قال الإمام
ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري رحمه الله (المتوفى : 804هـ) في
البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير :
«التَّكْبِير فِي الْفطر سبع فِي الأولَى وَخمْس فِي (الْآخِرَة) ، وَالْقِرَاءَة بعدهمَا كلتيهما» .
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا بِلَفْظ : «(إِن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كبر فِي (صَلَاة) (الْعِيدَيْنِ) سبعا وخمسًا) . ومدار الحَدِيث عَلَى عبد الله الطرائفي م د ت ق الْمَذْكُور (وَنسب) بالطرائفي لاستطرافهم طرائف يَأْتِيهم بهَا . (قَالَه) ابْن الْقطَّان فِي «علله» .
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ : الطَّائِفِي . وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ وَهُوَ (من) فرسَان مُسلم ، كَمَا أطلقهُ الْمزي والذهبي (بِالْأولِ فِيهِ) .
وَقَالَ صَاحب «الْكَمَال» : أخرج لَهُ فِي «المتابعات» وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «كتاب الْأَدَب» .
وَقَالَ ابْن معِين فِي حَقه : صَالح . وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره : لَيْسَ
بِالْقَوِيّ . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَغَيره : قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ : هُوَ حَدِيث صَحِيح .
وَقَالَ الإِمَام أَحْمد : أَنا ذَاهِب إِلَى هَذَا . نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، (ثمَّ قَالَ) : هَذَا (أصلح) أَحَادِيث الْبَاب . وَقَالَ عبد الْحق : صحّح البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث . وَأنكر ابْن الْقطَّان هَذَا عَلَى عبد الْحق ، وَقَالَ : البُخَارِيّ لم يُصَحِّحهُ ؛ فَإِن الْمَنْقُول عَنهُ فِي ذَلِك مَا ذكره (التِّرْمِذِيّ) عَنهُ فِي كتاب «الْعِلَل» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن (كثير السالف) فَقَالَ : لَيْسَ فِي الْبَاب أصح من هَذَا ، وَبِه أَقُول ، وَحَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطرائفي ، عَن (عَمْرو) بن شُعَيْب ، عَن أَبِيه ، عَن جده فِي هَذَا الْبَاب هُوَ صَحِيح أَيْضا . هَذَا نَص مَا ذكره وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيح البُخَارِيّ لوَاحِد مِنْهُمَا .
قَالَ : وَلَعَلَّ قَوْله : وَحَدِيث [ عبد الله بن ] عبد الرَّحْمَن ... إِلَى آخِره من كَلَام التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي عهد فصحح هَذِه النُّسْخَة .
وَأما (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فَذكره فِي «محلاه» بِلَفْظ أبي
دَاوُد ، وَقَالَ : هَذَا لَا يَصح . فَدفعهُ بِالْقُوَّةِ ، وَجَاء فِي رِوَايَة غَرِيبَة لأبي دَاوُد فِي هَذَا الحَدِيث «كبر فِي الأولَى سبعا وَفِي (الثَّانِيَة) أَرْبعا) وَحكم الْبَيْهَقِيّ بخطئها .
(الطَّرِيق الثَّالِث)
عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ سبعا وخمسًا قبل الْقِرَاءَة» .
رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن أبي سعيد مولَى بني (هَاشم) ، نَا ابْن لَهِيعَة ، عَن عقيل ، عَن ابْن شهَاب ، عَن عُرْوَة ، عَنْهَا بِهِ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْن مَاجَه بِلَفْظ : «كَانَ يكبر فِي الْفطر والأضحى فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات ، وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات» وَابْن لَهِيعَة قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى ، قَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ فِي «علله» : وَإِسْنَاده مُضْطَرب ، وَالِاضْطِرَاب فِيهَا من ابْن لَهِيعَة .
(الطَّرِيق الرَّابِع)
عَن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن (عمار) بن سعد مُؤذن رَسُول الله
(، نَا أبي ، عَن أَبِيه ، عَن جده قَالَ : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يكبر فِي الْعِيدَيْنِ : فِي الأولَى سبعا قبل الْقِرَاءَة ، وَفِي (الْآخِرَة) خمْسا قبل الْقِرَاءَة» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك ، وَعبد الرَّحْمَن هَذَا مُنكر الحَدِيث .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي ّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سعد بن عمار ، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمار ، عَن أَبِيه ، عَن جده قَالَ : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يكبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولَى سبعا وَفِي (الْأُخْرَى) خمْسا» وَعبد الله هَذَا ضعفه ابْن معِين .
قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» : قَالَ عُثْمَان بن سعيد : قلت ليحيى بن معِين : عبد الله بن مُحَمَّد بن عمار بن سعد ، وعمار وَعمر (ابْني) حَفْص بن عمر بن سعد ، عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم ، كَيفَ حَال هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : لَيْسُوا بِشَيْء .
(الطَّرِيق الْخَامِس)
عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ : «شهِدت (الْعِيد) مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَكبر فِي الأولَى سبعا وَفِي الثَّانِيَة خمْسا) . ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» وَقَالَ : سَأَلت أبي عَنهُ . فَقَالَ : بَاطِل .
(الطَّرِيق السَّادِس)
عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ، عَن أَبِيه : «(أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة» .
سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِي ّ ؛ فَأجَاب فِي «علله» (بِأَنَّهُ) رُوِيَ مَوْصُولا هَكَذَا ، ومرسلاً بِإِسْقَاط (أَبِيه) وَأَن الْمُرْسل (أصح) .
(وَرَوَاهُ) الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْحسن البَجلِيّ ، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم ، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ، عَن أَبِيه قَالَ : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تخرج لَهُ العنزة (فِي الْعِيدَيْنِ) ، وَكَانَ يكبر ثَلَاث عشرَة تَكْبِيرَة ، وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يفْعَلَانِ ذَلِك» . ثمَّ قَالَ : وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه (بِهَذَا الْإِسْنَاد) ، قَالَ : وَالْحسن هَذَا [ فلين ] الحَدِيث ، وَقد (سكت النَّاس) عَن حَدِيثه وَأَحْسبهُ الْحسن بن (عمَارَة) .
(الطَّرِيق السَّابِع)
عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة : فِي الأولَى سبعا ، وَفِي الْآخِرَة (خمْسا) وَيذْهب فِي طَرِيق وَيرجع (من) آخر» . فِيهِ سُلَيْمَان بن أَرقم وَقد تَرَكُوهُ ، وَسَيَأْتِي كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» فِيهِ قَرِيبا .
(الطَّرِيق الثَّامِن)
عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - .
رَوَاهُ الْبَزَّار كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا .
فَهَذِهِ (طرق) الحَدِيث مَجْمُوعَة وأقواها - عِنْدِي - الطَّرِيق الثَّانِي ، وَالْبَاقِي شَوَاهِد (لَهُ) ، وَقد ورد أَيْضا من قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام . رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما .
أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» قَالَ : أَنا يَحْيَى ، نَا ابْن لَهِيعَة ، نَا الْأَعْرَج ، عَن أبي هُرَيْرَة . قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - : «التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ سبع قبل الْقِرَاءَة ، (وَخمْس قبل الْقِرَاءَة) » .
وَابْن لَهِيعَة قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : لَا شكّ فِي صِحَّته مَوْقُوفا عَلَى
(أبي) هُرَيْرَة . (قَالَ) : وَعَن ابْن عَبَّاس مثله ، و (رُوَاته) ثِقَات . وَكَذَا قَالَ (الدَّارَقُطْنِ ّ) فِي «علله» فِيهِ - أَعنِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - فَإِنَّهُ (قَالَ) لما سُئِلَ عَنهُ : رُوِيَ مَرْفُوعا (وموقوفًا) وَالصَّحِيح الْمَوْقُوف .
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي ّ من حَدِيث فرج بن فضَالة ، عَن يَحْيَى بن سعيد ، (عَن نَافِع) ، عَن ابْن عمر قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - : «التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ ، فِي الرَّكْعَة الأولَى سبع تَكْبِيرَات ، وَفِي الْآخِرَة خمس تَكْبِيرَات» . وَفرج (د ت ق) هَذَا ضَعَّفُوهُ ، قَالَ البُخَارِيّ : مُنكر الحَدِيث .
وَفِي «علل (ابْن) أبي حَاتِم» : سَالَتْ أبي عَن حَدِيث ابْن عمر «أَنه كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ : سبعا فِي الأولَى ، وخمسًا فِي الثَّانِيَة» . فَقَالَ : هَذَا خطأ ، يرْوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه كَانَ يكبر» .
وَاعْلَم أَن عبد الْحق عزا فِي «أَحْكَامه» حَدِيث ابْن عمر إِلَى الْبَزَّار ، وَأعله بفرج بن فضَالة ، وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ : (إِنِّي)
قد جهدت أَن أجد هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند (ابْن) عمر عِنْد الْبَزَّار ، فَمَا [ قدرت عَلَيْهِ ] وَقد (رَجَوْت) أَن يكون فِي بعض «أَمَالِيهِ» وَالَّذِي فِي «مُسْند الْبَزَّار» إِنَّمَا هُوَ الْفِعْل دون القَوْل ، وَمن غير رِوَايَة فرج بن فضَالة (وَهَذَا هُوَ) : (نَا) عَبدة بن عبد الله ، نَا عمر بن حبيب ، نَا عبد الله بن [ عَامر ] ، عَن نَافِع ، عَن ابْن عمر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي (صَلَاة) الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة (تَكْبِيرَة) : سبعا فِي الأولَى ، وخمسًا فِي الْآخِرَة» .
قلت : (وَفِي الْجُمْلَة) فأحاديث الْبَاب كلهَا مُتَكَلم فِيهَا .
قَالَ الإِمَام أَحْمد : لَيْسَ يرْوَى فِي التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَدِيث صَحِيح . نَقله الْعقيلِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَنهُ .
وَقَالَ ابْن رشد : إِنَّمَا (صَارُوا) إِلَى الْأَخْذ بأقاويل الصَّحَابَة
فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ؛ لِأَنَّهُ لم يثبت فِيهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء . وَنقل ذَلِك عَن أَحْمد ، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : فِي الْبَاب عَن عَائِشَة وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن (عَمْرو) و (الطَّرِيق) إِلَيْهِم فَاسِدَة .
قَالَ (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه بناسخ الحَدِيث ومنسوخه) : وَفِي الْبَاب عَن جَابر أَيْضا . قَالَ : وَأما حَدِيث أبي مُوسَى وَحُذَيْفَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ أَرْبعا» فَلَا يثبت ؛ فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن ثَابت (د ت ق) قَالَ أَحْمد : أَحَادِيثه مَنَاكِير .
قلت : هُوَ فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَأعله ابْن حزم بِعَبْد الرَّحْمَن هَذَا وَهُوَ ابْن ثَوْبَان - وَقَالَ أَحْمد وَغَيره : لَيْسَ بِالْقَوِيّ . ووثق أَيْضا - وبأبي عَائِشَة ، وَقَالَ : هُوَ مَجْهُول لَا نَدْرِي من هُوَ وَلَا يعرفهُ أحد .