السلام عليكم
نقلا عن كتاب : " الردود والتعقيبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات وغيرها من المسائل المهمات " .
للشيخ مشهور حسن سلمان .
اضطرب المترجمون للإمام النووي _ قديماً وحديثاً _ في عقيدته في الصفات ، فبعضهم نعتها بأنها ((سلفيه))!! ونعتها آخرون بأنها ((أشعرية)) تأويلية وخلفية !! ونعتها فريق ثالث بأنها ((تفويضية))!! وإليك ما وقفت عليه من نقول في هذا الباب ، ومن ثم ينفصل معنا الحق في هذه المسألة على وجه الصواب ، إن شاء الله تعالى الكريم الوهاب :
قال الذهبي في ترجمة ( النووي ) في (( تاريخ الإسلام )) :
(( إن مذهبه في الصفات السمعية السكوت ، وإمرارها كما جاءت ،وربما تأول قليلاً في (( شرح مسلم )) )) .
ونقله السَّخاوي في ((ترجمة الإمام النووي )) (36)عنه ، وتعقبه بقوله : (( كذا قال، و التأويل كثير في كلامه )) .
ونقل السَّخاوي قبل ذلك عن بعض مترجميه أنه وصفه بأنه أشعري ، فقال : (ص 36) : (( وصرح اليافعي والتاج السُّبكي _ رحمهما الله _ أنه أشعري )) .
قلت : نعته السُّبكي في (( طبقات الشافعية الكبرى )) ( 8/395 ) بـ ((شيخ الإسلام ، أستاذ المتأخرين ، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين )) وبـ ((له الزهد والقناعة ، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة ))
أسباب وقوعه في هذه الأخطاء :
والحق أن هذا الإمام ممن أفنى عمره في الطلب والتحصيل ، وتوالت وتتابعت عبارات مترجميه على مدحه، ولم نعلم أن أحد منهم قدحه، وهو _ والله حسيبه _من أهل الصلاح والفلاح، ولكن وقع فيما وقع فيه من الأخطاء لعدة أسباب ، هذه أشهرها :
أولاً : سار في (( شرحه )) في مسائل الصفات على نهج المازري والقاضي عياض ، فما من موطن من المواطن التي أول فيها الصفات إلا وينقل إما عن المازري أو القاضي عياض ، ويصرح بذلك تارة، ويلمح أخرى، ويأتي بالنص أحياناً، وينقله بالمعنى في أحايين أخرى، وقد اعتنيت بكشف ما تحقق لي من ذلك في هذه الدراسة، ولله الحمد والمنَّة ,
ثانياً : لم يكن الإمام النووي _ رحمه الله تعالى _ محققاً في هذا الباب ، وإنما وقعت له عبارات من سبقه من العلماء، فارتضاها من غير تمحيص وتحقيق وتدقيق، وصدقت عليه فيها مقولة الأسنوي لما قال عنه في أوائل ((المهمات )):
(( أعلم أن الشيخ محي الدين النووي _ رحمه الله _ لما تأهل للنظر تصنيفاً ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً، وهو غرض صحيح، وقصد جميل، ولولا ذلك لم يتيسَّر له من التصانيف ما تيسر له .
وأما الرافعي فإنه سلك مسلك الطريق العالية فلم يتصدر للتأليف إلا بعد كمال انتهائه،_ وكذا ابن الرفعة_ رحمة الله عليهم أجمعين )).
ثالثاً : كان _ رحمه الله تعالى_ في عصرٍ قريب عهد بانتشار مذهب الأشاعرة، ((فمن المعلوم أن إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعد أصوله هو الفخر الرازي ( ت 606هـ )، ثم خلفه الآمدي ( ت631هـ )، و الآرموي (ت682هـ) فنشرا فكره في الشام ومصر ، واستوفيا بعض القضايا في المذهب )) .
فتأثر _ رحمه الله تعالى _ بكلام هؤلاء وغيرهم ،إذ كان ما ضبطوه وقعدوه هو السائد المنتشر آنذاك، لاسيما في الديار الشامية والمصرية ، ولم يقيض الله _ بعد _من يمحص كلام هؤلاء، كما وقع لشيخ الإسلام ابن تيمية، فإن كتابه ((درء التعارض)) _ مثلاً _ قائم موضوعه على رد ما كتبه هؤلاء الثلاثة.
ولو أن الله يسر له _ رحمه الله _ كما يسر لتلميذه ابن العطار شيوخاً أو تلاميذ ممن اتضحت لهم معالم أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات لغير وبدل.
فإن ابن العطار اشتغل على شيخه النووي، ولازمه فترة حتى كان يُقال له : ((مختصر النووي )) وقد يختصر فيقال : ((المختصر)) .
وكان من شدة إعجابه بشيخه _ويحقق له ذلك_ قد انقطع فترة تزيد عن ست سنوات إلى التلمذة عليه، والأخذ منه،فها هو يقول: (وكانت مدة صحبتي له ،مقتصراً عليه دون غيره،من أول سنة سبعين وست مئة وقبلها بيسير إلى حين وفاته))، حتى أنه حفظ كتاب ((التَّنبيه)) بين يديه، وكان النووي _ رحمه الله تعالى _ يثق بمقدرة تلميذه العلمية، والدليل عليها ما قال التلميذ عن نفسه :(( .......وأذن لي _ رضي الله عنه _ في إصلاح ما يقع لي في تصانيفه، فأصلحت بحضرته أشياء، فكتبه بخطه، وأقرني عليه، ودفع إلى ورقة بعدة الكتب التي كان يكتب منها ويصنف بخطه، وقال لي : إذا انتقلت إلى الله تعالى، فأتمم (( شرح المهذب )) من هذه الكتب ، فلم يقدر ذلك لي )).
وكان يعلل ابن العطار أخذه على شيخه في الدرس، بقوله :
((لا تسقط الثمرة من الشجرة إلا بهز الأفنان أو التَّـقطف بالبنان ))
أقول : على الرغم من هذه العلاقة الشديدة الوطيدة بين النووي وتلميذه ابن العطار، إلا أن ابن العطار تأثر بعصره الذي كان فيه شيخ الإسلام ، وتأثر ببعض من أخذ عنه كالذهبي _وكان أخاه لأمه من الرضاعة_،وظهرت آثار هذا التأثر بكتاب صنفه في التوحيد بعنوان (( الاعتقاد الخالص من الشك و الانتقاد)) نصر فيه العقيدة السلفية، وإليك جملاً منه :
قال _ رحمه الله تعالى : (( يجب أن نعتقد أن ما أثبته الله في كتبه على لسان رُسله _صلوات الله عليهم وسلامه _ حق ، وأن جميع ما فيها من الموجود والإيجاد الثابتين للإلهية والتنزيه عن الحدث والمحدث وصفاتهما حق )) .
وقال : (( فإذا ثبت نصاً في الكتاب العزيز والسنة النبوية على قائلها أفضل الصلاة والتسليم أنه سبحانه خلق آدم بيده، وأنه قال لإبليس :{ما مَنَعكَ أن تَسجُدَ لمَا خَلقتُ بِيَديَّ}.
وثبت في (( الصحيح )) في محاجة آدم وموسى قوله له : (( خَلَقَك الله بيده )).
وقال صلى اله عليه وسلم حاكياً عن ربه :
(( لا أجعل ذريتي من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان )).
وقوله صلى الله عليه وسلم :
(( خلق الله الفردوس بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة لموسى بيده )).
وغير ذلك من الأخبار، وجب علينا اعتقاد أن ذلك حق، وحرم علينا أن نقول : إن الله تعالى خاطبنا بما نفهم ، ولا نفهم اليد إلا ذات الكف و الأصابع فتشبِّهه بخلقه فيُفضي إلى التجسيم، تبارك الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيراً .
أو نقول : المراد النعمتين أو القدرتين، لأنه تعذر حمله على اليد التي نفهمها فتعين حمله على ذلك خوفاً من التشبيه!!
وهذا تحريف لما فيه من التعطيل، كيف والإجماع على أن الصفات توقيفيه، ولم يثبت ذلك بالمراد على ما تأولوه ، وهو فعل المعتزلة و الجهمية، أعاذنا الله من ذلك، فتعين تنزيه الباري _ عز وجل_ عن التشبيه والتعطيل بكشف التحريف والتكييف والتمثيل،والأخذ بقوله تعالى : { ليس كمِثله شيء وهو السميع البصير}.
منا من الله _ تعالى _ بالتفهيم والتعريف لسلوك التوحيد والتنزيه ، وكذا القول في جميع ما ثبت من ذلك ، واله يعلم المفسد من المصلح ))
قلت : ما أثبته ابن العطار من صفة اليد لله _عز وجل _، اضطرب فيه شيخُه النووي، فجنح إلى التأويل الذي نفاه وخطأه التلميذ ، كما تراه في هذا الكتاب .
وقال ابن العطار : (( ......... فإذا نطق الكتاب العزيز ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعظمة، والمشيئة، والإرادة، والقول، والكلام، و الرضى، والسخط، والحب، والبغض، والفرح، والضحك، : وجب اعتقاد حقيقته من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله _ سبحانه _ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير إضافة، ولا زيادة عليه، ولا تكييف، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة لفظ عما تعرفه العرب وتضعه عليه،والإمساك عما سوى ذلك)).
قلت : قوله: ((ولا إزالة لفظ عما تعرفه العرب وتضعه عليه)) ينسف ما مال إليه النووي من أن مذهب السلف التفويض كما سيأتي بيان ذلك عنه، وتفنيد حججه .
وفي مقولة ابن العطار إثبات جملة من صفات الفعل لله _ عز وجل _، لم يوفق شيخه النووي إلى الحق فيها، وإنما أخذ في تأويلها ، كما تراه مبسوطاً في موطنه من هذا الكتاب.
وقال ابن العطار أيضاً : (( وقد نفى بعضهم النزول وضعف الأحاديث أو تأولها خوفاً من التحيز أو الحركة والانتقال الملازمين للأجسام والمحدثين، والمحققون أثبتوها وأوجبوا الإيمان بها كما يشاء سبحانه )).
وقال : (( وجميع الآيات والأحاديث الثابتات من المجيء، والنزول، وإثبات الوجه، وغير ذلك من الصفات أوجب العلماء الإيمان بها، وعدم التفكر فيها ، أو تصورها )).
وقد تأول النووي _كما تراه مبسوطاً في هذا الكتاب _المجيء والنزول .
وحاصل ما أريد تقريره وتأكيده هنا :أن ابن العطار على الرغم من حبه الشديد لشيخه النووي، وأنه انقطع في الأخذ عنه ست سنين، ومع هذا فلم يتابعه على أخطائه في الأسماء والصفات ، لأنه عاش عصراً غير عصر شيخه، ووقف على تحقيق وتمحيص لم يكن سائداً أيام النووي في مثل هذه القضية الاعتقادية المهمة جداً .
* سبب الاختلاف في تحديد عقيدة الإمام النووي :
لعله ظهر لك _أخي القارئ _ سبب الاشتباه في نسبة الإمام النووي للأشاعرة، أو أهل السنة، فهو قد وافق الأشاعرة من خلال النقل عن مصنفاتهم، والسكوت عنها، بل تصريحه في بعض الأحايين بقبولها، ووافق السلف في كثير من عقيدتهم، لتأثره واشتغاله بالنقل، وابتعاده عن علم الكلام، والخوض في تفصيلاته، فالناظر إلى المواضع التي قرر فيها عقيدة أهل السنة، ونافح عنها ، ورد فيها على أهل البدع والضلالة يعده سلفياً، فهذا التداخل هو أصل الاشتباه و اللبس.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية لمَّا قال : ((وقلَّ طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط لكثرة ما وقع من شُبه أهل البدع، ولهذا يوجد في كثير من المصنفات في أصول الفقه، وأصول الدين،والفقه، والزهد،والتفسير ،والحديث، من يذكر في الأصل العظيم عدة أقوال ، ويحكي من مقالات الناس ألواناً، والقول الذي بعث الله به رسوله لا يذكره، لعدم علمه به،لا لكراهية لما عليه الرسول )).
قلت : وقوله هذا ينطبق تماماً على الإمام أبي زكريا النووي رحمه الله تعالى .
موقفنا من الإمام النووي _ رحمه الله تعالى _وتأويلاته :
لا تتسع هذه السطور لتدبيج عبارات العلماء التي فيها مدح وثناء على أبي زكريا النووي، ولا إخالني بحاجة إلى التركيز على هذا ، لشهرته ومعرفته عند كل واحدٍ من طلبة العلم ، ومع هذا فقد سطرته بإسهاب من خلال نشري وتحقيقي لكتاب ابن العطار ((تحفة الطالبين في ترجمة محي الدين)) فمن رام الوقوف عليه، فليطلبه هناك، يجد – إن شاء الله تعالى _ ما يسره .
وأريد في هذا المقام أن أنبه على أمرٍ مهم جداً ، وهو : إن في (( الأشعرية علماء لهم قدم في خدمة الشريعة أمثال : الحافظين أبي بكر البيهقي ، وأبي القاسم بن عساكر ، والإمام العز بن عبد السلام، وغيرهم من فضلاء الأشعرية، نذكرهم بما لهم من المحاسن، غير أننا ننبه على ما وقعوا فيه من البدعة، فإن الحق لا محاباة فيه، ولا تمنعنا بدعتهم من الانتفاع بعلومهم في السنن والفقه والتفسير والتاريخ وغير ذلك ،مع الحذر .
ولنا أسوة بالسلف والأئمة فإنهم رووا عن الكثير من المبتدعة لعلمهم بصدقهم .
ونجتنب التفكير والتضليل و التفسيق للمعين من هذا الصنف من العلماء، فإن هذا ليس من منهج السلف، وإنما نكتفي ببيان بدعته وردها إذا تعرضنا لها .
وهذا كله في حق العالم إذا لم تغلب عليه البدع والأهواء، وعلمنا منه حرصه على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحري الحق من الكتاب والسنة إلا أنه لم يصبه لشبهة ما أو غير ذلك )) شأن الإمام النووي _ رحمه الله تعالى _، فإن له اجتهاداً في طلب الحقن والوقوف عليه، والأخذ به _ ولا نزكي على الله أحداً _.
ونختم هذه المقدمة بكلام لشيخ الإسلام نفيس غاية ، ذكر فيه الحكم على العالم المتأول الذي من عادته ودينه الوقوف على الحق ، ولكن لم يصبه في بعض الأمور ، أو في بعض الأحايين ، وذكر فيه أيضاً تحذير طلبة العلم من إتباع هذا العالم في زلاته ، أو ترديد مقالاته ، ويقع ذلك بسبب شهرته وصلاحه ، وطول باعه، وكثرة مصنفاته ، قال _ رحمه الله تعالى :
(( وليس لأحدٍ أن يتبع زلات العلماء ، كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل، فإن الله تعالى عفا للمؤمنين عما أخطئوا ،كما قال تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
قال الله : {قد فعلت}.
وأمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا ولا نتبع من دونه أولياء، وأمرنا أن لا نطيع مخلوقاً في معصية الخالق، ونستغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، فنقول : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } الآية .
وهذا أمر واجب على المسلمين في كل ما كان يشبه هذا من الأمور ، ونعظم أمره تعالى بالطاعة لله ورسوله، ونرعى حقوق المسلمين ، لاسيما أهل العلم منهم ، كما أمر الله ورسوله ، ومن عدل عن هذه الطريق فقد عدل عن إتباع الحجة إلى إتباع الهوى في التقليد ، وآذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ، فهو من الظالمين، ومن عظم حرمات الله، وأحسن إلى عباد الله، كان من أولياء الله المتقين، والله سبحانه أعلم )) .
وقال أيضاً :
(( إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم، فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له، فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول، فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ، ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم ، فهذا أصل عظيم، فتدبره فغنه نافع )) .
وقال بعد أن ذكر الفرقة الناجية واعتقادها، والدليل على نجاتها :
(( وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه ،وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة )) .
وأوضح أنه ربما يكون العالم من المتأولين ومن أهل الاجتهاد، ومن ذوي فضل وصلاح ن وحرص على إتباع الشريعة ، واقتفاء آثار الرسول ، ولكنه أخطأ في فهم النصوص، وغلط في اجتهاده ،ن ووهم فيما ذهب إليه من تأويل ، وبين أن هذا الصنف مأجور ومعذور، ولكن لا يجوز إتباعه في غلطه، فقال :
(( فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله من غير أن يشرعه، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكاً لله ، شرع ما لم يأذن به الله، نعم، قد يكون متأولاً في هذا الشرع ن فيغفر له لأجل تأويله،إذا كان مجتهداً الاجتهاد الذي يعفي معه عن المخطئ ، ويثاب أيضاً على اجتهاده ، لكن لا يجوز إتباعه في ذلك ، كما لا يجوز إتباع سائر من قال أو عمل قولاً أو عملاً قد علم الصواب في خلافه، وإن كان القائل أو الفاعل مأجوراً أو معذوراً)).
ومع هذا فلا يتساوى من وقع في شيء من هذا لسبب من الأسباب،فقد يُغظُ على بعض دون بعض ، وهذا ما استخرجه شيخ الإسلام باستقراء النصوص الشرعية، والأحوال السلفية، وخلص إلى القول:
(( فإذا رأيت إماماً قد غلظ على قائل مقالته أو كفرهن فلا يعتبر هذا حكماً عاماً في كل من قالها، إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه ، والتكفير له )) .
ولما نقرر قبول هذا العذر من هذا الأمام بسبب اجتهاد وتأول فلا يلزم من هذا القبول الإقرار بالخطأ والمخالفة، و الرضى بهما .
بل يجب بيان الصواب ، فالحكم بعذره في الآخرة ، وعدم نيله الوزر، والقول بالأجر بسبب الاجتهاد وبذل الوسع ؛ شيء وإنكار الخطأ والتحذير منه؛ شيء أخر ، فتنبه، ولا تكن من الغافلين .
نقلا عن كتاب : " الردود والتعقيبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات وغيرها من المسائل المهمات " .
للشيخ مشهور حسن سلمان .