إبعاد الأشياء الصغيرة الجِرم بعُنف ( أي : بشيء من الجهد ) . وإن شئتَ تعريفَها بمرادفها ، قلتَ : ( هي بمعنى : الرمي ، أو الطرح ) .
= ومن صور استعمالها حقيقةً :
1- ضرْحُ الحصَى ، كما قالَ الشاعر :
فلما أن أتين على أُضاخٍ *** ضَرَحْنَ حصاه أشتاتًا عِزِينا
2- ضرْحُ السَّهم ، كما قالوا : ( قوسٌ ضَروح ) : إذا كانت شديدةَ الرمي للسهم .
3-ضرْحُ القذَى ، كما قال أبو تمام :
شوقٌ ضرحتُ قذاتَه عن مشربي *** وهوًى أطرتُ لِحاءَه عن عُودي
= ومن صور استعمالها مجازًا :
1- ضرْحُ الرجُلِ ، كما قالوا : ( اضطرحوا فلانًا ) : إذا رمَوه في ناحية ، وتكون كأنك شبهتَه بالأشياء التي ترمَى ، كالحصَى ، ونحوها . وهذه استعارة مكنيَّة . وفيها من البلاغة ، وحسن التصوير ما لا يخفَى . وفي « اللسان » ط بولاق ، وصادر ، في هذا الموضع تصحيفٌ ؛ قال : ( وجائز أن يكون اطَّرحوه افتعالاً من الطرح ) ، والصواب ( الضرح ) ، كما في « التهذيب » ، وكما يدل عليه تمامُ الكلام .
ومنه ضرحُ النيَّة لصاحبِها ، كما قالوا : ( نيَّة ضرَح ) .
2- ضرْحُ الشَّهادة ، كما قالوا : ( ضرحت شهادة فلان ) : إذا رميتَها ، ولم تعتدَّ بها . وهي استعارةٌ مكنيَّة أيضًا .
3-ضرْحُ العارِ ، ونحوِه من المعاني غيرِ الحسيَّة ، كما قال ابن الرومي :
سلاحي لِسانٌ لا يُفَلّ ، وجُنَّتي *** أديمٌ صحيحٌ يضرَح العارَ أملسُ
وهي استعارة مكنيَّة أيضًا .
4- ضَرْحُ الكَلام ؛ فقد قالوا : ضارحَه ، بمعنى سابَّه ، وشاتمَه ، على جهة الاستعارة التصريحية التبعية ؛ كأنَّه راماه بالحجارة .
5- الرَّمحُ بالرِّجْل ، كما قالوا : ( فرس ضروحٌ ) . وذلك أنَّ من لوازمه غالبًا الضرحَ . ومنه قول الأفوه الأوديِّ :
والخيرُ لا يأتي ابتغاءٌ به *** والشَرُّ لا يُفنيه ضَرْحُ الشّموسْ
وهو مجاز مرسَلٌ، عَلاقته اللازميَّة .
+ تصاريفُه ( المسموعُ منها ممَّا لا يوجِبه القياس إيجابًا ) :
يقال : ضرَحه يضرَحه ، من باب ( فتح ) ، ضَرْحًا ( وهو مصدرٌ قياسيّ ) ، وضِراحًا ( وهو خاصٌّ بالرَّمح بالرجلِ . وهو قياسيّ في ذلك لدَِلالته على الامتناع ، كالإِباء ، والنِّفار ، والفِرار ، والشِّماس . ذكرَه سيبويه ) .
فانضرحَ ( وذلكَ في المعاني المجازيَّة خاصَّةً ) .
واضطَرحه ( ويكثر استعمالُه في رمي الرجُلِ ، لثِقَلِه ؛ فزادوا في المبنَى لزيادة المعنَى ) .
وضارحَه مضارحة ( وهو مصدر قياسي ) ، وضِراحًا ( والأصح أنه سَماعيّ ) .
وفي « اللسان » ط صادر ، تصحيفٌ أدَّى إلى زيادة تعدية هذا الفعل بالهمزة ؛ وذلك قوله : ( وأضرحه عنك ، أي : أبعده ) ، والصواب - نصًّا لا تفسيرًا - : ( واضرحْه عنك ، أي : أبعِدْه ) كما في « الصحاح » ، وكما يَدلّ عليه سائرُ المادَّة .
وصيغة المبالغة من ( ضرَحَ ) : ضَروحٌ ( وهي قياسية )
و : ضرَحٌ ( وهي على غير قياس متلئبّ ، ولا تدخل التاء على مؤنثها )
وقالوا : ( رجلٌ ضَريحٌ ) . وهو فعيلٌ بمعنى مفعول ، كما قالوا : جريح ، بمعنى مجروح ، وقتيل ، بمعنى مقتول . والمراد أنَّه كالمرميِّ بعيدًا .
وقالوا : ( رجلٌ ضَرَح ) بمعنى ( فاسد ) . و ( ضرَح ) هنا نائبٌ هنا عنِ المفعول ، كـ ( حسَب ) ، و ( عدَد ) ، و ( قنَص ) ، و ( ووَلَد ) ، إلا أنَّه لا يَزال باقيًا على وصفيَّته . وتأويلُه : ( المرميّ لفساده ) .
= التفريعات الاشتقاقية على الأصل الأول :
خصَّصتِ العربُ سببًا من أسبابِ ( الضَّرْح ) بمعنى ( الرَّمي ) من طريق ( التغيير بالزيادة ) ؛ فقالوا : ( أضرحَه ) بمعنى ( أفسدَه ) . وذلك أنَّ ( الفسادَ ) سببٌ من أسباب الرَّميِ ؛ إذْ كان معنًى من المعاني اللازمة التي لا تُجاوِز صاحبَها . فلمَّا بقِيَ على أصلِه ثلاثيًّا مجرَّدًا ، احتاجوا إلى بناء آخرَ يدلُّون به على إيقاعِ الفسادِ ؛ فأخذوا بالقياسِ الغالبِ ؛ وهو التعديةُ بالهمزةِ ؛ فزادوا ( أفعلَ ) لهذا الغرضِ .
على أنَّ في ثبوت هذا المعنَى نظرًا ، لأنَّ مرجعه إلى المؤرِّج السَّدوسيِّ ، وقد قال الأزهريّ في « التهذيب » : ( وكلّ ما جاء عن المؤرّج فهو ممَّا لا يعرَّج عليه إلاّ أن تصحّ الرواية عنه ) . ولا ندري مَن رَوى هذا عنه .
+ تصاريفُه :
يقال : أضرحتُ فلانًا ، والسوقَ ، ونحوَها فضرحَ يضرَح ( من باب فتح ) ضُروحًا ( وهو مصدر قياسي ) ، وضَرْحًا ( وهو سَماعي عند أكثرهم في اللازم ) .
الأصل الثاني :
الشَقُّ . وغلَبَ على شَقِّ القبر .
+ تصاريفُه :
يقال : ضرحَه يضرَحه ( من باب فتح ) ضَرْحًا ؛ فانضرحَ .
وقولهم : ( ضريح ) للقبرِ فعيلٌ بمعنَى مفعول . وهو اسمٌ غيرُ وصفٍ . وقد زادوا التاء في آخِره توكيدًا للنَّقلِ ؛ فقالوا : ( ضريحة ) ، كما قالوا : ( طبيعة ) ، و ( خليقة ) .
الأصل الثالث :
اللونُ الأبيضُ ؛ يقال : نسرٌ مَضْرحيٌّ ، وصقرٌ مَضْرحيٌّ ، كما قال طرفة :
كأنَّ جناحَي مَضرحيٍّ تكنَّفا *** حِفافَيه شُكّا في العسيبِ بمِسردِ
فحذفَ الموصوفَ لدلالة الكلام عليه .
ورجلٌ مضرحيٌّ ، كما قال جرير :
بأبيضَ من أميةَ ، مَضْرَحيٍّ *** كأنّ جبينَه سيفٌ صَنيعُ
فأتَى بـ ( مَضْرحي ) بعد ( أبيضَ ) توكيدًا ، كما تقول : ( أبيض يقََق ) . والبياضُ مما تمتدح به العربُ ، كما قال زهيرٌ :
أغرّ ، أبيضُ ، فيَّاضٌ ، يفكِّك عن *** أيدي العناةِ ، وعن أعناقِها الرِّبَقا
وكما قال أبو طالب :
وأبيض ، يُستسقَى الغَمامُ بوجهِه *** ثِمال اليتامى ، عصمة للأراملِ
إذْ كان رمز الصفاء ، والنقاء . وهم لا يريدونَ بهذا وصفَه بالبياضِ حقيقةً ؛ وإنما يريدونَ أنه طاهرٌ ، لم يخالطه دنَسٌ ، كالشيء الأبيضِ ؛ فهو استعارة تصريحية تبعية . ومتى وافقَ هذا بياضًا في الممدوح ؛ كانَ أبلغَ ، وأوفقَ .
+ تصاريفه :
لم يجئ منه إلا ( مَضْرَح ) ، و ( مَضْرَحِيّ ) . والياء في آخرِه ليست ياء النسب ؛ وإن كانت على صورتِها ؛ فهي كـ ( كرسيّ ) ، و ( بُخْتي ) ؛ إلا أنه مشتقٌّ ، غيرُ جامد .
= الأعلام :
ذكروا من الأعلام ( الضُّراح ) – وهو بيت في السماء - ، وقيل : ( الضريح ) ، و من أسماء الرجال ( ضَراح ) ، و ( مضرِّح ) ، و ( ضارح ) ، و ( ضُريح ) ، و ( مَضْرحي ) .
- وللحديثِ حواشٍ ، نوردُها - إن شاء الله - .