جزاك الله خيرا أخي أبا طارق ، فقد أفدت وأجدت.
نعم اتفق معك أني تسامحت كثيراً في عبارتي ، ولم اتناقض في الحقيقة وإنما تسامحت لوضوح أمر العلة عندي مما حملني على الإسراف في التعبير ، والدليل على ماذكرت أني صرّحت في مشاركات سابقة على أن العلة مستفادة من منطوق الحديث بطريق الإيماء أو ترتيب الحكم على المعنى المناسب ، ولكون هذه الطرق من أكثر الطرق المعتبرة في تحديد العلة في الشريعة بعد درجة العلة المنصوص عليها، عبرت بالتنصيص وهو غلط. فلا إشكال ، أنا أعود إلى تعبيري الأول المنسجم مع باقي كلامي.
وأما استشهادي بكلام شيخ الإسلام فهو لبيان أن العلة موجودة وتامة ، أو معتبرة على أقل تقدير وأن الأمر بالمخالفة علق عليها، لا أن نفس المخالفة هي العلة ، فإن المخالفة مقصد شرعي كما نص عليه شيخ الإسلام نفسه ، قال:"...وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع". مثاله مثال الخمر العلة فيها الإسكار والأمر باجتنابها أمر مقصود للشارع لا أن نفس الأمر باجتنابها هو العلة. فأنا لا أسلم لك ولا لشيخ الإسلام - إن قبلتُ توجيهك لكلامه أو كان هذا هو فعلاً مقصده - أن المخالفة هي العلة ، لأن المخالفة ثمرة عبّرنا عنها بالمقصد، وأما العلة - وهي ما يقع من المشابهة - فهو المعنى الذي من أجله وجب الإعفاء على قول من يوجب ، والعبرة بالمعنى لا بالمبنى ، وهذا المعنى الذي رُتب عليه الحكم معنى تظاهرت في الدلالة عليه عدة نصوص كما بينتُ سلفاً ، يشهد لهذا كلام شيخ الإسلام أنه :"لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس ، في هذا وغيره ، كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها عن النبي من هدى المجوس". فكما ترى هذا دليل أنهم فهموا أن العلة هي التشبه فطردوها في أشياء أخر ، ولولا قوة مأخذ التشبه كعلة لما لاحظه السلف فضلاً عن أن يطردوه.
أما قولك:
مخالفة أهل الكتاب, وذلك لتقرير أمرين في ظني:
الأول : توجيه الحكم إلى الاستحباب مطلقًا, وقد نص على ذلك للأسف وقال :
اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري
على الاستحباب كما هو اختيار كثير من العلماء
نعم كثير من العلماء من معتزلة وأشعرية وعقلانية عصرية, وهم ممن يقرر أن الأصل في الأوامر المطلقة الاستحباب, أو غير ذلك من أصول باطلة, وأما الحق فخلافه وهو ما قرره المحققين من أهل العلم, فخلاف من ذاك أصله لا يعتد به, إلا على المنهج المحدث لتمييع مسائل الدين بدعوى التيسير أو مطلق وجود الخلاف.
فقد أحسنت بتحرزك وقولك :"في ظني". لأن هذا ليس قصدي ، معاذ الله. قصدي أن الإعفاء وعدم الأخذ مستحب عند البعض ، بل البعض استحب الأخذ منها. وسوف يتشعب الكلام إن أردت أن أدفع عن نفسي هنا بالنقولات [1]، ولكن سوف ندع عبدالله جانباً، ونركز على أصل الموضوع. وكما لاحظت أخي طارق، فقد تقدمنا كثيراً في تحرير وتوضيح بعض الأمور سواء عندي أو عندك ، فعندي صححت لي دعوى التنصيص الأخيرة - وإن كانت طريقتي المحكمة طوال نقاشاتي الماضي بخلاف ذلك - وأنا صححت لك دعوى عدم التعليل بالحكمة مطلقاً...إلى غير ذلك مما عندي وعندك. وهذه من فوائد النقاش.
= = = = = = = = = =
[1] وكون بعضهم أو أكثرهم عندهم لوثة اعتزال أو تمشعر ، هذا أمر آخر، واعتبر - فقط للتقريب - بتفصيل نقاد الحديث في المبتدعة وعدم رد مالديهم مطلقاً ، وأما أني أذهب شخصياً إلى أن الأصل في الأمر الاستحباب فهذا غير صحيح.