بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
جاء في صحيح مسلم (4|1871 #2404): حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد وتقاربا في اللفظ قالا: حدثنا حاتم –وهو بن إسماعيل– عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. قال (بكير): أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب ..... الحديث . قلتُ : الحديثُ مما إستدل بهِ الرافضة مدعينَ كذباً ان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهُ قد أمرَ بسب عليٍ بن أبي طالب وهذه من أوهامِ القومِ أخزاهم الله ومع كوننا من الذين يشددونَ في الرد على الرافضةَ إلا أننا لا نتطرقُ إلي تضعيف حديث ورد في الصحيحين وهذا خطأ بعض طلبة العلم الذين ردوا على الرافضة فضعفوا الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم في الصحيح وهذا ليس من الصواب في شيء ، فالرافضة في هذه الأحاديث على ضربينِ لابد لطالب العلمِ أن يعرفها أولها : [ إما جاهلٌ بما ينقلُ وحاملُ أسفار ] وثانيا [ كاذبٌ ينسبُ إلي الصحيحين ما ليس فيهما ] وكلاهما من المتفشيات في دين الرافضة أخزاهم الله تعالى وأضل سعيهم في الدنيا والآخرة ، وفي هذا الحديث سنتطرقُ إلي دراستهِ حديثياً ودرايةً ليكونَ إن شاء الله رداً على الرويبضةَ أخزاهم الله تعالى ونافعاً لأهل السنة أعلى الله مقامهم فلا يكونَ للرافضة في الإستدلال بهذا الحديث حجة أبداً ....
تخريج الحديث ودراسة أسانيدهُ ..# التخريج .
أخرجه أحمد 1/185(1608) قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا حاتم بن إسماعيل. و"مسلم" 7/120(6299) قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ومحمد بن عباد. قالا : حدثنا حاتم ، وهو ابن إسماعيل. و"الترمذي) 2999 و3724 قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا حاتم بن إسماعيل. و"النسائي" في "الكبرى"8342 قال : أخبرنا تيبة بن سعيد، وهشام بن عمار.قالا: حدثنا حاتم. وفي (8385) قال : أخبرنا محمد بن المثى. قال : حدثنا أبو بكر الحنفى ، فرواهُ إثنين عن بكير بن مسمار .
1- حاتم ابن إسماعيل (ثقة ) .
2- أبو بكر الحنفي ( ثقة ) .
3- علي بن ثابت الجزري (ثقة ) .
كلاهما عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ، وفي رواية الترمذي حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، وهو مدنني ،ثقة. قلتُ : والحديث صحيح الإسناد تسرع كثير من طلبة العلم في تضعيفهِ والله المستعان.
# دراسة الأسانيد .
قال الترمذي : [ هذا حديث حسن غريب صحيح ] . قلتُ : قال المباركفوري في التحفة : [ وأخرجه أحمد ومسلم وأخرجه الترمذي في تفسير سورة آل عمران مختصرا ] فالحديث مما ثبتت صحتهُ عند أهل الحديث ، ولا نعلمُ احدٌ أعل الحديث بتكلم بعض أئمة الجرح والتعديل في بكير بن مسمار ، والصوابُ أنهُ صحيحٌ لا ضعيف وإن سلمنا جدلاً بما نقلهُ بعض من ضعف الخبر فإنهُ يكونُ حسنُ الحديث في أسوأ الأحوال لا في أحسنها والله تعالى المستعان .
قال الألباني : [ صحيح ] .
قال ابن حجر في الإصابة : [ وأخرج الترمذي بسند قوي ] .
قال البزار في البحر الزخار (3|325) : [ وهذا الحديث بهذا اللفظ فلا نعلم رواه إلا بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد عن أبيه ] قلتُ : وليس هذا بعلة تقدحُ في الحديث ، فرواية بكير بن مسمار عن عامر صحيحة وقد رواها عن بكير بن مسمار ثلاثةٌ من الثقات الأثبات وحسبكَ بمن إختار مسلم أحاديثهُ وإنتقى منها ما صح منها وثبت عند أهل العلم .
# دراسة حال بكير بن مسمار .
قال الترمذي في جامعه (2999) : حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار هو مدني ثقة عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه قال .... الحديث وهذا قد تقدم ذكرهُ في تخريج الحديث أعلاه .
قال ابن حبان في الثقات ( 6 / 105 – 106 ) ترجمة رقم (6917) : [ بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار مولى سعد بن أبى وقاص من أهل المدينة كنيته أبو محمد يروى عن عامر بن سعد بن أبى وقاص روى عنه حاتم بن إسماعيل وليس هذا ببكير بن مسمار الذي يروى عن الزهرى ذاك ضعيف ومات بكير هذا سنة ثلاث وخمسين ومائة ]
قال العجلي في " الثقات " (1/ 254) رقم (179) : [ بكير بن مسمار مدني ثقة ] قلتُ : وقد نقل قول العجلي الحافظ المزي في تهذيب الكمال (4/252) حيث قال : [ قال البخاري فيه نظر وقال أحمد بن عبد الله العجلي ثقة وقال النسائي ليس به بأس وقال أبو أحمد بن عدي مستقيم الحديث روى له مسلم والترمذي والنسائي ] وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان أن الحاكم قال أن الإمام مسلم إستشهد بهِ في موضعين ، قال : [ قال الحاكم استشهد به مسلم في موضعين ] وهذا بحد ذاتهِ يظهرُ براعة الإمام مسلم في إختيار أحاديثهِ وهو ثقة .
قال ابن حجر في " التقريب " (1/ 138) رقم (768) : [ بكير بن مسمار الزهري المدني أبو محمد أخو مهاجر صدوق من الرابعة مات سنة ثلاث وخمسين م ت س ] قلتُ وقد تضاربت أقوال الإمام الذهبي رحمهُ الله تعالى في بكير بن مسمار فقد قال رحمه الله في "المغني في الضعفاء" (1|180): «صدوق، لينه ابن حبان البستي وابن حزم وقال البخاري: فيه نظر» ، وأما قول البخاري [ في بعض حديثه نظر ] ليست عامةً في تضعيف بكير بن مسمار رحمه الله تعالى بل هي تضعيفٌ بخصوص لا بعموم فقد قال ابن عدي رحمه الله تعالى في الكامل : [ والذي قاله البخاري هو كما قال روى عنه أبو بكر الحنفي أحاديث لا أعرف فيها شيئا منكرا وعندي أنه مستقيم الحديث فاستغنى عنان أذكر له حديثا لاستقامة حديثه ولأن من روى عنه صدوق ] ولهذا فالبخاري لم يقل في بعض حديثه نظر إلا عندما جمع بينهما وذكر روايتهُ عن الزهري ورواية أبي بكر الحنفي ولهذا فإن قول ابن عدي هو الأقربُ لفهم كلام الإمام البخاري رحمه الله تعالى فقد تفطن رحمه الله تعالى لقول البخاري وهو الصوابُ إن شاء الله عز وجل فلا يمكنُ الزعم بضعفهِ بدونِ بينةٍ والله تعالى المستعان .
وقد ميز ابن حجر رحمه الله تعالى بين من أخرج لهُ مسلم وبين من روى عن الزهري في تهذيبهِ فقال :
قال ابن حجر في " التقريب " (1/ 138) : [ بكير بن مسمار آخر يروي عن الزهري ضعيف من السابعة تمييز] .
وقال رحمه الله في اللسان : [ فرق بن حبان بينه وبين بكير بن مسمار أخي مهاجر بن مسمار فذكر هذا في الضعفاء فقال كان مرجئا يروي ما لا يتابع عليه وهو قليل الحديث على مناكير فيه وليس هذا أخا مهاجر بن مسمار ذاك مدني ثقة وقال في الثقات بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار ليس هو بكير بن مسمار الذي يروى عن الزهري ذاك ضعيف قلت وأما البخاري فجعلهما واحدا ] قلتُ فهذا تمييز من ابن حجر رحمه الله تعالى وقد وهم بعضُ طلبة العلم فحسب قول البخاري في بكير بن مسمار تضعيفاً لهُ وهذا ليس في محلهِ بل الصوابُ أنهُ من الثقات صحيح الحديث والحمد لله .
الخلاصة / الحديث صحيح الإسناد وليس فيه ما يشعرُ بأن معاوية أمر بسب علياً رضي الله عنهُ ، وقد ردَ طلبة العلم على هذا المبحث بشكلٍ كبير وخصوصاً من عني بالرد على الرافضة ولا حاجة لذكر الكلامِ عليه درايةً بل أحيلُ إلي قول المباركفوري في التحفة ، والنووي في الشرحِ لصحيح مسلم وهو من أجل شروحهِ ، وقد ثبتَ عند الحاكم على شرط مسلم ما يوافقُ هذا وأن معاوية ما ذكرهُ بشيء ففي المستدرك على الصحيحين (3|117) : [ ففتح الله عليه ، قال : فلا والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة ] قال عقبهُ : [ هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وقد اتفقا جميعا على إخراج حديث المؤاخاة وحديث الراية ] وهذا سبق تخريجهُ اعلاهُ وفيهِ هذا المتن وهو عند البزار في مسندهِ والحديثُ يثبتُ ان ما كان من معاوية أن يسب علياً ولم يقع منهُ السب فسقط زعمُ الرافضة .
وصلي اللهم وسلم على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أبو زُرعة الرازي