فلا يكفي التلفظُ (بلا إلهَ إلاَّ اللهُ) دونَ علمٍ بمعناها وعملٍ بمقتضاها.
بلْ لابدَّ من العلمِ بمعناها أولاً ثمَّ العملِ بمقتضاها؛
لأنهُ لا يمكنُ أن يعملَ بمقتضاها وهو يجهلُ معناها،
ولهذا يقولُ جلَّ وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ}
فبدأَ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ، فالذي يجهلُ معنى (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) لا يمكنُ أنْ يعملَ بمقتضاها على الوجهِ الصحيحِ.
هذا من أعجبِ العجبِ:
أنَّ جُهَّالَ الكفارِ والمشركينَ في عهدِ النبي صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يعرفونَ أن معنى هذه الكلمةِ هو إخلاصُ العبادةِ لله وتركُ عبادةِ غيرِهِ، فلذلكَ امتنعوا من النطقِ بها تحاشياً لتركِ عبادةِ آلهتِهمْ وتعصباً لباطلِهمْ.
ومن يدعي الإسلامَ اليومَ، لا يفهمُ أن معنى هذه الكلمةِ هو تركُ عبادةِ القبورِ والأضرحةِ وإخلاصُ العبادةِ للهِ،
فلذلكَ صار يقولُها وهو مقيمٌ على شركِهِ لا يأنفُ التناقضَ والجمعَ بين الضدينِ،
فصارَ جهالُ الكفارِ أعلمَ منه بمعنى (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ باللهِ العظيمِ،
وصارَ هذا المدَّعِي للإسلامِ يظنُّ أن المرادَ بهذهِ الكلمةِ هو النطقُ بحروفِها من غيرِ اعتقادٍ لمعناها،
فصارَ يرددُها ويرددُ معها دعاءَ الموتى والمقبورينَ ليلاً ونهاراً.
(7) كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ في (الرِّسَالَةِ التَّدْمُريَّةِ ) وغَيْرِهَا عن عُلَمَاءِ الكَلاَمِ،
أَنَّ (الإلَهَ) عِنْدَهُم هو القَادِرُ عَلَى الاخْتِرَاعِ، يَعْنِي هو الَّذي يَقْدِرُ عَلَى الخَلْقِ والرَّزْقِ والإِحْيَاءِ والإِمَاتَةِ، ويَبْنُونَ عَقَائِدَهُم عَلَى هذا، ويُفَسِّرُونَ (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ) بِهَذَا المَعْنَى، ويَجْعَلُونَ التَّوحِيدَ هو الإِقْرَارَ بتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ العَالِمِ مِنْهُمْ فَكَيْفَ بالجَاهِلِ؟!
وَمَا هَذَا إلاَّ مِن قِلَّةِ الاهْتِمَامِ بِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ، والبَقَاءِ عَلَى دِينِ الآبَاءِ والأَجْدَادِ، والاكْتِفَاءِ مِن الإِسْلاَمِ بِمُجَرَّدِ الانْتِسَابِ لأَِغْرَاضٍ وأَهْدَافٍ دُنْيَوِيَّةٍ، اللهُ أَعْلَمُ بِهَا.
(8) لاَ خَيْرَ فِي رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ بل يَدَّعِي أَنَّه مِن أَهْلِ العِلْمِ،
ولاَ يَفْهَمُ مَعْنَى لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ كَمَا فَهِمَهَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ وعَرَفُوا مَعْنَاهَا.
إِنَّ الأَمْرَ خَطِيرٌ، والعَارَ شَنِيعٌ،
والوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَنْتَبِهُوا لِدِينِهِمْ ويَتَأَمَّلُوا دَعْوَةَ نَبِيِّهِمْ، ويَفْقَهُوا دِينَهُم فِقْهًا صَحِيحًا، ويُقِيمُوهُ عَلَى أَسَاسٍ سَلِيمٍ مِن عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ، والبَرَاءَةِ مِن الشِّرْكِ وأَهْلِهِ،
ولاَ يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ التَّسَمِّي والانْتِسَابِ إِلَيْهِ، مَعَ البَقَاءِ عَلَى الرُّسُومِ والعَادَاتِ المُخَالِفَةِ لَهُ.