شعور الإنسان بالخجل من ذنبه وخوفه من ربه
سائلة كريمة –جزاها الله خيرا- من ملتقى أحبة القرآن، توجهت إلى صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى بسؤالٍ بناءً على خطبة فضيلته، التي كانت بعنوان: (يا عبدَ الله فَرِّحِ الله بالتوبة الصادقة إليه جلَّ في علاه)؛ ونص سؤالها:
[بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة رائعة جدا, بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.
جعلها الله في ميزان حسناتكم.
هل يتناقض شعور الانسان بالخجل من ذنبه ونفسه وربه، والخوف من الله، وهو أمر واقع وجائز, (فمن عصى الله أو أذنب وتاب؛ لا يفتخر بما كان يصنع, بل يخجل من نفسه، ومن الله, وقد يراوده إحساس بأنه سيحاسب ويعذب على ما قام به)، مع إحسان الظن بالله؟
أرجو التوضيح وإعطاء أمثلة...
رزقنا الله جميعا الجنة].
فأجاب فضيلته –جزاه الله خيرا- بالآتي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن الاه إلى يوم الدين.
وبعد؛
ليس هناك بحمد الله تناقض، بل من إحسان الظن به سبحانه، تذكُّر الذنب لتستمر التوبة، وليزداد العبد التائب من الطاعات، فكأن تذكر المعاصي محرك للإقبال على الله أكثر وأكثر، قال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ». سنن الترمذي (2406)، وكيف يبكي على خطيئة فتركها ونسيها ولم يتذكرها.
ومن مواعظ ابن الجوزي (الياقوتة) الفصل الأول (ابك على خطيئتك) أنقل باختصار من يتذكر المعاصي، أو من يعتبرها معاصي، فيبكي:
[إخواني: لو تفكرت النفوس فيما بين يديها، وتذكرت حسابها فيما لها وعليها، لبعث حزنُها بريدَ دمِها إليها، أما يحق البكاء لمن طال عصيانه: نهاره في المعاصي، وقد طال خسرانه، وليله في الخطايا، فقد خفَّ ميزانه، وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه...
يا مَن معاصيه أكثرُ من أن تحصى، يا من رضي أن يطردَ ويقصى، يا دائم الزلل وكم يُنهى ويوصى، يا جهولا بقدرنا ومثلنا لا يعصي، إن كان قد أصابك داء داود، فنُحْ نَوح نُوح، تحيا بحياة يحيى.
روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطوطٌ مسودةٌ من البكاء.
وبكى ابن مسعود، حتى أخذ بكفه من دموعه فرمى به.
وكان عبد الله بن عمر يطفىء المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عينيه.
وقال أبو يونس بن عبيد: كنا ندخل عليه فيبكي حتى نرحمه.
وكان سعيد بن جبير، قد بكى حتى عمش.
وكان أبو عمران الجوني، إذا سمع المؤذن، تغير وفاضت عيناه.
وكان أبو بكر النهشلي، إذا سمع الأذان تغير لونه وأرسل عينيه بالبكاء.
وكان نهاد بن مطر العدوي، قد بكا حتى عمي.
وبكى ابنه العلا، حتى عَشي بصره.
وكان منصره قد بكى حتى جَرَدَت عيناه.
وكانت أمه تقول: يا بني، لو قتلت قتيلاً ما زدت على هذا.
وبكى هشام الدستوائي حتى فسدت عيناه وكانت مفتوحة، وهو لا يبصر بها.
وبكى يزيد الرقاشي أربعين سنة حتى أظلمت عيناه وأحرقت الدموع مجاورتها.
وبكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب، وقيل له: نعالجك، على أن لا تبكي، فقال: لا خير في عين لم تبك:
بكى الباكون للرحمن ليلاً ... وباتوا دمعهم ما يسأمونا
بقاع الأرض من شوقي إليهم ... تحن متى عليها يسجدونا]
[فَالتَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ تَقْتَضِي تَذَكُّرَ صَاحِبِهَا زَلَلَهُ أَسَفًا وَحَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا سَلَفَ مِنْهُ، ...] الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 365)
فَفِي صحيح البخاري (6308): عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ». فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ.
والله أعلم