تصوُّر موجز للقب باشاالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
آراء في أصل لقب باشا:
1- باشا لقب تركي، كان الوالي يُلقَّب به:
أ- وأصله من "باش" أي: "الرأس". يقال: باش التجار، أي: رئيس التجّار. و: قُبطان باشا/ قَبُودان باشا: قائد الأسطول، أميرال تركي. و: سُو باشاه: ضابط شرطة، وهو نائب مفوضي الحي.
ب- وقيل: مركَّب من "با" أي: قدم، ومن "شاه" أي: الملك. ولا يبعد أن يكون هذا كقولهم في فارس: يمين الملك، ونحو ذلك، وهو لقب تشريف عندهم أو رتبة، ويكون هذا كقول العامّة بمصر: "فلان إيده ورجله" كناية عن أنه يعاونه في عمله بحيث لا يستغني عنه.
وكأنّ بعض أهل العلم لمّا رأى لقب "باشا" معناه (نعل السلطان) فإنه استظهر من ذلك أنّ هذا اللقب من ألقاب التحقير، فقال: (وهذا غير مستغرب على الأعاجم؛ لغلوهم وإسرافهم في الألقاب). وإنْ كان ذلك كذلك ولم أخطىء عليه؛ فإنّ الأظهر أنّ هذا اللقب للتشريف والرتبة، وقد تقدّم وجهه. والله أعلم.
2- وقيل: كلمة باشا مأخوذة من اللغة القديمة لغة "آدغة" (أي: لغة "عاد" التي حافظت عليها بعض القبائل الجركسيّة) وهي مؤلّفة من حرفين أحدهما (به) بمعنى: المتقدّم، و(شه) بمعنى السائق أو القائد، فيكون معنى اللفظ إجمالا (القائد الرئيس)، وتستعمل كلمة (بشه) في مصطلحات هذه اللغة لبيان الأمراء الممتازين، وكلمة (باشا) التركيّة محرّفة ومخفّفة من هذه الكلمة.
3- وقيل: باشا بفتح الباء المعجمة، من الألفاظ المختصّة بالروم، وهو ذو شوكة، جعل السلطان أزمّة عدة من الأمراء بيده..
_______________
يراجع: أحمد تيمور باشا. "معجم الألفاظ العاميّة الكبير" (ص94 – 100)، ادّي شير. الألفاظ الفارسيّة المعرَّبة (ص16)، دوزي. تكملة المعاجم، د. حلمي خليل "المُوَلَّد دراسة في نمو وتطور اللغة العربية في العصر الحديث" ص10 ، 11)، مجلة "الدارة" لعام 1420 نقلا عن "حراسة الفضيلة" (ص139: حاشية1) و"الحراسة" كذلك الموضع نفسه.
________________كلمة في رواج الألقاب:
يقول الأستاذ الكبير كرد عليّ في "خطط الشام": (وأهل دمشق وحلب بل وأكثر المدن الداخلية، من أشد الشاميين محافظة على عاداتهم وأخلاقهم، ولهم غرام إلى اليوم بالتلقيب بألفاظ التشريف، واستعمال الألقاب الضخمة، راجت رواجا كثيرا على آخر عهد الترك العثمانيين؛ لأن رتبهم وألقابهم مما كانوا أسرفوا في منحه للرفيع والوضيع، فصار أهل الطبقتين الوسطى والدنيا لا يتخاطبون إلا بلقب "باشا" أو "بك" أو "أفندي" و"دولتك" "عطوفتك" "سعادتك" "سماحتك" "فضيلتك" "سيادتك". أما ألقاب "سيدنا" و"مولانا" فتكاد تؤلف جزءا مهما من أحاديثهم. ابتليت الأمة بهذه الألقاب كما ابتليت بالتلقيب بالدِّين في القرن الخامس إلى القرون الأخيرة).