بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم وفقك الله أن الإجماع منعقد بين السلف والأئمة على كفر تارك الصلاة, ولكنهم اختلفوا في ماهية الترك المكفر, وصورة الخلاف بين السلف تبين ذلك وتوضحه.
فصورة الخلاف بين السلف والأئمة فيمن ترك صلاة واحدة متعمدًا حتى يخرج وقتها .
فذهبوا إلى المذهبين المشهورين:
الاول : التكفير بمجرد ترك صلاة واحد متعمدًا والقتل ردة.
الثاني : التفسيق مع القتل تعزيرًا .
وهذا الخلاف محصور في هذه الصورة, والفريق الثاني لم يخالف في التكفير مطلقًا وإنما خالف في هذه الصورة, ودليل ذلك أنه أوصل صاحبها إلى القتل تعزيرًا ,وبهذا يكونوا قد قطعوا الطريق على أن يوجد تارك بالكلية ليناقشوا هل هو كافر أم فاسق كما فرعه المتأخرون, فما أفقه سلفنا الصالح, وما ابعد المذاهب الحادثة عن مذهبهم, وهي ما بين مهدر لخلافهم أو مصحح لإيمان تارك الصلاة بالكلية .
يقول الإمام أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة الحديث[1] :
(( واختلفوا في متعمدي ترك الصلاة المفروضة حتى يذهب وقتها من غير عذر, فكفّره جماعة .... وتأوّل جماعة منهم بذلك تركها جاحدًا لها )) . انتهى
فهذا نص من الإمام على محل الخلاف وهو (ترك الصلاة المفروضة حتى يذهب وقتها), وبرهان أن الخلاف بين السلف إنما هو فيمن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها نصوص الطائفتين في متى يقتل هذا التارك سواء كانت القتل ردة أو تعزيرًا .
فذُكر عن الطائفة الأولى ما يلي :
يقول الإمام إسحاق بن راهويه : وينتظر تارك الصلاة إذا أبى من أدائها وقضائها في استتابته حتى يخرج وقتها وخروج وقت الظهر بغروب الشمس وخروج وقت المغرب بطلوع الفجر.
ويقول الإمام أحمد فيما حكاه الميموني عنه : أما في الصلاة إذا تركها إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا يعنى قتل .
وأما الطائفة الثانية المفسقة وهم القائلون بقتله تعزيرًا :
فيقول الزين العراقي في طرح التثريب : " ثُمَّ هَلْ يُصَدَّقُ التَّرْكُ لَهَا بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَرْكِ الْخَمْسِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ آخِرِ وَقْتِهَا ، وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَيَدُلُّ لَهُمْ حَدِيثُ { مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ } وَقَدْ تَقَدَّمَ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ قَالَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا تَضَيَّقَ وَقْتَهَا طَالَبْنَاهُ بِفِعْلِهَا وَقُلْنَا لَهُ : إنْ أَخْرَجْتهَا عَنْ وَقْتِهَا قَتَلْنَاك ، فَإِذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ وَلَا يُعْتَبَرُ بِضِيقِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ ، وَعَنْ الْإِصْطَخْرِيّ ِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَتْرُكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَامْتَنَعَ عَنْ الْقَضَاءِ ، وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِعَدَدٍ وَلَكِنْ إذَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ قَدْرَ مَا يَظْهَرُ لَنَا اعْتِيَادُهُ لِلتَّرْكِ " . انتهى
والشاهد أن حقيقة الخلاف هو كما تقدم في المتهاون التارك لصلاة واحدة حتى يخرج وقتها, ولكن الفقهاء المتأخرين فرّعوا على المسألة فروعًا فاسدة كما نص عليه ابن تيمية رحمه الله[2], وأدخلوا في الخلاف من يتركها بالكلية حتى يقتل !
ولذلك فقد استشكل كثير من المتأخرين الشافعية مذهب الإمام الشافعي في قتل تارك الصلاة, فقال ابن دقيق العيد في الإحكام : " وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني استشكل قتله في مذهب الشافعي أيضًا ". انتهى
وقال الزين العراقي في طرح التثريب : " وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا سُقُوطَ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ فِي حَقِّ تَارِكِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ حَدًّا لَا كُفْرًا ، وَالتَّوْبَةُ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ ، فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ ". انتهى
وهذا الاستشكالات عند فقهاء الشافعية تدل بوضوح على التباين بين تقريرهم في المسألة وبين تقرير إمامهم رحمه الله, وهي استشكالات صحيحة إذا ظنوا أن الإمام يذهب لعدم كفر التارك للصلاة مطلقًا ولو تركها بالكلية, وإنما يحكم عليه بالفسق وأن حده القتل, والحدود لا تسقط بالتوبة كحد الزاني وشارب الخمر, ولكن الصواب أن الإمام وغيره من القائلين بهذا المذهب من السلف إنما يقولون : بقتله تعزيرًا لتهاونه بتركه صلاة الفرض حتى يخرج وقتها بدون عذر, وأما التارك لها بالكلية وهو الممتنع عن أداءها, فليس بمؤمن إجماعًا عند السلف الذين يقولون أن الإيمان قول وعمل, وعلى ذلك تحمل الرواية الثانية عن الشافعي التي تنص على كفر تارك الصلاة كما أخرجها الطحاوي [3]. والله أعلم
تنبيه :
لا بد للباحث في هذه المسألة الحذر من الاقتصار في بحثها من كتب الأئمة المتاخرين من فقهاء المذاهب المتبوعة, وذلك لأن المسألة فقهية عقدية في بعض الجوانب بلا شك, ومثال ذلك:
معنى الجحد عند السلف: فهو ليس محصورًا في التكذيب والإنكار, المقابلان لعدم التصديق وترك الإقرار, وجل الفقهاء يحملون القول الثاني للسلف في مسألة ترك الصلاة على هذا المعنى وهو باطل.
فهذا المعنى كفر بالإجماع في الصلاة وفي غير الصلاة مما كان معلومًا من الدين بالضرورة, والصواب : أن الجحد عند السلف يشتمل على أمرين وهما : ترك التصديق والإقرار, وترك الالتزام والإذعان .
وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال : " وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ : أَنَّهُ إنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ وُجُوبَهَا فَهُوَ مَوْرِدُ النِّزَاعِ ... فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لَهُ وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إلَّا مَنْ يَجْحَدُ وُجُوبَهَا فَيَكُونُ الْجَحْدُ عِنْدَهُ مُتَنَاوِلًا لِلتَّكْذِيبِ بِالْإِيجَابِ وَمُتَنَاوِلًا لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَالِالْتِزَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } ".انتهى
فلله دره من إمام يحتذى به, فقد لاحظ رحمه الله أن الأية الأولى ذُكر فيها الجحد مرادفًا للتكذيب المضاد للتصديق, وأما في الأية الثانية فقد ذُكر الجحد وتضمن الإنكار المضاد للإقرار وتضمن الامتناع والاستكبار وهما ضد الالتزام والإذعان.
وهذا المعنى موجود عند الإمام محمد بن نصر المروزي في مثال ضربه موضحًا أن الجحد يتناول الأمرين (ترك التصديق والإقرار, وترك الالتزام والإذعان) فيقول رحمه الله : " كمثل رجلين عليهما حق لرجل, فسأل أحدهما حقه. فقال : ليس لك عندي حق. فأنكر وجحد . فلم تبق له منزلة يحقق بها ما قال إذ جحد وأنكر. وسأل الآخر حقه, فقال : نعم لك عليّ كذا وكذا, فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه, وهو منتظر له أن يحقق ما قال بالأداء, ويصدق إقراره بالوفاء, ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه, كان كمن جحده في المعنى إذا استويا في الترك للأداء, فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه, فإن أدى جزءًا منه حقق بعض ما قال ووفي ببعض ما أقر به وكلما أدى جزءًا ازداد تحقيقا لما أقر به " . انتهى
فالسلف يجعلون الجحد متناولًا لترك الإقرار ولترك الإذعان, وهم في مسألة تارك الصلاة إنما يعنون بالجحد هو ترك الإذعان والالتزام, ودليل ذلك ما نقل عنهم من استدلالهم بقوله تعالى مخبرًا عن يوسف { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } على أن الترك محمول على الجحد, وحاشا يوسف عليه السلام أن يكون قد أقر بالكفر ثم جحده بترك الإقرار به, وحاشاهم سلفنا الصالح أن يفهموا هذا الفهم, ولكن المراد أنه ترك ملة الكفر ردًا لها وممتنعًا عنها وتاركًا الالتزام بها, وهذا هو الجحد الذي عُلق به كفر تارك الصلاة عند جماعة من السلف وهو مناط ترك الصلاة بالكلية .
يقول البغوي رحمه الله في قوله تعالى { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } : ولم يكن قط في ملتهم . انتهى
ويقول الألوسي رحمه الله : والمراد بالترك الامتناع فإنه لم يتلوث بتلك قط كما يفصح عنه ما يأتي من كلامه عليه السلام .انتهى
ويقول الشوكاني رحمه الله : والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل لا أنه قد كان تلبس به ثم تركه . انتهى
ويقول ابن سعدي رحمه الله : والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه، يكون لمن لم يدخل فيه أصلًا .انتهى
وبرهان ما تقدم ما أخرجه محمد بن نصر المروزي : حدثنا محمد بن عبدة قال سمعت يعمر بن بشر أبا عمرو . قال سمعت عبد الله بن المبارك رضى الله عنه قال : من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدًا من غير عذر كفر . ثم قال (يعمر): خالفنى سفيان (وهو الثوري) وغيره من أصحاب عبد الله وأنكروه . فدخلوا على عبد الله بالزبدانقان فأخبروه أن يعمر روى عليك كذا وكذا ولم ينكره . وقال (ابن المبارك): فما قلت أنت ؟ فقال سفيان لعبدالله : إنه روى عليك كذا وكذا . فقال له عبد الله : فما قلت أنت ؟ قال (سفيان) : إذا تركها ردًا لها . فقال (ابن المبارك) : ليس هذا قولي, قست عليّ يا أبا عبد الله .
فقول سفيان وهو الثوري رحمه الله ظاهر في أن الخلاف في صفة الترك الذي يكون كفرًا, فقوله (إذا تركها ردًا لها) يعني إذا تركها ممتنعًا كفر ككفر إبليس كما بيّن ذلك ابن نصر عن شيخه الإمام ابن راهويه رحمهما الله في تعظيم قدر الصلاة .
يقول شيخ الإسلام : " أَنْ لَا يَجْحَدَ وُجُوبَهَا لَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْتِزَامِ فِعْلِهَا كِبْرًا أَوْ حَسَدًا أَوْ بُغْضًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَقُولُ : اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالرَّسُولَ صَادِقٌ فِي تَبْلِيغِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَنْ الْتِزَامِ الْفِعْلِ اسْتِكْبَارًا أَوْ حَسَدًا لِلرَّسُولِ أَوْ عَصَبِيَّةً لِدِينِهِ أَوْ بُغْضًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَهَذَا أَيْضًا كَافِرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ إبْلِيسَ لَمَّا تَرَكَ السُّجُودَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا لِلْإِيجَابِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاشَرَهُ بِالْخِطَابِ وَإِنَّمَا أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ " . انتهى
جاء في المصباح المنير : " رَدَدْتُ الشيء ( رَدًّا ) منعته فهو ( مَرْدُودٌ ) وقد يوصف بالمصدر فيقال ( فَهُوَ رَدٌّ ) " . انتهى
وأصل هذا المعنى ذكره الزبيدي في تاج العروس وجعل أصله الرد ضد الإعطاء وهو رد الحرمان والمنع من قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تَرُدُّوا السَّائِلَ ولو بِظِلْف ) أَي لا تَرُدُّوه رَدَّ حِرْمَانٍ بلا شيءٍ ، ولو أَنه ظِلْفٌ ".انتهى
فالسلف لا يختلفون في التكفير بالامتناع عن الصلاة وتركها بالكلية, وإنما يختلفون في صورة من ترك الصلاة متعمدًا حتى خرج وقتها, فالذين قالوا : يقتل تعزيًرا إنما قصدهم هذا المتهاون, وليس كل تارك ولو كان تركه لها بالكلية .
وإجماع الصحابة رضي الله عنهم في كفر تارك الصلاة محفوظ وثابت, وإنما الخلاف بينهم وفيمن بعدهم من الأئمة هو في صفة الترك الذي يكفر به صاحبه .
ومن يجعل إجماع الصحابة رضي الله عنهم فيمن يترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها فقد أخطأ, ومذهب الأئمة ابن المبارك وأحمد وإسحاق وابن نصر وابن باز والوادعي رحمهم الله براء منه, فهذا المذهب لم ينقل إجماعًا, وإنما يروى عن بعض الصحابة رضي الله عنهم, وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة على أن مقتضى المنقول عن ابن مسعود رضي الله عنه أن تركها بالكلية هو الكفر وهو المختار عنده.
يقول ابن تيمية رحمه الله : " قول عمر لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة أصرح شيء في خروجه عن الملة وكذلك قول ابن مسعود و غيره مع أنه بيّن إن إخراجها عن الوقت ليس هو الكفر و إنما هو الترك بالكلية و هذا لا يكون إلا فيما يخرج عن الملة " . انتهى
وقال رحمه الله في موطن أخر من شرح العمدة : " فسره ابن مسعود - أي الترك المكفر - وبين أن تأخيرها عن وقتها - يقصد إخراجها عن وقتها - من الكبائر و أن تركها بالكلية كفر ". انتهى
والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أبو طارق
______________________
[1] اعتقاد أئمة الحديث للإسماعيلي مع شرحه للشيخ حمد العثمان حفظه الله (ص 341). [2] يقول شيخ الإسلام كما في المجموع: " وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهَا مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى التَّرْكِ: فَقَدْ ذَكَرَ عَلَيْهِ الْمُفَرِّعُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فُرُوعًا.
أَحَدُهَا هَذَا، فَقِيلَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَإِذَا صِيرَ حَتَّى يُقْتَلَ فَهَلْ يُقْتَلُ كَافِرًا مُرْتَدًّا، أَوْ فَاسِقًا كَفُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ.
حُكِيَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهَذِهِ الْفُرُوعُ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ فُرُوعٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالصَّلَاةِ فِي الْبَاطِنِ، مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا، يَمْتَنِعُ أَنْ يُصِرَّ عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى يُقْتَلَ، وَهُوَ لَا يُصَلِّي هَذَا لَا يُعْرَفُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَعَادَتِهِمْ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ هَذَا قَطُّ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا، وَيُقَالُ لَهُ: إنْ لَمْ تُصَلِّ وَإِلَّا قَتَلْنَاك، وَهُوَ يُصِرُّ عَلَى تَرْكِهَا، مَعَ إقْرَارِهِ بِالْوُجُوبِ، فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي الْإِسْلَامِ.
وَمَتَى امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يُقْتَلَ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاطِنِ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا، وَلَا مُلْتَزِمًا بِفِعْلِهَا، وَهَذَا كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ بِكُفْرِ هَذَا، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ ".انتهى
[3]ما نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله مما يدل على مذهبيه في التكفير والتفسيق :
قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم (باب - التشديد في ترك الجمعة) : " حضور الجمعة فرض فمن ترك الفرض تهاونًا كان قد تعرض شرًا إلا أن يعفو الله, كما لو أن رجلًا ترك صلاة حتى يمضى وقتها كان قد تعرض شرًا إلا أن يعفو الله" . انتهى
قال الطحاوي رحمه الله في المشكل - باب ما روي في تارك الصلاة لا على الجحود لها - : " وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ وَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ مَنْ يُسْتَتَابُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا وَجَعَلَهُ مِنْ فَاسِقِي الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ " .