دأب بعض الكُتّاب وتبعهم الخطباء والدعاة ومن ثمّ انتشر في العامّة الدعاءُ بعد ذكر اسم أبي الحسنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بقولهم: (كرّم الله وجهه) .. والصحيح أن ذلك من التفرقة غير المقبولة بين صحابة النبي صلى الله عله وسلم ورضي الله عنهم أجمعين، فالصحابة كلهم كرّم الله وجوههم، فلمَ يُخص عليّ دون غيره بذلك ؟! - يجيب البعضُ عن ذلك بأن عليًّا رضي الله عنه لم يسجد لصنم قطّ، ولهذا يطلق عليه رضي الله عنه ذلك النوع من الدعاء، زيادة عن الترضّي المعهود عن جميع الصحابة...
وغاب عن هؤلاء أن كثيرًا من مشاهير الصحابة قد وقع لهم ذلك الشيء نفسه من مثل ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وابنه أسامة وغيرهم كثير، لم يؤثر عنهم أنهم سجدوا لصنم أو لامست جباههم الأرض لغير الله ... فلماذا لا يُشركون مع عليّ رضي الله عنه في ذلك النوع من الدعاء المختص هو به دونهم ؟
- ويعلّل البعض الآخر ذلك الدعاء بأنه لأجل أن عليًّا رضي الله عنه وأرضاه لم ينظر إلى عورته قطّ
-وبعضهم يقول: لم ير عورة غيره قطّ-
والأول مع منافاته لقواعد القبول في العقل الصحيح لم يرد في شيء معتبر من كتب المسلمين
والثاني ورد خلافه، كما في قصة قتال عليّ مع أبي سعيد بن أبي طلحة، صاحب لواء المشركين يوم أحد ، بارزه عليّ فصرعه ، ثم انصرف ولم يجهز عليه ! فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه ؟
فقال : إنه استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم، وعرفت أن الله قد قتله . وقد فعل ذلك علي رضي الله عنه يوم صفين مع بسر بن أبي أرطاة، لمّا حمل عليه ليقتله أبدى له عورته ، فرجع عنه، وورد ذلك في مرة ثالثة طرفها الآخر عمرو بن العاص وليست تصح .. [البداية والنهاية (3/39)]
- مع الاعتبار بأنّ عدم رؤية الإنسان لعورته لا تستلزم إكرام الله لوجهه الأمر الذي يُجزم معه بأنّ من رأى عورته فليس معناه أنه حُرم كرامة الوجه على الله !!!
- وفي التزام ذلك الدعاء ما يشعر بنوع تفوّق علي رضي الله عنه على الشيخين بهذه الصفة وإرادة من يُصرُّ على نعته بها بعدما بينّا على اعتقاد ذلك وهو خلاف عقيدة المسلمين في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم
- وعلي رضي الله عنه اختص عن الشيخين وغيرهما بخصائص كثيرة أولاها القربة لكن ذلك الأمر مما لم يدل دليل على اختصاصه به فالأولى عدم التخصيص بلا دليل، وأستأنس هنا بما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عن الدعاء المذكور: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي الله عنه، بأن يقال عليه السلام من دون سائر الصحابة، أو كرم الله وجهه، هذا وإن كان معناه صحيحًا، لكن ينبغي أن يسوي بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان -أبوبكر وعمر- وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه. اهـ [تفسير ابن كثير (3/517)]
ومثل ذلك أيضا قولهم عنه عليه السلام، وتلقيبه بالإمام، دون غيره من الصحب الكرام
- والذي أريد التنبيه عليه أننا نحب عليًّا رضي الله عنه وأرضاه فاطمة ونحب الحسنين ونسلهم جميعًا وليس نفينا ذاك في مقام التنقّص لمقام أمير المؤمنين أبي الحسن -كرم الله وجهه ووجوه الصحابة أجمعين- ولكنه وقوف عند حد تعليمه رضي الله عنه لنا إذ أمرنا ألا نغالي فيه وألا نرفعه فوق مقامه وألا ندعي فيه ما ليس كذلك، فعليٌّ أرفع بما أوتي بالحق من كل ما ادّعي فيه بالباطل.