تخريج حديث خير أجناد الأرضبقلم: جودة محمد
شاع في الفترة الأخيرة على الفضائيات وأيضا على صفحات الشبكة العنكبوتية هذا الحديث ونصه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض»، وبيانا لمن أراد النصح فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما الدين النصحية»، وكذلك حتى لا نقع في جملة حديث: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، أعلق عليه بيانا لدرجته والله المستعان؛ فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان.
أولا تخريج الحديث:
أخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص167/ ط مكتبة الثقافة)، وابن يونس – كما في "إمتاع الأسماع" للمقريزي (14/185) -، وأبو محمد بن زولاق المصري في "فضائل مصر" (ص 83 ـ 84)، والدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (2/1003 ـ 1004) – ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (46/162 ـ 163) – جميعا ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميرى، عن بحير بن ذاخر المعافرى، ... وذكر قصة وفيها: وحدثنى عمر أمير المؤمنين، أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة» .
قلت: وعبد الله بن لهيعة ضعيف، والأسود بن مالك الحميري لم أقف على من ترجم له وله ذكر في جملة من روى عن بحير، وبحير هو سياف مسلمة بن مخلد مجهول الحال، ذكره ابن يونس ، وعنه نقله ابن ماكولا والذهبي وغيرهم، فهو إسناد مظلم كما ترى وانظر "التاريخ" لابن يونس(ص58).
وقد وقفت لبعض معناه على ثلاثة أحاديث لم يصح منها شيء:
الأول: من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه
أخرجه أبو العرب التميمي في "طبقات إفريقيا" صـ11 من طريق أبي معمر عباد بن عبد الصمد، قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ستجندون أجنادكم، وخير أجنادكم الجند الغربي».
قلت: وأبو معمر عباد هذا، قال البخاري منكر الحديث، وقال أبو حاتم الرازي ضعيف الحديث جدا لا أعرف له حديثا صحيحا، وقال العقيلي: أحاديثه مناكير لا يعرف أكثرها إلا به، وقال ابن حبان: عداده في أهل البصرة روى عنه أهلها منكر الحديث جدا يروي عن أنس ما ليس من حديثه وما أراه سمع منه شيئا فلا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات فكيف إذا انفرد بأوابد ... وذكر له أحاديث ثم قال: أخبرنا محمد الحسن بن قتيبة بعسقلان قال حدثنا غالب بن وزير الغزي قال حدثنا المؤمل بن عبد الرحمن الثقفي قال حدثنا عباد بن عبد الصمد في نسخة كتبناها عنه بهذا الإسناد أكثرها موضوعة. وقال ابن عدي: ضعيف منكر الحديث ومع ذلك غالي في التشيع.
وانظر: "التاريخ الكبير" (6/41)،"الضعفاء" (3/138)،"الجرح والتعديل" (6/82)،"المجروحين" (2/170 ـ 171)،"الكامل في الضعفاء" (4/342)، "ميزان الاعتدال" (2/369)،"لسان الميزان" (3/232).
والثاني: من حديث أبي سالم الجيشاني عن بعض أصحاب رسول الله:
أخرجه ابن عبد الحكم أيضا في "فتوح مصر" (ص21/ ط مكتبة الثقافة)، والدولابي في "الكنى والأسماء" (2/573، رقم 1027) من طريق ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، أن أبا سالم الجيشانىّ سفيان بن هانئ، أخبره أن بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أخبره أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: «إنكم ستكونون أجنادا وإن خير أجنادكم أهل الغرب منكم، فاتّقوا الله فى القبط، لا تأكلوهم أكل الخضر».
قلت: ومداره على ابن لهيعة وقد تفرد به، وهو ضعيف.
تنبيه: الإسناد إلي ابن لهيعة صحيح فهو من رواية أحد العبادلة عنه – أعني عبد الله بن وهب - وقد صحح بعض العلماء رواية العبادلة عنه وقال ابن حجر رواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرها. وابن لهيعة فيه خلاف كبير.
لكن ذكر الذهبي - رحمه الله – أن العمل على تضعيف حديثه.
أما حديث عمر بن الخطاب السابق فليس من رواية أحد العبادلة عنه.
والثالث مرسل – وإن كان بعيدا في معناه -:
أخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص22)، وأبو يعلى في "مسنده" (1473) – وعنه ابن حبان في "صحيحه" (6677) - من طريق أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي وهو عبد الله بن يزيد، وعمرو بن حريث، وغيرهما يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستقدمون على قوم، جعد رؤوسهم، فاستوصوا بهم خيرا، فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله، يعني قبط مصر».
قال ابن حجر في "المطالب العالية" (4195): وأبو عبد الرحمن تابعي بلا ريب، وعمرو بن حريث ليس هو المخزومي، بل هو آخر مختلف في صحبته.
قلت: وعمرو بن حريث هو المصري ليست له صحبة جزم بذلك ابن معين والبخاري وأبو حاتم وابن صاعد، وانظر: "تاريخ ابن معين" (5065/رواية الدوري)،"التاريخ الكبير" (6/321)، "تاريخ ابن أبي خيثمة" (1/ 364، رقم 1290)،"الزهد لابن المبارك" عقب حديث (554)، "الإصابة" (7/358، ترجمة 5836/ ط هجر).