بارك الله فيك.. إن ثبت هذا فما زلت أعجب من متابعة الشيخ أحمد شاكر للمقريزي في مثل هذا!
بارك الله فيك.. إن ثبت هذا فما زلت أعجب من متابعة الشيخ أحمد شاكر للمقريزي في مثل هذا!
كلام المقريزي مستقيم، وهاهو بتمامه:
... وكانت أحكام الحُجَّاب أوّلاً يُقال لها حكم السياسة، وهي لفظة شيطانية لا يعرف أكثر أهل زماننا اليوم أصلها، ويتساهلون في التلفظ بها ويقولون: هذا الأمر مما لا يمشي في الأحكام الشرعية، وإنما هو من حكم السياسة، ويحسبونه هيناً، وهو عند الله عظيم، وسأ بين معنى ذلك، وهو فصل عزيز.
اعلم أن الناس في زمننا، بل ومنذ عهد الدولة التركية بديار مصر والشام، يرون أن الأحكام على قسمين: حكم الشرع، وحكم السياسة. ولهذه الجملة شرح، فالشريعة هي ما شرّع الله تعالى من الدين وأمر به، كالصلاة والصيام والحج وسائر أعمال البرّ، واشتُقَّ الشرع من شاطىء البحر، وذلك أن الموضع الذي على شاطىء البحر تشرع فيه الدواب، وتسميه العرب الشريعة، فيقولون للإبل إذا وردت شريعة الماء وشربت: قد شرع فلان إبله، وشرّعها، بتشديد الراء إذا أوردها شرية لماء، والشريعة والشراع والشرعة، المواضع التي ينحدر الماء فيها. ويقال: شرّع الدين يشرّعُهُ شرعاً بمعنى سنّه. قال الله تعالى: " شرّع لكم من الدين ما وصى به نوحاً " الشورى 13 ويقال: ساس الأمر سياسة، بمعنى قام به. وهو سائسٌ من قومٍ ساسةٌ وسوس، وسوّسه القوم. جعلوه يسوسهم، والسوس الطبع والخلق، فيقال: الفصاحة من سوسِهِ الكرمُ من سوسِه، أي من طبعِهِ. فهذا أصل وضع السياسة في اللغة. ثم رُسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال.
والسياسة نوعان: سياسة عادلة تُخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الأحكام الشرعية، علمها من علمها، وجهلها من جهلها. وقد صنف الناس في السياسة الشرعية كتبا متعدّدة. والنوع الآخر سياسة ظالمة، فالشريعة تحرّمها وليس ما يقوله أهل زماننا في شيء من هذا، وإنما هي كلمة مُغْليَّة، أصلها ياسه، فحرّفها أهل مصل وزادوا بأولها سيناً فقالوا سياسة، وأدخلوا عليها الألف واللام فظن من لا علم عنده أنها كلمة عربية، وما الأمر فيها إلاّ ما قلت لك.
واسمع الان كيف نشت هذه الكلمة حتى انتشرت بمصر والشام. وذلك أن جنكز خان القائم بدولة التتر في بلاد الشرق، لما غلب الملك أونك خان وصارت له دولة، قرّر قواعد وعقوبت أثبتها في كتاب، سمّاه ياسه، ومن الناس من يسميه يسق، والأصل في اسمه ياسه، ولما تمم وضعه كتب ذلك نقشاً في صفائح الفولاذ، وجعله شريعة لقومه فالتموه بعد حتى قطع الله دابرهم. وكان جنكز خان لا يتدين بشيء من أديان أهل الأرض، كما تعرف هذا إن كنت أشرفت على أخباره، فصار الياسه حكماً بتَّاً بقي في أعقابه لا يخرجون عن شيء من حكمه.
فهو يقول: السياسة كلمة عربية معروفة، ولكن الكلمة التي يستعملها أهل عصره في مقابل الشريعة ليست هي الكلمة العربية، وإنما هي الكلمة المغولية بعد تحريفها.
ويظهر أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله لم يفطن إلى هذا الفرق الدقيق.
السلام عليكم ،
جاء في [النجوم الزاهرة : 2/205]:
قلت : هو صاحب " التورا " و " اليسق " ، وقد أوضحنا أمره في غير هذا الكتاب ، وذكرنا أصله واعتقاد التتار فيه ، وأشياء كثيرة . والتورا باللغة التركية هو المذهب ، واليسق هو الترتيب . وأصل كلمة اليسق : سي يسا ، وهو لفظ مركب من أعجمي وتركي ، ومعناه : التراتيب الثلاث ، لأن " سي " بالعجمي في العدد ثلاثة ، و " يسا " بالتركي : الترتيب ؛ وعلى هذا مشت التتار من يومه إلى يومنا هذا ، وانتشر ذلك في سائر الممالك حتى ممالك مصر والشام ، وصاروا يقولون : " سي يسا " ، فثقلت عليهم فقالوا : " سياسة " على تحاريف أولاد العرب في اللغات الأعجمية .
الأخوة الكرام وفقكم الله تعالى
-----------------
لقـد رجعت إلى بعض المصادر ذات الصلة بالألفاظ العجمية المعربة فوجدت هذا الكلام المفيد جداً .
يقول العلامة الخفاجي رحمه الله تعالى : ( السياسة قيل هو معرب ( سـه يسـا ) وهي لفظة مركبة أولاهما أعجمية ، والأخرى تركية ، فسـه بالفارسية ثلاثة ، ويسـا بالمغلية الترتيب ، فكأنه قال التراتيب الثلاثة ، وسببه على ما في النجوم الزاهرة أن جنكيزخان ملك المغل قسم ممالكه بين أولاده الثلاثة وأوصاهم بوصايا أن لا يخرجوا عنها فجعلوها قانوناً وسموها بذلك ثم غيروا فقالوا سياسة وهذا غلظ فاحش فإنها لفظة عربية متصرفة تكلموا بها قبل خلق جنكيزخان وعليه جميع أهل اللغة
قال الحماسي : فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة ننصف ) إهـ شفاء العليل فيما في كـلام العـرب مـن الدخيل (121) للعلامة شهاب الدين الجفاجي .
بارك الله فيك.. وينبغي عدم إغفال أنَّ الكلمة مستعملةٌ كما تقدَّم ذكره من كلام الخفاجي قبل أن يخلق جنكيز خان وأبناؤه ويازقه!
ولا أدري كيف أنَّ الكلمة (سياسة) ليست عربيَّة الأصل والمنشأ وقد تكلَّمت بها العرب قبل جنكيز والمغل؟ إذ السياسة الملكيَّة للرعيَّة هي رعاية الرعيَّة وتصريف شؤونهم، وهذا هو المعنى العربيُّ المطابق للسياسة الحالية ولو بطرفٍ، فأين هذا من ادِّعاء كون أصل الكلمة فارسية مغولية معرَّبة!!
قال الكميت الأسدي (وهو مخضرم جاهليٌّ - إسلاميٌّ):
وَيَلعَنُ فَذَّ أُمَّتِهِ جِهَارَاً![]()
![]()
إِذَا سَاسَ البَرِيَّةَ والخَلِيعَا
بِمَرضِيِّ السِّيَاسَةِ هَاشِمِيٍّ![]()
![]()
يَكُونُ حَيَاً لأُمَّتِهِ رَبِيعَا
وَليثاً فِي المَشَاهِدِ غَيرَ نِكسٍ![]()
![]()
لِتَقوِيمِ البَرِيَّةِ مُستَطِيعَا
وقال جرير الخطفي:
ساسَ الخِلافَةَ حينَ قامَ بِحَقِّها![]()
![]()
وَحَمى الذِمارَ فَما يُضاعُ ذِمارُ
ولو أردنا الاستطراد في مثل هذا لطال الكلام، مع أنِّي أراه من البدهيَّات التي لا ينبغي متابعة الغلط فيها.
الشيخ عدنان وفقك الله تعالى
------------------
الأمر كما قلت فكلمة ( الساسية ) هي عربية الأصل والمنشأ .. ومن قال بأن هذه الكلمة أصلها ليس عربي ! .. فقوله لا شك أنه خطأ لا يتـابـع عليه .. وبالله التوفيق .
هــذه المشاركة سوف تكون حـول الشبهة التي سبق الرد عليها وهـي قولهم : أن بعض سلاطين المماليك كانوا يحكمون بقانون ( الياسق التتري ) ومـع هــذا لم يكفرهم علماء السلف !! ؟
وقـد قلنا سابقاً أن هذا الزعم عاري عن الدليل الصحيح ، وأن بنود الياسق التي كان يتبعها بعض سلاطين المماليك هي من تلك النوع الترتيبي التنظيمي ، ولست من البنود التشريعات القضائية التعبدية كما ذكر محقق كتاب ( النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ) الأستاذ محمد حسين شمس الدين .
فالقول بـأن مـن حكم بـ ( الياسق ) مـن التتار فهو كافر ، ومـن حكم بنفس ( الياسق ) مـن المماليك ليس بكافر .. هـو في حقيقته تفريق باطل .. بل علماء السلف كان موقفهم صريح من كل من حكم بالياسق ، ولذلك حكموا على الطاغية تيمورلُنك بالكفر الأكبر عندما اتبع ( نظام حكم الياسق ) رغم أنه كان يدعي الإسلام
وسوف أنقل لكم ما جاء في كتاب : (( التشريع الوضعي في ضوء العقيدة الإسلامية )) لصاحبه محمد بن حجر القرني ، وهوكتاب مقدم إلى جامعة أم القرى لنيل درجة الماجستير .
وهــذا نص كلامه
يقول صاحب كتاب " التشريع الوضعي في ضوء العقيدة الإسلامية " : ( ومن الأمثلة التي توضح وتؤيد أن اعتماد التشريع الوضعي كفر بمجرده - ما كان من شان تيمورلُنك - فإنه كان قد أعلن إسلامه ، وأظهر شعائر الإسلام في بلاده ، ومن ذلك أنه بعث برسالة إلى بعض الحكام يعاتبه فيها على عدم إقامة المساجد وعدم المحافظة على الصلوات ، قال فيها : " إن ولاتك على مذهب سيء ، وليس لديهم أي مسجد ، ولا يحرصون على إقامة الجمعة وصلاة الجماعة مطلقاً ، وإنهم لا يقيمون الفرائض والسنن ، وإذا خرج شخص يؤذن للصلاة يلحقون به الأذى ، وا أسفاه على لقب الرئاسة الذي نلته " ، وكان مكرماً لعلماء الدين حريصاً على تشييد المساجد والمدارس في سمرقند وأصفهان وتبريز ، لكنه كان يعتمد تشريع جنكيز خـان " الياسا " ويجعله أصلاً في تدبير مملكته . ولأجل هذا أفتى العلماء بكفره ، وفيما يلي أقوالهم :
قال السخاوي رحمه الله في سياق كلامه عن تيمورلنك : ( يعتمد قواعد جنكز خان ويجعلها أصلاً ، ولذلك أفتى جمع جم بكفره ، مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة ) إهـ الضوء اللامع (3/49).
وقال ابن عربشاه رحمه الله : ( كان معتقداً للقواعد الجنكز خانية ، وهي كفروع الفقه في الملة الإسلامية ، وممشياً لها على الطريقة المحمدية ... ومن هذه الجهة أفتى كل من مولانا وشيخنا حافظ الدين البزازي رحمه الله ومولانا وسيدنا وشيخنا علاء الدين محمد البخازي أبقاه الله وغيرهما من العلماء الاعلام وأئمة الإسلام بكفر تيمورلنك ، وبكفر من يقدم القواعد الجنكزخانية على الشريعة الإسلامية ) إهـ عجائب المقدور في نوائب تيمور(455).
وقال الشوكاني رحمه الله وهو يتكلم عن جنكز خان وياسقه والتزام المتملم بعد به : " فلزم طريقته الملعونة وتدبيره المشؤوم المتملك بعده من أولاد ، ثم المتملك بعدهم من ولد ولده ... ثم اقتفى هذه الطريقة القبيحة والتدبير الكفري تيمورلنك فإنه كان لا يعمل في تدبير ملكه بغير كتاب الياسا ) إهـ
وهــذا الكلام من هؤلاء العلماء آت على مقتضى القاعدة العامة المتقررة في نصوص الشريعة ، والتي عبّر عنها الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله بقوله : " من هدي القرآن للتي هي أقوم : أن كل من اتبع تشريعاً غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم ، محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه : فاتباعه لذلك التشريع المخالف كفر بواح مخرج عن الملة الإسلامية ) إهــ كتاب التشريع الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية (376 )
فهــذا كلام واضح في كفر من حكم بالياسق .. فهل يعقل أن يحكم العلماء على تيمورلنك بالكفر ولا يحكموا على سلاطين المماليك بالكفر مع أن كلاهما قد حكم بالياسق كما يزعم القوم !!!!! ..... سبحانك هذا بهتان عظيم .
بارك الله فيك.. أنا لم أقف على كلام المردود عليه، ولكن لي ملاحظات على كلامك وفقك الله..فابن كثير لم يقل إنهم يقدمون الياسق على كتاب الله ، هكذا بإطلاق ، بل قال : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله" .. فدل ذلك على أنهم يقدمون الحكم بالياسق على الحكم بالقرآن .. والحكم فعل على الجوارح ، ولم يذكر ابن كثير الاستحلال هنا أيضاً .
فما أجملته هنا قد يلزمك تفصيله حتى يتبين لنا على أي وجه تحمل كلام ابن كثير رحمه الله..
أخي، التقديم والتفضيل بمعنًى، فإذا خُير الإنسان بين شيئين، وقدم أحدهما على الآخر، فهو ولا ريب مفضل لما قدمه واختاره على ما تركه!! فالتقديم هنا في كلام ابن كثير رحمه الله مناط تكفير ولا شك، لا يلزم معه ذكر استحلال ولا اعتقاد! إذ كيف يقال لرجل: أمامك محكمة شرعية ومحكمة وضعية، فأيهما تختار، فيقول أختار الوضعية، يقدم الوضعية على الشرعية وهو يعلم، كيف يقال لهذا أنه لا يكفر من مجرد هذا الفعل؟ بل يكفر ولا شك، لأن فعله هذا دال على الاستحلال عنده (إلا أن يكون مكرها، على تفصيل في ذلك)، وآيته هنا تقديمه وتفضيله لحكم الطاغوت على حكم الله! فكلمة تقديم هنا لا يحتاج معها إلى أن يقول مثلا (معتقدا أن الياسق أفضل من شرع الله)، حتى يُفهم أنه يفضل الياسق (اعتقادا) على القرءان وحكمه، إذ المعنى المكفر مفهوم هنا بالاقتضاء!
فتفريقك - وفقك الله - في الكلام الآنف اقتباسه بين قول القائل "يقدمونه على كتاب الله" وقوله "يقدمونه على الحكم بكتاب الله" تفريق عجيب لا وجه له، لأن اللازم واحد والمقتضى واحد لمن تأمل!! المقتضى أن أحكام ذلك القانون عنده مقدمة على أحكام القرءان! فمن هكذا دينه - تقديم الحكم بالياسق على الحكم بالقرءان - فلا حظ له من الإسلام ولا مراء!! ففعل الجوارح الذي هو التقديم، قرينة على التفضيل القلبي واضحة لا تحتاج إلى بيان ولا إلى ذكر استحلال ولا غيره!
قلت الكلام هنا واضح من ابن كثير رحمه الله: من كان من فعله ترك الكتاب والسنة اختيارا، والعدول عنهما إلى قانون آخر وهو مختار عالم بذلك، مقدما لما اختاره على ما تركه وهو يعلم أن المتروك هو حكم الله، فهذا لا مرية في كفره!!فمن ترك الشرع المحكم المنـزل على محمد بن عبدالله ، خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين .
قلت كما أسلفت فإن لفظة (مقدِّما) لا يفهم منها إلا الاستحلال وتفضيل ما سوى شرعة الله عليها!! وهذا هو مناط الكفر بهذا الفعل هنا، فلا يحتاج الاعتقاد إلى أن يُذكر تفصيلا!ذكر ابن كثير أولاً أن التحاكم إلى غير شريعة الله كفر ، ولم يذكر الاعتقاد هاهنا .. بل جعل مجرّد التحاكم كفراً .
قلت أحسن الله إليك، هذه هي.. وفقك الله.. ولكن هل يُتصور أن يفعل هذا الفعل من لا يستحله ولا يرى به بأسا؟ أعني من يقول، دعوا عنكم أحكام القرءان والسنة، وخذوا هذا في مكانها، هل هذا يحتاج إلى أن ننظر هل عنده استحلال أم لا؟ بل مقتضى هذا القول أو الفعل الاستحلال ولا شك!فمعنى كلام ابن كثير حينئذ هو أنه من جعل حكمه المخالف لشرع الله تعالى شرعاً متبعاً ، وسنة ومنهجاً ، يسير عليه الناس ، وأبطل به أصل العمل بحكم الله ، فهذا هو الكافر ..
السلام عليكم ،
بارك الله فيك أخي أبا الفداء ، ولي ملاحظات على ما تفضلتم به .
قولك :
ألا ترى معي - بارك الله فيك - أن كلامك فيه إطلاق غير سديد ؟المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
فكون الرجل يقدّم شيئاً على شيء ، لا يعني ذلك ضرورة تفضيله واستحسانه قلبياً . ومثال ذلك :
رجل خُيّر بين الزواج الشرعي الحلال من امرأة عفيفة طاهرة ، وبين الزنى بعاهرة نجسة ، فاختار الزنى لأنه لا يتحمل تبعات ومسؤوليات الزواج ، مع إقراره أن الخير والصلاح والفلاح كله في طاعة أمر الله تعالى في الزواج ، وأن الزنى ما هو إلا شر وإثم ، وهو مستحق للعقوبة ، راكب للحرام .
فهل نقول عن مثل هذا أنه كافر ؟ .. فهو قد قدّم الزنى على النكاح الشرعي .
فإن قلت لي لا ، فأقول : فكيف حكمت على الرجل بالاستحلال ثم الكفر بمجرد تقديمه لحكم الطاغوت على حكم الله ؟
ثم أسألك : أليس حكم الطاغوت هو كل حكم مضاد لحكم الله تعالى ؟ .. فمن حكم بهواه في واقعة ما ، وهو يعلم أنه آثم مذنب ، لماذا لا يكفر وهو قد قدّم الحكم بالطاغوت (في هذه الواقعة) على الحكم بكتاب الله ؟
نعم ، التقديم بالفعل هو كفر عملي ، ولكنه لا يستلزم ضرورة قيام الاستحسان في القلب .. وهكذا الحال في سائر المعاصي .
أقول في ذلك ما قلتُ آنفاً .. إلا أنني أزيد أن قوله : "يقدمونه على كتاب الله" يوهم أنهم يفضلون الياسق على كتاب الله ، وهذا لا شك أنه كفر .. ولكن قوله : "يقدمونه على الحكم بكتاب الله" يفيد أن التقديم هنا هو في العمل بالكتاب ، لا في اعتقاد أفضلية الكتاب .المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
فإن كان الحال كذلك ، علمنا أن من خالف الكتاب بعمله ، واتبع هواه ، فقد وقع في كفر عمليّ ، إن استلزم كفراً قلبياً كفر .
وابن كثير - رحمه الله - لم يذكر الاستحلال والتفضيل القلبي البتة في كلامه ، ولكنه نوّه إلى مسألة هامّة وهي أن هذا الفعل المخالف لكتاب الله ، إن كان شرعاً مسلوكاً ، ومنهجاً متبعاً ، فإن صاحبه يكفر ولا بد ، وهذا ناجم عن مسألة أصولية عند أهل السنة والجماعة في تارك جنس العمل .
فمن ترك شيئاً من العمل الواجب ، فهو آثم ، ومن جعل ترك هذا العمل أصلاً يعمل به ويتحاكم إليه ، فهذا كافر .
فهؤلاء الذين حكموا بالعادات الجاهلية وبالياسق جعلوا هذه الأحكام هي الأصل المتبع والمردود إليه الأمر عند النزاع ، فعندها يكونون كفاراً بإبطلاهم لأصل العمل بشريعة الله تعالى . ولا ضير حينها أن نقول : إن إبطال أصل الحكم هو دليل على الاستحلال .. لأن الكفر العملي الأكبر يستلزم كفراً في القلب ولا بد .
فالاستحلال هنا هو لازم للكفر العملي الأكبر ، وليس هو علّة بذاته يُستدل لها ..
ومثال ذلك ناكح امرأة أبيه .. فحيث أن النكاح هو استحلال للفرج ، فلا يُنظر حينها إلى معتقد هذا الرجل ، ولا يُقال : هل أنت معتقد حلّ هذه المرأة أم حرمتها .. لأن فعله بحد ذاته كفر ، وهو تحليل الحرام ، بغض النظر عن اعتقاده ، وهذا يلزم منه أحد الأحوال القلبية الكفرية ، كاستهزاء بشريعة الله أو استهانة بأمر الله .. وغير ذلك مما قد لا نحيط به علماً .
فعند الحكم على الفعل بالكفر ، لا نعلل له باستلزامه لكفر القلب ، بل يكفي أن نثبت أن فعله كفر أكبر .
فعندئذ لا أرى قولك إن هذا دليل على الاستحلال القلبي منضبطاً .. بل الأولى أن تقول : إن فعله في نفس الأمر كفر ، وهو علّة التكفير هنا ، وهذا الكفر يستلزم كفر القلب .
وما يفرق حينها من يحكم في قضية معينة بهواه ، مع إقراره بالإثم .. وبين من يحكم بقانون ؟ .. فكلاهما قدّم حكم الطاغوت على حكم الله !المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
وما يفرق من يقدّم طاعة المخلوق على طاعة الخالق ؟ .. لماذا لا نقول : هذا يستلزم أنه يحب المخلوق أشد من حبه لله !!
هذا الفعل أيها الفاضل يستلزم كفر القلب ، ولكنه (أي الفعل) كفر في ذاته بإبطال أصل حكم الله .. ومناط الكفر حينئذ هو نفس الفعل لا غير .المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
هذا ، والله أعلم
بارك الله فيك..
صدقت، ففي كلامي الآنف توجيه لكلام ابن كثير رحمه الله ربما يكون قد اعتراه - كما تفضلتَ - شيء من العجلة وضعف التحرير..
وقولي أن التقديم يلزم منه التفضيل إنما أريد به ما فهمته من كلام ابن كثير هنا.. وإلا فصحيح أنه قد يكون التقديم مع اعتقاد حرمة ذلك واعتقاد أنه يأثم به، كمن يختار الفعل الحرام إذا خير بينه وبين الحلال وهو يعلم أنه يفعل الحرام وأنه آثم بذلك.. فلا يكون هذا الاختيار والتقديم استحلالا، هذا أتفق عليه معك..
دعني أحرر الكلام بعض الشيء.. فالمسألة دقيقة ولا يجوز فيها سوء التحرير..
وبداية فالذي يظهر لي أننا نتفق على أن الوقوع في هذا الفعل، فعل الحكم بغير حكم الله، لا يلزم منه الاستحلال ومن ثم لا يلزم منه الكفر! وهذا أظننا نتفق على أنه مذهب ابن كثير أيضا، رحمه الله..
فعندما يخرج منه رحمه الله هذا الكلام:
فكيف نوجهه توجيها صحيحا؟ هل كلمة (تحاكم) هذه على إطلاقها، بحيث تدخل فيها سائر حالات التحاكم وصوره بلا تفصيل؟ فإن كانت تحتمل، فكذا قوله رحمه الله (ترك) و(قدمها عليه) يحتمل! فهو يحتمل أن يكون مراده بالترك والتقديم ما يقع على علم واستحلال، ويحتمل ألا يكون كذلك..فمن ترك الشرع المحكم المنـزل على محمد بن عبدالله ، خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين
فهو يقرر أن من فعل ذلك الفعل فقد كفر.. فإن قلت أن ابن كثير رحمه الله لا يشترط الاستحلال لكفر من فعل هذا الفعل (مطلق التحاكم للياسا)، وأن هذا يدل عليه عدم ذكره للاعتقاد في هذه العبارة، فقد ألبسته رحمه الله إطلاقا لا يقول به! فماذا نفهم إذا؟
قد يكون التارك للشرع المقدم للحكم الوضعي هذا عاصيا، مع علمه بأن هذا لا يحل، أو مع جهله أصلا بأن هذا الذي قدمه قانون وضعي والذي تركه هو حكم الله!! فهل يكون مجرد فعله كفرا ولكنه لا يكفر به لوجود عوارض الأهلية؟ كلا! وإلا لقلنا أن كل تارك لأمر من أوامر الله، متبعا لأمر غيره سبحانه = قد وقع في فعل الكفر ولكنه لا يُكفر حتى تقام عليه الحجة!!
وهذا تحريره أن نتفق على أن كل معصية - فيما عدا ما اتفق على أنه كفر ناقل من الملة - هي من أفعال الكفر الأصغر لا الأكبر، ما لم يقع في القلب استحلال لها..
فإذا اتفقنا على هذا، وكان تحكيم الياسا من الأفعال التي يحتمل أن تكون معصية ويحتمل أن تكون كفرا أكبر، وجب إذا سبر وتقسيم تلك الأحوال وبيان مناط التكفير فيها حتى نتصور على أيها يحسن توجيه كلام ابن كثير على وفق ما يقول به أهل السنة..
فقد يكون الفعل:
تشريعا يحدثه ولي الأمر ابتداءا، يضعه في مكان حكم الله فيجعله سنة متبعة من حيث الأصل.. فهذا الفعل كفر أكبر، وفاعله قد يكون جاهلا أو متأولا، فلا يٌكفر حتى تقام عليه الحجة، كما هي ضوابط تكفير المعين عند أهل السنة..
تشريعا متبعا في بلد من البلدان، والمحتكم إليه في آحاد من الحالات أو في كل أحواله يعلم أنه خلاف شرع الله، فإن كان راضيا بذلك مفضلا له على حكم الله، أو مساويا له بحكم الله، فقد كفر بذلك (وهو الاستحلال) وإلا فهو عاص آثم.
فعلا مستقلا عن القوانين المشروعة في بلد من البلدان، يفعله الناس فيما بينهم، يخالفون به شرع الله، فإن استحلوه كفروا وإلا فعصيان!
ولا أتصور أنه قد توجد صورة رابعة..
فإن أردنا توجيه كلام ابن كثير رحمه الله هنا، ووجدناه لا يذكر الاستحلال ولا الاعتقاد، توجه بنا الفهم إلى الحالة الأولى، التي يكون فيها فعل الترك والتقديم كفرا أكبر، وهي حالة السن والتشريع..
فإن أردت أن الفعل في نفسه كفر، أقررت لك بذلك، وهو ما أجمع عليه السلف، ولكن هل يكفر به فاعله أم لا، فهذا مآله إلى النظر في تحقق الشروط وانتفاء الموانع..
والذي ظهر لي من لفظه رحمه الله، سيما أنه يتكلم عن الياسا والتي كانت في زمانه شرعة جديدة مستحدثة وضعها واضعوها وفرضوها على المسلمين، وكان هؤلاء الواضعون هم أولو السلطان عليه في زمانه رحمه الله، أنه يقصد بالتقديم هنا ما يلزم منه وجود الاستحلال القلبي، فهو يتكلم عن قوم أسقطوا شرع الله ووضعوا هذا القانون الدنس في مكانه وهم يعلمون، وهم مستحلون.. ولهذا لم يجد حاجة للتفريق بين كفر الفعل وكفر الفاعل أو لبيان مسألة الاعتقاد والاستحلال ونحو ذلك..
وإلا فمن الممكن حمل الكلام على العموم وعلى أنه إنما يتكلم عن الفعل فقط، فعل تشريع قانون مناقض لحكم الله، وهو ما قد يكون فيه استحلال وقد لا يكون، وهو ما أجمع السلف على أنه فعل كفري، ولكن الأول عندي أظهر، والله أعلم.
قلت إذا فلا خلاف بيننا أخي الفاضل ولله الحمد!فهؤلاء الذين حكموا بالعادات الجاهلية وبالياسق جعلوا هذه الأحكام هي الأصل المتبع والمردود إليه الأمر عند النزاع ، فعندها يكونون كفاراً بإبطلاهم لأصل العمل بشريعة الله تعالى . ولا ضير حينها أن نقول : إن إبطال أصل الحكم هو دليل على الاستحلال .. لأن الكفر العملي الأكبر يستلزم كفراً في القلب ولا بد .
وأستأذنك - وفقك الله - في إغلاق الموضوع لأن الإشراف قد اتفقت كلمته على منع الخوض في هذه القضية (قضية الحكم بالقوانين الوضعية) على صفحات المجلس..
والله الموفق.