذلك.
فعلمنا من ذلك التواتر القطعي أنّ بركة أبي بكر وعمر إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي( .
ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي ( قال«إنّ منَ الشجَر لمَا بَرَكتُه كبركةِ المسلم»، فدلّ على أن في كل مسلم بركة، وأيضا فيه يعني في البخاري قال أحد الصحابة: ما هذه بأَوّلِ برَكَتِكمْ يا آلَ أبي بكرٍ. هذه البركة التي أُضيفت لكل مسلم وأضيفت لآل أبي بكر بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان وإلى العلم والدعوة والعمل.
فنقول: كل مسلم فيه بركة، هذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، بركة ما معه من الإسلام والإيمان وما في قلبه من والإيقان والتعظيم لله جل وعلا والإجلال له، والإتباع لرسوله (.
هذه البركة بركة العلم أو بركة العمل أو بركة الصلاح لا تنتقل، وبالتالي يكون التبرك بأهل الصلاح هو الإقتداء بهم في صلاحهم؛ التبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة من علومهم، وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى يتمسح بهم أو يُتبرك بريقهم؛ لأن أهل الخلق من هذه الأمة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وهذا أمـر مقطوع به.
تبرّك المشركين أنهم كانوا يرجون كثرة الخير ودوام الخير ولزوم الخير وثبات الخير بالتوجه إلى الآلـهة.
وهذه الآلـهة:
* يكون منها الصنم الذي من الحجارة.
* ويكون منها القبر من التراب.
* ويكون منها الوثن.
* ويكون منها الشجر.
* ويكون منها البقاع المختلفة؛ غار أو عين ماء أو نحو ذلك.
هذه تبركات مختلفة جميعها تبركات شركية، ولهذا جاء الشيخ رحمه الله قال (بابُ من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما)، (بابُ من تبرك بشجر أو حجر) الشجر جمع شجرة والشجر معروف والحجر معروف، ذلك أن المشركين كانوا يتبركون بالأشجار والأحجار، حتى في أول الدعوة في هذه البلاد كانت الأشجار كثيرة التي يتبرك بها الأحجار كثيرة.
قال (ونحوهما) يعني نحو الشجر والحجر مثل البقاع المختلفة أو غار معين أو قبر معين أو عين ما أو نحو ذلك من الأشياء التي يَعتقد فيها أصل الجهالة.
ما حكمه؟ الجواب: أنه مشرك كما صرّح به الشيخ عبد الرحمن بن حسن في شرحه فتح المجيد.
باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فهو مشرك.
الشراح في هذا الموضع لم يُفصحوا هل المتبرك بالشجر والحجر شرك أكبر؟ أو شرك أصغر؟
وإنما أدار المعنى الشيخ سليمان رحمه الله في التيسير بعد أن ساق تفسير آية النجم «أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى»[النجم:19]، قال في آخره: مناسبة الآية للترجمة أنه إن كان إن كان التبرك شركا أكبر فظاهر، وإن كان شركا أصغر فالسلف يستدلون بالآيات التي نزلت في الأكبر على الأصغر.
وتحقيق هذا المقام: أن التبرك بالشجر أو الحجر أو بالقبر أو ببقاع مختلفة قد يكون شركا أكبر وقد يكون شركا أصغر:
( يكون شركا أكبر: إذا طلب بركتها معتقدا أن هذا الشجر أو الحجر أو القبر إذا تمسح به أو تمرَّغ عليه أو التصق به يتوسط له عند الله، فإذا اعتقد فيه أنه وسيلة إلى الله، فهذا اتخاذ إلـه مع الله جل وعلا وشرك أكبر، وهذا هو الذي كان يزعمه أهل الجاهلية للأحجار والأشجار التي يعبدونها، وبالقبور التي يتبركون بها، يعتقدون أنهم إذا عكفوا عندها وتمسحوا بها وبالقبور أو تثروا التراب عليها فإن هذه البقعة أو صاحب هذه البقعة أو الرَّوحانية؛ الروح التي تخدم هذه البقعة أنه يتوسط له عند الله جل وعلا، فهذا راجع إلى اتخاذ أنداد مع الله جل وعلا، قد قال سبحانه «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»[الزمر:3].
( ويكون التبرك شركا أصغر: إذا كان هذا التبرك بنثر التراب عليه، أو إلصاق الجسم بذلك، أو التبرك بعين ونحوها، إذا كان من جهة أنه جعله سببا لحصول البركة، بدون اعتقاد أنه يوصل إلى الله؛ يعني جعله سببا مثل ما يجعل لابس التميمة أو لابس الحلقة أو لابس الخيط، جعل تلك الأشياء سببا، فإذا أخذ تراب القبر ونثره عليه لاعتقاده أن هذا التراب مبارك وإذا لامس جسمه فإن جسمه يتبارك من جهة السببية فهذا شرك أصغر؛ لأنه ما صرف عبادة لغير الله جل وعلا، وإنما اعتقد ما ليس سببا مأذونا به شرعا سببا.
وأما إذا تمسح بها -كما هي الحال الأولى- تمسح بها وتمرغ بها والتصق بها لتوصله إلى الله جل وعلا، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، ولهذا قال الشيخ سليمان -كما ذكرت لك-:
* إن كان الشرك شركا أكبر فظاهر بالاستدلال بالآية.
* وإن كان شركا أصغر فالسلف يستدلون بما نزل في الأكبر على ما يريدون من الاستدلال في مسائل الشرك الأصغر.