تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 43 من 43

الموضوع: فوائد من شرح رسالة العبودية لابن تيمية ... من شرح الشيخ يوسف الغفيص

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    2,287

    افتراضي رد: فوائد من شرح رسالة العبودية لابن تيمية ... من شرح الشيخ يوسف الغفيص

    (40)

    قال الشيخ رحمه الله :

    ( وَلها أصلان:

    أَحدهمَا أَن لَا يعبد إِلَّا الله.

    وَالثَّانِي أَلا يعبده إِلَّا بِمَا أَمر وَشرع لَا يعبده بِغَيْر ذَلِك من الْأَهْوَاء والظنون والبدع )

    -------------------

    الشرح :

    -أي العبادة أو العبودية لها أصلان شريفان :

    الأصل الأول : (أَن لَا يعبد إِلَّا الله ) وهو الإخلاص .

    الأصل الثاني : أن يعبد الله سبحانه وتعالى بما شرع ( لا بغير ذَلِك من الْأَهْوَاء ) فكل ما يقابل ما شرع الله فهو بدعة

    كل ما يقابل المشروع فهو المبتدع والمحدث في الدين .

    -لكن المشروع منه ما يكون محكماً في مشروعيته ومنه ما يدخله مادة من الاجتهاد المعتبر وهو الذي مدح صاحبه كما في حديث عمرو بن العاص المتفق عليه ( إذا حكَم الحاكمُ فاجتَهَد ثمَّ أصاب فله أجرانِ وإذا حكَم فاجتَهَد ثمَّ أخطأ فله أجرٌ)

    فهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد المعتبر وهو الاجتهاد حيث لا يوجد الدليل الموجب الصريح أو البين وإنما يكون في المسألة مادة من الاستنباط وهذه الأوجه من الاستنباط هي التي وقع فيها اجتهاد الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم كاجتهاد الأئمة الأربعة والمدارس الفقهية في فروع الشريعة

    وأما في أصول الشريعة فهذه ليست من ذلك البتة .

    -ولهذا كان السلف رحمهم الله يسمون من يخالف الأصول من أهل البدع ولايسمون من يخالفهم من أصناف الفقهاء فلاتجدنهم يسمي بعضهم بعضاً بذلك أو يسمي أقوالهم بذلك يل يجعلون أقوالهم من أقوال أهل العلم وينقلها أهل العراق عن أهل المدينة وينقل أهل الشام عن أهل مصر وما إلى ذلك

    كلها أقوال معتبرة مادامت أنها للأصول التي حُفظت عن السلف رحمهم الله من كبار أئمة الفقهاء والاجتهاد كالاجتهاد الذي مضى في أصول الأئمة الأربعة في فروض الشريعة .

    - ولهذا لم ينصب خلاف بينهم في أصول الدين لإن أصول الدين متفقة ليست محلاً لذلك .

    - المقصود أن المصنف بين الأصلين الجامعين في العبادة وتحقيقها وهو :

    الأصل الأول ( أَن لَا يعبد إِلَّا الله ) وهو الاخلاص لله

    والأصل الثاني : أن يعبد الله بماشرع .

    -والأصل الأول متعلق بالعلم والقصد والأصل الثاني متعلق بالعلم والفعل .

    والعبادة في ركنها مركبة منهما ولذلك لا تكون العبادة بجهل البتة حتى أبلغ المسلمين عامية عنده ولابد قدر من العلم فإنه إذا عرف أن صلاة الظهر أربع ركعات وصلاها كذلك وصلى العصر على صفتها فهذا وجه من العلم ولابد وإذا يعرف ما يكون بعد تكبيرة الإحرام فهذا وجه من العلم

    فلايتصور أن العبادة تخفى على الجاهل المطلق لكن هم في العلم درجات .

    -وأن لا يعبد الله إلا بماشرع وهذا يغلق باب البدع وهو باب كثرت الشبهات عند المتأخرين وكثرة الشبهات لم تأت من جهة مناقضة للأصل وإنما من جهة التوهم في المقصود بالمشروع وغير المشروع فتوهم كثير من المتأخرين وبعض العامة بعض البدع توهموها من باب المشروعات .


    - ومن سبب ذلك ما يتكلم به بعض المبطلين في القول الذي يزينون بعض البدع فهذا التزيين على وجه من الغلو أو التعصب أو ما إلى ذلك من الأسباب يُفوت على عموم المسلمين مقام العلم والتحقيق والنور والهدى وإلا فقواعد الشريعة واضحة .

    - ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم لم يقع عندهم بدع وحتى الذين أسلموا بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم وهم حدثاء العهد وربما رجعوا إلى باديتهم وما إلى ذلك لم يكن يظهر فيهم البدع وذلك أنهم مستمسكون بالأصل والدين يسر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن هذا الدين يسر ) كما جاء في صحيح البخاري وغيره

    وما جعل الله فيه حرجاً كما قال الله تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )

    هذا يبين لك أن الشبهات التي صارت سبباً لكثير من البدع في الأقوال والأعمال والتصورات سببها هو هذه المادة من عدم تحقيق الإخلاص لله سبحانه وتعالى

    وعدم تحقيق الاتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فإن الهدي بين وقواعد العلم بينة ولهذا لم تشتبه على الصحابة رضي الله عنهم .

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    2,287

    افتراضي رد: فوائد من شرح رسالة العبودية لابن تيمية ... من شرح الشيخ يوسف الغفيص

    (41)

    قال الشيخ رحمه الله :

    (قَالَ الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله تَعَالَى [٧ هود، ٢ الْملك] : {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ: أخلصه وأصوبه قَالُوا: يَا أَبَا عَليّ مَا أخلصه وأصوبه؟ قَالَ: إِن الْعَمَل إِذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على السّنة.)

    -------------


    الشرح :

    -هذا من تحقيق دلالة الآية وعلى كل تقدير فماذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله معروف عن سائر السلف وهذا أصل محكم مستقر في القرآن

    ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) فبين الله فيه الإخلاص بالأمر وقوله ( وَمَا أُمِرُوا ) هذا يبين أن الدين أمر وتشريع ( وَمَا أُمِرُوا) هذا يجمع أصل الأمر .

    - وبين بعد ذلك أن جميع ما أمروا به لابد أن يكون خالصاً لله سبحانه وتعالى ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )

    فهذه الآية جمعت الأصلين وغيرها كثير لا يحصى في القرآن تبين حقيقة التوحيد وهو العلم بالله وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى والاتباع لماشرع الله جل وعلا

    ومايضاد ذلك من البدع والمحدثات التي اشتغل بها بعض المسلمين وتركوا عنها أو بها أو فاتهم بسببها كثير من السنن التي كان عليها السلف الأول .

    - ولهذا ينبغي للمسلم أن يحرص على السنة وعلى الاتباع وأن يعرف أن عبادة الله لا تكون إلا بماشرع الله جل وعلا

    وماشرعه الله بين في القرآن وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا اشتبه عليه أمر فيقتدي بأئمة العلم فهل هذا مما أقره أئمة العلم أو لم يقروه ؟

    وأئمة العلم هم الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك طريقهم واتبعهم بإحسان من أئمة التابعين كالإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي والإمام أحمد .

    -أما الأقوال المتأخرة والعارضة التي ليس لها سلف في كلام أئمة الإسلام أو في كلام الصحابة رضي الله عنهم فلايمكن أن تكون هذه هي المناط في تحقيق ما شرع الله لعباده .

    قوله ( وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على السّنة.)

    - والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة .

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    2,287

    افتراضي رد: فوائد من شرح رسالة العبودية لابن تيمية ... من شرح الشيخ يوسف الغفيص

    (42)

    قال الشيخ رحمه الله :

    ( وَقَالَ الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله تَعَالَى [٧ هود، ٢ الْملك] : {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ: أخلصه وأصوبه قَالُوا: يَا أَبَا عَليّ مَا أخلصه وأصوبه؟ قَالَ: إِن الْعَمَل إِذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على السّنة.

    فَإِن قيل: فَإِذا كَانَ جَمِيع مَا يُحِبهُ الله دَاخِلا فِي اسْم الْعِبَادَة فلماذا عطف عَلَيْهَا غَيرهَا كَقَوْلِه فِي فَاتِحَة الْكتا{إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وَقَوله لنَبيه [١٢٣ هود] : {فاعبده وتوكل عَلَيْهِ} وَقَول نوح [٣ نوح] : {اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} وَكَذَلِكَ قَول غَيره من الرُّسُل؟

    قيل: هَذَا لَهُ نَظَائِر كَمَا فِي قَوْله [٤٥ العنكبوت] : {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} والفحشاء من الْمُنكر وَكَذَلِكَ قَوْله [٩٠ النَّحْل] : {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي} وإيتاء ذِي الْقُرْبَى هُوَ من الْعدْل وَالْإِحْسَان كَمَا أَن الْفَحْشَاء وَالْبَغي من الْمُنكر وَكَذَلِكَ قَوْله [١٧٠ الْأَعْرَاف] : {وَالَّذين يمسّكون بِالْكتاب وَأَقَامُوا الصَّلَاة} وَإِقَامَة الصَّلَاة من أعظم التَّمَسُّك بِالْكتاب وَكَذَلِكَ قَوْله عَن أنبيائه [٩٠ الْأَنْبِيَاء] : {إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات ويدعوننا رغبا ورهبا} ودعاؤهم رغبا ورهبا من الْخيرَات وأمثال ذَلِك فِي الْقُرْآن كثير.

    وَهَذَا الْبَاب يكون تَارَة مَعَ كَون أَحدهمَا بعض الآخر فيعطف عَلَيْهِ تَخْصِيصًا لَهُ بِالذكر لكَونه مَطْلُوبا بِالْمَعْنَى الْعَام وَالْمعْنَى الْخَاص.)

    ---------------------------------------------

    الشرح :

    -هذا الأثر الذي قاله الفضيل بن عياض رحمه الله وهو من العباد والصالحين وأهل العلم المعتبرين وله كلمات مأثورة وإن كان قد زيد عليه في النقل كثيراً في كتب الصوفية فنسب إليه مقالات ليست من قوله .

    - ويعلم من حاله رحمه الله أنه إمام على السنة والهدي الذي عليه الصحابة رضي الله عنهم .

    -ولكن هنا قاعدة شرعية تسلك وهي مسألة الإثبات وثبوت النقل عن فلان من العلماء أو العباد أو غيرهم فيقال العبرة بما جاء به دليل الشريعة
    فالعبرة والمستند والذي بحتج به دليل الشريعة من كلام الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

    وهذا يقصد به الإشارة إلى أن له كلمات ليست وفق ما جاء في الكتاب والسنة ولكن قد نسب إليه وإلى غيره من العباد وأهل الأحوال والسلوك مقالات في بعض كتب الصوفية مخالفة لما جاء في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .

    وهذه لا تثبت ولكن لو أن أحداً تكلف إثباتها أو ادعى أنها ثابتة فإن لدينا قاعدة سابقة لهذه القاعدة العلمية التي تتحدث عن الإثبات والنفي والإسناد والانقطاع والاتصال وهي قاعدة ميزان الشريعة وهو الكتاب والسنة وكل أحد فهو محكوم بالكتاب والسنة .

    وعليه فالعبرة بما جاء في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

    - وهذا يعطي طالب العلم المتبع للسنة منهجاً وهو أن باب السلوك والأحوال والتعبد لله سبحانه وتعالى يعتبر بكلمات الكتاب والسنة ففي كتاب الله من الوعظ وبيان الحق ومنهج الحق والشريعة التامة والهدي التام في عبادة الله سبحانه وتعالى والنسك له جلا وعلا مالا يقدر قدره في نظر الباحثين والبصراء وأهل الأحوال وأهل السلوك ولايحيط به أحد منهم .

    - كل من حقق وجهاً صحيحاً من فاضل القول في باب السلوك والأحوال من العبّاد والصالحين وأرباب السلوك فهؤلاء إنما أصابهم هذا النور من نور القرآن أي بما اهتدوا به من آيات كتاب الله التي فيها ذكر العبودية وأوجه تحقيق العبادة لله والاستعانة به والتوكل عليه والاخبات لوجهه الكريم والخشوع له وغير ذلك .

    - وهذه السعة المتضمنة في كتاب الله مقَصر في تحقيقها وأنت ترى علماء الفقه رحمهم الله التمسوا الأحكام وفقهوا الأحكام مما سماه بعض أهل العلم من المتأخرين بآيات الأحكام مع أن هذه التسمية فيها نظر ولايوجد في القرآن آيات تخص بأنها هي آيات الأحكام وحدها بمعنى أن غيرها ليسي داخلاً في آيات الأحكام

    لأن طريقة دلالة القرآن على الأحكام واسعة ولكن من قصر نظره لا يرى في آيات الأحكام إلاماصرح بذكر الحكم المعين مثل قوله تعالى ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا )
    ومثل قوله تعالى (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ... الآية )

    فهذه لاشك أنها آيات أحكام ولكن البحث ليس في هذا البحث في قصر الأحكام على نوع من الآيات تسمى آيات الأحكام .

    ومثله في الأحاديث فيقال أحاديث الأحكام وهذا اذا استعمل على معنى الصريح في الحكم ولايقصد به الإغلاق ولايؤول إلى حال من الإغلاق
    فإن القصد ينتفي ولكن الحال لا تنتفي فاتقاء القصد سهل ولكن اتقاء الحال ليس كذلك .

    -ولذلك لم يعرف عند الصحابة - رضي الله عنهم - هذا التخصيص وترى أن سياق القرآن ينافي هذا التخصيص؛ ولهذا ليس هنالك سور جمعت فقط الأحكام، وسور أخرى جمعت القول في اليوم الآخر، وسور أخرى جمعت قصص الرسل، وسور أخرى جمعت المعاملات، وسور جمعت العبادات على أوجه من الاختصاص ، بل ترى في سياق كتاب الله من ذكر الأحكام على وجه هو من كمال كتاب الله وبلاغته وإعجازه؛ لأنه من عند رب العالمين - سبحانه وتعالى-.

    -فهذا التمام الذي تراه بكتاب الله ينبغي أن يقدر قدره وأن تميز الآيات المصرحة بالحكم على قدر من ترتيب العلم فقط، لا على جهة التخصيص؛ لأن هذا يؤول إلى قطع بعض الأوجه من الاستدلال الصحيح من القرآن عن مقتضى الأحكام.

    -ولذلك الفقيه يرى في كثير، بل في عامة آيات القرآن يرى فيها أوجها من الحكم، وهذا يختلف باختلاف نفس المجتهدين وعارضة العلم التي لديهم في فقه القرآن وعلمهم باللغة وقواعد الشريعة، إلى غير ذلك.

    -فالمقصود أن هذا التخصيص الذي قال به بعض العلماء، ثم صارت البحوث المعاصرة تتجه له وتقيده أكثر، وصار بعضهم يقول: هذه آيات الأحكام، ويخصصون آيات معينة لما رأوا بعض الحفاظ في السنة قد جمعوا أحاديث كبلوغ المرام وغيرها، فهذه في جملة من الأحكام، لكن ليست على سبيل جمع الأحكام أجمع.

    -لذلك؛ من فقه السلف كالإمام البخاري رحمه الله، أنه ربما أورد في صريح الأحكام، كالزكاة أو الصيام أو المعاملات التي هي في أبواب الفقه المعروفة عند الفقهاء، تجد أنه يورد فيها من الروايات المخرجة عنده في الصحيح ما أصله في السير أو المغازي أو ما إلى ذلك؛ لأن الأحكام هنا لها نظام واسع من الفقه.

    -وأنت تعرف في أدلة الشريعة الأصولية سعة طرق الاستدلال وسعة الأدلة، ولا سيما في هذا الباب وهو باب فروع الشريعة والأحكام العملية
    وعليه، فمثل هذا التخصيص وإن استحسن لدى البعض شكله من حيث الترتيب، لكنه لا ينتظم

    -وفوق ذلك من بالغ وصار يسمي لآيات الأحكام في كل باب من الآيات، فيقول: الآيات المتعلقة بالعبادات بأحكام مباني الإسلام الأربعة، وهي الصلاة والصيام والحج والزكاة، فيقول: آيات العبادات الأربع كذا، ويسمي عددا، وآيات المعاملات المادية كذا، ويسمي عددا، وآيات الحقوق أو الأحكام السلطانية هي كذا، ويسمي عددا، وآيات ذلك الباب من الأبواب التي يصفها، ويسمي عددا.

    فهذه طريقة وهمية لا تصح ولا تليق بنبوة نبي، فضلا عن كتاب الله ونبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ؛ لأن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أوتي جوامع الكلم

    وقوله عليه الصلاة والسلام فيه من النور والهدى وسعة الدلالة على الأحكام ما لا يمكن ضبطه بتقدير باحث أو نحو ذلك؛

    ولهذا تفاوت العلماء في فقه هذه الشريعة كتابا وسنة.

    وفوق ذلك يقال في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو كلام الله -سبحانه وتعالى-

    فالمقصود أن كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا ينطق عن الهوى - عليه الصلاة والسلام - يصان عن مثل هذه التصانيف والتراتيب الضيقة التي تضيق الفقه في القرآن.

    ولذلك صار بعض يقول: ويعلم المشاهد آيات الأحكام !

    ما هي آيات الأحكام؟ من قال إن هذه الآية تدل على الحكم وهذه الآية تدل على الحكم ؟ ألست ترى أن الأحكام ترتبط بالقواعد وبالمقاصد وبالأصول وبعلوم شتى كلها ترتبط بأحكام المعاملات والعبادات.

    -ولذلك؛ علم التشريع لما كتبه علماء المسلمين ارتبط بعدة علوم، ما ارتبط بالفقه وحده، ارتبط بالفقه، وارتبط بعلم أصول الفقه، وعلم مقاصد الشريعة، وعلم القواعد الفقهية، وعلم التخريج الفقهي، وله اتصال بعلوم أخرى مراعاة في أحوال المجتهد، أو يراعيها المجتهد في اجتهاده في أحوال المكلفين.

    -فإذا كان كذلك، فكتاب الله واسع من جهة الاستدلال، وإنما العبرة بأن يكون هذا الاستدلال على وفق القواعد المعتبرة في العلم التي حفظت عن سلف هذه الأمة وكتبت فيها صنف في علوم الشريعة وقواعد الاستدلال فيها.

    المقصود هنا في باب الأحوال: أن هذا الباب من علم الشريعة توسع فيه وفي تحقيقه، وحسن تحقيقه في الجملة بكثرة ما كتب في علم الفقه وفي علوم الشريعة المتصلة بعلم الفقه، كعلم الأصول الذي هو مقدمته، وكذلك علم القواعد... إلى آخره

    -ولكن إذا جئت في باب التعبد والسلوك والأحوال، وجدت في هذه الكتب المعنية بذلك كثرة الكلمات المروية عن العلماء أو عن آحاد العباد، والاستئناس بهذه الكلمات الصالحة من كلمات الصالحين والاستشهاد بها حسن في ذاته.

    ولكن إذا زادت وصار أكثر ما يسمعه السالك في هذا الباب هي تلك الكلمات، وكأنها معيار التعبد، ويكون فقهه وعلمه بما تضمنه كتاب الله - سبحانه وتعالى - قاصرا وناقصاَ فهذا من فوات الفقه الصحيح.

    ولهذا؛ لما غلب على كثير من الناظرين في السلوك والتعبد تلك الكلمات، وصارت أشبه ما تكون بالمعيار عندهم؛ ضعف نظام تعبدهم وطريقة تعبدهم، وقصرت عن طريقة التحقيق البالغة الشرعية التي كان عليها الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - الذين فقهوا عبادتهم لربهم سبحانه وتعالى - من كتاب الله .

    فخير ما يؤخذ منه التعبد منهجا وسلوكا، وطريقة وتصفية للنفس وتزكية لها، وترتيباً لمدارك النفس ... وما إلى ذلك، خير ذلك وأصدقه كما هو بدهي: هو القرآن.

    -ولذلك ينبغي للمسلم أن يلزم كتاب الله في حال سيره إلى الله وسلوكه إلى الله سبحانه وتعالى، متعبدا وبه بإخلاص الدين، وبمحبة الله، وبتحقيق الخشوع له، وباتقاء غضبه وسخطه سبحانه وتعالى، والإقبال على ما يرضي وجهه الكريم -جل وعلا، ويستأنس بكلمات الصالحين والعباد والبصراء في التعبد، فإن لهم كلمات فيها من النور والخير الشيء الكثير .

    -ولكن لا ينبغي أن يغلب ذلك، بل غالب حال المسلم يكون مستنيرا بالنص، ويكون ما يتبعه من ذلك هو من بيانه وتفسيره، وما يسبق به أولئك البصراء والعباد والصالحون من نور القرآن، وإلا فكتاب الله فيه الكفاية وفيه التمام، ولكن المسلم يحتاج إلى أهل الاقتداء من أولئك الصالحين والعباد الصادقين الذين استفاض عند الأمة صلاحهم -ويحسبونها هكذا والله حسيب عباده- لكن لهم من مقامات الديانة والعلم والتحقيق كلمات نافعة، وإشارات بالغة في التعبد.

    فهذه يستأنس بها، وهي من شواهد الإيمان الذي يلقيه الله - سبحانه وتعالى - في قلوب عباده الصالحين.

    -فالمقصود أن هذه الكلمة للفضيل من فاضل الكلمات، لكن بين في كتاب الله هذا المعنى: أن العمل يُراد أن يكون خالصا وأن يكون صوابا، والإخلاص هو مقام الإرادة الأول، والصواب هو مقام الاتباع الأول .

    -ثم أورد المصنف - رحمه الله - ما يقع من العطف في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: ٥]، مع أن الاستعانة من عبادة الله وبين أن هذا معروف في القرآن، وهو كذلك، وهو معروف في لغة العرب، وهو ما يعرف بعطف الخاص على العام.

    وقد يقع ذلك على سبيل التنوع كما في الوجه الآخر الذي أشار إليه، فإذا اجتمع الاسمان اختص كل واحد منهما تنوعًا بوجه دون الآخر، كقول الله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ ،


    فالفقير درجة والمسكين هنا درجة وأما إذا ذكر المسكين وحده في سياق دخل فيه الفقير كقوله جل وعلا ( إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ )

    فيدخل في ذلك من كان فقيراً من باب أولى .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •