بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ الْوَاقِي مَنْ اتَّقَاهُ مَرَجَ الأَهْواءِ وَهَرَجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً كَامِنَةً فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانُ يَنْطِقُ بِهَا وَالْجَوَارِحُ تَعْمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهَا . آمِنَةً مِنْ اخْتِلالِ الأَذْهَانِ وَغَلَبَةِ الأَهْوَاءِ وَاعْوِجَاجِهَا . ضَامِنَةً لِمَنْ يَمُوتُ عَلَيْهَا حُسْنَ لِقَاءِ الأَرْوَاحِ عِنْدَ عُرُوجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ التَّقْوَى وَضِيَاءُ سِرَاجِهَا . وَالسِّرَاجُ الْمُنِيْرُ الْفَارِقُ بَيْنَ ضِيَاءِ الدِّينِ وَظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَاعْوِجَاجِهَا . وَالآخِذُ بِحُجُزِ مُصَدِّقِيهِ عَنِ التَّهَافُتِ فِي النَّارِ وَوُلُوجِهَا . صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ أَزْكَى صَلاتِهِ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا فِي أَبْرَاجِهَا .... وَبَعْدُ ..
زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأُكْلَةَ ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا " . قلت : وقد إدعى أحدُ المتسرعين غفر الله تعالى لهُ تسرعهُ ان الحديث ضعيف وقد أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في الصحيح وهذا عجيب
@ التخريج :
أخرجه أحمد 3/100(11996) قال : حدثنا إسحاق بن يوسف . وفي 3/117 (12192) قال : حدثنا أبو أسامة . و"مسلم" 7032 قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن نمير ، واللفظ له ، قالا : حدثنا أبو أسامة ، ومحمد بن بشر . وفي (7033) قال : وحدثنيه زهير بن حرب ، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق . والترمذي" 1816 ، وفي (الشمائل) 194 قال : حدثنا هناد ، ومحمود بن غيلان ، قالا : حدثنا أبو أسامة . و"النسائي" ، في "الكبرى" 6872 قال : أخبرنا أبو عبيدة , قال : أخبرنا أبو أسامة ثلاثتهم :
1- أبو أسامة .
2- إسحاق بن يوسف الأزرق .
3- محمد بن بشر .. عن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة ( الحديث ) .
@ دراسة الإسناد :
قال أبو زُرعة طاهر بن محمد المقدسي في الصوفة : [ صَحِيحٌ , أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ , كَذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِسَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٍ آخَرَ فِي تَرْكِ الاعْتِرَاضِ عَلَى الْخَادِمِ ] وهذا تصحيحٌ من أبو زُرعة المقدسي للحديث على غرار من إعتمد بتضعيفه على تدليس زكريا بن أبي زائدة .
وقال المزي : [ رواه مُسْلِم ، عَنْ زهير بْن حرب ، عَنْ إِسْحَاق الأزرق ، فوقع لنا بدلا عاليا ، ورواه الترمذي ، والنسائي من حديث أَبِي أُسَامَة ، عَنْ زكريا بْن أَبِي زائدة ، فوقع لنا عاليا ، قال الترمذي : حسن ، وقد رواه غير واحد عَنْ زكريا نحوه ، ولا نعرفه إلا من حديث زكريا ، وليس لَهُ عند الترمذي غيره ] والذي يظهرُ لي أن الترمذي حسن الحديث وقد عرفهُ رحمه الله تعالى أن قال : [ وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الكِتَاب حَدِيثٌ حَسَنٌ فإنما أردنا به حُسْنَ إسناده عِنْدَنا كُلُّ حَدِيث يُروَى لا يكون فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَهَم الكذب ولا يكونُ شاذاً ، وَيُرْوَى مِنْ غير وَجْهٍ نحو ذلك فَهُوَ عِنْدَنا حَدِيثٌ حَسَن ] ويظهرُ لنا أن الحديث قد رواهُ (3) أنفسٍ عن زكريا بن أبي زائدة ولذلك حسنهُ الترمذي رحمهُ الله تعالى والميلُ إلي أن الترمذي إن قال " حسنٌ " فهذا يعني أنهُ ضعيف فقد أتى بأمرٍ لم نعرفهُ عند أحدٍ من العُلماء ، فليأتِ بالبُرهانِ إن كان من الصادقين وليس المُراد بهِ الضعف الشديد كما إدُعيّ إنما نقل ابنُ القيم -في مفتاح دار السعادة (1/71)- وابنُ حجر -في فتح الباري (1/160) والنكت (1/403)- كلام الترمذي على ذلك الحديث، وفيه: (هذا حديث حسن)، قال: (وإنما لم نقل لهذا الحديث: صحيح؛ لأنه يقال: إن الأعمش دلس فيه، فرواه بعضهم عنه، قال: حُدِّثت عن أبي صالح، عن أبي هريرة) ، فتظهرُ العِلةُ مِنْ تحسينِ الإمام الترمذي لحديث زكريا بن أبي زائدة ، فقد رواهُ عنهُ بعضهم والذي يظهر لي من قول الترمذي رحمه الله تعالى " حسنٌ " إنما عني به الصالحُ للإحتجاج وقد ذهب الشيخ العوني - حفظه الله تعالى - إلي ذلك ومن تتبع طريقة الترمذي رحمه الله تعالى فإنهُ يطلق اللفظ على المُحتج به إما لقبول الإسناد قال شيخنا العوني : [ ومعنى ذلك أَنَّه قد يصف الحديث بالحسن ، وهو صحيح عنده لأن الصالح للاحتجاج ، صحيح صالح للاحتجاج وقد يكون حسن باصطلاحنا لأن الحسن صالح للاحتجاج وقد يكون ضعيفاً خفيف الضعف لكن عليه العمل فهو يتقوى بعمل أهل العلم بهذا الحديث فهو ضعيف خفيف الضعف ممكن أن نلحقه بالحسن لغيره يمكن أن يلحق بالحسن لغيره عند المتأخرين حسب ما نرى من بعض تصرفاتهم في تحسين الأحاديث ] ويترجحُ لدي كلام الشيخ العوني حول قول الترمذي " حسن " والله أعلم .
وقال المحدث البغوي : [ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ] .
وقال المقدسي في الثاني من المصباح : [ رواه عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن أبي أسامة ، وليس لسعيد بن أَبي بردة ، عن أنس في الصحيح غير هذا الحديث ، والأكلة هاهنا بفتح الهمزة وهي المرة من الأكل وهو الغذاء والعشاء والأكلة بضم الهمزة ، هي اللقمة ] فلو كانت عنعنة زكريا بن أبي زائد سبباً لتضعيف الحديث فلما خفيت على المُتقدمين من أعلام السُنة وظهرت لبعض الذين لازالو يطلبون العلم فيهجموا على الصحيح بلا علم ولله تعالى المُشتكى .... !!! ، وقد تعرض له الإمام البيهقي في شعب الإيمان ولم يضعفهُ فقال : [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ] فالحديثُ على التحقيق صحيح ، وليس فيهِ مطعناً والله المُستعان أما زكريا فسندرسُ حالهُ إن شاء الله .
قال الإمام الألباني رضي الله عنهُ في إرواء الغليل : [ قلت : ورجاله كلهم ثقات إلا أن زكريا هذا مدلس كما قال أبو داود وغيره وقد عنعنه عند الجميع فلعل العنعنة هي التى حملت الترمذي على الأقتصار على تحسين حديثه لكن العنعنة إن اعتد بها فهى سبب للتضعيف لا التحسين . والله أعلم . ولما سبق أقول : إن الحديث بحاجة إلى شاهد يعتضد به ولعلنا نجده فيما بعد ] أهـ . قلتُ : رضي الله عنك العنعنة عند بعض المُتأخرين من أهل الحديث حُملت على إعلال الحديث ، ولكن المُتقدمين من أهل الحديث إعتدوا بالعنعنة في الصحيح وحملوها على الإتصال ، وقد ذكرنا ما يؤيد قول الإمام الألباني حول تحسين الترمذي رحمه الله تعالى عندما ذكرنا قولهُ عن حديث الأعمش ، أما قول الشيخ " إن الحديث بحاجة لشاهد يتعضدُ به " قلتُ ليس شرطاً فتدليس زكريا بن أبي زائدة هُنا محمولٌ على الإتصال " عنعنتهُ " وليست بعلةٍ تقدحُ بالحديث .
* من وصف زكريا بن أبي زائدة بالتدليس :
1- أبو بكر الإسماعيلي : " كان يدلس " .
2- أبو حاتم الرازي : " لين الحديث، وأبو إسرائيل أحب إلي منه، كان يدلس " .
3- أبو داود : " ثقة، ولكنه يدلس " .
4- أبو زُرعة الرازي : " صويلح يدلس كثيرا عن الشعبي " .
5- قال ابن حجر : " ثقة، وكان يدلس، وسماعه من أبي إسحاق بأخرة، ومرة: احتج به الجماعة " .
6- الذهبي : " ثقة يدلس عن شيخه الشعبي " .
قُلت : ويظهرُ مِنْ وصفهُ بالتدليس وصفهُ بالتدليس عن " الشعبي " ولم أرى أحداً من أهل العلم قد وسمه بالتدليس عن سعيد بن أبي بردة وقد عنعنهُ وعنعنتهُ في الصحيح محمولةٌ على الإتصال ، وقد إحتج الإمام الألباني رحمه الله تعالى بقول أبي داود ولكن أبي داود " وثقهُ " وابن حجر " ثقة وإحتج به جماعة " والذهبي " ثقة " فالتدليس قد ذكرهُ بعضُ أهل العلم عن شيخه الشعبي وعن ابي إسحاق تأخر سماعه منهُ ولذلك فإن زكريا بن أبي زائدة وإن وسم بالتدليس فعلى التحقيق فإن عنعنتهُ محمولةٌ على الإتصال بالصحيح على غرار ما ذهب إليه من ضعف الحديث فالحاصلُ أن من وسمهُ بالتدليس قد ذكر تدليسهُ عن الشعبي ولم يذكر تدريسه عن سعيد بن أبي بردة ولذلك فالحديثُ صحيحٌ لا إشكال فيه .
* من وثقهُ وإحتج به من أهل العلم ولم يصفه بالتدليس :
1- أبو بكر البزار : ثقة .
2- أحمد بن حنبل : ثقة حلو الحديث، ومرة: لا بأس به، مرة: حديثه عن أبي إسحاق لين، هو أحب إلي من إسرائيل .
3- النسائي : ثقة .
4- الجيلي : ثقة . ولكنهُ قد ذكر مسألة سماعه من أبي إسحاق متأخراً .
5- البرديجي : ليس به بأس .
6- ابن المديني : ما كان ثمة بالكوفة مثل ابن أبي زائدة، وابن إدريس ومحمد بن عبيد في السنة .
7- الواقد : ثقة كثير الحديث .
8- يحيى بن سعيد القطان : ليس به بأس .
9 - يحيى بن معين : صالح .
10- الفسوي : ثقة .
فالخلاصة أن زكريا بن أبي زائدة " صحيحُ الحديث وحديثهُ عن سعيد بن أبي بردة صحيحٌ " ليس بضعيف كما توهم بعضُ طلبة العلم غفر الله تعالى لهم تسرعهم ، وأن تدليسه محمولٌ على الإتصال في صحيح مسلم وإن كان وسم بهِ وقد خص بعضُ من وسمهُ بالتدليس تدليسهُ عن شيخه " الشعبي " فالحديثُ صحيح والله تعالى أعلى وأعلم .
كتبه /
أبو زُرعة الرازي
غفر الله تعالى له ولوالديه ولمشايخه أجمعين