خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - عَامٌ دِرَاسِيٌّ جَدِيدٌ


مجلة الفرقان
لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْبَشَرِيَّةَ بِأَنْ بَعَثَ فِيهِمْ رُسُلًا مِنْهُمْ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُعَلِّمُونَه ُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فَنَقَلَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْهِدَايَةِ، وَمِنْ عَتَمَةِ الْجَهْلِ إِلَى ضِيَاءِ الْمَعْرِفَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (آل عمران:164).

الدعوة إلى توحيد الله وعبادته
وَمُنْذُ أَنْ كَلَّفَ اللهُ -تَعَالَى- النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالرِّسَالَةِ كَانَ أَوَّلَ أَمْرٍ أُمِرَ بِهِ هُوَ قَوْلُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق:1)، فَكَانَ تَوْحِيدُ اللهِ وَعِبَادَتُهُ -عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ- مِنْهَاجًا نَبَوِيًّا سَارَ عَلَيْهِ وَدَعَا إِلَيْهِ نَبِيُّـنَا - صلى الله عليه وسلم -، وَلَقَدْ عَظَّمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- شَأْنَ الْعِلْمِ وَمَكَانَتَهُ، وَرَفَعَ لِلْعَامِلِ فِيهِ قَدْرَهُ وَمَنْزِلَتَهُ، قَالَ -تَعَالَى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة:11).
شَمْسُ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ
بَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ تُشْرِقُ شَمْسُ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ، يُقْبِلُ فِيهِ أَبْنَاؤُنَا الطَّلَبَةُ عَلَى مَنَاهِلِ الْعِلْمِ وَمَحَاضِنِ الدِّرَاسَةِ، مِنْ مَدَارِسَ وَمَعَاهِدَ وَجَامِعَاتٍ، بَادِئِينَ مَرْحَلَةً جَدِيدَةً مِنْ مَرَاحِلِ بِنَاءِ الْعُقُولِ وَاكْتِسَابِ الْمَعْرِفَةِ، مُتَسَلِّحِينَ بِالْعَزِيمَةِ وَالتَّحَدِّي لِتَحْقِيقِ النَّجَاحِ وَالتَّفَوُّقِ لِخِدْمَةِ دِينِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِم ْ وَوَطَنِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ مُقَوِّمَاتِ نَجَاحِ الْأُمَمِ وَازْدِهَارِهَا : تُقَدُّمَهَا الْعِلْمِيَّ، وَاتِّسَاعَهَا الْمَعْرِفِيَّ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى أَبْنَائِنَا الطَّلَبَةِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى دِرَاسَتِهِمْ بِهِمَّةٍ وَنَشَاطٍ، فَلَا يُنَالُ الْعِلْمُ إِلَّا بِالْحِرْصِ وَالْمُثَابَرَة ِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: «لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ». كَمَا يَنْبَغِي عَلَيْهِمُ الِاهْتِمَامُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَلَا سِيَّمَا عُلُومِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْعُلُومِ وَأَجَلُّهَا، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). بَلْ إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ مَخْلُوقَاتِهِ تَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).
رسالة إلى المعلمين
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ ، لَقَدِ اسْتَوْدَعَكُمْ أَوْلِيَاءُ الْأُمُورِ فِلْذَاتِ أَكْبَادِهِمْ؛ لِيَنْهَلُوا مِنْ مَعِينِ عِلْمِكُمْ، وَيَقْتَدُوا بِحُسْنِ أَخْلَاقِكُمْ؛ فَكُونُوا نِعْمَ مَنْ يَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَانَةَ، وَخَيْرَ مُؤَدٍّ لَهَا، مُقْتَدِينَ بِنَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -، فَسِيرَتُهُ مَلِيئَةٌ بِالْقِيَمِ السَّامِيَةِ، وَالْمَبَادِئِ النَّبِيلَةِ الْعَالِيَةِ، وَمِنْهَاجُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّعْلِيمِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى دِينِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَاللِّينِ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، قَالَ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ السُّلَمِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
كُونُوا قُدْوَةً حَسَنَةً لِطُلَّابِكُمْ، وَاهْتَمُّوا بِجَمِيلِ أَدَبِهِمْ وَصَالِحِ أَخْلَاقِهِمْ بِقَدْرِ اهْتِمَامِكُمْ بِزِيَادَةِ تَحْصِيلِهِمْ وَاتِّسَاعِ مَدَارِكِهِمْ، فَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ يُعَلِّمُونَ طُلَّابَهُمْ مَكَارِمَ الْأَدَبِ وَمَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمُوهُمُ الْعِلْمَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: مَا نَقَلْنَا مِنْ أَدَبِ مَالِكٍ، أَكْثَرُ مِمَّا تَعَلَّمْنَا مِنْهُ.
اسْتَشْعِرُوا عِظَمَ الْمَسْؤُولِيَّ ةِ
إِخْوَانِيَ الْمُعَلِّمِينَ ، اسْتَشْعِرُوا عِظَمَ الْمَسْؤُولِيَّ ةِ الْمُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِكُمْ فِي إِخْرَاجِ جِيلٍ صَالِحٍ مُتَسَلِّحٍ بِالْأَدَبِ وَالْعِلْمِ؛ فَحُسْنُ تَعَامُلِكُمْ مَعَ طُلَّابِكُمْ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ تَشْجِيعِهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْمُثَابَرَة ِ وَحُبِّ التَّعَلُّمِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَاحْرِصُوا عَلَى تَرْكِ أَثَرٍ حَسَنٍ فِي نُفُوسِ طُلَّابِكُمْ؛ فَمَا مِنْ عِلْمٍ نَافِعٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ يَتَعَلَّمُونَه ُ مِنْكُمْ فَيَعْمَلُونَ بِهِ أَوْ يَنْقُلُونَهُ لِغَيْرِهِمْ إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ مِنْهُ أَجْرًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
رسالة إلى أولياء الأمور
مَعَاشِرَ أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ، إِنَّ الْمَسْؤُولِيَّ ةَ الَّتِي تَقَعُ عَلَى عَاتِقِكُمْ فِي إِخْرَاجِ جِيلٍ صَالِحٍ مُتَعَلِّمٍ لَا تَقِلُّ أَهَمِّيَّةً عَنْ مَسْؤُولِيَّةِ الْمَدْرَسَةِ وَالْمُعَلِّمِ؛ فَالْبَيْتُ هُوَ أَوَّلُ مَحْضَنٍ يَتَلَقَّى فِيهِ الطَّالِبُ أَرْكَانَ الْعِلْمِ وَأُسُسَهُ وَمَبَادِئَهُ، عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ أَهَمِّيَّةَ الْعِلْمِ فِي نَجَاحِ الْأُمَمِ وَرُقِيِّهَا، وَتَطَوُّرِ الْمُجْتَمَعَات ِ وَازْدِهَارِهَا ، وَاغْرِسُوا فِيهِمْ حُبَّ الْقِرَاءَةِ وَالِاطِّلَاعِ لِلْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ الْمُتَنَوِّعَة ِ النَّافِعَةِ، عَوِّدُوهُمُ الْحِرْصَ عَلَى اسْتِغْلَالِ الْأَوْقَاتِ فِيمَا يَنْفَعُ، وَالتَّرَفُّعَ عَنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ وَتَضْيِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَالِانْشِغَالِ فِيمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، فَمَا نَهَضَتِ الْأُمَمُ إِلَّا بِالْجِدِّ وَالْمُثَابَرَة ِ، وَمَا بَلَغَ الْعُلَمَاءُ مَنَازِلَهُمْ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْعُكُوفِ عَلَى الْبَحْثِ وَالِاطِّلَاعِ. أَوْصُوا أَبْنَاءَكُمْ بِاحْتِرَامِ مُعَلِّمِيهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ ، وَالتَّعَامُلِ مَعَهُمْ بِإِجْلَالٍ وَإِكْرَامٍ، وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ التَّهَاوُنِ فِي وِقَايَتِهِمْ عَنْ فِعْلِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَات ِ، كَالنَّوْمِ عَنِ الصَّلَوَاتِ، وَالتَّفْرِيطِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، أَوْ إِعَانَتِهِمْ عَلَى الْغِشِّ فِي الِامْتِحَانَات ِ، فَإِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَوْقُوفُونَ، وَعَنْ وِقَايَةِ أَهْلِيكُمْ مِنَ النَّارِ مَسْؤُولُونَ، قَالَ -تَعَالَى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6). وَمِنْ فَضْلِ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْنَا: تَيْسِيرُهُ سُبُلَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ لَدَيْنَا، فِي مَرَاكِزِ دُورِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، وَحَلَقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَهِيَ صُرُوحٌ عِلْمِيَّةٌ، وَمَرَاكِزُ شَرْعِيَّةٌ؛ لِبَثِّ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ. فَسَاهِمُوا- أَيُّهَا الْكِرَامُ- فِي الِالْتِحَاقِ بِهَذِهِ الْمَرَاكِزِ، وَشَجِّعُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ عَلَى الدُّخُولِ فِيهَا، لِلنَّهَلِ مِنَ الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّ ةِ، وَالْأَخْذِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خَيْرِ مَا يُقَدِّمُ الْمَرْءُ لِدِينِهِ، وَمِنْ أَنْفَعِ مَا يَدَّخِرُ لِآخِرَتِهِ، مِنَ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْوَلَدِ الصَّالِحِ وَالصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ.