يقولون إن سبيل التطور والتقدم هو تبني ما يسمونه المنهج "العلماني" في تسيير أمور الحياة، ويقولون كذلك إن هذا المنهج لايمكن الحديث عنه في مجتمع ديني، وهذا القول الثاني صحيح من جهة وسخيف من جهة أخرى، فأما الصحة فهي راجعة إلى المستند التاريخي الذي تخلقت فيه نطفة هذا الفكر المعادي للأديان، أقصد الصراع التاريخي الذي نشب بين المسيحية ومعاديها خاصة، وهؤلاء المعادون هم على صواب من جهة وعلى زلل من جهة أخرى كذلك، أما صوابهم فمن حيث إنهم حاربوا دينا خرافيا قد حرفه القساوسة والباباوات سيرا على خطى شيخهم الأول بولس الرسول، وأما زلتهم فمن حيث كونهم أنكروا الدين والتدين جملة وتفصيلا، وهذا لا يهمنا الآن، والذي يهمنا أن نرجع إلى الجانب السخيف لفكرة "العلمانية" والمتمثل ببساطة في أن الناعقين وراء هذا الإكسير الجديد يكفرون بالإله وفي نفس الآن أراهم يعبدون عقولهم، لأن العقل في نظرهم هو الهادي الناس إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعموا على أنفسهم بالحرية المطلقة والانعتاق من تعاليم الأساطيرالمثولو جية... ولابأس عليهم في هذا، لكن البأس ــ يا هداهم الذي خلقهم من عدم ــ هو غفلتكم عن أن العقل ما هو إلا أداة قاصرة، وهو كالعين تماما، العين التي بها نكتشف ما حولنا ونستبصر محيطنا،لكن هذا الاكتشاف والاستبصار لا يمكن أن يتم إلا بوجود ضوء ونور، والإنسان ــ كما تعلم أو لاتعلم ــ لايستطيع الإبصار في الظلام خصوصا إذا كان دامسا، وحتى إن رام السير فيه معاندا فلا بد أن يتعثر ويقع، وإن كان هذا هكذا، فالعقل بالمثل لايستطيع أداء مهمته بصورة سليمة مادام النور عنه مغيبا، ونور العقل ــ كما لا يدرون ــ هو نور الله جل جلاله ، ونور الله جل جلاله ــ كما يجب أن يدروا ــ مودع في دين رسوله العظيم عليه الصلاة والسلام، وهو الذي نقل لنا قول ربنا (يخرجهم من الظلمات إلى النور)، وبين المناداة بـ"العلمانية" في ظل المسيحية والمناداة عنها في ضوء الإسلام فرق كبير كالفرق بين الثرى والثريا،لأن المسيحية دين بشري محرف وضال، عكس الإسلام الذي نص أصالة في كتابه على هذه الحقيقة، وعليه فإن كانت المسيحية في أعين الغربيين غير صالحة لحضارتهم ولا بد من استبدال"العلمان ة" بها ، فإن الإسلام ليس فقط صالحا للمسلمين في هذا الزمن ، بل هو صالح ومصلح للمسلمين وغير المسلمين في كل زمان ومكان، وعلى هذا كذلك فيعلم الناعقون وراء هذا المنهج السخيف والمحاربون لدين الله جل جلاله في مغربنا العزيز، أنهم ليسوا على شيء، إنما هي سمادير الثمالى، قوم دخلوا جحر ضب وهؤلاء على آثارهم يهرعون، أو هي قيل من باب بال حمار فاستبالت حمر، ولما كان كل ذلك كذلك أرجو من سماحة الناعقين أن يسمحوا لي بمناداتهم بـ "الجهلانيين" بدل "العلمانيين" ، لأنهم حزب جهال وليسوا من العلم في شيء .