قلتُ: هناك قول ثالث احتمله الترمذي قد نقله ابن عساكر في تاريخه [62 : 334] من طريق مشايخ عدة عن عبد الجبار بن محمد، قال:
أخبرنا محمد بن أحمد بن محبوب، أنا أبو عيسى الترمذي، قَالَ:
وروى حديث حصين، عن هلال بن يساف، غير واحد مثل رواية أبي الأحوص، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة، وفي حديث حصين ما يدل على أن هلالا قد أدرك وابصة، واختلف أهل العلم في هذا، فقَالَ بعضهم: حديث عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة أصح، وقَالَ بعضهم: حديث حصين، عن هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة بن معبد أصح، وهذا عندي أصح من حديث عمرو بن مرة ؛ لأنه قد روي عن عمرو وجه حديث هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة، ويحتمل أن يكون هلال سمعه من وابصة أيضا؛ لأنه قد رآه أو عد سكوته إقرارا به، فحدث به تارة عنه. اهـ.
وقد استوعب ابن عساكر بعض طرقه.
وحديث هلال بن يساف عن وابصة بن معبد بلا واسطة أسنده البخاري في التاريخ الكبير (10/80).
ورواه جماعة عن هلال بن يساف هكذا أيضا؛ فكأن هذا ترجيح البخاري.
وهو قول أحمد بن حنبل، قال الدارمي في سننه (1285) :
"كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُثْبِتُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ". اهـ.
وهذا قول الدارمي كما مر سابقا ذكره، وذكر السبب، كأن الترمذي نقل عنه.
ونقل الشافعي هذين القولين، ونقل توهينه لاضطرابه، فقال في اختلاف الحديث (3/130)، بعدما أخرج رواية حصين:
"وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَدِّثِينَ يُدْخِلُ بَيْنَ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، وَوَابِصَةَ فِيهِ رَجُلا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ هِلالٍ، عَنْ وَابِصَةَ، سَمِعَهُ مِنْهُ.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ يُوهِنُهُ بِمَا وَصَفْتُ". اهـ، واستدل عليه بما يخالفه حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
وكان إسحاق بن راهويه وأحمد والدارمي يأخذون بحديث وابصة، وذهب أحمد إلى أن حديث أبي بكرة يقويه.
ورجح ابن حبان الطريقين جميعا، فقال في صحيحه (2200) :
"سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ هِلالُ بْنُ يَسَافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، وَسَمِعَهُ مِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ وَابِصَةَ، وَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ". اهـ.
والله أعلم.