اخرج ابن سعد فى الطبقات ،والحاكم فى المستدرك ،والبيهقى فى الشعب ،وأبو نعيم فى الحلية، والحارث بن مسكين فى البداية والنهاية ،كلهم من طريق شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين البارقى قال :خطبنا عمر بن الخطاب فقال : قد علمت ورب الكعبة متى تهلك العرب ،فقام رجل من المسلمين إليه فقال :متى يا أمير المؤمنين؟قال : حين يسوس أمرهم من لم يعالج أمر الجاهلية ولم يصحب الرسول صلى الله عليه وسلم -- قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله على أثر عمر رضى الله عنه-إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فى الإسلام من لا يعرف الجاهلية ”- قال - فإن كمال الإسلام هو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله ومن نشأ في المعروف لم يعرف غيره فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر ضرورة ما عند من علمه ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم ولهذا يوجد الخبير بالشر وأسبابه إذا كان حسن القصد عنده من الاحتراز عنه ومنع أهله والجهاد لهم ما ليس عند غيره ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم أعظم إيمانا وجهادا ممن بعدهم لكمال معرفته بالخير والشر وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر لما علموه من حسن حال الإسلام والإيمان والعمل الصالح وقبح حال الكفر والمعاصي .
----------------قال بن القيم رحمه الله تعالى “إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية” “وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية و الشرك، وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره أو شر منه أو دونه، فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والبدعة سنة، والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانا والله المستعان”(مدارج السالكين)------------------------وقال العلامة ابن القيم رحمه الله :
(لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة و[المحاكمة] إليهما ، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما ، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم ، وظلمة في قلوبهم ، وكدر في أفهامهم ، ومحق في عقولهم ، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم ، حتى ربي فيها الصغير ، وهرم عليها الكبير ، فلم يروها منكرا .[ ما اشبه الليلة بالبارحه]
فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن ، والنفس مقام العقل ، والهوى مقام الرشد ، والضلال مقام الهدى ، والمنكر مقام المعروف ، والجهل مقام العلم ، والرياء مقام الإخلاص ، والباطل مقام الحق ، والكذب مقام الصدق ، والمداهنة مقام النصيحة ، والظلم مقام العدل . فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور ، وأهلها هم المشار إليهم ، وكانت قبل ذلك لأضدادها ، وكان أهلها هم المشار إليهم .
فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت ، وراياتها قد نصبت ، وجيوشها قد ركبت ، فبطنُ الأرض واللهِ خيرٌ من ظهرها ، وقُلَلُ الجبالِ خيرٌ من السهول ، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس .
اقشعرت الأرض ، وأظلمت السماء ،وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة ، وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وهزلت الوحوش ، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة ، وبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة ، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح .
وهذا واللهِ منذرٌ بسيلِ عذابٍ قد انعقد غمامه ، ومُؤْذِنٌ بليلِ بلاءٍ قد ادْلَهَمَّ ظلامُه .
فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح .
وكأنكم بالباب وقد أغلق ، وبالرهن وقد غلق ، وبالجناح وقد علق ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
اشتر نفسَك اليوم ، فإن السوق قائمة ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)
إذا أنت لم ترحلْ بزادٍ من التُّقَى … وأبصرتَ يومَ الحشر مَن قد تزوَّدا
نَدِمْتَ على أن لا تكونَ كمثلِهِ … وأنكَ لَمْ تُرصِدْ كما كان أَرْصَدَا )--[ الفوائد -بن القيم]