السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نذكر ماقاله الشيخ الالباني في مقدمة صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم
ص58 - ص62
قال بعضهم : لا شك أن الرجوع إلى هدي نبينا صلى الله عليه وسلم في شؤون ديننا أمر واجب لا سيما فيما كان منها عبادة محضة لا مجال للرأي والاجتهاد فيها لأنها توقيفية كالصلاة مثلا ولكننا لا نكاد نسمع أحدا من المشايخ المقلدين يأمر بذلك بل نجدهم يقرون الاختلاف ويزعمون أنها توسعة على الأمة ويحتجون على ذلك بحديث - طالما كرروه في مثل هذه المناسبة رادين به على أنصار السنة - : ( اختلاف أمتي رحمة ) فيبدو لنا أن هذا الحديث يخالف المنهج الذي تدعو إليه وألفت كتابك هذا وغيره عليه فما قولك في هذا الحديث ؟
والجواب من وجهين :
الأول : أن الحديث لا يصح بل هو باطل لا أصل له قال العلامة السبكي :
( لم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع ) .
قلت : وإنما روي بلفظ :
( . . . اختلاف أصحابي لكم رحمة ) .
و( أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم ) .
وكلاهما لا يصح : الأول واه جدا والآخر موضوع وقد حققت القول في ذلك كله في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ) ( رقم 58 و59 و61 ) .
الثاني : أن الحديث مع ضعفه مخالف للقرآن الكريم فإن الآيات الواردة فيه - في النهي عن الاختلاف في الدين والأمر بالاتفاق فيه - أشهر من أن تذكر ولكن لا بأس من أن نسوق بعضها على سبيل المثال قال تعالى : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [ الأنفال 46 ] . وقال : ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [ الروم 31 - 32 ] . وقال : ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك [ هود 118 - 119 ] فإذا كان من رحم ربك لا يختلفون وإنما يختلف أهل الباطل فكيف يعقل أن يكون الاختلاف رحمة ؟
فثبت أن هذا الحديث لا يصح لا سندا ولا متنا وحينئذ يتبين بوضوح أنه لا يجوز اتخاذه شبهة للتوقف عن العمل بالكتاب والسنة الذي أمر به الأئمة .
2 - وقال آخرون : إذا كان الاختلاف في الدين منهيا عنه فماذا تقولون في اختلاف الصحابة والأئمة من بعدهم ؟ وهل ثمة فرق بين اختلافهم واختلاف غيرهم من المتأخرين ؟ .
فالجواب : نعم هناك فرق كبير بين الاختلافين ويظهر ذلك في شيئين :
الأول : سببه .
والآخر : أثره .
فأما اختلاف الصحابة فإنما كان عن ضرورة واختلاف طبيعي منهم في الفهم لا اختيارا منهم للخلاف يضاف إلى ذلك أمور أخرى كانت في زمنهم استلزمت اختلافهم ثم زالت من بعدهم ومثل هذا الاختلاف لا يمكن الخلاص منه كليا ولا يلحق أهله الذم الوارد في الآيات السابقة وما في معناها لعدم تحقق شرط المؤاخذة وهو القصد أو الإصرار عليه .
وأما الاختلاف القائم بين المقلدة فلا عذر لهم فيه غالبا فإن بعضهم قد تتبين له الحجة من الكتاب والسنة وأنها تؤيد المذهب الآخر الذي لا يتمذهب به عادة فيدعها لا لشيء إلا لأنها خلاف مذهبه فكأن المذهب
عنده هو الأصل أو هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والمذهب الآخر هو دين آخر منسوخ
وآخرون منهم على النقيض من ذلك فإنهم يرون هذه المذاهب - على ما بينها من اختلاف واسع - كشرائع متعددة كما صرح بذلك بعض متأخريهم : لا حرج على المسلم أن يأخذ من أيها ما شاء ويدع ما شاء إذ الكل شرع وقد يحتج هؤلاء وهؤلاء على بقائهم في الاختلاف بذلك الحديث الباطل : ( اختلاف أمتي رحمة ) وكثيرا ما سمعناهم يستدلون به على ذلك
ويعلل بعضهم هذا الحديث ويوجهونه بقولهم : إن الاختلاف إنما كان رحمة لأن فيه توسعة على الأمة ومع أن هذا التعليل مخالف لصريح الآيات المتقدمة وفحوى كلمات الأئمة السابقة فقد جاء النص عن بعضهم برده .
قال ابن القاسم :
( سمعت مالكا وليثا يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس كما قال ناس : ( فيه توسعة ) ليس كذلك إنما هو خطأ وصواب )
وقال أشهب :
( سئل مالك عمن أخذ بحديث حدثه ثقة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتراه من ذلك في سعة ؟
فقال : لا والله حتى يصيب الحق ما الحق إلا واحد قولان مختلفان يكونان صوابا جميعا ؟ ما الحق والصواب إلا واحد )
ومن أراد التوسع فليطالع مقدمة صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم