من عوائق السير إلى الله, الاشتغال بالمفضول عن الفاضل:
إن مما يخفى على كثير من الناس, صغيرهم وكبيرهم، شريفهم ووضيعهم، عالمهم وجاهلهم، عوامهم ومتعلميهم، حيلة ماكرة، وكيد تصيب سهامه من لا يدري من أطلقه معرفة الفاضل والمفضول، ثم تقديم الفاضل على المفضول عند التزاحم، وهو كيد تصيب سهامه العبد في مجالات حياته المختلفة, في العلم، والتعليم، والعبادة، ومراعاة الحقوق، واستثمار الوقت الاستثمار الأمثل، وقد يعرفه نظريا ويحذر منه ويخونه التطبيق، قال ابن القيم رحمه الله في بيان مكائد الشيطان في بدائع الفوائد ج2 ص801-802، ط-عطاءات العلم:
""المرتبة السادسة وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة
ويفوته ثواب العمل الفاضل فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له
إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه
وقل من يتنبه لهذا من الناس فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا ومحركا إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة،
فإنه لا يكاد يقول إن هذا الداعي من الشيطان فإن الشيطان لا يأمر بخير،
ويرى أن هذا خير فيقول هذا الداعي من الله،
وهو معذور ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير
إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوت بها خيراً أعظم من تلك السبعين باباً وأجل وأفضل،
وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم
وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين وخاصتهم وعامتهم
ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الآية وخلفائه في الأرض وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك فلا يخطر بقلوبهم، والله يمنُّ بفضله على من يشاء من عباده".
وأخطر ما قد يكون تأثيره حين يصاب به القدوة فيتبعه جماعات ممن يقتدون به فيفوت على غيره أضعاف ما فاته، فالمسؤولية على القدوة في هذا الباب أعظم، لأن المقتدين متفاوتون علما وذكاء وإدراكا واحتياجا، وكلما كان مستوى القدوة أعلى كانت المسؤولية أكبر، وأعظم المسؤوليات التوقيع عن الله ورسوله في الفتوى والقضاء والتعليم والدعوة، وأهم مهماتهم الأخذ بيد المقتدين للوصول إلى الله من أقرب طريق ممكن، وكذلك على المقتدين مسؤولية معرفة تخير القدوة الصالحة التي تأخذ بيده للوصول إلى الله من أقرب طريق، وأهم ما يتوصل به ألى ذلك الإلحاح على الله، وليحذر أن القدوة الحية يصيبها ما لا يسلم منه المقتدي والقدوة على حد سواء، وكل محتاج للهداية إلى الصراط المستقيم وفيه، والمعصوم من عصم الله، والله الموفق.