أخي المصري السلفي بارك الله فيك:
أمير الشّعراء شوقي -رحمه الله- أعقلُ من أنْ يبحثَ عن حتفه بظلفه، و يجدعَ مارن أنفه بكفّه !!..و هو -لعمري- أوسع من أن يقع في مثل هذا الضائق المضيق !!، الذي لا يسلم معه شاعرٌ من ناقدٍ لاذع ، أو فاضح شامت ..فكيف بمن سُلّم له بإِمْرَةِ الشّعر، وقعد له النّقادُ كلَّ مَرْصَدٍ..
فهو لم يوظف تلك الأعلام التّاريخية في شعره، ليتبجّح بمعرفة أسمائها اليونانية والمصرية القديمة، ويزهو بإغرابها على أدباء العربية، العارين من معرفة الآداب الأجنبية ..
لم يوظفها إلا بعد معرفته بمذاهبها و مقالاتها ..فالرجلُ لم يكن عارياً من علم التاريخ والأديان والفلسفة.. ، يورد منه في شعره ليخبط خبط عشواء، و يُذبح بدون سكين !!
فسُقراط (ومعه القدماء: كأفلاطون-تلميذ سقراط- و أرسطوطاليس-تلميذ أفلاطون-) الذي ذكر عنه أنه نادى بحقيقة التوحيد؛ يذكره المتكلّمون والمؤلّفون في الملل والنحل ضمن: "الفلاسفة الإلهيين"، و يُسمون أيضا: "الفلاسفة الموحدون" أو "دُعاةالتوحيد" لأنهم أثبتوا في الجملة أن للكون مبدعا و خالقا واحدا، ويصفونه بأنه عالم، قادر.. فهم من هذه الحيثية من دعاة التّوحيد إجمالا .وإن غلطوا في التّفصيل: كقولهم إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات.. أو قولهم إن الأجساد لا تحشر و العقاب و الثواب روحاني لا جسماني ..و قولهم بقدم العالم و أزليته..
و يقابلهم في قضية الإلاهية (إثبات الصانع و ألوهيته) صنفان من الفلاسفة و هما:
- الدّهريون الذين جحدوا الصّانع المدبر و زعموا أن العالم قديم لم يزل موجودا بنفسه و بلا صانع ..
و- الطبيعيون: وهؤلاء و إن اعترفوا بفاطر حكيم إلا أنهم جحدوا البعث و المعاد.. وأنكروا الآخرة و الجنة و النار و العقاب و الثواب..
و اعلم أن كل هؤلاء الأصناف الثلاثة يشملهم الكفر..و إن كان الصنف الأول منهم أقرب إلى الدين الإسلامي.. كما قرب منه أهل الكتاب بمقارنتهم مع المجوس.
بعد هذا التمهيد الموجز عن أصناف الفلاسفة و مقالتهم أظنك لا تستوحش قول شوقي :
بك ياابن عبد الله قامت سمحة بالحق من ملل الهدى غراء
بُنيت على التوحيد وهى حقيقة نادى بها سقراط والقدماء
و لا أظنك -وأنت العارف بمذاهب الشعر و أساليبه- أن تنقد قوله السابق بـتوحيد الرسل و الأنبياء .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم كلام جميل في سقراط و أتباعه المتفلسفين الباحثين عن الحكمة و الحقيقة.. وأنه كان في عصر لقمان، و تلقف منه بعض الحكمة ..لكن خلطها بحكمته و لو اقتصر على الحكمة التي جاءت بها الأنبياء و الرسل لأغناهم عما أتعبوا فيه أنفسهم و عقولهم من البحث عن الحكمة.. (أظنه في "إغاثة اللهفان" لابن القيم -فليراجع)
أما قوله:
ومشى على وجه الزمان بنورها كهان وادى النيل والعرفاء
إيزيس ذات الملك حين توحدت أخذت قوام امورها الاشياء
فلعل شاعر الألوكة: القارئ المليجي يجيبك عنهما فإني لا أدري ما "إزيسا" و لم أسمع بـ"كهان وادي النيل" و"العرفاء" .. فهو شاعر و مهندس من بلاد النيل