استوقفتني ترجمة الإمام في السير وكذا تعليق المحقق (6/390-392) :
"وَجَاء فِي المطُّبُوع من " ميزَان الِاعْتِدَال " 4 / 265، بِتَحْقِيق عَلّي مُحَمَّد البجاوي مانصه: النُّعْمَان بن ثَابت، بن زوطى، أَبُو حنيفَة الْكُوفِي إِمَام أهل الرَّأْي، ضعفه من جِهَة حفظه النَّسَائِيّ، وَابْن عدي وَآخَرُونَ، وَترْجم لَهُ الْخَطِيب فِي فَصلين من تَارِيخه، وَاسْتَوْفَى الْفَرِيقَيْنِ معدليه ومنصفيه.
وَقد أوسع الْعَلامَة اللَّكْنَوِي القَوْل جدا فِي التَّدْلِيلِ عَلَى دس هَذِه التَّرْجَمَة فِي " الْمِيزَان " فِي كِتَابه " غيث الْغَمَام عَلَى حَوَاشِي الْكَلَام " ص 146، وَذكر وُجُوهًا كَثِيرَة فِي تَعْزِيز نَفيهَا من الْمِيزَان.
وَمِمَّا قَالَه رَحمَه الله،: إِن هَذِه الْعبارَة لَيست لَهَا أثر فِي بعض النّسخ الْمُعْتَبرَة، عَلَى مَا رَأَيْتهَا بعَيْني، وَيُؤَيِّدهُ قَول الْعِرَاقِيّ فِي " شرح أَلْفيته " 3 / 260 لكنه أَي: ابْن عدي ذكر فِي كتاب " الْكَامِل " كل من تكلم فِيهِ وَإِن كَانَ ثِقَة. وَتَبعهُ =
عَلَى ذَلِك الذَّهَبِيّ فِي " الْمِيزَان " إِلَّا أَنه لم يذكر أحدا من الصَّحَابَة والأئمة الْمَتْبُوعِينَ .
وَقَول السَّخَاوِي فِي " شرح الالفية " ص 477: مَعَ أَنه: أَي الذَّهَبِيّ، تبع ابْن عدي فِي إِيرَاد كل من تكلم فِيهِ وَلَو كَانَ ثِقَة، لكنه الْتزم أَلا يذكر أحدا من الصَّحَابَة، وَلَا الأئمة الْمَتْبُوعِينَ .
وَقَول السُّيُوطِيّ فِي " تَدْرِيب الرَّاوِي " ص 519 إِلَّا أَنه - أَي الذَّهَبِيّ - لم يذكر أحدا من الصَّحَابَة وَلَا الأئمة الْمَتْبُوعِينَ .
فَهَذِهِ الْعبارَات، من هَؤُلَاءِ الثِّقَات، الَّذين قد مرت أَنْظَارهمْ عَلَى نسخ الْمِيزَان الصَّحِيحَة مَرَّات تنَادِي بِأَعْلَى الصَّوْت عَلَى أَنه لَيْسَ فِي حرف النُّون من الْمِيزَان أثر لِتَرْجَمَة أبي حنيفَة النُّعْمَان فَلَعَلَّهَا من زِيَادَات بعض النَّاسِخِينَ وَالنَّاقِلِينَ فِي بعض نسخ الْمِيزَان بل قد صرح الذَّهَبِيّ فِي مُقَدّمَة الْمِيزَان 1 / 3 فَقَالَ: وَكَذَا لَا أذكر فِي كتابي من الأئمة الْمَتْبُوعِينَ فِي الْفُرُوع أحدا لِجَلَالَتِهِمْ فِي الإسلام وَعَظَمَتهمْ فِي النُّفُوس مثل أبي حنيفَة، وَالشَّافِعِيّ، وَالْبُخَارِيّ، فَإِن ذكرت أحدا مِنْهُم، فَأَذْكُرهُ عَلَى الإنصاف، وَمَا يضرّهُ ذَلِك عِنْد الله، وَلَا عِنْد النَّاس.
وَجَاءَت فِي الْمَطْبُوعَة من الْمِيزَان تَرْجَمَة أبي حنيفَة فِي سَطْرَيْنِ لَيْسَ فِيهَا دفاع عَن أبي حنيفَة إطْلَاقًا.
وَإِنَّمَا تحط عَلَى جرحه وَتَضْعِيفه وَكَلَام الذَّهَبِيّ فِي الْمُقدمَة يَنْفِي وجودهَا عَلَى تِلْكَ الصّفة، لأنها تحمل الْقدح لَا الإنصاف.
وَقد رُوجِعَ الْمُجلد الثَّالِث من ميزَان الِاعْتِدَال الْمَحْفُوظ فِي ظَاهِرِيَّة دمشق، وَهُوَ بِخَط الْحَافِظ: شرف الدَّين عبد الله بن مُحَمَّد الدَّانِي الدِّمَشْقِي، الْمُتَوفَّى سنة 749 تِلْمِيذ مُؤَلفه الذَّهَبِيّ، وَقد قرئَ عَلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات، مَعَ الْمُقَابلَة بِأَصْل الذَّهَبِيّ، فَلم تُوجد فِيهِ تَرْجَمَة =
للإمام أبي حنيفَة فِي حرف النُّون وَلَا فِي الْكُنَى، وَكَذَلِكَ رَجَعَ بَعضهم إِلَى نُسْخَة من الْمِيزَان مَوْجُودَة فِي الْخزانَة الْعَامَّة فِي مَدِينَة الرِّبَاط، وَلم يجد فِيهَا أَيْضا تَرْجَمَة للامام أبي حنيفَة رَحمَه الله، وَقد وصفت هَذِه النُّسْخَة بِالْجودَةِ، وَالندْرَة، لأنه قَرَأَهَا عَلَى الْمُؤلف غير وَاحِد من الأعلام.
وَأما مَا يُؤثر عَن النَّسَائِيّ، وَابْن عدي من تَضْعِيفهمْ لأبي حنيفَة من جِهَة حفظه، فَهُوَ مَرْدُود لَا يعْتد بِهِ، فِي جنب تَوْثِيق أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل من أَمْثَال: عَلّي بن الْمَدِينِيّ، وَيَحْيَى بن معِين، وَشعْبَة وَإِسْرَائِيل بن يُونُس، وَيَحْيَى بن آدم، وَابْن دَاوُد الْخُرَيْبِي، وَالْحسن بن صَالح، وَغَيرهم.
فَهَؤُلَاءِ كلهم معاصرون لأبي حنيفَة أَو قَرِيبُو الْعَهْد بِهِ.
وهم أعلم النَّاس بِهِ.
وَأعلم من النَّسَائِيّ، وَابْن عدي.
وَأَمْثَالهمَا من الْمُتَأَخِّرين عَن أبي حنيفَة بِكَثِير، كَالدَّارَقطنِي الَّذِي ولد بعد مِئَتَيْ سنة من وَفَاة أبي حنيفَة، فَقَوْل هَؤُلَاءِ الأئمة الاقرب والاعلم، أَحْرَى بِالْقبُولِ، وَقَول الْمُتَأَخر زَمَانا أَجْدَر بِالرَّمْي فِي حَضِيض الْخُمُول.
وَقد نقل الشَّيْخ ابْن حجر الْمَكِّيّ فِي " الْخيرَات الْحسان " ص 34 قَول شُعْبَة بن الْحجَّاج فِي أبي حنيفَة: " كَانَ وَالله حسن الْفَهم، جيد الْحِفْظ " وَهَذَا نَص صَرِيح فِي قُوَّة حفظه، صَادر عَمَّن هُوَ مَشْهُود لَهُ بالامامة وبالتدين، وَالتَّشَدُّدَ فِي نقد الرِّجَال.
وَبِهَذَا القَوْل الرشيد يسْقط كل مَا ادَّعَاهُ الْمُتَعَصِّبُو نَ، والحاقدون، من مُتَقَدم وَمُتَأَخِّر، من ضعف حفظ هَذَا الامام الْعَظِيم." اهـ .
وقول شعبة هنا بحاجة لتخريج، ولعل أحد الأفاضل هنا يتحفنا به ...