أرسل أحد متابعي الصفحة هذا السؤال :
شيخنا السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...
روى الذهبي رحمه الله في السير في ترجمة يحيى بن يعمر : عمران القطان ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن عبد الله بن فطيمة ، عن يحيى بن يعمر ، قال : قال عثمان -رضي الله عنه- : في القرآن لحْنٌ ستُقيمُه العرب بألسنتها .أهـ
و الاشكال التصريح بوجود اللحن في القرآن ! وكما تعرفون أن اللحن هو الـخطأ في الإعراب .... فهل هذا الآثر صحيح ؟ أم له تأويل إن ثبت وروده عن عثمان ؟
وجوابه :
عثمان (رضي الله عنه) هو الذي كتب المصحف وعمم نسخه على الأمصار ، فلو كان يقصد وجود خطأ في المكتوب ، فلماذا لم يصلحه ؟!
ويستحيل أن يقصد أن اللحن كان قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم ، لا من جهة أن ذلك تخوين له صلى الله عليه وسلم ، ولا من جهة أن فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من فصاحة عثمان وعروبة لسانه صلى الله عليه وسلم ليست محل شك حتى عند خصومه الكفار ، ولا من جهة أن العربي من آحاد الأعراب في ذلك العصر هو حجة في اللغة , فكيف بأفصحهم صلى الله عليه وسلم ؟!!
إذن : لا يمكن أن يكون عثمان (رضي الله عنه) قد وجد خطأ لغويا ، ومع ذلك أهمل إصلاحه ، اعتمادًا على تقويم العرب له بألسنتها التي ما كانت تعرف اللحن ، ولا يمكن أن يكون هذا هو معنى هذا الأثر .
واستحالة إرادة هذا المعنى هو القرينة الصارفة لهذا اللفظ عن ظاهره ، وهي قرينة قوية تقطع ببطلان الظاهر .
ولتفسير ذلك معان ثلاثة :
الأول : من معاني اللحن : المعنى الخفي الذي لا يظهر لكل الناس , ومنه قوله تعالى { ولتعرفنهم في لحن القول } ، وتقول العرب : لحنت له القول ، أي بما لا يفهمه غيره .
فيكون المعنى : أن في القرآن كلاما يخفى معناه ، ولكن سيقيم هذه المعاني ويظهرها العرب بما عرفوه من لسانهم (واللسان هو اللغة ، تقول : لسان الروم ولسان الفرس أي لغتهم ) .
الثاني : وقد يكون المقصود باللحن : مخالفة المرسوم للمنطوق ، وأن العربي بقرأ ما يعرفه من لغته ولا يلتزم بظاهرية الرسم .
وهو جواب أبي عمرو الداني في المقنع .
الثالث : أن في القرآن ورسم مصحفه وجها في القراءة لا تلين به ألسنة العرب جميعا ، ولكنها لا تلبث أن تلين به ألسنتهم جميعا بالمران وكثرة تلاوة القرآن بهذا الوجه .
وقد ضرب بعض أجلاء العلماء لذلك مثلا كلمة الصراط بالصاد المبدلة من السين ، فتقرأ العرب بالصاد عملا بالرسم وبالسين عملا بالأصل .
هذا جواب الزرقاني في مناهل العرفان .
تنبيه : لم ألجأ إلى تضعيف الأثر ، مع أن للتضعيف السندي إليه مدخل ، لسببين , سأذكرهما بعد إيراد المدخل الإسنادي في التضعيف , وهو عدم سماع يحيى بن يعمر من عثمان رضي الله عنه , فهو إسناد منقطع , والإسناد المنقطع ضعيف عند المحدثين .
وقد نص على انقطاعه الإمام البخاري في التاريخ الكبير (5/170) , مع كون أحد رواته لم يوثقه أحد , وهو عبد الله بن فطيمة (ويقال في اسمه : ابن أبي فطيمة) ؛ إلا إيراد ابن حبان له في الثقات , وأنه أحد من كان يكتب المصاحف .
أما سبب الابتداء بتأويل الخبر ، فلسببين :
الأول : أن الأثر له طرق أخرى تشبهه , قد يتمسك بها البعض للحكم بثبوته .
الثاني : أن الأثر ثبت من رواية قتادة ونصر بن عاصم وكلاهما من التابعين الأئمة الثقات , فلا بد من كونهما كانا يحملانه على معنى مقبول عندهما .
حاتم العوني.