بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ الْوَاقِي مَنْ اتَّقَاهُ مَرَجَ الأَهْواءِ وَهَرَجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً كَامِنَةً فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانُ يَنْطِقُ بِهَا وَالْجَوَارِحُ تَعْمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهَا . آمِنَةً مِنْ اخْتِلالِ الأَذْهَانِ وَغَلَبَةِ الأَهْوَاءِ وَاعْوِجَاجِهَا . ضَامِنَةً لِمَنْ يَمُوتُ عَلَيْهَا حُسْنَ لِقَاءِ الأَرْوَاحِ عِنْدَ عُرُوجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ التَّقْوَى وَضِيَاءُ سِرَاجِهَا . وَالسِّرَاجُ الْمُنِيْرُ الْفَارِقُ بَيْنَ ضِيَاءِ الدِّينِ وَظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَاعْوِجَاجِهَا . وَالآخِذُ بِحُجُزِ مُصَدِّقِيهِ عَنِ التَّهَافُتِ فِي النَّارِ وَوُلُوجِهَا . صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ أَزْكَى صَلاتِهِ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا فِي أَبْرَاجِهَا .... وَبَعْدُ ..
عن أبي صالح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمْ بَعْدُ: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ أَمْثَالُ أَسْنِمَةِ الإِبِلِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِجَالٌ مَعَهُمْ أَسْيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ )) وفي رواية : (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا )) .
[ أولاً ] قولهُ صلى الله عليه وسلم (( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ )) عند ابن حبان من رواية إسحاق .
[ ثانياً ] قولهُ صلى الله عليه وسلم (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا )) عند مسلم والبيهقي من رواية زهير بن حرب عند الإمام مُسلم في صحيح ، وعثمان بن أبي شيبة عند البيهقي - رحمهم الله - عن جرير بن عبد الحميد ، وقد أخرجهُ البيهقي في شعب الإيمان برواية مسلم بن أبي مريم مرفوعاً من رواية ابن وهب عن مالك - رحمهم الله - وفي رواية ابن وهبٍ للحديث عن مالك مرفوعاً وهو من أصحاب مالك - رضي الله عنهم - فمقامُ ابن وهب وهو من أصحابه أقوى من موقف غيره عن الإمام مالك وسنتكلمُ عن هذا الأمر في معرضِ التخريج .
@ التخريج :
أخرجه أحمد 2/355 (8650) قال: حدَّثنا أسود بن عامر، حدَّثنا شريك. وفي 2/440 (9678) قال: حدَّثنا أبو داود الحفري، عن شريك. و"مسلم" 5633 و7296 قال: حدثني زهير بن حرب، حدَّثنا جرير. و"أبو يَعْلَى" 6690 قال: حدَّثنا بشر بن الوليد، حدثنا شريك. و"ابن حِبَّان" 7461 قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جرير بن عبد الحميد.
[ أولاً ] فرواهُ عن سهيل عن أبو صالح السمانْ عن أبي هريرة رضي الله عنهُ شريك بن عبد الله النخعي .
[ ثانياً ] ورواهُ عن سهيل عن أبو صالح السمان عن أبي هريرة أيضاً عنهُ مرفوعاً جرير بن عبد الحميد .
[ ثالثاً ] ورواهُ عن سهيل عن أبو صالح السمان عن أبي هريرة - رضي الله عنهُ - مرفوعاً زياد بن خيثمة عند الطبراني في معجمه الأوسط ، والرامهرمزي في أمثال الحديث برواية إلا أنهُ أسقط أبو صالح السمانْ في الحديث من رواية هدبة إلا أني لا أعلم لهدبة سماعاً مِنْ سهيل بن أبي صالح غير أن روايتهُ مُتكلمٌ فيها وهي على الأرجح لا تصحُ .
[ رابعاً ] وخالفهم مُسلم بن أبي مريم فرواه عن أبي صالح، عن أبي هريرة موقوفاً. رواه عنه الإمام مالك في الموطأ (3384 ت الأعظمي) مختصراً. ولفظُه: ((نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ. لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ)) وجاء موقوفاً عن ابن أبي شيبة من رواية سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله
بن عمرو موقوفاً ، وقد أخرجهُ كذلك من حديث كعب الأحبار موقوفاً في مصنفهِ فقال : ((مَالِي أَرَى فِي التَّوْرَاةِ صِفَةَ قَوْمٍ لَمْ أَرَهُمْ بَعْدُ؟ فُحَشَةٍ مُتَفَحِّشِينَ فِي أَيْدِيهِمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ. مَالِي أَرَى فِي التَّوْرَاةِ صِفَةَ نِسَاءٍ لَمْ أَرَهُنَّ بَعْدُ؟ نَاعِمَاتٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ)). والله أعلى وأعلم بالصوابْ .
@ دراسة الأسانيد :
أما حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهُ - فقد إختلف في وقفهِ ورفعهِ عنهُ ، فرواهُ المذكورون مرفوعاً عند الإمام مسلم - رحمه الله - قال ابن الأثير في جامع الأصول (8359): ((إلاَّ أنَّ الموطَّأ وقفه على أبي هريرة، ومسلماً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم)) ، إلا أن هُناك من رفعهُ عن الإمام مالك رحمهُ الله تعالى ، وقد رفعهُ ( جرير و شريك القاضي وهدبة و وزياد بن خيثمة ) فقال الإمامُ الدارقطني في العلل الواردة : (( فَقَالَ : يَرْوِيهِ مَالِكٌ ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ ؛ فَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَوَقَفَهُ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ )) ، قلتُ وقول الإمام الدارقطني قد فهم بعضهم أن قولهُ هُنا إعلالٌ للحديث المرفوع من طريق سهيل بن أبي صالح إلا أن هذا على الظاهر وليس كما ذهب إليه بعضُ طلبة العلم - سددهم الله تعالى - وكلامُ الإمام الدارقطني هُنا تصويبٌ للرواية الموقوفة عن الإمام مالك ، وقولهُ " وهو المحفوظ " أي المحفوظ عن الإمام مالك رحمهُ الله تعالى ، إلا أن الإمام مالك من عادته أن يقف أحاديث ثم تروى مرفوعة مثال ذلك ما ورد في الموطأ عن الإمام مالك قال عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، إِلَّا صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ " فقد ورد الحديث مرفوعا من هذه الطريق في الصحيحين ، وقد روي الحديثُ مرفوعاً عن الإمام مالك برواية ابن وهبٍ - رحمهم الله - عن البيهقي في شعب الإيمان كما أسلفنا فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان : (( أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، نا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الإسْفَرَايِينِ يُّ ، نا خَالِي يَعْنِي أَبَا عَوَانَةَ ، نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، نا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُتَمَيِّلاتٌ ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ " ، قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : سَنَدُهُ غَرِيبٌ ، عَنْ مَالِكٍ ، فَإِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ )) والمعروفِ أن الإمام مالك قد يروي الاحاديث موقوفةً في الموطأ إلا أنها مرفوعةً عند غيرهِ فلا يقالُ أنه روي موقوفاً عن الإمام مالك وخاصة أن هُناك ثقتين من أصحاب مالك قد روياهُ عنهُ مرفوعًاً ، فالذي أميلُ إليه هو ما ذهب إليه الإمام مسلم في رفع الحديث فقد رفعهُ عن الإمام مالك - رحمه الله تعالى - .
(1) ابن وهبٍ ( ثقةٌ ثبتْ ) ، وهو من أصحاب الإمام مالك ومن أوثقهم .
قال ابن عبد البر في التمهيد ص203 : (( هكذا روى هذا الحديث يحيى موقوفا من قول أبي هريرة ، وكذلك هو في الموطأ عند جميع رواته ، إلا ابن نافع فإنه رواه عن مالك بإسناده هذا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومعلوم أن هذا لا يمكن أن يكون من رأي أبي هريرة ; لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي ، ومحال أن يقول أبو هريرة من رأيه لا يدخلن الجنة ، ويوجد ريح الجنة من مسيرة كذا ، ومثل هذا لا يعلم رأيا ، وإنما يكون توقيفا ممن لا يدفع عن علم الغيب - صلى الله عليه وسلم )) وقال أيضاً بنفس الصفحة : (( وقد روي عن ابن بكير عن مالك مسندا ، وفي الموطأ عن مالك لابن بكير غير ذلك : حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير : حدثنا مالك بن أنس عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة . هذا إسناد لا مطعن فيه عن ابن بكير ، وكذلك رواية ابن نافع )) وقد صححهُ ابو الحسين البغوي في شرح السُنة فقال - رحمه الله تعالى - : (( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ )) وعليه يأتي إشكالُ الشيخ الفاضل المُسدد أبو عبد الإله في كونِ الأمر ليس في تصويب الدارقطني إنما في إعلال الأئمة للحديث المرفوع من رواية سهيل بن أبي صالح ورواية السالف ذكرهم عنهُ ، وهذا هو الصوابْ فإن الدارقطني لم يعل الحديث ولا يمكنُ فهمهُ بهذه الطريقة إذ أن قولهُ المحفوظ هُنا فيه إشارةٌ إلي كونه عن مالك ، وزيادة الثقة مقبولة ما لم يتوفر فيها القرائن التي تفيد قبولها عند أهل الحديث ، وروايةُ الثقات مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم صواباً فيكون صنيعُ مسلم صحيحاً .
قال الزرقاني في شرحه على الموطأ (4/ 427): ((وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْ رَأْيِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَقُولَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ رَأْيِهِ لَا يَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ، وقال الحافظ في القول المسدد : (( أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ ، وَلَفْظُهُ " يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَنْ تَرَى قَوْمًا فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِهِ " . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ صَحِيحِهِ أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِيرَوَيْهِ ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ ، أنا جَرِيرٌ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، فَذَكَرَهُ ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ، عَنْ سُهَيْلٍ ، نَحْوَهُ ، فَلَقَدْ أَسَاءَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِذِكْرِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ حَدِيثًا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَهَذَا مِنْ عَجَائِبِهِ )) وما أحب الإشارة إليه إلي كون الزيادة من الثقة مقبولة عند جمهور المحدثين ، وإن كانت في حديثنا هذا مروية من طريق ثقتين وليس واحداً فكيف بمن أعل حديثهما هل له حجةُ في ذلك ورد أهلُ الحديث زيادة الثقتين ! إن كان لهُ سلفٌ بذلك فليأتني بسلفهِ إن كان من الصادقين .
قال الترمذي : " وإنما تصحُّ إذا كانت الزيادة ممن يُعتمد على حِفظه "
وقال الخطيب البغدادي : (( بان اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفاً ؛ لجواز أن يكون
الصحابي يسند الحديث مرة ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه ، فحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعاً ، وقد كان سفيان بن عيينة يفعل هذا كثيراً في حديثه ، فيرويه تارة مسنداًً مرفوعاً ، ويقفه مرة أخرى قصداً واعتماداً ، وإنما لم يكن هذا مؤثراً في الحديث ضعفاً ، . . . لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى ، والأخذ بالمرفوع أولى؛ لأنه أزيد )) شرح التبصرة والتذكرة (1/233) : (( أشارَ بهِ إلى مسألةِ تعارضِ الرفعِ والوقفِ. وهو ما إذا رفعَ بعضُ الثقاتِ حديثاً، ووقفَهُ بعضُ الثقاتِ، فالحكمُ على الأصَحِّ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، لما زادَهُ الثقةُ من الرفعِ؛ لأنَّهُ مثبتٌ، وغيرُهُ ساكتٌ، ولو كان نافياً فالمثبِتُ مقدّمٌ عليه؛ لأنَّهُ عَلِمَ ما خَفِيَ عليهِ )) وعليه فلا وجه لإعلال الحديث بالوقف لأنه صحيحٌ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهُ ، وهذا ما ذهب إليه السخاوي مشابهاً لكلام الخطيب البغدادي في مسألة تعارض الوقف مع الرفع ، وبالقرآئن التي تبينت لنا أن الإمام مسلم أخرجهُ مرفوعاً وهو صحيحٌ عندهُ . والله أعلم .
كتبه /
أبو زُرعة الرازي
غفر الله تعالى له ولمشايخه ووالديه