تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 14 من 22 الأولىالأولى ... 45678910111213141516171819202122 الأخيرةالأخيرة
النتائج 261 إلى 280 من 439

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #261

    افتراضي

    ( 181 )


    من سورة الإسراء


    { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ

    أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا *

    ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ

    إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا }


    { 2 -3 }


    كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

    ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما وشريعتيهما

    لأن كتابيهما أفضل الكتب وشريعتيهما أكمل الشرائع

    ونبوتيهما أعلى النبوات وأتباعهما أكثر المؤمنين،


    ولهذا قال هنا: { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } الذي هو التوراة

    { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ }

    يهتدون به في ظلمات الجهل إلى العلم بالحق.


    { أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا }

    أي: وقلنا لهم ذلك وأنزلنا إليهم الكتاب لذلك

    ليعبدوا الله وحده وينيبوا إليه

    ويتخذوه وحده وكيلا ومدبرا لهم في أمر دينهم ودنياهم

    ولا يتعلقوا بغيره من المخلوقين

    الذين لا يملكون شيئا ولا ينفعونهم بشيء.



    { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ }

    أي: يا ذرية من مننا عليهم وحملناهم مع نوح،

    { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا }

    ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام

    بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك

    والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه،

    وأن يتذكروا نعمة الله عليهم

    إذ أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم.
    الحمد لله رب العالمين

  2. #262

    افتراضي

    ( 182 )

    من سورة الإسراء


    { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ

    وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا *

    اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا*

    مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا

    وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى

    وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }


    { 13 - 15 }


    وهذا إخبار عن كمال عدله أن كل إنسان يلزمه طائره في عنقه،

    أي: ما عمل من خير وشر يجعله الله ملازما له لا يتعداه إلى غيره،

    فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله.


    { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا }

    فيه ما عمله من الخير والشر حاضرا صغيره وكبيره

    ويقال له: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }

    وهذا من أعظم العدل والإنصاف أن يقال للعبد:

    حاسب نفسك ليعرف بما عليه من الحق الموجب للعقاب.


    { مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ

    وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا

    وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى

    وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }


    أي: هداية كل أحد وضلاله لنفسه لا يحمل أحد ذنب أحد،

    ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر،

    والله تعالى أعدل العادلين لا يعذب أحدا

    حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة.


    وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى

    فإن الله تعالى لا يعذبه.


    واستدل بهذه الآية

    على أن أهل الفترات وأطفال المشركين لا يعذبهم الله

    حتى يبعث إليهم رسولا لأنه منزه عن الظلم.


    الحمد لله رب العالمين

  3. #263

    افتراضي

    ( 183 )


    من سورة الإسراء

    { لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ

    فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا }

    { 22 }


    أي: لا تعتقد أن أحدا من المخلوقين يستحق شيئا من العبادة

    ولا تشرك بالله أحدا منهم

    فإن ذلك داع للذم والخذلان،

    فالله وملائكته ورسله قد نهوا عن الشرك

    وذموا من عمله أشد الذم

    ورتبوا عليه من الأسماء المذمومة والأوصاف المقبوحة

    ما كان به متعاطيه أشنع الخلق وصفا وأقبحهم نعتا.


    وله من الخذلان في أمر دينه ودنياه

    بحسب ما تركه من التعلق بربه،


    فمن تعلق بغيره فهو مخذول

    قد وكل إلى من تعلق به

    ولا أحد من الخلق ينفع أحدا إلا بإذن الله،

    كما أن من جعل مع الله إلها آخر له الذم والخذلان،


    فمن وحده وأخلص دينه لله

    وتعلق به دون غيره

    فإنه محمود معان في جميع أحواله.

    الحمد لله رب العالمين

  4. #264

    افتراضي

    ( 184 )



    من سورة الإسراء



    { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ... }

    { 23 }


    لما نهى تعالى عن الشرك به أمر بالتوحيد فقال:

    { وَقَضَى رَبُّكَ } قضاء دينيا وأمر أمرا شرعيا

    { أَنْ لَا تَعْبُدُوا }

    أحدا من أهل الأرض والسماوات الأحياء والأموات.


    { إِلَّا إِيَّاهُ }

    لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال،

    وله من تلك الصفة أعظمها

    على وجه لا يشبهه أحد من خلقه،

    وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة

    الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور


    فهو المتفرد بذلك كله

    وغيره ليس له من ذلك شيء.

    الحمد لله رب العالمين

  5. #265

    افتراضي

    ( 185 )



    من سورة الإسراء


    { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا *

    قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ

    إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا *

    سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا *

    تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ

    وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ

    إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }


    { 41-44 }


    يخبر تعالى أنه صرف لعباده في هذا القرآن أي:

    نوع الأحكام ووضحها وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه،

    ووعظ وذكر لأجل أن يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه وما يضرهم فيدعوه.


    ولكن أبى أكثر الناس إلا نفورا عن آيات الله

    لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل

    حتى تعصبوا لباطلهم ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا

    ولا ألقوا لها بالا.



    ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة التوحيد

    الذي هو أصل الأصول،

    فأمر به ونهى عن ضده

    وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا

    بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكا ولا ريبا.



    ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا فقال:

    { قُلْ } للمشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر:

    { لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ }

    أي: على موجب زعمهم وافترائهم


    { إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا }

    أي: لاتخذوا سبيلا إلى الله بعبادته والإنابة إليه

    والتقرب وابتغاء الوسيلة،

    فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدة افتقاره لعبودية ربه

    إلها مع الله؟!

    هل هذا إلا من أظلم الظلم وأسفه السفه؟".



    فعلى هذا المعنى تكون هذه الآية كقوله تعالى:

    { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }


    وكقوله تعالى:

    { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ

    قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ }

    الحمد لله رب العالمين

  6. #266

    افتراضي

    ويحتمل أن المعنى في قوله:


    { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ

    إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا }

    أي: لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى،

    فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله،

    فأما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون من دون الله

    مقهورة مغلوبة ليس لها من الأمر شيء

    فلم اتخذوها وهي بهذه الحال؟


    فيكون هذا كقوله تعالى:

    { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ

    إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ }



    { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى } أي: تقدس وتنـزه وعلت أوصافه

    { عَمَّا يَقُولُونَ } من الشرك به واتخاذ الأنداد معه

    { عُلُوًّا كَبِيرًا } فعلا قدره وعظم وجلت كبرياؤه التي لا تقادر

    أن يكون معه آلهة

    فقد ضل من قال ذلك ضلالا مبينا وظلم ظلما كبيرا.



    لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة

    وصغرت لدى كبريائه السماوات السبع ومن فيهن

    والأرضون السبع ومن فيهن

    { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة

    والسماوات مطويات بيمينه }


    وافتقر إليه العالم العلوي والسفلي فقرا ذاتيا

    لا ينفك عن أحد منهم في وقت من الأوقات.


    هذا الفقر بجميع وجوهه فقر من جهة الخلق والرزق والتدبير،

    وفقر من جهة الاضطرار إلى أن يكون معبودهم ومحبوبهم

    الذي إليه يتقربون وإليه في كل حال يفزعون،



    ولهذا قال:

    { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ

    وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ }

    من حيوان ناطق وغير ناطق ومن أشجار ونبات وجامد وحي وميت

    { إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } بلسان الحال ولسان المقال.

    { وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }

    أي: تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم

    بل يحيط بها علام الغيوب.



    { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }

    حيث لم يعاجل بالعقوبة من قال فيه قولا

    تكاد السماوات والأرض تتفطر منه وتخر له الجبال

    ولكنه أمهلهم وأنعم عليهم وعافاهم ورزقهم ودعاهم إلى بابه

    ليتوبوا من هذا الذنب العظيم ليعطيهم الثواب الجزيل ويغفر لهم ذنبهم،

    فلولا حلمه ومغفرته لسقطت السماوات على الأرض

    ولما ترك على ظهرها من دابة.


    الحمد لله رب العالمين

  7. #267

    افتراضي

    ( 186 )


    من سورة الإسراء



    { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا

    وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ

    وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا *

    نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ... }

    { 46-47 }



    { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً }

    أي: أغطية وأغشية لا يفقهون معها القرآن

    بل يسمعونه سماعا تقوم به عليهم الحجة،

    { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } أي: صمما عن سماعه،


    { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآن }

    داعيا لتوحيده ناهيا عن الشرك به.

    { وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا }

    من شدة بغضهم له ومحبتهم لما هم عليه من الباطل،


    كما قال تعالى:

    { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ

    اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ

    وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }



    { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ }

    أي: إنما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن

    لأننا نعلم أن مقاصدهم سيئة

    يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به،

    وليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقبول الحق

    وإنما هم متعمدون على عدم اتباعه،

    ومن كان بهذه الحالة لم يفده الاستماع شيئا .


    الحمد لله رب العالمين

  8. #268

    افتراضي

    ( 187 )


    من سورة الإسراء


    { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ

    فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا *

    أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ

    وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ

    إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }

    { 56-57 }


    يقول تعالى:

    { قُلْ } للمشركين بالله الذين اتخذوا من دونه أندادا

    يعبدونهم كما يعبدون الله ويدعونهم كما يدعونه

    ملزما لهم بتصحيح ما زعموه واعتقدوه إن كانوا صادقين:


    { ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ } آلهة من دون الله فانظروا

    هل ينفعونكم أو يدفعون عنكم الضر،

    فإنهم لا { يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ }

    من مرض أو فقر أو شدة ونحو ذلك فلا يدفعونه بالكلية،

    { وَلَا } يملكون أيضا تحويله من شخص إلى آخر

    من شدة إلى ما دونها.


    فإذا كانوا بهذه الصفة فلأي شيء تدعونهم من دون الله؟

    فإنهم لا كمال لهم ولا فعال نافعة،

    فاتخاذهم آلهة نقص في الدين والعقل وسفه في الرأي.



    ومن العجب


    أن السفه عند الاعتياد والممارسة وتلقيه عن الآباء الضالين بالقبول

    يراه صاحبه هو الرأي: السديد والعقل المفيد.


    ويرى إخلاص الدين لله الواحد الأحد الكامل

    المنعم بجميع النعم الظاهرة والباطنة

    هو السفه والأمر المتعجب منه كما قال المشركون:

    { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب }


    ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم

    باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه

    فقال: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ } من الأنبياء والصالحين والملائكة

    { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }

    أي: يتنافسون في القرب من ربهم

    ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة

    المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته،

    ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب.


    { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }

    أي: هو الذي ينبغي شدة الحذر منه والتوقي من أسبابه.



    وهذه الأمور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة

    التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده

    هي الأصل والمادة في كل خير.


    فمن تمت له تمت له أموره

    وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور.


    وعلامة المحبة


    ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله

    وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله

    والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها،

    فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب.
    الحمد لله رب العالمين

  9. #269

    افتراضي

    ( 188 )


    من سورة الإسراء


    { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ

    ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ

    فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ

    وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا *

    أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ

    أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا *

    أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى

    فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ

    ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا }

    {67-69 }


    ومن رحمته الدالة على أنه وحده المعبود دون ما سواه

    أنهم إذا مسهم الضر في البحر فخافوا من الهلاك لتراكم الأمواج

    ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في حال الرخاء

    من الأحياء والأموات،


    فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الأوقات

    لعلمهم أنهم ضعفاء عاجزون عن كشف الضر

    وصرخوا بدعوة فاطر الأرض والسماوات

    الذي تستغيث به في شدائدها جميع المخلوقات

    وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال.


    فلما كشف الله عنهم الضر ونجاهم إلى البر

    ونسوا ما كانوا يدعون إليه من قبل وأشركوا به

    من لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع

    وأعرضوا عن الإخلاص لربهم ومليكهم،



    وهذا من جهل الإنسان وكفره فإن الإنسان كفور للنعم،

    إلا من هدى الله فمن عليه بالعقل السليم واهتدى إلى الصراط المستقيم،

    فإنه يعلم أن الذي يكشف الشدائد وينجي من الأهوال

    هو الذي يستحق أن يفرد وتخلص له سائر الأعمال

    في الشدة والرخاء واليسر والعسر.



    وأما من خذل ووكل إلى عقله الضعيف

    فإنه لم يلحظ وقت الشدة

    إلا مصلحته الحاضرة وإنجاءه في تلك الحال.


    فلما حصلت له النجاة وزالت عنه المشقة

    ظن بجهله أنه قد أعجز الله

    ولم يخطر بقلبه شيء من العواقب الدنيوية

    فضلا عن أمور الآخرة.



    ولهذا ذكرهم الله بقوله:

    { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا }

    أي: فهو على كل شيء قدير

    إن شاء أنزل عليكم عذابا من أسفل منكم بالخسف

    أو من فوقكم بالحاصب

    وهو العذاب الذي يحصبهم فيصبحوا هالكين،

    فلا تظنوا أن الهلاك لا يكون إلا في البحر.



    وإن ظننتم ذلك فأنتم آمنون من { أَنْ يُعِيدَكُمْ } في البحر

    { تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ }

    أي: ريحا شديدة جدا تقصف ما أتت عليه.


    { فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا }

    أي: تبعة ومطالبة فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة.

    الحمد لله رب العالمين

  10. #270

    افتراضي

    ( 189 )


    من سورة الإسراء


    { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ

    فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا }


    { 84 }


    أي: { قُلْ كُلٌّ } من الناس

    { يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } أي: على ما يليق به من الأحوال،

    إن كان من الصفوة الأبرار،

    لم يشاكلهم إلا عملهم لرب العالمين.


    ومن كان من غيرهم من المخذولين،

    لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين،

    ولم يوافقهم إلا ما وافق أغراضهم.


    { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا }

    فيعلم من يصلح للهداية فيهديه

    ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه.
    الحمد لله رب العالمين

  11. #271

    افتراضي

    ( 190 )




    من سورة الإسراء


    { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ

    لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ

    وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }

    { 88 }


    وهذا دليل قاطع، وبرهان ساطع على صحة ما جاء به الرسول وصدقه،

    حيث تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله،

    وأخبر أنهم لا يأتون بمثله،

    ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه.



    ووقع كما أخبر الله،


    فإن دواعي أعدائه المكذبين به متوفرة على رد ما جاء به

    بأي: وجه كان، وهم أهل اللسان والفصاحة،

    فلو كان عندهم أدنى تأهل وتمكن من ذلك لفعلوه.


    فعلم بذلك،

    أنهم أذعنوا غاية الإذعان، طوعًا وكرهًا،

    وعجزوا عن معارضته.



    وكيف يقدر المخلوق من تراب، الناقص من جميع الوجوه،

    الذي ليس له علم ولا قدرة ولا إرادة ولا مشيئة

    ولا كلام ولا كمال إلا من ربه،

    أن يعارض كلام رب الأرض والسماوات،

    المطلع على سائر الخفيات،

    الذي له الكمال المطلق، والحمد المطلق، والمجد العظيم،

    الذي لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادًا،

    والأشجار كلها أقلام،

    لنفذ المداد، وفنيت الأقلام،

    ولم تنفد كلمات الله.


    فكما أنه ليس أحد من المخلوقين مماثلاً لله في أوصافه

    فكلامه من أوصافه،

    التي لا يماثله فيها أحد،

    فليس كمثله شيء، في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله

    تبارك وتعالى.


    فتبًا لمن اشتبه عليه كلام الخالق بكلام المخلوق،

    وزعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم افتراه على الله

    واختلقه من نفسه.
    الحمد لله رب العالمين

  12. #272

    افتراضي

    ( 191 )


    من سورة الإسراء


    { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ

    أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى

    وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا *

    وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا

    وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ

    وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ

    وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }

    { 110-111 }



    بقول تعالى لعباده: { ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ } أي: أيهما شئتم.

    { أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }

    أي: ليس له اسم غير حسن، حتى ينهى عن دعائه به،

    أي: اسم دعوتموه به، حصل به المقصود،

    والذي ينبغي أن يدعى في كل مطلوب، مما يناسب ذلك الاسم.


    { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ } أي: قراءتك

    { وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } فإن في كل من الأمرين محذورًا.

    أما الجهر، فإن المشركين المكذبين به إذا سمعوه سبوه،

    وسبوا من جاء به.


    وأما المخافتة، فإنه لا يحصل المقصود لمن أراد استماعه مع الإخفاء

    { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } أي: بين الجهر والإخفات

    { سَبِيلًا } أي: تتوسط فيما بينهما.


    { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ }

    له الكمال والثناء والحمد والمجد من جميع الوجوه،

    المنزه عن كل آفة ونقص.


    { الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ }

    بل الملك كله لله الواحد القهار،

    فالعالم العلوي والسفلي كلهم مملوكون لله،

    ليس لأحد من الملك شيء.


    { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ }

    أي: لا يتولى أحدًا من خلقه ليتعزز به ويعاونه،

    فإنه الغني الحميد، الذي لا يحتاج إلى أحد من المخلوقات،

    في الأرض ولا في السماوات،

    ولكنه يتخذ أولياء إحسانًا منه إليهم ورحمة بهم

    { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور }



    { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }

    أي: عظمه وأجله بالإخبار بأوصافه العظيمة،

    وبالثناء عليه، بأسمائه الحسنى،

    وبتحميده بأفعاله المقدسة،

    وبتعظيمه وإجلاله بعبادته وحده لا شريك له،

    وإخلاص الدين كله له.
    الحمد لله رب العالمين

  13. #273

    افتراضي

    بارك الله فيكم

  14. #274

    افتراضي

    ( 192 )


    من سورة الكهف


    { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ

    إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى *

    وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

    لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *

    هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً

    لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ

    فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا }

    { 13-15 }


    { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ }

    وهذا من جموع القلة، يدل ذلك على أنهم دون العشرة،

    { آمَنُوا } بالله وحده لا شريك له من دون قومهم،

    فشكر الله لهم إيمانهم، فزادهم هدى،

    أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى،

    الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح،

    كما قال تعالى: { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى }


    { وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ } أي صبرناهم وثبتناهم،

    وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة،

    وهذا من لطفه تعالى بهم وبره،

    أن وفقهم للإيمان والهدى، والصبر والثبات، والطمأنينة.


    { إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

    أي: الذي خلقنا ورزقنا، ودبرنا وربانا، هو خالق السماوات والأرض،

    المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة،

    لا تلك الأوثان والأصنام، التي لا تخلق ولا ترزق،

    ولا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا،

    فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية،

    ولهذا قالوا: { لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا } أي: من سائر المخلوقات


    { لَقَدْ قُلْنَا إِذًا } أي: إن دعونا معه آلهة،

    بعد ما علمنا أنه الرب الإله الذي لا تجوز ولا تنبغي العبادة إلا له

    { شَطَطًا } أي: ميلا عظيما عن الحق، وطريقا بعيدة عن الصواب،

    فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية،

    والتزام ذلك، وبيان أنه الحق وما سواه باطل،

    وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم،

    وزيادة الهدى من الله لهم.


    { هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً }

    لما ذكروا ما من الله به عليهم من الإيمان والهدى،

    والتفتوا إلى ما كان عليه قومهم، من اتخاذ الآلهة من دون الله،

    فمقتوهم وبينوا أنهم ليسوا على يقين من أمرهم،

    بل في غاية الجهل والضلال


    فقالوا: { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ } أي: بحجة وبرهان،

    على ما هم عليه من الباطل، ولا يستطيعون سبيلا إلى ذلك،

    وإنما ذلك افتراء منهم على الله وكذب عليه،

    وهذا أعظم الظلم،

    ولهذا قال: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا }



    الحمد لله رب العالمين

  15. #275

    افتراضي

    ( 193 )


    من سورة الكهف


    { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ

    وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا

    إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا

    رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ

    قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا }

    { 21 }


    يخبر الله تعالى، أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف،

    وذلك -والله أعلم- بعدما استيقظوا، وبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما،

    وأمروه بالاستخفاء والإخفاء،

    فأراد الله أمرا فيه صلاح للناس، وزيادة أجر لهم،

    وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله المشاهدة بالعيان،

    على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد،

    بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم،

    فمن مثبت للوعد والجزاء، ومن ناف لذلك،

    فجعل قصتهم زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين، وحجة على الجاحدين،

    وصار لهم أجر هذه القضية، وشهر الله أمرهم،

    ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم.


    و { فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا } الله أعلم بحالهم ومآلهم،

    وقال من غلب على أمرهم، وهم الذين لهم الأمر:


    { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا }

    أي: نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم،

    وهذه الحالة محظورة،

    نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وذم فاعليها،

    ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها،

    فإن السياق في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم،

    وأن هؤلاء وصلت بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا،

    بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم،

    وحذرهم من الاطلاع عليهم، فوصلت الحال إلى ما ترى.


    وفي هذه القصة،


    دليل على أن من فر بدينه من الفتن، سلمه الله منها.

    وأن من حرص على العافية عافاه الله

    ومن أوى إلى الله آواه الله، وجعله هداية لغيره،

    ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته،

    كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب

    { وما عند الله خير للأبرار }
    الحمد لله رب العالمين

  16. #276

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يزيد السحيباني مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم
    وإياكم يا أستاذ يزيد
    الحمد لله رب العالمين

  17. #277

    افتراضي

    ( 194 )


    من سورة الكهف


    { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا *

    إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

    وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ


    وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا }


    { 23-24 }


    هذا النهي كغيره،

    وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صلى الله عليه وسلم،

    فإن الخطاب عام للمكلفين،


    فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة،


    { إني فاعل ذلك } من دون أن يقرنه بمشيئة الله،

    وذلك لما فيه من المحذور،

    وهو: الكلام على الغيب المستقبل،

    الذي لا يدري هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟


    وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا،

    وذلك محذور محظور،

    لأن المشيئة كلها لله

    { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين }



    ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله،

    وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه،

    ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهو فيترك ذكر المشيئة،

    أمره الله أن يستثني بعد ذلك إذا ذكر،

    ليحصل المطلوب، ويدفع المحذور،


    ويؤخذ من عموم قوله: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }

    الأمر بذكر الله عند النسيان ،

    فإنه يزيله ويذكر العبد ما سها عنه،

    وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله،

    أن يذكر ربه ولا يكونن من الغافلين،


    ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة،

    وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله،

    أمره الله أن يقول:

    { عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا }

    فأمره أن يدعو الله ويرجوه،

    ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد.

    وحري بعبد تكون هذه حاله،

    ثم يبذل جهده ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد،

    أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه،

    وأن يسدده في جميع أموره.
    الحمد لله رب العالمين

  18. #278

    افتراضي

    ( 195 )


    من سورة الكهف


    { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
    فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ
    وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
    ....}


    { 29 }


    أي: قل للناس يا محمد: هو الحق من ربكم أي:

    قد تبين الهدى من الضلال، والرشد من الغي،

    وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة،

    وذلك بما بينه الله على لسان رسوله،

    فإذا بان واتضح، ولم يبق فيه شبهة.


    { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }

    أي: لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين،

    بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه،

    وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر،

    فمن آمن فقد وفق للصواب،

    ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على الإيمان،


    كما قال تعالى

    { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي }


    وليس في قوله:

    { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }

    الإذن في كلا الأمرين،

    وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام،

    كما ليس فيها ترك قتال الكافرين.
    الحمد لله رب العالمين

  19. #279

    افتراضي

    ( 196 )


    من سورة الكهف



    { مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ

    وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *

    وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ

    فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ

    وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا }

    { 51-52 }


    يقول تعالى: ما أشهدت الشياطين [وهؤلاء المضلين]،

    خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي:

    ما أحضرتهم ذلك، ولا شاورتهم عليه،

    فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟!

    بل المنفرد بالخلق والتدبير، والحكمة والتقدير هو الله،

    خالق الأشياء كلها، المتصرف فيها بحكمته،

    فكيف يجعل له شركاء من الشياطين،

    يوالون ويطاعون، كما يطاع الله،

    وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا، ولم يعاونوا الله تعالى؟!


    ولهذا قال: { وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا }

    أي: معاونين، مظاهرين لله على شأن من الشئون،

    أي: ما ينبغي ولا يليق بالله، أن يجعل لهم قسطا من التدبير،

    لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم،

    فاللائق أن يقصيهم ولا يدنيهم.



    ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا،

    وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال،

    وحكم بجهل صاحبه وسفهه،

    أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة،

    وأن الله يقول لهم: { نَادُوا شُرَكَائِيَ } بزعمكم

    أي: على موجب زعمكم الفاسد،

    وإلا فبالحقيقة ليس لله شريك في الأرض، ولا في السماء،

    أي: نادوهم، لينفعوكم، ويخلصوكم من الشدائد،

    { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ }

    لأن الحكم والملك يومئذ لله،

    لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره.


    { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ } أي: بين المشركين وشركائهم

    { مَوْبِقًا } أي، مهلكا، يفرق بينهم وبينهم، ويبعد بعضهم من بعض،

    ويتبين حينئذ عداوة الشركاء لشركائهم،

    وكفرهم بهم، وتبريهم منهم،


    كما قال تعالى

    { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً

    وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }
    الحمد لله رب العالمين

  20. #280

    افتراضي

    ( 197 )


    من سورة الكهف


    { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا

    أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ

    إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا }

    { 102 ْ}


    وهذا برهان وبيان، لبطلان دعوى المشركين الكافرين،

    الذين اتخذوا بعض الأنبياء والأولياء شركاء لله ،

    يعبدونهم ويزعمون أنهم يكونون لهم أولياء،

    ينجونهم من عذاب الله، وينيلونهم ثوابه،

    وهم قد كفروا بالله وبرسله.


    يقول الله لهم على وجه الاستفهام والإنكار

    المتقرر بطلانه في العقول:

    { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ }

    أي: لا يكون ذلك ولا يوالي ولي الله معاديا لله أبدا،

    فإن الأولياء موافقون لله في محبته ورضاه، وسخطه وبغضه،


    فيكون على هذا المعنى مشابها لقوله تعالى

    { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا

    ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ

    قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ }


    فمن زعم أنه يتخذ ولي الله وليا له، وهو معاد لله، فهو كاذب،


    ويحتمل -وهو الظاهر- أن المعنى:

    أفحسب الكفار بالله، المنابذون لرسله،

    أن يتخذوا من دون الله أولياء ينصرونهم،

    وينفعونهم من دون الله، ويدفعون عنهم الأذى؟


    هذا حسبان باطل، وظن فاسد،

    فإن جميع المخلوقين، ليس بيدهم من النفع والضر شيء،


    ويكون هذا، كقوله تعالى:


    { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ

    فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا }

    { وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ }

    ونحو ذلك من الآيات

    التي يذكر الله فيها أن المتخذ من دونه وليا ينصره ويواليه،

    ضال خائب الرجاء، غير نائل لبعض مقصوده.



    { إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا }

    أي ضيافة وقرى، فبئس النزل نزلهم،

    وبئست جهنم، ضيافتهم.

    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •