المذهب أي مذهب الحنابلة : يجب أن يقضى من زال عقله بإغماء جميع الصلوات التي كانت عليه حال إغمائه. وعند الحنفية: أنه إن أغمي عليه يوماً وليلة قضى خمس صلوات، وإن زاد وقت صلاة سادسة فلا قضاء عليه. وعند مالك والشافعي: أنه لا يقضي الصلاة التي خرج وقتها. ( انظر : الدر المختار ( 1 / 102 ) ، والمدونة 1 / 93 ، والاستذكار 1 / 61 ، والأم 1 / 88 ، ومنتهى الإرادات 1 / 51) . واستدل الحنابلة :بما أخرجه ابن ابي شيبة 2/268 : أن عمار بن ياسر أغمي عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأفاق نصف الليل فقضاهن. وعن سمرة بن جندب أنه قال : " المغمى عليه يترك الصلاة ؛ يصلي مع كل صلاة مثلها حتى يقضيها ، قال عمران بن حصين : ليصليهن جميعاً " رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر ، وقالوا أيضاً : إن الصلاة لا تسقط بالإغماء كسائر العبادات ؛ لأنه لا ينقطع به التكليف ، بدليل جوازه على الأنبياء . ( شرح الزركشي 1 / 497 ) . وأيضاً قاسوا المغمى عليه على النائم ( المغني 2 / 51 ) . واستدل الشافعية والمالكية : قوله r في حديث عائشة في المغمى عليه : " ليس من ذلك قضاء ، إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها " رواه الدار قطني والبيهقي . والحديث ضعيف ؛ إذ في إسناده : الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي ، قال أحمد : أحاديثه موضوعة(التعليق المغني 2 / 82 ، ولسان الميزان 2 / 405 ) .
قياس المغمى عليه على المجنون بجامع زوال العقل . ونوقش: بالفارق بأن الجنون تتطاول مدته غالباً، ولا يلزم بشيء من التكاليف، ولا يجوز على الأنبياء، وتثبت الولاية عليه، بخلاف المغمى عليه. أنه ورد عن جمع من الصحابة أنه أغمي عليهم ، ولم يقضوا ؛ كابن عمر ، وأنس ، وروى أثر ابن عمر عبد الرزاق ، وروى أثر أنس ابن المنذر في الأوسط واستدل الحنفية : بما روي عن علي : " أنه أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن " . ونوقش : بأنه ليس بثابت وغير معروف في كتب الحديث(العناية على الهداية 2/10 ) . واستدلوا أيضاً : " أن عماراً أغمي عليه يوماً وليلة ؛ فقضاهن " . رواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، والبيهقي ، وضعفه في الجوهر النقي ( 1 / 387 ) . وبما روي عن ابن عمر : " أنه أغمي عليه ثلاثة أيام ولياليهن فلم يقض " رواه البيهقي والدار قطني . ونوقش : أنه ورد عنه أنه أغمي عليه يوماً وليلة فلم يقض . رواه عبد الرزاق والدار قطني والبيهقي .
قال في الإفصاح 1 / 107 : " واختلفوا في المغمي عليه ؛ فقال مالك والشافعي : إذا كان إغماؤه بسبب محرم مثل : أن يشرب خمراً أو دواء لم يحتج إليه لم تسقط عنه ، وكان عليه القضاء فرضاً ، فإن أغمي عليه بمرض أو سبب مباح سقط عنه القضاء ما كان حال إغمائه من الصلاة ، وقال أبو حنيفة : إن كان الإغماء يوماً وليلة فما دون ذلك لم يمنع وجوب الصلاة القضاء ، وإن زاد على ذلك لم يجب عليه القضاء ، ولم يفرق بين أسباب الإغماء ، وقال أحمد : الإغماء بجميع أسبابه لا يمنع وجوب القضاء بحال " . وفي الشرح الكبير مع الإنصاف 3 / 10: " فأما شرب الدواء المباح الذي يزيل العقل، فإن كان لا يدوم كثيراً فهو كالإغماء، وإن تطاول فهو كالجنون ".
الراجح قول من يقول : لا يقضي مطلقا" وأما قضاء بعض الصحابة فإنه يحمل على الاستحباب أو التورع وما أشبه ذلك . وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين . والله أعلم