ثكلتك أمك يا -ابو سفيان- بل ورثهم من هو شر منهم
قال الشيخ عبدالله الغنيمان
المشركون اليوم أعظم شركا ممن بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبهذا يتبين سفاهة عقول مشركي هذا الزمان، وعظم شركهم، وأنه لم يصل إليه شرك السابقين. فمشركو وقتنا هذا يخلصون الدعاء وتزداد إنابتهم، ويتضاعف ذلهم وخضوعهم لمن يعبدونه من دون الله تعالى ممن يدعون لهم بالولاية، عندما يقعون في الشدائد، والكربات، ويشركونهم مع الله تعالى حتى في الربوبية، ويجعلون لهم التصرف، والهداية وجلب النفع، ودفع الضر بخلاف مشركي العرب زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فما كان أحد منهم يدعي ذلك لآلهته وإنما كانوا يقولون: إنها تشفع لهم عند الله، وتقربهم إليه تعالى، كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3] ومع ذلك لم يكن شركهم مستمرا في كل وقت كهؤلاء المشركين الذين يزعمون أنهم مسلمون ، بل في وقت الشدائد يخلصون العبادة لله تعالى كما سبق بعض الأدلة على ذلك.
ومن سفاهة هؤلاء أنهم جعلوا الشرك الذي هو أعظم الذنوب أفضل أعمالهم، ورموا من أنكر عليهم ذلك بالجفاء، وتنقص الأنبياء والأولياء، وبأنهم خوارج يكفرون المسلمين. وذلك لأنهم جهلوا معنى العبادة، ومعنى الإله، فظنوا أن معنى الإله الرب الخالق المحيي المميت، القادر على كل شيء، وظنوا أن الدعاء والاستعانة ليست عبادة، وسموا ذلك توسلا وتعلقا، لأن القرآن صرح أن عبادة غير الله كفر، واستبعدوا أن تكون هذه الأعمال التي أدركوا عليها آباءهم وقومهم شركا من إعمال المشركين، فسموا العبادة بغير اسمها لجهلهم دين الإسلام ولغته.
وجهلوا الشرك، فظنوا أنه السجود للصنم، والصلاة له، واعتقاد أنه تدبير الأمور مع الله والتصرف في الكون، واعتقدوا أن المشركين السابقين يعتقدون في آلهتهم هذا المعنى، فحملوا آيات القرآن في الشرك على هذا المعنى.قال صاحب فرقان القرآن في (ص 111) في تعريفه العبادة: "الإتيان بأقصى غاية الخضوع قلبا باعتقاد ربوبية المخضوع له أو قالبا مع ذلك الاعتقاد، فإن انتقى ذلك الاعتقاد لم يكن ما أتى به من الخضوع الظاهري من العبادة شرعا في كثير ولا قليل، مهما كان المأتى به ولو سجودا".
وقال في (ص 87): "توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية متلازمان عرفا وشرعا، فالقول بأحدهما قول بالآخر، والإشراك في أحدهما إشراك في الآخر، فمن اعتقد أنه لا رب ولا خالق إلا الله لم ير مستحقا للعبادة إلا هو ومن اعتقد أنه لا يستحق العبادة غيره فذلك بناء منه على أنه لا رب إلا هو، ومن أشرك مع الله غيره في العبادة كان لا محالة قائلا بربوبية هذا الغير هذا مالا يعرف الناس سواه".ونقل محمود حسن عن هذا الرجل أنه قال في مؤلف له آخر: "إن من ود الرب تعالى إنـزال الغوث والرحمة على من يذكر أحباءه ويناديهم ويستغيث بهم ولو كانوا غائبين أو متوفين". (ص 65)، كشف الشبهات.وقال محمود حسن ربيع في كتابه كشف الشبهات أيضا: "إن استعانتك بالأولياء الذين تعتقد أن لهم حياة وتصرفا بأقدار الله، ليس شركًا، وإن الشرك لو اعتقدت فيهم ربوبية" (ص 57). وقال في (ص 58): "فمن اتخذ من الأنبياء والأولياء وسيلة إلى الله لجلب نفع أو دفع ضر من الله فهو سائل الله"... "ومن قال يا رسول الله أريد أن ترد على عيني، أو ترفع عنا الجدب، أو يزول عنا المرض، وهو من المؤمنين كان ذلك دليلا على أنه يطلب من الله".فهذه التعريفات للعبادة والشرك أخذت من الواقع الذي عاش فيه هؤلاء وأحزابهم لا من الشرع الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فأراد هؤلاء أن يكون الواقع الذي هم عليه متفقا مع دين الإسلام، فجمعوا بين المتضادات، وقلبوا الحقائق. فجعلوا الشرك توحيدا، والتوحيد ضلالا، وسلوكا لطريق الخوارج الذين يكفرون المسلمين، واستبعدوا أن تكون هذه الأوضاع المنتشرة في سائر أنحاء البلاد الإسلامية هي التي كان يفعلها المشركون السابقون مع معبوداتهم، لذلك حاولوا تبرير أفعالهم وجعلها على نهج الإسلام بأحاديث ملفقة أو موضوعة مكذوبة أو حكايات لا قيمة لها في الشرع الإسلامي، وأقل ما يقال في تلك الأحاديث أنها ضعيفة لا يجوز أن يعتمد عليها في فرع من فروع الشرع، فكيف في أصل الأصول - العبادة - التي خلق الجن والإنس من أجلها، وأرسلت الرسل وأنـزلت الكتب لإقامتها وإخلاصها لله.إن دعاة الوثنية لا يفتؤون يؤلفون الكتب، ويزوقون الكلام بتحسين الشرك والثناء على أهله، وتقبيح التوحيد، وعيب أهله ودعاته، ورميهم بالعظائم اتباعا لأهوائهم، وأغراضهم الدنيوية، فهم يجهدون في تحريف أدلة الكتاب والسنة حتى تتفق مع ما يقولونه أو يفعلونه، أو يفعله معظمهم من الرعاع أتباع كل ناعق، ولهذا قال هؤلاء:"العبادة هي الإتيان بأقصى غاية الخضوع قلبا وقالبا باعتقاد ربوبية المخضوع له فإن انتفى ذلك الاعتقاد - يعني اعتقاد الربوبية - لم يكن المأتى به من العبادة في كثير ولا قليل ولو كان سجودا".فهل يصدق العاقل أن المشركين - في عهد النبوة - الذين نزل فيهم القرآن - وهم أكمل عقولا من هؤلاء - يعتقدون أن الأحجار هي ربهم الذي يحيهم ويميتهم، وينزل عليهم المطر وينبت الزرع والكلاء، وما يقتاتونه هم وأنعامهم. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21-22]. أي تعلمون أن الله تعالى هو الفاعل لما ذكر في الآية من خلقهم وخلق من قبلهم، وخلق الأرض وجعلها فراشا لهم يفترشونها وينتفعون بها بما شاءوا وخلق السماء وبناها وأنـزل من السماء ماء فأنبت به الثمرات والأرزاق لكم ولأنعامكم فكيف تعبدون معه غيره مع علمكم أنه لا مشارك له في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، وتصريف أمور الكون."وحال مشركي العرب مع أوثانهم معلومة، وأنهم إنما كانوا يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها ودعائها، والاستغاثة بها، والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه منها ويؤملونه ببركتها وشفاعتها، فالتبرك بالصالحين وبقبورهم هو عين فعل المشركين بالات والعزى، ومناة وسائر أوثانهم".
وهو العبادة التي أوجبت لهم الخلود في النار، وحرمت عليهم الجنة، وأخبر الله تعالى أنه لا يغفر ذلك إلا بالتوبة منه وفعل التوحيد الذي هو ضده.[للشيخ عبدالله الغنيمان]
يقول الشيخ صالح ال الشيخ
اعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين):
الأول: التفريق ما بين حال المشركين في هذا الزمان وفي زمان العرب الأول، بأن أولئك لا يشركون إلا في السراء، وأما إذا جاءت الشدة والكرب يعلمون أنه لا منجي إلا الله، ويخافون أن يفوت الوقت عليهم باتخاذ الواسطة، فيقولون: هذا متى يصل إليه؟ ومتى يرفع؟ وهل سيرفع الآن؟ أم لا يرفع الآن حاجاتهم؟ فيجعلون التشفع في وقت السعة والإخلاص في وقت الضيق؛ كما أخبر الله -جل وعلا- عنهم بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} قال -جل وعلا- في الآيات التي ساقها الشيخ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً}.بل ربما عَظُم الرغب في وقت الضر، فكانوا مثلاً: يعتقدون حتى في الكتب، مثل ما ذُكر في بعض التراجم أن أهل بلد -سموها- كانوا لا يرحلون في البحر إلا وقد وضعوا نسخة من (كتاب الشفا)للقاضي عياض المغربي المعروف في السفينة، فهو ليس اعتقاداً أيضاً في شخص، ولكن هو في كتابه؛ لما اشتمل عليه الكتاب من حقوق النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه تراجع في شرح (القواعد الأربع).
وهذه المسألة مبينة على التفصيل في شرحنا (للقواعد الأربع) فهذه هي القاعدة الرابعة الأخيرة في (القواعد الأربع).
أهل هذا الزمان من المشركين عندهم أن الإشراك يكون في السراء والضراء على السواء،
قال في آخرها: (ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً ؟ والله المستعان) صحيح، فإن كثيرين ممن عارضوا الدعوة استغربوا من الشيخ أن يقول: شرك هؤلاء أعظم من شرك الأولين، قالوا: ما اكتفيت أن جعلتنا مساوين لأهل الجاهلية في الشرك حتى تجعل شرك أهل الإسلام أعظم من شرك أهل الجاهلية؟.
فقال: (أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً؟).
وفي قول الشيخ: (أين من يفهم قلبه) فيه إشارة للمذهب الحق، وهو أن الفهم والإدراك وأشباه ذلك مردها إلى القلب، وليس إلى الذهن أو المخ أو العقل أو أشباه ذلك، يعني الذي هو الدماغ، ولكن العقل إدراكه من جهة القلب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))والقلب ليس محط الإدراك لأنه مضغة، ولكن لأنه المكان الذي فيه أصل انتشار الروح في البدن، تعلق الروح بالبدن، ومعلوم أن الإدراكات تبع للروح، فالروح هي المدركة، ووسيلة الإدراك الآلات التي في البدن، فكما أن اليد وسيلة تناول الشيء والمحرك الروح، فكذلك المحرك الروحُ للسان بالكلام الطيب، أو بالكلام الخبيث، المحرك الروح في التصرفات، والبدن أعضاؤه - هذه- وسائل لتنفيذ ما قام في النفس.
لهذا: المدرك في الحقيقة ليس هو البدن، إنما المدرك الروح، والبدن وسيلة، البدن آلات، العينان آلة، واللسان آلة، والشم آلة، والمخ والدماغ آلة، والقلب آلة، إلى آخره، آلة لتحصيل المعارف للروح، وهذه مسألة طويلة معروفة.
قال الشيخ -رحمه الله- هنا: (ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً؟).
لا شك أن من فهم هذه المسألة فهماً راسخاً علم أن هذا الذي قاله الشيخ حق، وأن شرك هذا الزمان أعظم من شرك الأولين، لكن أين من يفهم؟
والمطلوب من كل طالب علم بعد معرفته لدلائل التوحيد، والحجج، أن يمرن نفسه على جواب الشبه بعد إحكام الأصل، الإخوة الذين لم يحكموا (كتاب التوحيد) ولم يحكموا (ثلاثة الأصول) ودخلوا في (كشف الشبهات) مباشرة، أو ما ضبطوا تلك الكتب، فلا يحسنوا أن يجيبوا عن الشبه إلا بعد أن يحكموا الأصول؛ لأن هذه فرع عن تلك، من أحكم تلك يدرب نفسه على جواب هذه الشبه على طريقة الشيخ رحمه الله، يتأنى ويكون حليماً، يعرف موقع الاحتجاج، يعرف كيف يجر المخالف إلى الحجة الصحيحة، يعرف كيف يخلي القلب - قلب المخالف - من الحجة، ثم يبتدئ يعطيه الحق، إلى آخر ذلك، فتحتاج إلى دربة.
والملاحظ أن كثيرين يغضبون، وهم محمود غضبهم لله جل وعلا، لكن يكون جوابهم للشبهات ليس على أصوله، فيوقعون المجادِل في شبهةٍ جديدة، بل قد يقتنع أن ما عليه حق؛ لأن هذا ما استطاع أن يجيب بجواب جيد.ذكرنا أربع أو خمس فيما مضى، وهذه الآن واحدة جديدة، لعل أحدكم تنهض همته فيجمع هذه الأصول العامة في كيفية المناقشة، يعني: كيف يجمع الموحد نفسيته ليواجه الخصوم.
فالواجب على طالب العلم أن يكون متأنياً في جواب الشبهات، حاذقاً يعرف كيف يسوق المجادَل أو يسوق الخصم إلى ميدان الحجة دون أن يَلزَمه شيء، فيقيده حتى نجمعه في الآخر يكون كالمقدمة أو الخاتمة لهذا الكتاب.
----------------
قال: (والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة، ويدعون أشجاراً أو أحجاراً مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعون هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنى والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به).
هذه المسألة لأهل التوحيد وليست للجواب على أهل الشبهات، بل هذه ليفهمها أهل التوحيد فهماً راسخاً، وهي: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله، أو يدعون أشياء مطيعة لله -جل وعلا-إما يدعون أنبياء مثل ما كان يدعى موسى، ويدعى عيسى، وتدعى أنبياء بني إسرائيل، ويدعى إبراهيم عليه السلام؛ أو أولياء من الصالحين كـاللات وكغيره، وإما الملائكة، ويدعون أشجاراً أو أحجاراً مطيعة لله ليست بعاصية، يدعون أشياء مسبحة لله مطيعة، لم تخرج عن توحيده وطاعته.
وأما أهل الزمان هذا فيدعون مع الله أناساً من أفسق الناس.
فمثلاً: قوله: (من أفسق الناس) قد يكون من جهة أنه عُرف عنه في حياته الفسق والفجور بدعوى أنه سقطت عنه التكاليف، أو بكونه كان مجنوناً وكان يفعل الأشياء بجنونه، يفعل أشياء من الفسق والمنكرات والكبائر لجنونه، أو لكونه محاداً معانداً فاسقاً فاجراً، أو كافراً في نفس الأمر، وهذا نوع.
والنوع الثاني: قد يدعون أشياء في محلات يكون الدعاء منصباً على نصراني، أو يكون الدعاء منصباً على حيوان أو يكون الدعاء منصباً على يهودي، أو نحو ذلك.
وهذه المسائل تختلف باختلاف التحقيق فيها، يعني أن يقال: هذا الذي يدعى ليس بصالح؛ بل هو نقل عنه أنه قال لأتباعه كذا وكذا، أو ذكر عن نفسه أنه سقطت عنه التكاليف، كان يعاشر المردان أو النساء فيفعل كذا وكذا من الفواحش، كان يشرب الخمر، كان لا يصلي، كان يسرق، كان يحتال، إلى آخر ذلك، وهؤلاء لا شك أنهم ليسوا بأولياء، وليسوا بصالحين، بل هم فسقة فجار، وقد يكونون كفاراً.
صنف من هؤلاء يُدعى الآن ويُسأل، وهذا عند التحقيق إذا جمعت الكلام وجدت هذا الكلام صحيحاً.
المعارضون أو الخرافيون ينقسمون تجاه هذا الكلام إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:من يقول: هذا الذي تقولون عنه ليس بصحيح أصلاً، الذي ينقل عن عبد الوهاب الشعراني أنه قال كذا وكذا وكذا، يقولون: هذا مدسوس على كتبه، ليس من كتبه أصلاً.
والصنف الثاني من المتأولين، من يقول: هذا الكلام لأهله فيه تأويل، فإن اصطلاحات الصوفية تختلف عن اصطلاحات غيرهم، فقد يقولون العبارات التي فيها كفر؛ وليسوا يعنون ظاهرها، إنما يعنون معاني باطنة أخرى يفهمها القوم، مثل ما اعتذر عن ابن عربي بأنه كذا وكذا أراد مقاصد طيبة، لكن فهم كلامه على ظاهره، وهو لم يرد الظاهر، ومثل ما ينقل عن العفيف التلمساني وابن سبعين وأشباه هؤلاء.
والطائفة الثالثة من تقول: هؤلاء سقطت عنهم التكاليف أصلاً، والتكليف يراد منه أن يصفو الباطن ويفنى عن شهود السِّوى، يفنى عن شهود غير الله جل وعلا، فإذا وصل إلى هذه المرتبة فلم ير إلا الله جل وعلا، ولم يتجه إلا إلى الله جل وعلا، فإن التكاليف: الصلاة وتحريم الفواحش إنما هي لإصلاح نفسه، ونفسه قد بلغت المرتبة العليا فليس لإصلاحها مجال، وهذا قول الغلاة منهم، فيقول: (لا بأس لو فعل هذه الأفعال، هو أصلاً وصل وسقطت عنه التكاليف).
وهؤلاء الطوائف الثلاثة موجود - حتى في المؤلفات - من يتجه إلى فئة من هذه الفئات الثلاث، وهناك من المدفونين من الموتى من يُتَّجه إليه على أن المدفون فلان الولي ويكون المدفون غيره، مثل ما ذكر شيخ الإسلام عن قبر الحسين بن علي -رضي الله- عنه في القاهرة، فقد حقق -والعلماء كذلك حققوا والمؤرخون- أنه لم يصل القاهرة، وإنما سيق من العراق إلى دمشق إلى يزيد بن معاوية رحمه الله تعالى، ودفن هناك، والآن تجد قبراً للحسين في العراق ومشهد عظيم، وفي الشام وفي القاهرة.
قال: (إن المدفون في القاهرة رجل يهودي في المكان هذا).
وقالت طائفة: المدفون حيوان أصلاً في هذا المكان.
فإذاً:هم اعتقدوا في يهود، اعتقدوا في حيوانات، وهذا الصنف لم يكن يحوم حوله ذهن أو قلب أهل الجاهلية أصلاً، فلهذا صار هؤلاء أعظم وأقبح.
وهناك عمود كان في دمشق يُذهب إليه بالحيوانات، أو بأنواع من الحيوانات، مثل البقر، أو الجاموس، أو الأغنام، أو الإبل، أو أشباه ذلك، التي لم تلد، يعني: طالت ولادتها أو صار فيها مرض أو أشباه ذلك، فيطوِّفونها على هذا العمود فتلقي ما في بطنها فوراً، فيظنون أن هذا من بركة ما تحت العمود، ويقولون: هذا العمود كان يتعبد عنده رجل صالح.
وشيخ الإسلام -رحمه الله- بَيَّن قال:(هذا العمود دفن تحته رجل نصراني وساق الأدلة على ذلك، والحيوانات تسمع تعذيب النصراني في قبره، فلذلك إذا سمعت العذاب لم تتحمل، فاستطلق بطنها؛ لأنه قد جاء في الحديث:((أنه إذا تولى عنه أهله طرق بمطرقة يسمعها من يليه إلا الثقلان)).فالجن والإنس لا يسمعون العذاب؛ لأنهم مكلفون، ولو سمعوا لهلكوا ولرعبوا ولما استقامت لهم الحياة، أما الحيوانات فربما وصلها من ذلك شيء، وربما سمعت).[شرك الأولين أخف من شرك المتأخرين
فكان تعلقهم ليس بولي وليس بنبي، وإنما بمكان تحته رجل نصراني، وأشباه ذلك.
وهذه الأشياء لم يكن عليها شرك الأولين، فالأولون لم يسألوا رجلاً، يعني: ما اتخذوا لـعمرو بن لحي المشرك، الذي أول من سيب السوائب وساق الآلهة، ما اتخذوا له قبراً يعبدونه ولا سألوه، إلى آخر أصناف عظمائهم المشركين، لكن أهل الأزمنة المتأخرة اعتقدوا في أنواع من الناس من فسقة هذه الأمة، أو ممن ارتد، أو من النصارى، أو من اليهود؛ لهذا قال الشيخ -رحمه الله تعالى- هنا: (والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور) وفي النسخة التي عندي: (هم الذين يحلون لهم الفجور) ماذا عندك؟(يحكون عنهم الفجور) هذا الذي أعرفه، لكن هذه (يحلون لهم).
(يحكون عنهم الفجور من الزنى والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر، أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به) لا شك، يراه يزني ويعتقد أنه ولي من أولياء الله، يراه لا يصلي ويعتقد أنه من أولياء الله، هذا لاشك أنه ضلال فوق الضلال، ويسأله ويدعوه ويرى أنه يستشفع به، لا شك أن هذا أعظم وأبشع مما يذكر عن أهل الجاهلية.
https://majles.alukah.net/t177761/