شرح حديث: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن بحير عن خالد عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، كان نومه ونبهه أجراً كله، وأما من غزا رياءً وسمعةً، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لا يرجع بالكفاف)].
أورد النسائي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغزو غزوان)، يعني: صنفان، الغزو في سبيل الله صنفان.
قوله: [(فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد)].
يعني: خمسة أشياء.
قوله: [(كان نومه ونبهه أجراً كله)].
يعني: جميع حركاته، وجميع أحواله أنها تكون له أجراً، يعني: حيث يكون نائماً، وحيث يكون مستيقظاً، كل ذلك يكتب له في سبيل الله عز وجل إذا ابتغى وجه الله عز وجل، بأن كان مخلصاً في قصده وجهاده في سبيل الله؛ يريد بذلك أن تكون كلمة الله هي العليا، كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري: (لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو سبيل الله )، فأن يكون مخلصاً لله عز وجل في قصده ونيته، وأن يكون منفقاً للكريمة، أي: النفيسة، وهي مثلما جاء في حديث معاذ الذي في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له لما بعثه إلى اليمن، قال: (فإن أجابوك لذلك -أي: للصلاة-، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم)، أي: احذر أن تأخذ الكريمة النفيسة العزيزة على أهلها، التي يحرصون عليها، لا تأخذها، وإنما يأخذ المصدق من الوسط، ولا يأخذ الكريم النفيس الغالي، ولا يأخذ الهزيل الرديء، وإنما يكون من أوساط المال.
قوله: [(ياسر الشريك)].
يعني: أنه عامل الشريك والصاحب، معاملةً طيبةً، بيسر وسهولة، تكون معاملته معاملةً طيبةً، معاملةً حسنةً، يخالق بأخلاق حسنة، ويعامل معاملةً حسنةً.
قوله: [(وأطاع الإمام)].
يعني: أنه امتثل أمر الإمام حيث يأمره بطاعة، حيث لا يأمره بمعصية، وإنما يأمره بطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يسمع، ويطيع.
قوله: [(واجتنب الفساد)]، أي: اجتنب الأمور المحرمة، والأمور التي لا تسوغ، فإنه إذا كان كذلك، غزوه على هذه الصفات، فإن نومه ونبهه يكون أجراً كله.
وقد ضبط السندي (نبهه): ضبطها بالضم، والسيوطي في أبي داود بالفتح، والسيوطي في حاشية النسائي ضبطها بالكسر.
قوله: [(وأما من غزا رياءً وسمعةً)].
يعني: يقابل ابتغاء وجه الله عز وجل؛ لأن الذي مر، أنه غزا يبتغي وجه الله، فهذا يقابله رياءً وسمعةً، ما يريد وجه الله، وإنما يريد مراعاة الناس، وأن يذكره الناس، وأن يشيدوا به، فيكون السماع عنه حسناً، هذا قصده، وهذا نيته، [وعصى الإمام]، مقابل: أطاع الإمام فيما مضى، [وأفسد في الأرض]، مقابل: واجتنب الفساد فيما مضى، [فإنه لا يرجع بالكفاف]، يعني: أنه لا يرجع بشيء، وإنما يرجع كما كان، على الحالة التي كان عليها قبل، يرجع ولم يحصل على طائل.
تراجم رجال إسناد حديث: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله...)
قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].
هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بحير].
هو بحير بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن.
والأصل أنه لا يكرر الكتب الأخرى التي خارج الصحيح، وإنما يذكر أشهرها، وأشهرها الأدب المفرد؛ لأنه أشهر من خلق أفعال العباد، فالأدب المفرد كبير، وخلق أفعال العباد صغير، وغالباً ما يذكر إلا أشهرها.
[عن خالد].
هو خالد بن معدان، وهو ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بحرية].
هو عبد الله بن قيس، أظنه ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه].
هو أبو عبد الرحمن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )