قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق في كتابه البيان المأمول في علم الأصول (ص56) : (قد لجأ علماء الأصول إلى هذا التقسيم – يعني تقسيم الواجب إلى موسع ومضيق - بناءً على تصورهم أن الواجبات التي تجب على المسلم هي حقوق في ذمته لله ، وأنه لو أوقعها في أي وقت من حياته فإنها تقع صحيحة ، ولكنه يأثم بالتأخير فقط ؛ ولذلك سموا فعل الصلاة في وقتها المحدد شرعًا (أداء) ، وأما إيقاعها وفعلها في غير وقتها المحدد شرعًا فإنهم اصطلحوا على تسميتها (قضاء) ، وأن المكلف إذا فعل الصلاة في وقتها المحدد شرعًا فهي أداء يؤجر عليها ، ويسقط عنه الإثم في تركها ، وأما إذا فعلها في غير وقتها المحدد شرعًا كأن صلى الظهر مثلًا ليلًا ، وصلى العشاء صبحًا ، والفجر ضحًا أو عصرًا فإنه يكون (قضاء) ويعنون بذلك أن الفاعل يثاب على فعلها ؛ ولكنه يعاقب على تأخيرها وهي صحيحة عندهم ، وهذا السبب في تقسيم علماء الأصول للواجب إلى موسع ومضيق .
والصحيح أن هذا الذي ذهبوا إليه خطأ من وجوه كثيرة أهمها ما يلي:
أ- اصطلاح (القضاء والأداء) خطأ :
لأن الاصطلاح على تسمية فعل العبادة في غير وقتها المحدد شرعًا (قضاء) يخالف نصوص القرآن التي نصَّت على أن إيقاع العبادة في وقتها المحدد شرعًا (قضاء)، كما قال تعالى عن صلاة الجمعة التي تصلى في وقتها : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } الجمعة :10
وفي الحج الذي يؤدى في وقته: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًاً} البقرة :20
فسمى الله فعل الصلاة في وقتها المحدد شرعًا، وكذلك الحج في وقته المحدد شرعًا قضاء ولم يسمه أداء والواجب علينا مراعاة المدلول الشرعي للكلمة وعدم وضع مصطلحات تخالف المدلول الشرعي).
ب- القول بأن الواجبات المحددة بمواقيت معينة هي واجبات في الذمة وأن المكلف يأثم فقط بالتأخير وأنها تقبل منه في أي وقت أداها من عمره.
هذا القول كذلك فيه تهوين من شأن العبادة، واستهانة بالتوقيت الشرعي في الصلاة وغيرها من العبادات المؤقتة.. يقول تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } النساء :103
و{موقوتًا} هنا صفة للمكتوب وهو الصلاة، والصفة ملازمة للموصوف لا تنفك عنه، لذلك جاءت الأحاديث التي تبين هدم العمل السابق لتارك صلاة واحدة متعمدًا كقوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ] (البخاري (553) من حديث بريدة)
ومثل هذا الذي يحبط عمله بترك صلاة العصر لا يمكن أن يكون قد ارتكب مجرد ذنب التأخير بل قد ارتكب إثمًا عظيمًا هدم عمله السابق الصالح كله حسب نص الحديث، ولذلك فالقول بأن مؤخر الصلاة عن وقتها المحدد لها شرعًا تصح منه الصلاة في أي وقت ويأثم فقط بالتأخير قول خاطيء مبني على قاعدة فاسدة من قواعد أصول الفقه، ومما يدلك أيضًا على فساد هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم: [مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ] (رواه البخاري (579)، ومسلم (608) من حديث أبي هريرة) ، وذلك دليل واضح على أن المكلف يستحيل أن يدرك الصلاة إذا تركها حتى يذهب وقتها المحدد لها شرعًا .
هذا بالطبع في المتعمد بخلاف الناسي والنائم فهما معذوران -كما مرَّ بنا- في بحث المكلف أن الناسي والنائم غير مكلفين وقت النوم والنسيان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ] - رواه البخاري (597)، ومسلم (684) - ولذلك قلنا أن بعض ما ينبني على هذه القاعدة وهي تقسيم الواجب إلى موسع ومضيق باطل .