زهرة منثورة من زهرات ابن سماك العاملي
د. ياسر عبدالحسيب رضوان
مقدمة:
عرف الأدب العربي فن الخطابة منذ العصر الجاهلي الذي شهد مجموعة كبيرة من الخطباء من أمثال أكثم بن صيفي وقس بن ساعدة وعامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وحاجب بن زرارة والحارث بن عباد وغيرهم ممن اشتهروا بهذا الفن الذي استمر مصاحبًا لمسيرة الأدب العربي طوال أعصره المتوالية، وكانت الخطابة عند العرب القدامى "أم الفنون؛ فقد ولدت وحضنت فنونًا نثرية عديدة من نحو الأمثال والمناظرات والوصايا "[1] التي بدأت أول ما بدأت أدبًا شفاهيًّا خالصًا يحكي طبيعة العلاقة القائمة بين أفراد المجمتع العربي الجاهلي، حيث التواصل الصوتي الشفاهي المتساوق مع طبيعة اللغة باعتبارها " ظاهرة شفاهية "[2] قبل تحولها إلى الكتابية، ثم جاء الرواة فتناقلوا هذه الفنون النثرية والشعرية أيضًا من جيل إلى آخر، حتى إذا ما تفشت الكتابة، تم تدوين ما تداوله الرواة، ومن ثمة غدت هذه الفنون النثرية والشعرية فنونًا كتابية يتعاطاها النقد والبحث على أنها فنون كتابية انتفى عنها جانب السماع والمشافهة، لتكون رهينة الرؤية البصرية لعين الناقد والباحث والقارئ على حدٍّ سواء.
لقد بدأ الأدب العربي القديم - شعره ونثره - أدبًا شفاهيًّا، فقد كانت طريقة تداوله " سماعًا ومشافهة في أكثر الأحوال، كان ذلك من أسباب ضياع النثر الجاهلي، إذ لم يبق منه إلا أثارة من القصص والأمثال والخطب والوصايا والرسائل "[3] بينما كانت الكثرة الكاثرة المأثورة عن العصر الجاهلي من الشعر؛ لما يتمتع به الشعر من سهولة الحفظ بسبب بنيته الإيقاعية والدلالية الخاصة التي ربما كانت مباينة بصورة أو بأخرى لنظيرتها في الفنون النثرية، كذلك لارتباط الشعر بالعواطف البشرية، فضلا عن تصويره جوانب الحياة العربية كلها؛ إذ كان ديوانَ العرب وسجلَ مفاخرهم، ومُخَلِّدَ فضائلهم وربما كان ذلك كله أسبابًا تعلل بها من يقولون بأسبقية الشعر على النثر.
ولا شك أن إشارتنا للشفاهية والكتابية فيما سبق تستدعي فكرة النثر الفني ونشأته عند العرب منذ الجاهلية، وهذا الأمر وإن أريقت فيه المداد الكثيرة، إلا أننا نرى أنه لا بد من استدعاء فكرة الأدب العربي شعره ونثره، وما ارتبط بها تشكيكات كانت تهدف من بين ما تهدف إلى سلب العقلية العربية من أي صورة من صور الإبداع والتفكير، كان ذلك من المستشرقين أو ممن شايعهم من أبناء العربية، فقد ربط الدكتور طه حسين أسبقية الشعر على النثر عند العرب بتأخر تطور الأمة العربية وارتقاء عقلها وتغير نظمها السياسية واتصالها بالأمم الأخرى إلى ما بعد الإسلام [4] بل إنه ليصف العقل العربي في عصر الجاهلية - صراحة - بأنه كان ساذجًا، وأنه لم يتحضّر إلا بعد الإسلام نتيجة دخول الأمم الأخرى كالفرس والروم واليونان والهند في الإسلام [5] وتأثر المسلمين بهم.
وقد ترتب على اتهام العقلية العربية الجاهلية بالسذاجة فكرة النحل والانتحال التي أولاها الدكتور طه حسين عناية بالغة من كتاباته، فهو مثلما شكك في الشعر الجاهلي، ونسبه إلى ما بعد الإسلام، نراه يشكك في النثر الجاهلي بالطريقة نفسها إذ يقول: " وإذن فالنثر العربي الذي ليس لغة التخاطب، ولا الأحاديث العادية، والذي لا يُعبر عن عاطفة أو شعور من حيث هي عاطفة أو شعور، بل من حيث هي صورة عامة يظهر فيها نتيجة التفكير، هذا النثر أثر من آثار الحياة الإسلامية الجديدة، ظهر في الإسلام ولم يكن موجودًا "[6] ولعله يناقض نفسه عندما يؤكد على أن " الخطابة التي كانت موجودة في الجاهلية، واشتدت أسبابها ودواعيها في الإسلام "[7] مما أسهم في قوتها وتطورها، ومع ذلك فإنه لم يخلص هذه القوة وذلك التطور لطبيعة البيئة العربية الإسلامية، وإنما جعله أثرًا من آثار التأثر بالأمم المتحضرة التي دخلت في الإسلام بعد ذلك.
ووجود الخطابة خاصة والنثر الفني عامة من أمثال الحكم والمواعظ والأمثال والرسائل دليل على رقي العقلية العربية في العصر الجاهلي، وأن التشكيك في هذا الرقي العقلي العربي الجاهلي إنما كان صورة من صور افتراءات المستشرقين وأشياعهم على العقلية العربية التي أنتجت هذا الأدب شعره ونثره وحفظته وتداولته شفاهة في غيبة الكتابة أو ندرتها، ولعل وجود القرآن الكريم وخطابه للعرب دليل ناصع على وجود هذه الفنون النثرية؛ فقد " نزل القرآن بلغة العرب، ففهموه أصدق فهم، ووصل إلى قرارة نفوس المؤمنين فملأها روحًا ويقينًا، واستثار الدفائن من قلوب المشركين، فأعلنوا ما في قلوبهم من غيظ، وما في رؤوسهم من عناد أفكان شيء من ذلك يصح لو القرآن بأساليب لا يفقهها أهل الجاهلية؟! "[8] ومما يؤكد على وجود النثر الجاهلي في قول الدكتور علي الجندي " أن لدينا عددًا من مصادر الأدب الجاهلي تضم كثيرًا من النصوص الجاهلية التي أتت إلينا عن طريق الرواة الموثوق بأمانتهم وصدقهم، وقد حازت القبول والاحترام من العلماء والنقاد والباحثين، واعتمد عليها الجميع في دراساتهم، واعتبرت مصدرًا أساسيًّا في تصوير الأدب واللغة في العصر الجاهلي تصويرًا صادقًا صحيحًا " [9].
ورغم وجود هذه المصادر التي دونت الأدب الجاهلي وقد حازت القبول من الباحثين والعلماء والنقاد، فإن هناك بعض المصادر التي ينبغي الاحتراس منها - كما يقول الدكتور شوقي ضيف - لأن أكثر أو جمهور ما روته منحول، على أن اتهام النصوص تلك بالنحل لا يعني إنكارها على الجاهليين، كما أنه لا يعني إنكار ازدهارها؛ لأن " كل شيء عندهم - عرب الجاهلية - يؤهل لهذا الازدهار "[10] خاصة إذا علمنا من أبي عمرو بن العلاء [ت 157هـ] ومن الجاحظ [150- 255هـ] أن الخطيب في مرحلة ما من العصر الجاهلي كان أرفع منزلة من الشاعر، قال أبو عمرو بن العلاء:" كان الشاعر في الجاهلية يُقدَّم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويُفخِّم شأنهم، ويُهوِّل على عدوهم ومن غزاهم، ويُهيِّب من فرسانهم، ويُخوِّف من كثرة عددهم ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم، فلما كثر الشعر والشعراء، واتخذوا الشعر مكسبة، ورحلوا إلى السوقة، وتسللوا إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر " [11] وهو المعنى الذي ردده الجاحظ نفسه عندما قال:" فلما كثر الشعراء وكثر الشعر، صار الخطيب أعظم قدرًا من الشاعر "[12] ولا شك أن هذه الصيرورة لتدل على ما بلغه النثر أو الخطابة من الازدهار الذي كان من بين مظاهره وجود طائفة ليست بالقليلة من الخطباء المشهورين بالفصاحة والبلاغة والبيان الذين سبق أن أشرنا إلى بعضهم من قبل.
ولم يقف أمر ازدهار الخطابة وتطورها عند العصر الجاهلي، وإنما أخذ هذا الازدهار خطوات عملية مع توالي العصور الإسلامية، فقد كان من أسباب قوة الخطابة والكتابة في عصر صدر الإسلام " التنافس الشديد الذي قام بسبب الخلافة، فقد كان كل حزب من المهاجرين والأنصار يدعو لنفسه سرًّا وعلانية عن طريق الخطب والرسائل والمجادلات التي كانت تثور في المجالس والمساجد والأسواق "[13] إلى غير ذلك من الأسباب التي ظلت فاعلة إضافة إلى ما جدّ من غيرها من أسباب أخرى كلها ساعدت على أن تبلغ الخطابة في العصر الأموي مثلاً " شأوًا بعيدًا من الذيوع والخواص الفنية، وتعددت أنواعها، فهناك خطابة سياسية وخطابة محفلية وخطابة وعظية أو قصصية أو جدلية "[14] ولعل الخطابة خاصة والكتابة عامة قد بلغت مثل هذا التطور والازدهار في القرن الرابع الهجري حيث امتازت الكتابة بمجموعة من الخصائص والمميزات التي " لم تنشأ في يوم وليلة حتى صارت من سمات هذا القرن، وإنما هي صفات نثرية تطورت على مدى القرون التي سبقت هذا القرن، ثم ظهرت فيه ظهورًا قويًّا "[15] لتقف جنبًا إلى جنب مع فن الشعر العربي الذي شهد التطور والازدهار طيلة هذه القرون جميعها، وإن ظلت له الغلبة الحضورية على الفنون النثرية الأخرى.
ابن سِمَاك العاملي:
لم يكن ثمة بدٌّ مما تحدثنا عنه فيما سبق إذ إنه ممهد للحديث عن موضوع هذا البحث، وهو خطبة من الخطب التي اختارها ابن سماك العاملي وهو محمد بن أبي العلاء محمد بن سِمَاك المالقي الغرناطي الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وقد وصفه لسان الدين بن الخطيب بقوله عنه: " فاضلٌ نجيبٌ، ولدواعي المجادة والإجادة مجيب، ونوارة مرعى خصيب، وفائز من سهام الإدراك بنصيب، خصاله بارعة ونصاله شارعة، وشمائله إلى نداء الفضائل مسارعة، على حداثة يندر معها الكمال، وتُستظرف الأعمال، فإن انفسح مداه، بلغت السماك يداه "[16] وهي أوصاف ترفع من قدر ابن سماك عقلا وفهمًا وإدراكًا وطبيعة خيِّرة تؤهله ليكون هذا الكاتب الشاعر من كُتاب الدولة وصاحب مؤلفات منها هذا السفر الرصين " الزهرات المنثورة في نُكت الأخبار المأثورة " [17] وهو عبارة عن مجموعة من الأخبار والطرائف والمواعظ التي قصد الكاتب من ورائها تثقيف المتأدبين من أبناء الأمراء والسلاطين [18].
نص الخطبة:
قال ابن سِماك في الزهرة الخامسة والثلاثين من زهراته المنثورة: " قِيلَ لبعضِ الأُمَرَاءِ: إنَّ شَبيبَ بْنَ شَيْبَةَ يستعملُ الكلامَ ويستدعِيهِ، ولَوْ أَمَرْتَهُ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ فُجَاءَةً لافْتُضِحَ، فَأَمَرَ رَسُولاً فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَشْبَاهٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَسَدُ الْخَادِرُ، وَالْبَحْرُ الزَّاخِرُ، وَالْقَمَرُ الْبَاهِرُ، وَالرَّبِيعُ النَّاضِرُ؛ فَأَمَّا الْأَسَدُ الْخَادِرُ فَأَشْبَهَ صَوْلَتَهُ وَمَضَاءَهُ، وَأَمَّا الْبَحْرُ الزَّاخِرُ، فَأَشْبَهَ جُودَهُ وَعَطَاءَهُ، وَأَمَّا الْقَمَرُ الْبَاهِرُ، فَأَشْبَهَ نُورَهُ وَضِيَاءَهُ، وَأَمَّا الرَّبِيعُ النَّاضِرُ، فَأَشْبَهَ حُسْنَهُ وَبَهَاءَهُ " [19].
هذا هو نص الخطبة كما ورد في كتاب الزهرات المنثورة لابن سِماك العاملي، وقد سبقه إلى إيراد الخطبة كل من:ابن عبد ربه [ت 328هـ] في العقد الفريد وذلك في موضعين:أولهما في باب:في مدح الملوك والتزلف إليهم، حيث ذكر في أولها:" ألا إن لأمير المؤمنين أشباهًا أربعة00 "[20] والموضع الثاني ضمن كتاب:الوساطة في الخطب بالبداية السابقة نفسها مع زيادة بيتين من الشعر سنذكرهما فيما بعد[21] ثم ذكرها بعده الحصري القرواني [453هـ] في كتابه زهر الآداب، وجاء مفتتحها عنده: إن لأمير المؤمنين..، وزاد بعدها: "وهذا الكلام يُنسَب إلى ابن عباس يقوله في علي بن أبي طالب رضي الله عنهما "[22] وذكرها شهاب الدين النويري [ت 733هـ] بالنص نفسه الذي ورد عند ابن سِماك [23] وكان النويري معاصرًا لابن سِماك، وإن تُوفي قبله؛ لأن ابن سماك قد عاش في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري.
مفتتح الدرس:
يجبهنا أول ما يجبهنا ذلك القِصَر الشديد الذي جاء عليه نص خطبة شبيب بن شيبة؛ إذ لا يكاد حجم الخطبة يصل إلى أسْطُر ثلاثة، في حين ترك المؤلف للمصاحبات السردية التي قدَّم بها للخطبة المساحة نفسها، وهي ما يقرب من ثلاثة أسْطُر منها حكايته عن الخطيب افتتاح خطبته بالمفتاح الأثير المعهود للخطابة بعد الإسلام وهو حمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو مفتاح يتناسب وطهارة المكان حيث المسجد الذي يستدعيه المنبر يصعده الخطيب؛ ليُلقي خطبته، ولعل هذا المفتتح مما يستعين به الخطيب على بلوغ غايته، وكمال خطبته، فقد سمُّوا الخطبة التي لا يُذكر في أولها اسم الله البتراء [24] أو ربما ناسب هذا المفتتح أهمية المكان وفخامته وهيبته التي يتحاشاها الخطيب بهذا المفتاح الذي يحمد الله تعالى فيه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يكون قصر الأمير الذي أُعِدَّ به المنبر ليُنشد المنشِدون مناشدهم - شعراء وكتاب وخطباء - في مدح الأمراء؛ لينالوا رفدهم وعطاياهم، وهو الأمر الذي كان شائعًا في قصور الخلفاء والأمراء خاصة في العصر العباسي.
وإنما خصصنا العصر العباسي؛ لأن الخطيب الذي تُنسب إليه هذه الخطبة هو شبيب بن شيبة بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم، أبو معمر التميمي المِنقري البصرِيّ، قال عنه الخطيب البغدادي [ت 463هـ] " وكان له لسن وفصاحة، وقَدِم بغداد في أيام المنصور، فاتَّصل به وبالمهديّ من بعده، وكان كريمًا عليهما، أثيرًا عندهما "[25] وعلماء الحديث والرواة مختلفون بشأن روايته إلى فريقين أولهما يجعله صادق الحديث صالحه، وثانيهما الآخر يراه ضعيفًا وليس بثقة، بيد أنهم لا يصفونه بالكذب وهو عند الذهبي [ت 748هـ] " أحد الخطباء البلغاء والأخباريين الألبَّاء "[26] فإذا ما أضفنا إلى ذلك كونه من أحفاد الصحابي الشاعر المخضرم، والخطيب المفوَّه في الجاهلية والإسلام عمرو بن الأهتم، فلن يكون بمستغرب أن يوصف بأحد الخطباء البلغاء والأخباريين الألبَّاء ذوي العقول النابهة والبديهة السريعة المردوفة بحُسْن التخلص في المواقف التي يحرج فيها موقف صاحبها.
ولقد امتاز الخطباء عامة بميزاتٍ منها " الجدل وسعة المعرفة وسرعة البديهة ولمحة الفطنة وبراعة الرد وحُسن التخلص " [27] عندما يقعون في مأزقٍ من المآزق، وهو ما رأيناه من شبيب بن شيبة عندما أراد هذا الرجل المجهول - بدلالة بناء الفعل قِيل للمجهول - أن يُوقع به عند الأمير الذي لم يتم تعيينه، وكأنما أراد ابن سماكٍ أن يجعل الموعظة المستفادة من الموقف عامة بحيث لا يتعين أحد شخوصها سوى هذا الخطيب الذي يريد أن يُلقي عليه الضوء.
أو ربما كانت هذه التعمية ناتجة عن الرغبة في الإيجاز والاختصار، وهو ما يتفق ومنهج صاحب الكتاب في عرض مادته " فهو يسلك في إيرادها سبيل الإبلاغ في الاختصار، وهو يقدمها بغير أدنى تعليق منه، كأنه يرى أن كل خبر يكفي في تقديم العظة بنفسه، وهو يتفق في هذا مع روح العصر الذي كانت الثقافة العربية خلاله سائرة في طريق النضوب وفقد معين الأصالة "[28] كما يتناسب هذا الاختصار مع مَن تُقدَّم إليهم المواعظ الهادفة إلى التربية والتثقيف وهم الأمراء وأبناؤهم، كما يتفق هذا الاختصار وما رواه عن غيره بطريق المجهول أيضًا:" أنهُ لمَّا كَثُرتِ الحكمةُ اختصرها الحكماء الأولون في أربعمائة ألف كلمة ثم جاء جيل بعدهم وهو الجيل الثاني منهم فاختصروها في أربعة آلاف كلمة جامعة لمعاني الأربعمائة ألف كلمة، ثم جاء من بعدهم فردوها إلى أربعمائة جامعة أيضًا لمعاني أربعة آلاف كلمة، ثم جاء الإسلام فردوها إلى أربعين كلمة جامعة لمعاني أربعمائة، ثم جاء من بعدهم فردوها إلى أربع كلمات فيها معاني الأربعين" [29] وكأنه يسوِّغ لنفسه بهذا التدليل طريق الإيجاز والاختصار الذي ربما يجيء بآثار سلبية على النص المذكور معنا إذ لم يُعَرِّف بالخليفة، وإن عُرف زمنه - ولم يُعرف بمن قال للخليفة هذه المقالة.
يتبع