الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فقد التمس مني بعض الإخوة أن أضع شرحا في علم المواريث فاستخرت الله وشرعت في الرحبية عسى الله أن ينفع بها.
الدرس الأول
مقدمة
علم الفرائض: مسائل فقهية وحسابية تتعلق بالتركة.
وموضوعه: التركة من حيث قسمتها.
وفائدته: إيصال الحقوق إلى أهلها.
بمعنى أن الله سبحانه وتعالى كتب الفناء على خلقة فما من أحد إلا وسيموت، ويترك كل ما جمعه لمن بعده؛ فتلك الأموال التي تركها لمن تذهب ؟ وكم حصة كل واحد ؟ فلهذا أنزل الله سبحانه أحكام الفرائض في كتابه.
فعلم الفرائض هو: الذي يُعرف به مَن يرث ومن لا يرث ومقدار ما لكل وارث من التركة.
وقولنا : ( مسائل فقهية ) أردنا به بيان أن الفرائض والمواريث جزء من علم الفقه فكما أن في الفقه أحكاما تتعلق بالوضوء وأخرى تتعلق بالصلاة وأخرى بالبيوع... فكذلك هنالك أحكام تتعلق بتركة الميت، وإنما أفرده العلماء بالتأليف وجعلوه علما مستقلا سموه علم الفرائض، وعلم المواريث لأهميته ومجيء نصوص شرعية تعظّم من شأنه.
وقولنا ( وحسابية ) أردنا به بيان أن هذا العلم مركب من فقه وحساب، فالعمليات والقواعد الحسابية التي توصل إلى معرفة كم يأخذ كل وارث بالتحديد هي جزء من هذا العلم، وليس المقصود أن علم الرياضيات بكل ما فيه من تفاصيل ونظريات هو من الفرائض بل القدر الذي يستعان به على توزيع التركة فقط.
وقولنا ( تتعلق بالتركة ) يخرج به كل المسائل الفقهية التي تتعلق بالأبواب المختلفة كالوضوء والصلاة والزكاة ونحوها.
والتركة هي: ما يتركه الميت من أموال وحقوق مالية.
فالأموال تشمل كل الأموال المنقولة- أي ما يمكن نقلها وتحويله من مكان إلى آخر- كالنقود والذهب والفضة والملابس، وغير المنقولة-أي ما لا يمكن نقلها وتحويلها من مكان إلى آخر عادة- كالدور والأراضي والعقارات.
والحقوق المالية مثل حق الخيار والانتفاع بالعين المستأجَرَة.
مثال: مات شخص وقد اشترى سيارة على أن له الخيار في ردها إن شاء مدة 3 أيام فالورثة يقومون مقامه فلهم أن يردوها.
مثال: شخص استأجر دارًا لمدة سنة ثم مات فلا ينفسخ عقد الإجارة بموته وللورثة حق الانتفاع بالدار مدة العقد.
وموضوع علم الفرائض هو التركة من حيث قسمتها على مستحقيها، وهذا الموضوع هو مندرج تحت موضوع علم الفقه الذي هو أفعال المكلفين، لأن قسمة التركة فعل من أفعال المكلفين.
وأما فائدته فهي إعطاء كل ذي حق حقه من الميراث بغير زيادة ولا نقصان.
مثال: توفى رجل عن بنت وأخ شقيق وترك بيتا فكم نعطي لكل واحد؟
الحل: للبنت هنا نصف التركة ( 1/2) ولأخ الميت الباقي وهو نصف التركة.
وعلماء الفرائض يجعلون التركة عبارة عن سِهام ثم توزع تلك السهام كل حسب نصيبه، فبما أنه يوجد عندنا ( 1/2 ) فنجعل المسألة من 2 ثم نقسم فللبنت سهم واحد، وللأخ سهم واحد.
فعِلمُنا أن للبنت النصف وللأخ الباقي في تلك المسألة هو مسألة فقهية من مسائل علم الفرائض.
وعلمنا أن المسألة من ( 2 ) للبنت سهم واحد وللأخ مثلها مسألة حسابية من مسائل علم الفرائض أيضا.
مثال: توفت امرأة عن أم وزوج وأخ شقيق وتركت سيارة فكم نصيب كل وارث؟
الحل: للأم الثلث ( 1/3 ) ولزوج الميتة النصف ( 1/2 ) وللأخ الشقيق الباقي.
فبما أنه عندنا في المقام رقم ( 3 و 2 ) نضربهما ببعضهما 3×2= 6.
فالمسألة من 6 للأم 2 لأن 6÷3= 2، وللزوج 3 لأن 6÷2= 3، والباقي وهو 1 نصيب الأخ الشقيق.
فإذا كانت قيمة السيارة 12000$ فنقسم المبلغ على 6 والنتيجة 2000$ قيمة السهم الواحد.
فللأم سهمان 2×2000= 4000$، وللزوج ثلاثة أسهم 3 ×2000=6000$، وللأخ الشقيق سهم واحد 2000$.
فالمسائل الفقهية والحسابية في هذا المثال من علم الفرائض.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو تعريف علم الفرائض وما هو موضوعه وفائدته؟
2- لماذا كانت مسائل من الرياضيات جزءً من هذا العلم؟
3- إذا كان علم الفرائض من الفقه فلماذا أفردوه بالتأليف ؟
( تعليقات على النص )
قال الشيخ الإمام الرَّحْبِي:
بسم الله الرحمن الرحيم
1- أَوَّلُ مَا نَسْتَفْتِحُ الْمَقالا
بِذِكْرِ حَمْدِ رَبِّنَا تَعَالى 2- فَالْحمْدُ للهِ عَلَى مَا أَنْعــَمَا
حَمْدًا بِهِ يَجْلُو عَن الْقَلْبِ الْعَمَى 3- ثُمَّ الصَّلاَةُ بَعْدُ وَالْسَّلاَمُ
عَلَى نَبيٍّ دِينُهُ الإِسْلامُ 4- مُحَمَّدٍ خَاتِمِ رُسْلِ رَبِّهِ
وَآلهِ مْنْ بَعْدِهِ وَصَحْبِهِ 5- وَنَسْأَلُ اللهَ لَنَا الإِعَانَهْ
6- عَنْ مَذهَبِ الإِمَامِ زَيْدِ الفَرَضِي
7- عِلْمًا بأَنَّ الْعِلْمَ خَيْرُ مَا سُعِي
8- وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَخْصُوصٌ بِمَا
9- بأَنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفْقَدُ
10- وَأَنَّ زَيْدًا خُصَّ لاَ مَحَالَهْ
11- مِنْ قَوْلِهِ في فَضْلَهِ مُنَبِّهًا
12- فَكانَ أَوْلَى باتِّبَاعِ التَّابِعِ
13- فَهَاكَ فيهِ الْقَوْلَ عَنْ إِيجَازِ
فِيما تَوَخَّيْنَا مِنَ الإِبَانَهْ
إذْ كانَ ذَاكَ مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ
فِيهِ وَأَوْلَى مَا لَهُ الْعَبْدُ دُعِي
قَدْ شَاعَ فيهِ عِنْدَ كُلِّ الْعُلَمَا
في الأَرْضِ حَتَّى لاَ يَكادُ يُوجَدُ
بَمَا حَبَاهُ خَاتَمُ الرِّسَالَهْ
أَفْرضُكُمْ زَيْدٌ وَنَاهِيكَ بِهَا
لاَ سِيَّمَا وَقَدْ نَحَاهُ الشَّافِعِي
مُبَرَّأً عَنْ وَصْمَةِ الأَلْغَازِ
......................... ......................... ......................... ......................... ...................
أقول: الرحبية متن مشهور في علم الفرائض يشتمل على 176 بيتًا قد اعتنى به العلماء شرحا وتحشية ومؤلفه هو الإمام موفق الدين أبو عبد الله محمد بن على بن محمد بن الحسن الرَّحْبِي الشافعي نسبة إلى قرية في الشام تسمى رَحْبة دمشق فقيه شافعي توفي سنة 577 هـ رحمه الله تعالى، استفتح كلامه بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) تأسيا بالقرآن الكريم وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث كان يبدأ رسائله بالبسملة، ( أَوَّلُ مَا نَسْتَفْتِحُ الْمَقالا ) أي القول ( بِذِكْرِ حَمْدِ رَبَّنَا تَعَالى ) اقتداءا بفاتحة الكتاب حيث أتبعت البسملة بالحمد ( فَالْحمْدُ للهِ عَلَى مَا أَنْعــَما حَمْدًا بِهِ يَجْلُو عَن الْقَلْبِ الْعَمَى ) أي يذهب عن القلب عماه وعمى القلب هو الجهل وعدم رؤية الحق ( ثُمَّ الصَّلاَةُ بَعْدُ ) ما تقدم من البسملة والحمدلة (وَالْسَّلاَمُ عَلَى نَبيٍّ دِينُهُ الإِسْلامُ مُحَمَّدٍ ) صلى الله وعليه وسلم (خَاتِمِ رُسْلِ رَبِّه ) فلا نبي من بعده ( وَآلهِ مْنْ بَعْدِهِ وَصَحْبِهِ ) رضي الله عنهم أجمعين ( وَنَسْأَلُ اللهَ لَنَا الإِعَانَهْ فِيما تَوَخَّيْنَا ) أي قصدنا ( مِنَ الإِبَانَهْ ) أي الإظهار والكشف، ( عَنْ مَذهَب الإِمَام زَيْدِ ) بن ثابت الصحابي الجليل رضي الله عنه ( الفَرَضِي ) أي العالم بالفرائض وقد روى الترمذي وصححه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفرضُكُم زيدٌ. أي أعلمكم بالفرائض ( إذْ كانَ ذَاكَ ) أي لأن ذلك المذكور من التوخي والقصد للإبانة عن مذهب زيد ( مِنْ أَهَمِّ الْغَرَضِ ) أي أهم القصد والمطالب لمن يريد أن يصنف في علم الفرائض، والمعنى أنه يسأل الله تعالى الإعانة على ما قصده من إظهار مذهب زيد بن ثابت لأن هذا الأمر من أهم القصد لمن يدرس علم الفرائض، (عِلْمًا بأَنَّ الْعِلْمَ خَيْرُ مَا سُعِي فيهِ ) هذا حث على تعلم العلوم الشرعية فإنه لما ذكر أنه صنف هذه المنظومة في علم الفرائض أراد أن يذكر أن الاشتغال بالعلم خير ما سعى فيه العبد الصالح ( وَأَوْلَى مَا لَهُ الْعَبْدُ دُعِي ) فمن دعاك إلى العلم فقد دعاك لخير الدنيا والآخرة ( وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ ) أي الفرائض ( مَخْصُوصٌ بِمَا قَدْ شَاعَ فيهِ عِنْدَ كُلِّ الْعُلَمَا ) أي اشتهر عند جميع العلماء ( بأَنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفْقَدُ في الأَرْضِ حَتَّى لاَ يَكادُ يُوجَدُ ) وإنما يفقد من الأرض بسبب موت علماء الفرائض والمؤلف يشير إلى حديث روُي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم وهو يُنسى وهو أول شيء ينزع من أمتي. رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف لايصح ، ( وَأَنَّ زَيْدًا خُصَّ لاَ مَحَالَهْ ) أي أن زيدا بن ثابت رضي الله عنه قد خُصَّ من بين الصحابة حقيقة ( بَمَا حَبَاهُ ) أي وصفه به ( خَاتَمُ الرِّسَالَهْ ) صلى الله عليه وسلم ( مِنْ قَوْلِهِ في فَضْلَهِ مُنَبِّهًا أَفْرضُكُمْ زَيْدٌ ) وقد تقدم ذكر الحديث ( وَنَاهِيكَ بِهَا ) أي حسبك بهذه الشهادة منقبة وفضيلة تكفيك عن قول كل قائل.
( فَكانَ أَوْلَى باتِّبَاعِ التَّابِعِ ) أي فيلزم أن يكون زيد أحق بأن يتبع قوله في مسائل الفرائض ( لاَ سِيَّمَا وَقَدْ نَحَاهُ الشَّافِعِي ) أي خصوصا وقد نحاه أي مال إلى قول زيد موافقا له في اجتهاده الإمام محمد بن إدريس الشافعي الذي هو من أفقه فقهاء الأمة رحمه الله ( فَهَاكَ ) أي فخذ ( فيهِ ) أي في مذهب زيد ( الْقَوْلَ عَنْ إِيجَازِ ) أي حالة كونه ناشئا عن إيجاز واختصار ( مُبَرَّأً عَنْ وَصْمَةِ الألْغَازِ ) أي حال كون هذا القول الذي سيعطيك إياه منزها عن عيب الألغاز جمع لغز أي الخفي من الكلام فإن هذا المتن واضح ميسّر والمعنى فخذ القول في علم الفرائض على مذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه قولا مختصرا واضحا منزها عن عيب الخفاء والغموض.
الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/t22673.html#ixzz4JHSBdAMU