{الحديث التاسع عشر}وفيها خبر آخر غير محفوظ الإسناد:
78- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن حباب حدثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله ما الطهور بالخفين؟ قال: للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. (([1]
هذه الرواية في المسح عن أبي هريرة ليست بمحفوظة؛ وذلك أن أبا هريرة لم يحفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم لثبوت الرواية عنه بإنكاره المسح على الخفين وسنذكر ذلك عنه إن شاء الله:
79- حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن يزيد بن زاذي قال سمعت أبا زرعة قال سألت أبا هريرة عن المسح على الخفين قال: فدخل أبو هريرة دار مروان بن الحكم فبال ثم دعا بماء فتوضأ وخلع خفيه وقال ما أمرنا أن نمسح على جلود البقر والغنم. (([2]
فقد صح برواية أبي زرعة وأبي رزين عن أبي هريرة إنكاره المسح على الخفين ولو كان قد حفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجدر الناس وأولاهم للزومه والتدين به فلما أنكره كالذي في الخبر من قوله: "ما أمرنا أن نمسح على جلود البقر والغنم" (([3] والقول الآخر: "ما أبالي على ظهر حمار مسحت أو على خفي"(([4] بان بذلك أنه غير حافظ المسح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من أسند ذلك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم واهي الرواية أخطأ فيها إما سهوا أو تعمدا.
فبجمع هذه الروايات ومقابلة بعضها ببعض يتميز صحيحها من سقيمها ويتبين رواة ضعاف الأخبار من أضدادهم من الحفاظ؛ ولذلك أضعف أهل المعرفة بالحديث "عمر بن عبد الله بن أبي خثعم" وأشباهه من نقلة الأخبار لروايتهم الأحاديث المستنكرة التي تخالف روايات الثقات المعروفين من الحفاظ. (([5].
([1]) أخرجه ابن ماجه (555).
([2]) لم أقف عليه.
([3]) هذه رواية أبي زرعة.
([4]) هذه رواية أبي رزين وهي في مصنف أبي شيبة (1952) قال: حدثنا يونس بن محمد، قال: نا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا إسماعيل بن سميع، قال: حدثني أبو رزين قال: قال أبو هريرة: ما أبالي على ظهر خفي مسحت، أو على ظهر حمار.
([5]) التلخيص: روى عمر بن عبد الله بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة حديث المسح على الخفين، وهو خلاف الثابت المشهور عن أبي هريرة من إنكاره المسح على الخفين، فتكون تلك الرواية عنه وهما.
قلتُ: الإسناد محفوظ لكن من مسند ابن عمر رضي الله عنهما.
فقد جعل البخاري أصله حديث أبي سلمة عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قال الترمذي في العلل [61]: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ:
"عُمَرُ بْنُ أَبِي خَثْعَمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ، وَضَعَّفَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْحِ"،
قَالَ مُحَمَّدٌ (يعني البخاري) : "حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي الْمَسْحِ صَحِيحٌ". اهـ.
وما أسنده مسلم هنا ففيه نظر؛ في الإسناد يزيد بن زاذان، ويقال زاذي مولى بجيلة عم يزيد بن هارون كذا ترجم له البخاري وابن أبي حاتم.
وإنما أسندوا عنه خبرا آخر فيما خرجه عبد الرزاق في مصنفه [1048]، ومن طريقه ابن المنذر (681)، فقال: عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زَادَوَيْهِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ الْمَرْأَةِ إِذَا اغْتَسَلَتْ تَنْقُضُ شَعْرَهَا،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: " وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ أُوقِيَّةً؟، إِذَا أَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلاثًا، فَقَدْ أَجْزَأَ ذَلِكَ ". اهـ.
خرجه أسلم في تاريخه [1 : 119]، فقَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زَاذِيٍّ، به.
وتوبع هشيم فيما خرجه الدارمي في سننه [1130]، فقال: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زَاذِي، به.
وأما حديث شعبة عن يزيد بن زاذي، فقد خولف في ذكر الخفين، فيما خرجه إسحاق في مسنده [163]، فقال:
أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا ابْتُنِيَ لِسَعِيدٍ بِالْمَدِينَةِ أَوْ لِمَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ،
فَتَوَضَّأَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ رُكْبَتَيْهِ، فَقُلْتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مُنْتَهَى الطُّهُورِ". اهـ.
توبع فيما خرجه أبو يعلى في مسنده [6080]، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، به إلا أنه قال: "إِنَّهُ مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ". اهـ.
وتوبع جرير فيما أخرجه أحمد في مسنده [7126]، فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، بمثل لفظ أبي خيثمة، وقال: "دَارَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ"، ولم يشك.
وتوبع عمارة فيما أخرجه القاسم بن سلام في الطهور [25]، فقال:
ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَعَنْ أَبِي التياحِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، به مختصرا.
وخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه [612]، فقال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، به إلا أنه رفعه.
والله أعلم.
من الغريب أن يسند عن محمد مهملا هكذا، فإنه يسمى دائما بمحمد بن جعفر.
وقليل من يورد محمدا غندر في الإسناد مهملا، وأكثر من ذلك النسائي جدا في كتبه، ولا أعرف غيره يكثر من ذلك إلا الطبري أحيانا.
فقد يشتبه بينه وبين رجل آخر مثل محمد بن الحارث الحارثي فإنه روى عن شعبة، وروى عنه محمد بن المثنى.
والله أعلم.
جزاك الله خيرا.
{الحديث العشرون}سمعت مسلما يقول: ذكر خبر مستنكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أطبق الحفاظ على ضدِّ روايته عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
الحسن بن صالح عن فراس عن عطية عن ابن عمر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر فصلى الظهر في الحضر أربعا وبعدها ركعتين والعصر أربعا وليس بعدها شيء والمغرب ثلاثا وبعدها ركعتين والعشاء أربعا وبعدها ركعتين... وساقه(([1].
ورواه ابن أبي ليلى عن عطية عن ابن عمر بهذا(([2].
قال مسلم: ذكر الأسانيد الصحاح الثابتة التي تخالف رواية عطية:
80- حدثنا مسلم، حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثني عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال صحبت ابن عمر في طريق مكة قال فصلى لنا الظهر ركعتين... وساق الحديث(([3].
قال مسلم: فهذه أسانيد صحاح(([4] كل واحدة منها ثابت على انفراده وهم جماعة منهم: حفص بن عاصم بن عمر، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، وعثمان بن عبد الله بن سراقة، ووبرة بن عبد الرحمن، حكوا ذلك عن ابن عمر ترك النبي صلى الله عليه وسلم السبحة في السفر قبل المكتوبة وبعدها.
ونافع حكى ترك ابن عمر ذلك(([5]. (([6]
([1]) تمامه وهو موضع الشاهد: وصلى في السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين وليس بعدها شيء، والمغرب ثلاثا وبعدها ركعتين، والعشاء ركعتين وبعدها ركعتين. أخرجه أحمد (5634) قال: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا حسن- يعني ابن صالح-، عن فراس، عن عطية العوفي عن ابن عمر.
([2]) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2410) قال: حدثنا فهد، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا أبو شهاب، عن ابن أبي ليلى، عن العوفي، عن ابن عمر.
([3]) تمامه: ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى فرأى ناسا قياما فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون قال: لو كنت مسبحا لأتممت صلاتي، يا ابن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. أخرجه مسلم 1/479 (689) والبخاري (1102) مختصرا.
([4]) هذا يدل على تصرف في عبارة مسلم إذ لم يذكر سابقا من الأسانيد الصحاح غير رواية حفص بن عاصم بن عمر، دون البقية وإليك رواياتهم: أخرج الطبراني في الكبير (13257) قال: حدثنا محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني، ثنا أبو كريب، ثنا معاوية بن هشام، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة، قال: صحبت ابن عمر في السفر، وكان لا يزيد على ركعتين، ويقوم بنوه وأصحابه يتطوعون، فقلت: ما لك لا تطوع؟ قال: إنما أصنع كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنع.
وأخرج ابن خزيمة (1255) قال: حدثنا بندار، نا يحيى، نا ابن أبي ذئب، حدثني عثمان بن عبد الله بن سراقة قال: سمعت ابن عمر يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبلها ولا بعدها في السفر.
وأخرج النسائي (1457) قال: أخبرني أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا العلاء بن زهير، قال: حدثنا وبرة بن عبد الرحمن، قال: كان ابن عمر لا يزيد في السفر على ركعتين لا يصلى قبلها ولا بعدها، فقيل له: ما هذا؟ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.
([5]) أخرجه عبد الرزاق (4475) عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يتطوع في السفر، وكان يقول: لو تطوعت لأتممت.
([6]) التلخيص: روى الكوفيون أن ابن عمر كان يصلي النوافل في السفر مع رسول اللهوهذا عجيب مخالف لما رواه أصحابه عنه منهم: حفص بن عاصم بن عمر، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، وعثمان بن عبد الله بن سراقة ووبرة بن عبد الرحمن، وحكى نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي النوافل في السفر فدل ذلك على أنه خبر منكر، قال ابن خزيمة وهذا خبر لا يخفى على عالم بالحديث أن هذا غلط وسهو عن ابن عمر، قد كان ابن عمر رحمه الله ينكر التطوع في السفر. صحيح ابن خزيمة 2/244.
قلتُ: على أنه كوفي واحد وهو عطية العوفي وهو ضعيف مدلس.
بل أكثر أهل الكوفة عن ابن عمر رضي الله عنهما على خلاف ما روى عطية.
ففيما أخرجه أحمد وغيره في مسنده (4721)، فقال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ، قَالَ:
سَأَلْتُ ابْنَ عُمَر عَنِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: " الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ "، فَقَالَ: إِنَّا آمِنُونَ لَا نَخَافُ أَحَدًا، قَالَ: سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ.
توبع إسماعيل فيما أخرج السراج وغيره في مسنده من طريق مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ، به.
وأبو حنظلة هو الحذاء الكوفي لا يعرف سمه ترجم له البخاري ومسلم وابن أبي حاتم، وقال عنه الدارقطني: لا بأس به.
قلتُ: سماه ابن منده حكيما وذلك جاء في بعض الطرق فيما أخرج أحمد في مسنده (5416)، فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعْتُ حَكِيمًا الْحَذَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: فذكره.
ولكوفي آخر فيما أخرج أحمد في مسنده (2157)، فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: " سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَهِيَ تَمَامٌ، وَالْوَتْرُ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ ".اهـ.
ولكوفي آخر فيما أخرج أحمد في مسنده [5022]، فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيِّ ، سَمِعْتُ عَوْنًا الْأَزْدِيَّ، قَالَ:
كَانَ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ أَمِيرًا عَلَى فَارِسَ، فَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ؟
فَكَتَبَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ " إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ ". اهـ.
ولكوفي آخر فيما أخرجه النسائي في سننه [1457] بإسناد كوفي، فقال:
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا وَبَرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: " هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ". اهـ.
قلتُ: لم يرو مسلم في صحيحه لأحد هذه الأسانيد غير التي أسندها عن حفص بن عاصم.
أما ما ورد من رواية عيسى بن طلحة عند الطبراني ففيه نظر؛ فقد أخرج الطبراني في الكبير (13257) قال:
حدثنا محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني، ثنا أبو كريب، ثنا معاوية بن هشام، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة، قال: فذكره.
فقد خولف ابن منده فيما أخرج السراج في مسنده [1738]، فقال:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِيسَى بْنِ طَلحَةَ، قَالَ: فذكره.
وتوبع فيما أخرج ابن عساكر في تاريخه [47 : 314] من طريق أبي بكر الرُّويَانِيّ، قال:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، به.
وأبو معاوية يهم في غير حديث الأعمش، ووصف بالتدليس، ولم يصرح بالسماع.
وأما حديث عثمان بن عبد الله بن سراقة، رجع حديثه مع حفص بن عاصم عن ابن عمر.
فيما أخرج عبد بن حميد في مسنده [844]، وابن خزيمة، فقال:
حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ:
أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ رَآهُ يُسَبِّحُ فِي سَفَرٍ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ،
فَقَالَ حَفْصٌ: إِنَّ أَخًا لَكَ نَهَى عَنْ هَذَا، يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ:
" رَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، لا يُسَبِّحُ قَبْلَ الصَّلاةِ وَلا بَعْدَهَا "،
قَالَ: قُلْتُ: أُصَلِّي بِاللَّيْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلِّ بِاللَّيْلِ مَا شِئْتَ عَلَى رَاحِلَتِكَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِكَ. اهـ.
ويروى عن عبيد الله عن ابن سراقة، ويروى عنه عمن سمع ابن سراقة.
ولعل سؤال ابن سراقة لما سمع جابرا رضي الله عنه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للتطوع على راحلته، رواه البخاري.
وأما حديث وبرة بن عبد الرحمن وهو كوفي، فلم يأت سماعه لهذا الحديث من ابن عمر رضي الله عنهما.
وهذه فائدة أن هناك أحاديث صحيحة خارج الصحيحين.
وهناك أسانيد أخرى أخرجها البخاري ومسلم من طريق ابن عمر، كابنيه سالم وعبيد الله ومولاه نافع.
والله أعلم.
قلتُ: ربما هذا سقط للأسانيد، وهذا ظاهر في الكتاب أنه يحدث سقطات تخل بالمعنى.
ولكن الحمد لله أنه نرى الكتاب وإن لم يصلنا على أجود ما يكون.
والله المستعان.
جزاك الله خيرا.
{الحديث الحادي والعشرون}ذكر رواية فاسدة بيّن خطؤها بخلاف الجماعة من الحفاظ:
81- حدثني القاسم بن زكريا بن دينار حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاع شعير أو تمر أو سلت أو زبيب، فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء. (([1]
وسنذكر إن شاء الله من رواية أصحاب نافع بخلاف ما روى عبد العزيز:
82- حدثنا عبد الله بن مسلمة وقتيبة قالا حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير ..وساقه(([2].
وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر(([3].
وأيوب عن نافع(([4].
والليث عن نافع(([5].
والضحاك عن نافع(([6].
وابن جريج: أخبرني أيوب بن موسى عن نافع(([7].
ومحمد بن إسحاق عن نافع(([8].
وإسماعيلُ بن عُلية ويزيد بن زريع عن أيوب عن نافع(([9].
[والضحاك بن عثمان ومحمد بن إسحاق] (([10].
هؤلاء الأجلة من أصحاب نافع قد أطبقوا على خلاف رواية ابن أبي روّاد في حديثه: صدقة الفطر وهم سبعة نفر(([11] لم يذكر أحد منهم في الحديث السلت ولا الزبيب ولم يذكروا في الحديث أن عمر جعل مكان تلك الاشياء نصف صاع حنطة.
إنما قال أيوب السختياني وأيوب بن موسى والليث في حديثهم: "فعدل الناس به بعدُ نصف صاع من بر".
فقد عرف من عقل الحديث وأسباب الروايات(([12] حين تتابع هؤلاء من أصحاب نافع على خلاف ما روى ابن أبي رواد فلم يذكروا جميعا في الحديث إلا الشعير والتمر.
والسلت والزبيب يحكى عن ابن عمر على غير صحة إذ كان ابن عمر لا يعطي في دهره بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا التمر إلا مرة أعوزه التمر فأعطى الشعير(([13]. (([14]
([1]) أخرجه أبو داود (1614). والخطأ في متن هذا الحديث من جهتين: أولا: زيادة ذكر السلت والزبيب، والروايات الصحيحة عن ابن عمر ليس فيها ذكرهما وإنما فيها ذكر التمر والشعير فقط، والثاني: نسبة جعل نصف صاع من البر يقابل صاعا من تمر أو شعير إلى عمر، والذي جعل ذلك معاوية لا عمر فأخطأ في هذين الأمرين عبد العزيز بن أبي رواد.
أخرج الحميدي في مسنده (718) قال: حدثنا سفيان، قال: ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقة الفطر صاع من شعير، أو صاع من تمر. قال ابن عمر: فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع بر بصاع من شعير. اهـ
([2]) أخرجه البخاري (1503) ومسلم 2/677 (984).
([3]) أخرجه البخاري (1512) ومسلم 2/677 (984) قال: حدثنا ابن نمير، حدثنا أبي. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة - واللفظ له - قال: حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث.
([4]) أخرجه البخاري (1511) قال: حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد: حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: فرض النبي صلى الله عليه وسلم... الحديث.
([5]) أخرجه البخاري (1507) ومسلم 2/678 (984) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر... الحديث.
([6]) أخرجه مسلم 2/678 (984) قال: وحدثنا محمد بن رافع، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرنا الضحاك عن نافع، عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض... الحديث.
([7]) أخرجه عبد الرزاق (5775) قال: عن ابن جريج قال: أخبرني أيوب بن موسى، أن نافعا، أخبره، عن ابن عمر، أنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر... الحديث.
([8]) أخرجه عبد بن حميد كما في المنتخب من المسند (743) قال: حدثنا يعلى، ثنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال سمعت رسول الله × حين فرض صدقة الفطر ... الحديث.
([9]) أخرجه أحمد (4486) عن إسماعيل بن علية، ومسلم 2/677 (984) عن يزيد بن زريع.
([10]) هذا تكرار وكأنه من الناسخ.
([11]) هم: مالك، وعبيد الله، وأيوب، والليث، والضحاك، وأيوب بن موسى، ومحمد بن إسحاق.
([12]) أي خطأَ ابن أبي رواد.
([13]) قال البخاري (1511): حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر وفيه: فكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر، فأعطى شعيرا.
([14]) التلخيص: روى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر حديث صدقة الفطر بزيادة السلت والزبيب، وهو مخالف لما رواه سبعة من أجلة أصحاب نافع عن ابن عمر، ومخالف لما ثبت من فعل ابن عمر نفسه من أنه كان لا يعطي إلا التمر والشعير فتكون تلك الرواية فاسدة.
ثم أعله أبو داود أن عقب عليه بقوله:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
" فَعَدَلَ النَّاسُ بَعْدُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ "، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُعْطِي التَّمْرَ فَأُعْوِزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ التَّمْرَ عَامًا، فَأَعْطَى الشَّعِيرَ. اهـ.
ورواه النسائي، ولم يعله، ولم يذكر أثر عمر رضي الله عنه.
توبع زائدة فيما أخرج البيهقي في سننه (4/164) عن شيخه الحاكم في المستدرك، من طريق:
مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، قال: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر، به إلا أنه لم يذكر: قلما كان عمر.
قال الحاكم: هذا صحيح، عبد العزيز بن أبي رواد ثقة عابد, واسم أبي رواد: أيمن, ولم يخرجاه بهذا اللفظ. اهـ.
قلتُ: لعله يشير إلى خلاف فيهما، فإنه كرر أيضا حديث أيوب ثم عين من رواية يزيد وابن علية، فإنه روي عن أيوب أيضا الزبيب.
ففيما أخرج الأصبهاني في طبقاته [1065] من طريق غَالِب بْن فَرْقَد، قال:
ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَـافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ". اهـ.
ورواه الأصبهاني بهذا الإسناد مرة بلفظ: " فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ ". اهـ.
قلتُ: خولف فيما أخرج الدارقطني في سننه [2070] من طريق إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ، قال:
ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَدَقَةَ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. اهـ.
قلتُ: ومبارك مدلس، ولم يصرح بالسماع، وروي عن غيره عن أيوب فيما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه [2256]، فقال:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ الأَنْطَاكِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ". اهـ.
قلتُ: هذا الأنطاكي لم يتابع عليه، وقد أخرجه الطحاوي في المشكل [3392] عن فهد، عن ابن كَثِيرٍ، بلفط: "صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ ". اهـ.
وأنكر عليه الطحاوي، وتناقضه، وقد رواه غيرهما عن ابن كثير، بلفظ الجماعة: " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ "، أخرجه الطبراني في الشاميين، وابن الأعرابي والصيداوي في معجميهما.
وأما حديث الضحاك، فإن مسلما أخرج حديثه في صحيحه من رواية ابن أبي فديك عنه بتمامه، بلفظ:
" فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ". اهـ.
ولم يذكر حفص بن غياث عنه بهذا التمام، فيما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه [10448]، فقال:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:" فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ". اهـ.
وذلك لإظهار لفظة: "المسلمين"، وأما حديث محمد بن إسحاق ففيه نظر.
أخرجه عبد بن حميد في مسنده [743]، فقال:
حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، يَقُولُ: " صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ". اهـ.
وأخرجه البزار أيضا في مسنده إلا أنه لم يسق لفظه، وقال:
وَحَدِيثُ يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، معلقا بصيغة التمريض، فقال: وَرُوِيَ عَنْ (ابن) إِسْحَاقَ ، قَالَ : حدَّثَنِي نَافِعٌ:
أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلِّهِمْ ؛ حُرِّهِمْ وَعَبْدِهِمْ ، صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ ، وَمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ مِنَ الرَّقِيقِ. اهـ.
وقع في جميع الطبعات: (وروي عن أبي إسحاق)، وهو خطأ ظاهر، لأنه لا يروي أبو إسحاق السبيعي عن نافع إلا حديثا واحدا في الغسل يوم الجمعة.
وقد أخرجه ابن المنذر كما في الفتح (3/371)، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، فذكر مثله.
قال الحافظ: قَالَ (يعني المحتج) : وَابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ كَانَ يُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ عَنْهُمْ تَطَوُّعًا، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ. اهـ.
ولعل مسلما رحمه الله رأى أن هذا المقام لا يستدعي أن يتكلم في ذلك وهو معرض حديثه عن السلت والزبيب حتى لا يشتت.
قلتُ: نعم، مثل ما أخرجه الخطيب في الفصل للوصل المدرج 609، من طريق أبي عمرو الدَّقَّاق، قال:
نا عَبْدُ اللَّهِ الْمَلِكُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ رَجُلٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو هَكَذَا قَالَ لَنَا أَبُو قِلابَةَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ زَبِيبٍ وَقَوْلُهُ هَذَا وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ:
مَا نَابَهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَهَكَذَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الأَقِطَ وَلا الزَّبِيبَ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمُوَطَّإ. اهـ.
وفيما أخرج البيهقي في سننه [4 : 174] من طريق يوسف الْقَاضِي، قال:
ثنا أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر، قال:
" أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَحُرٍّ وَمَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ،
قَالَ: وَكَانَ يُؤْتَى إِلَيْهِمْ بِالزَّبِيبِ وَالأَقِطِ فَيَقْبَلُونَهُ مِنْهُمْ، إلخ.
قال البيهقي: أَبُو مَعْشَرٍ هَذَا نَجِيحٌ السِّنْدِيُّ الْمَدِينِيُّ، غَيْرُهُ أَوْثَقُ مِنْهُ. اهـ.
أخرجه شيخه الحاكم في معرفة علوم الحديث من وجه آخر عن أبي معشر، به، وقال:
هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، عَنْ نَافِعٍ، فَلَمْ يَذْكُرُوا صَاعَ الْقَمْحِ فِيهِ إِلا حَدِيثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ يَتَفَرَّدُ بِهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ. اهـ.
لكن هناك حديثان ظاهرهما الصحة، تعضد ما رواه عبد العزيز بن أبي رواد.
حديث موسى بن عقبة، فيما أخرج ابن خزيمة في صحيحه [2261]، فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ "
روي عنه بدون ذكر السلت، فيما أخرج ابن خزيمة وغيره في صحيحه [2250]، فقال:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزْعَةَ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
" أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْرِ، وَالصَّاعِ مِنَ الشَّعِيرِ ". اهـ.
قلتُ: والفضيل النميري لا يقاوم لينه الجمهور، وضعفه بعضهم خاصة في موسى بن عقبة.
ومنهما ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه [2251]، فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الزَّرَدِ الأُبُلِّيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزَوَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
" لَمْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ، وَلَمْ تَكُنِ الْحِنْطَةُ ". اهـ.
أخرجه الطبراني في الأوسط، وقال: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ فُضَيْلٍ إِلا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى". اهـ، قلتُ: ولم أر من تابع الأيلي.
والله أعلم.
جزاك الله خيرا.
{الحديث الثاني والعشرون}سمعت مسلما يقول: ذكر حديث منقول على الخطأ في الإسناد والمتن.
83- حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق قال سمعت مالكا يقول وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قَرنا. فقلت من حدثك هذا يا أبا عبد الله؟ قال أخبرنيه نافع عن ابن عمر، فحدثت به معمرا فقال: قد رأيت أيوب دار مرة إلى قرن فأحرم منها. (([1]
قال عبد الرزاق وأخبرني بعض أهل المدينة أن مالكا بأخرة محاه من كتابه(([2].
سمعت مسلما يقول: ذكر الروايات التي فيها بيان خطأ هذه الرواية عن عبد الرزاق(([3]:
84- حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يُهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن. قال عبد الله وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم"(([4].
وعبيد الله عن نافع(([5].
والليث عن نافع (([6].
ويحيى بن سعيد عن نافع (([7].
وحجاج وابن عون والضحاك وابن جريج عن نافع (([8].
وعبد الله بن دينار عن ابن عمر (([9].
والزهري عن سالم (([10].
وصدقة عن ابن عمر (([11].
وعمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس. (([12]
وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس (([13].
وأبو الزبير عن جابر (([14].
وعطاء عن جابر(([15].
والحجاج بن أرطاة عن عطاء عن جابر (([16].
وابن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم(([17].
والقاسم عن عائشة (([18].
ومحمد بن علي عن ابن عباس (([19].
وميمون بن مهران عن ابن عمر (([20].
فالثابت الصحيح من توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرام المحرم ما في حديث ابن عمر.
وابن عباس ذكر كل ذلك في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم [وزاد] "فهي لهن ولمن أتى عليهن" بما في الحديث.
فالظاهر من هذا الكلام كله أنه [مُسْتَرسل(([21]] في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يمكن أن تكون هذه الزيادة من قول ابن عباس ليس مقولا في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر(([22] كلاما كثيرا يدل على أن عبد الرزاق لم يحفظ وإن كان حفظ فلعل مالكا سبق لسانه مع كلام كثير.
قال: والصحيح المحفوظ من توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون ذلك ما حُفظ عن نافع عن ابن عمر.
وأما أن النبي صلى الله عليه وسلم "وقت قرنا لأهل العراق" فهذا ما لا يحتمل التوهم على مالك.
وقد روى عبيد الله -كما ذكرنا من قبل- عن نافع عن ابن عمر حُدّ لأهل العراق ذات عرق.
وذكرَ(([23] ألفاظ كلِّ رجل من هؤلاء المسمين بعد أن بيّن أن رواية عبد الزراق عن مالك خطأ غير محفوظ.
قال مسلم: فأما الأحاديث(([24] التي ذكرناها من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل العراق ذات عرق فليس منها واحد يثبت:
وذلك أن ابن جريج قال في حديث أبي الزبير عن جابر. (([25]
وأما رواية المعافى بن عمران عن أفلح عن القاسم عن عائشة فليس بمستفيض عن المعافى إنما رواه عنه هشام بن بهرام وهو شيخ من الشيوخ ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد. (([26]
وأما حديث يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي عن ابن عباس فيزيد هو ممن قد اتقى حديثَه الناس والاحتجاج بخبره إذا تفرد للذي اعتبروا عليه من سوء الحفظ في متون رواياته التي يرويها، ومحمد بن علي لا يعلم له سماع من ابن عباس ولا أنه لقيه أو رآه.
وأما رواية جعفر عن ميمون بن مهران عن ابن عمر فلم يُحكم حفظه لأن فيه "لأهل الطائف قرنا".
وفي رواية سالم ونافع وابن دينار "ولأهل نجد قرنا" وميزوا في رواياتهم لأهل اليمن أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية ميمون جعل "لأهل المشرق ذات عرق"، وسالم ونافع وابن دينار كل واحد منهم أولى بالصحيح عن ابن عمر من ميمون الذي لم يسمعه من ابن عمر. (([27]
85- حدثني محمد بن علي بن شقيق قال سمعت أبي أنبأنا عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن بشر عن عكرمة قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة وغيرهم إذا أراد أن يحج أو يعتمر ألا يجاوز ذا الحليفة إلا حراما، ووقّت لأهل الشام الجحفة ومن مر بها من غيرهم أن لا يجاوزها إلا حراما.. وساقه(([28].(([29]
([1] ) أي رأى معمر أيوبا وهو عراقي بصريّ أحرم من قرن المنازل، هذا والمعروف أن قرن المنازل هو ميقات أهل نجد.
([2] ) أخرجه الطبراني في الأوسط (8109) وقال: لم يرو هذا الحديث عن مالك إلا عبد الرزاق، تفرد به إسحاق بن راهويه.
([3] ) ساق مسلم الروايات الصحيحة التي تخالف رواية عبد الرزاق، ولكن ذكر أيضا في السياق بعض الروايات التي تؤيدها.
([4] ) أخرجه البخاري (1525) ومسلم (1182).
([5]) أخرجه أحمد (5172).
وفي البخاري (1531) قال: حدثني علي بن مسلم: حدثنا عبد الله بن نمير: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما فتح هذان المصران، أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله ﷺ حد لأهل نجد قرنا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق. اهـ والمصران هما: البصرة والكوفة.
([6]) أخرجه البخاري (133) قال: حدثني قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد قال: حدثنا نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن عبد الله بن عمر: أن رجلا قام في المسجد فقال: يا رسول الله، من أين تأمرنا أن نهل؟ فقال رسول الله ﷺ: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن.
وقال ابن عمر: ويزعمون أن رسول الله ﷺ قال: ويهل أهل اليمن من يلملم. وكان ابن عمر يقول: لم أفقه هذه من رسول الله ﷺ.
([7]) أخرجه أحمد (4455) قال: حدثنا هشيم، أخبرنا يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، وابن عون، وغير واحد، عن نافع، عن ابن عمر.
([8]) حديث الحجاج لم أجده عن نافع مباشرة بل عن ابن جريج، أخرجه أبو عوانة (3567) قال: حدثنا عبد الله بن محمد أبو حميد، حدثنا حجاج، حدثنا ابن جريج، أخبرني نافع، عن ابن عمر فذكره.
وحديث ابن عون تقدم مقرونا في الهامش السابق، وحديث الضحاك لم أقف عليه، وحديث ابن حريج أخرجه الشافعي ص 144 قال: أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر.
([9]) أخرجه مسلم 2/840 (1182) قال: حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر (قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا) إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار؛ أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة.. الحديث.
([10] ) أخرجه البخاري (1527) ومسلم 2/840 (1182) قال: وحدثني زهير بن حرب وابن أبي عمر قال ابن أبي عمر :حدثنا سفيان عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
([11] ) أخرجه أحمد (6257) قال حدثنا جرير، عن صدقة بن يسار، سمعت ابن عمر، يقول:" وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة.. الحديث.
([12]) أخرجه البخاري (1529) ومسلم 2/838 (1181) قال: حدثنا يحيى بن يحيى وخلف بن هشام وأبو الربيع وقتيبة جميعا عن حماد قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو ابن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس أن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة. ولأهل الشام، الجحفة. ولأهل نجد، قرن المنازل. ولأهل اليمن، يلملم. وقال" هن لهم. ولكل آت أتى عليهن من غيرهن. ممن أراد الحج والعمرة. ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ. حتى أهل مكة، من مكة. اهـ. وسيأتي كلام لمسلم حول هذه الزيادة أعني: هن لهم ولكل آت.. من حيث كونها من كلام النبي × أو من كلام ابن عباس.
([13]) أخرجه البخاري (1530) ومسلم 2/839 (1181) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يحيى بن آدم. حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس.
([14]) أخرجه مسلم 2/840-841 (1183) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يُسأل عن المُهَلّ، فقال: سمعت: .. ثم انتهى، فقال أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم. (قوله: ثمَّ انْتهى أَي وقف عَن رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أرَاهُ بِضَم الْهمزَة أَي أَظُنهُ رفع الحَدِيث). وحدثني محمد بن حاتم وعبد بن حمُيد كلاهما عن محمد بن بكر-قال عبد- أخبرنا محمد أخبرنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يسأل عن المهل فقال: سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مهل أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهّل أهل العراق من ذات عرق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلملم.
([15]) لم أقف عليه من غير طريق الحجاج عن عطاء كما في التعليق التالي.
([16]) أخرجه أبو يعلى (2222) حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد، أخبرنا الحجاج، عن عطاء، وعن أبي الزبير، عن جابر، قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة من ذي الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم ولأهل طائف قرن، ولأهل العراق ذات عرق.
([17]) أخرجه الشافعي ص 114 قال: أخبرنا سعيد بن سالم قال: أخبرني ابن جريج قال: أخبرني عطاء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل المغرب الجحفة، ولأهل المشرق ذات عرق، ولأهل نجد قرنا، ومن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم .
([18]) أخرجه أبو داود (1739) قال: حدثنا هشامُ بن بُهرام المدائنيُّ، حدَّثنا المعافى بن عمران، عن أفلح - يعنى ابنَ حميدٍ - عن القاسمِ بن محمَّدٍ، عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: وقَّت لأهل العراق ذاتَ عِرْق.
([19]) أخرجه أبو داود (1740) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس، قال: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المشرق العقيق. اهـ والعقيق موضع متقدم على ذات عرق في طريق العراقيين نحو مكة، قال البيهقي في سننه الصغرى 2/144: وبين العقيق وذات عرق يسير وقد استحب الشافعي الإحرام منه.
([20]) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3529) قال: حدثنا أحمد بن داود قال: ثنا يعقوب بن حميد قال: ثنا وكيع قال: ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الطائف قرن. قال ابن عمر رضي الله عنهما :وقال الناس: لأهل المشرق ذات عرق.
([21]) في الأصل والمطبوع: مسترق.
([22]) أي مسلم.
([23]) أي مسلم.
([24]) حُذفت متون تلك الأحاديث في الأصل وقد جئنا بها في الهامش، وذكر هنا أربع روايات: الأولى: ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر. والثانية: المعافى بن عمران عن أفلح عن القاسم عن عائشة، والثالثة: يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي عن ابن عباس. والرابعة: جعفر بن برقان عن ميمون بن عمران عن ابن عمر.
([25]) يريد أن جابرا لم يسمّ النبيوإنما قال: سمعتُ ولم يقيد السماع بأحد وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب يوقته لأهل العراق، وابن جريج حمل قوله "سمعت" على النبي
ومع هذا لم يجزم ابن جريج بالرفع كما تقدم في رواية مسلم.
([26]) قال الحافظ ابن رجب الحنبلي 2/558: والشيوخ في اصطلاح أهل العلم عبارة عمن دون الأئمة الحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره.
([27]) أي لم يسمع ابن عمر يقول في حديثه عن النبي: "لأهل المشرق ذات عرق" وإنما نسبه إلى قول الناس والظاهر أنه يقصد أن الناس حدثوا عن رسول الله
جعله لأهل المشرق ذات عرق، فقد أخرج أبو نعيم في الحلية 4/93 قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا كثير بن هشام، ح. وحدثنا محمد بن أحمد بن علي، ثنا محمد بن يوسف بن عيسى الطباع، ثنا أبو نعيم، ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل الطائف قرن. قال ابن عمر: وحدثني أصحابنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق.
([28]) هذا الحديث ليس هنا موضعه فكأنه أضيف لاحقا أو أنه من تصرف الناسخ، وموضع الشاهد منه محذوف وهو في التاريخ الكبير للبخاري (12094) قال: قال أحمد بن محمد: نا عبد الله، سمع يحيى بن بشر، سمع عكرمة، عن ابن عباس "وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قرن المنازل أو حذاءه" اهـ..
ومما روي في ميقات أهل العراق ما أخرجه أبو داود (1742) قال: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عتبة بن عبد الملك السهمي، حدثني زرارة بن كريم، أن الحارث بن عمرو السهمي، حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى أو بعرفات وقد أطاف به الناس قال: فتجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك قال: ووقت ذات عرق لأهل العراق. وهو في المعجم الكبير (3351) مطولا.
([29]) التلخيص: روى عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللهوقت لأهل العراق قرنا. وهو مخالف للأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل نجد قرنا. وقد وردت زيادة في توقيت ذات عرق لأهل العراق، وهي لا تثبت، والثابت أن عمر هو الذي وقّت ميقات أهل العراق.
قلتُ: بل توبع إسحاق فيما أخرج ابن عدي في الكامل [6 : 542]، فقال:
حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ أَبُو بَكْرٍ الْبُخَارِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ:
سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، عَنِ الْمَوَاقِيتِ، فَقَالَ: " وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ،
قَالَ: قُلْتُ: عَمَّنْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بذلك ".
قال ابن عدي: سمعت ابن صاعد، يَقُولُ: قرأ علينا بْن عسكر كتاب المناسك عَن عبد الرزاق، فليس فيه هَذَا الحديث. اهـ.
قلتُ: يحتمل أن رواه ابن عسكر خارج الكتاب، فهذا من باب الملح والنوادر التي لا ينشغل بها.
قلتُ: أخرجه أحمد في مسائله [679] واللفظ له، وابن أبي شيبة (14253)، قَالَا:
ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ عُمَرَ حَدَّ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ ". اهـ.
قلتُ: حديث الحجاج هو ابن أرطأة القاضي وليس الحجاج بن محمد المصيصي.
والحجاج بن أرطأة يرويه هشيم أيضا فيمن هو غير واحد، ففيما أخرج الطبراني في المعجم الكبير [1050]:
من طريقين عن هُشَيْم، قال: ثنا الْحَجَّاجُ، وَابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وذكر حديثا آخر في الحج أيضا.
وحديث ابن جريج أخرجه أيضا أحمد في مسنده [5050]، فقال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، به، إلا أنه أسند اللفظ لأهل اليمن وكذلك أبو عوانة.
وحديث الضحاك وهو ابن عثمان، فإنه يروي عنه أهل الكوفة في الحج أيضا فيما أخرج أبو عوانة في مستخرجه من طريق:
أبي جعفر الجمال شيخ مسلم فيما ذكر الحاكم، قال: نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، نَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وحديث ابن عون أخرجه أيضا أبو عوانة في مستخرجه من طريق الخضر بن شجاع، قال:
نَا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرهمَا، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ، وَأَتَمَّ مِنْهُ. اهـ.
وذلك أن هشيما أدخل مهل أهل اليمن في المرفوع، وإنما فصله غيره، وزاد كما عند أحمد: وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَاسَ النَّاسُ ذَاتَ عِرْقٍ بِقَرْنٍ. اهـ.
ومنهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه [14256]، فقَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: " حَدَّ لِلنَّاسِ خَمْسَةً:
لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، أَوْ قَالَ: لِأَهْلِ الْعِرَاقِ قَرْنٌ،
فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ عَلَى قَرْنٍ، قَالَ: إزَاءَهُ ذَاتُ عِرْقٍ ". اهـ.
وهذا يؤيد ما ذكره مسلم أن الكلام موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا مروي أيضا عن عمر رضي الله عنه بالقياس، فيما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه [14254]، فقَالَ:
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ:
" انْظُرُوا حِذَاءَ قَرْنٍ فَوَجَدُوا حِذَاءَهَا ذَاتَ عِرْقٍ، وَقَرْنٌ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ "، قَالَ: فَجَعَلَهُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ. اهـ.
رواه الشافعي في الأم عن شيخين عن ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَسْأَلُ عَنِ الْمُهِلِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ، ثُمَّ انْتَهَى، أُرَاهُ يُرِيدُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي: وَلَمْ يُسَمِّ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
قال ابن سيرين: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُرْسَلًا، أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ غَيْرَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ.
ورواه البيهقي في سننه من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير مسندا، وقال: وَكَذَلِكَ قِيلَ: عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَيُحتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي مَهَلِّ أَهْلِ الْعِرَاقِ. اهـ.
وقال ابن خزيمة: قَدْ رُوِيَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ أَنَّهُ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَخْبَارُ غَيْرِ ابْنِ جُرَيْجٍ لا يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْهَا قَدْ خَرَّجْتُهَا كُلَّهَا فِي كِتَابِ الْكَبِيرِ. اهـ.
أخرجه أيضا ابن أبي شيبة في مصنفه [14251]، فقَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: " وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ ". اهـ.
وهذا فيه إعلال لمن وصله كالحجاج بن أرطأة، وقد راجع ابن جريج شيخه عطاء في هذا الحديث.
فيما أخرج البيهقي المعرفة من طريق الشافعي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ، وَسَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَرَاجَعْتُ عَطَاءً، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَعَمُوا " لَمْ يُوَقِّتْ ذَاتَ عِرْقٍ " وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ مَشْرِقٍ حِينَئِذٍ،
قَالَ: كَذَلِكَ سَمِعْنَا أَنَّهُ " وَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ أَوِ الْعَقِيقَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ".
قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ وَلَكِنْ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّهُ يَأْبَى، إِلَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَهُ. اهـ.
وقال البيهقي في سننه: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلا، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، وَغَيْرِهِ، فوصله. اهـ.
قلتُ: يروى ذلك عن عروة بن الزبير مرسلا فيما أخرج أحمد في مسائله رواية أبي داود [678]، قَالَ:
ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ ". اهـ.
ورواه البيهقي من طريق ابن جريج عن هشام عن أبيه مرسلا.
قلتُ: لم يتفرد بل تابعه غير واحد فيما أخرج النسائي وغيره في سننه [2656] من طريق:
أَبي هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الموصلي، عَنْ الْمُعَافَى، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فذكره.
وتوبع فيما أخرج أبو يعلى وغيره في مسنده [103]، فقال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، به.
وفيما أخرج الطحاوي في أحكام القرآن [1158] من طريق خَالِد بْن أَبِي يَزِيدَ القطربلِيّ، وغيره، قَالَا: حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، به.
إنما حملت النكارة على أفلح بن حميد فقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: لم يحدث عنه يحيى.
قال: وروى أفلح حديثين منكرين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشعر، وحديث وقت لأهل العراق ذات عرق. «تهذيب التهذيب» 1/ (669) .
وقال ابن عدي: قال لنا ابن صاعد: كان أحمد بن حنبل ينكر هذا الحديث، مع غيره على أفلح بن حميد.
فقيل له: يروي عنه غير المعافى؟ فقال: المعافى بن عمران ثقة. «الكامل» (230) .
قلت: قال مسلم بأن ميمون بن مهران لم يسمع ابن عمر هذا الحديث، ولم يذكر مستنده في ذلك كما ذكر في سماع محمد بن علي من ابن عباس.
وهذا فيه فائدة أن مسلما رحمه الله ينحو إعلال البخاري للأحاديث التي ليست على شرطه في السماع، والتي أنكرها عليها مسلم في مقدمة صحيحه.
فلعل مسلما رحمه ألف كتابه التمييز هذا قبل الصحيح، ولعل الإعلال هذا لما يتميز ميمون بن مهران بكثرة المراسيل عن الصحابة، وقد أرسل عن عمر رضي الله عنه وغيره.
وأما ما جاء في رواية أبي نعيم الأصبهاني نسب الكلام عن الناس مرفوعا، فغير محفوظ.
إنما هذا من قياس الناس، كما أخرج الطحاوي في مشكل الآثار [2261] من طريق وَكِيع، قَالَ:
ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، به
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَقَالَ النَّاسُ: لأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ. اهـ.
وهذا رواه غير ميمون فيما أخرج أحمد في مسنده [4441]، فقال:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَوْنٍ، وغير واحد، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ؟ قَالَ:
" مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ "،
وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَاسَ النَّاسُ ذَاتَ عِرْقٍ بِقَرْنٍ. اهـ.
وفي هذه الرواية ذكر أهل اليمن؛ فلعل هشيما أدرج فيه متن أحد ضعفاء شيوخه كالحجاج بن أرطأة، والله أعلم.
رواه البخاري من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه، بأتم منه لكن بدون ذكر أهل اليمن في حديث ابن عمر.
تابعه ليث بن أبي سليم كما تقدم، وتابعهما غيرهما فيما ذكر ابن أبي حاتم في العلل [867]، فقال:
وَسألت أبي عَنْ حديث رَوَاهُ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي أَبُو رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ نَجْدٍ، فَلَمَّا فُتِحَتِ الْعِرَاقُ، قَالَ: " قِيسُوا مِنْ نَحْوِ الْعِرَاقِ كَنَحْوِ قَرْنٍ "،
فَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَاسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَاتُ عِرْقٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَطْنُ الْعَقِيقِ.
قَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيهِ عُمَرُ. اهـ.
وأما قول مسلم: وسالم ونافع وابن دينار كل واحد منهم أولى بالصحيح عن ابن عمر من ميمون"،
يريد ترجيح حديثهم في فصل لفظة اليمن عن حديث ابن عمر.
والله أعلم.
قلتُ: بل موضعه، فإن في إيراد مسلم حديث عكرمة مرسلا إعلالا لما أسنده البخاري موصولا فيما لا يثبت توقيت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العراق.
والله أعلم.
أحسن الله إليك.
هنا إشكال فيما يتعلق برواية ميمون بن مهران وهو:
قال مسلم: فأما الأحاديث التي ذكرناها من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل العراق ذات عرق فليس منها واحد يثبت..
وأما رواية جعفر عن ميمون بن مهران عن ابن عمر فلم يُحكم حفظه .. وفي رواية ميمون جعل "لأهل المشرق ذات عرق"... إلخ
هذا كلام مسلم وهو يتكلم على رواية مرفوعة رواها ميمون عن ابن عمر أن النبيجعل لأهل المشرق ذات عرق.
بينما لا نجد تلك الزيادة مرفوعة في رواية الطحاوي فعلى أي شيء يتجه إشكال مسلم في قوله جعل لأهل المشرق ذات عرق ما دام أنه غير مرفوع، وقد تقدم في رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر جعل لأهل العراق ذات عرق؟ نعم فيما يتعلق بقوله ولأهل الطائف قرن، وفي قوله يلملم لأهل اليمن، الأمر واضح.
{الحديث الثالث والعشرون}86- سمعت مسلما: حدثني محمد بن سهل بن عسكر حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن عقبة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أنه أهدي لها ولحفصة طعام وهما صائمتان فأفطرتا عليه فسألت حفصة رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكانت بنت عمر(([1]- فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصوم يوما مكانه(([2].
87- حدثنا مسلم، حدثنا محمد بن سهل حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا العمري حدثني ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة.. (([3].
حدثنا مسلم، حدثنا محمد بن سهل بن عسكر حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن أمية عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبيبمثله(([4].
وابن وهب عن حيوة عن ابن الهاد عن زُمَيل مولى عروة عن عروة عن عائشة بمثله(([5].
وابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة(([6].
أما حديث الزهري فقد أخطأ كل من قال: عن عروة عن عائشة وبيان ذلك في رواية ابن جريج:
88- حدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج قال قلت للزهري: أخبرك عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أفطر في تطوع فليقضه؟ قال لم أسمع من عروة في ذلك شيئا، ولكن حدثني في خلافة سليمان بن عبد الملك ناس عن بعض من كان سأل عائشة أنها قالت أصبحت أنا وحفصة.. فذكر الحديث(([7].
سمعت مسلما يقول: فقد كفى ابن جريج في رواية الزهري هذا الحديث عن التصحيح فلا حاجة بأحد إلى التنقير عن حديث الزهري إلى أكثر مما أبان عنه ابن جريج من النقر والتنقير في جمع الحديث من مجهولين عن مجهول وذلك أنه قد قال له حدثني ناس عن بعض من كان سأل عائشة ففسد الحديث لفساد الإسناد.
وأما حديث زميل مولى عروة فزميل لا يعرف له ذكر شيء إلا في هذا الحديث فقط، وذكره(([8] بالجرح والجهالة.
وأما حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة فلم يسنده عن يحيى إلا جرير بن حازم وجرير لم يعن في الرواية عن يحيى إنما روى من حديثه نزرا ولا يكاد يأتي بها على التقويم والاستقامة(([9].
وقد يكون من ثقات المحدثين من تضعّف روايته عن بعض رجاله الذين حمل عنهم [لقلة تثبّت(([10]] يكون له في وقت. وذكر(([11] قصة.
والدليل على ما بينا من هذا اجتماع أهل الحديث ومن علمائهم على أن أثبت الناس في ثابت البناني حماد بن سلمة، كذلك قال يحيى القطان ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم من أهل المعرفة.
وحماد [لا] يعد عندهم(([12] إذا حدث عن غير ثابت -كحديثه عن قتادة وأيوب ويونس وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار وأشباههم- فإنه يخطىء في حديثهم كثيرا، وغير حماد في هؤلاء أثبت عندهم كحماد بن زيد وعبد الوارث ويزيد بن زريع وابن علية.
وعلى هذا المقال -الذي وصفنا عن حماد في حسن حديثه وضبطه عن ثابت حتى صار أثبتهم فيه-جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران ويزيد بن الأصم فهو أغلب الناس عليهما وأعلم بهما وبحديثهما ولو ذهبت تزن جعفرا في غير ميمون وابن الأصم وتعتبر حديثه عن غيرهما كالزهري وعمرو بن دينار وسائر الرجال لوجدته ضعيف الركن رديء الضبط في الرواية عنهم.
واعلم رحمك الله أن صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة؛ لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين بها دون غيرهم؛ إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم: السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصر من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا.
فلا سبيل لمن نابذهم من الناس وخالفهم في المذهب إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار من نقال الأخبار وحمال الآثار.
وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح.
وإنما اقتصصنا هذا الكلام لكي نثبته لمن جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبّه على تثبيت الرجال وتضعيفهم فيعرف ما الشواهد عندهم والدلائل التي بها ثبّتوا الناقل للخبر من نقله، أو سقّطوا من أسقطوا منهم. والكلام في تفسير ذلك يكثر وقد شرحناه في مواضع غير هذا وبالله التوفيق في كل ما نؤم ونقصد. (([13]
([1] ) إشارة إلى جرأتها في الحق وكأن عائشة هابت أن تسال رسول الله وقد أفطرت.
([2]) أخرجه النسائي في الكبرى (3281).
([3]) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3481).
([4]) لم أقف على من أخرج رواية يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن أمية، وقد تقدمت روايته عن إسماعيل بن عقبة، فكأن يحيى كان يضطرب.
([5]) أخرجه أبو داود (2457) قال: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، عن زميل مولى عروة، عن عروة بن الزبير عن عائشة.
([6]) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3486) قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال: ثنا عمي عبد الله بن وهب قال: أخبرني جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة.
([7]) أخرجه عبد الرزاق (7791) والترمذي (735 م)
([8]) أي مسلم.
([9]) التلخيص: هذا الحديث جاء عن: الزهري، وزميل مولى عروة، ويحيى بن سعيد.
فأما الزهري فقد اختلف عليه: فرواه يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن عقبة، وإسماعيل بن أمية عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وكذا رواه عبد الله العمري عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قال الترمذي (735): ورواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا، ولم يذكروا فيه عن عروة، وهذا أصح؛ لأنه روي عن ابن جريج، قال: سألت الزهري، قلت له: أحدثك عروة عن عائشة؟ قال: لم أسمع من عروة في هذا شيئا، ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث. اهـ.
قال مسلم: فقد أخطأ كل من قال: عن عروة عن عائشة.
وأما حديث زميل مولى عروة عن عروة عن عائشة، فلا يصح وزميل مجهول لا يعرف له ذكر شيء إلا في هذا الحديث فقط.
وأما حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، فلم يسنده عن يحيى إلا جرير بن حازم وقد وهم فيه، وجرير لم يعن في الرواية عن يحيى.
([10]) في الأصل: للتثبيت.
([11]) أي مسلم.
([12]) أي من الأثبات.
([13]) لعل هذه العبارة هي خاتمة الكتاب، والأحاديث التي بعدها إنما أضيفت بعد، أو لعل المختصر أو الناسخ هو من قدم وأخر. والله أعلم. اهـ من تحقيق التمييز للمحمدي ص 196.
قلتُ: ذكر مسلم سبب تكلمه في رواية ميمون قوله: (( فلم يحكم حفظه؛ لأن فيه "لأهل الطائف قرنا")). ت. اهـ.
وهذا هو السبب، وإلا فإن مسلما رحمه الله أورد رواية ميمون في الروايات التي احتج بها على خطأ رواية عبد الرزاق في التوقيت لأهل العراق.
فكيف يثبت في الأخير أن ميمون يروي التوقيت لأهل العراق عن ابن عمر مرفوعا مسندا؟
وإنما يريد مسلم بقوله: ((وفي رواية ميمون جعل "لأهل المشرق ذات عرق")) كجملة اعتراضية أن ميمون تفرد بهذه الزيادة عن أصحاب ابن عمر.
وقد تقدم روايتها عن نافع لكن لم تصح، وإنما رواه نافع عن ابن عمر عن عمر مطولا بقصة، أما ميمون فيرويه عن ابن عمر عن الناس مختصرا.
والله أعلم.
بارك الله فيكم ونفع بكم.
هذا ليس باضطراب؛ فإن الإسماعيلين روى عنهما يحيى بن أيوب الغافقي، ويروي الإسماعيلان عن الزهري.
فإن النسائي أخرج من طريق ابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب الغافقي، عن إسماعيل بن عقبة، به مسندا.
وقال: وَعِنْدِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، إلخ.
وإسماعيل بن إبراهيم هو ابن عقبة ينسب إلى جده، فيحتمل الغافقي أن يرويه عن الإسماعيلين ابن عقبة وابن أمية.
وزاد النسائي معه شيخين، فقال: قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: وَسَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ، بِمِثْلِهِ.
وَجَدْتُهُ عِنْدِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِثْلَهُ، وَهَذَا أَيْضًا خَطَأٌ. اهـ.
لكن مثل الرواة خفاف الضبط لا تحتمل لهم تعدد الشيوخ في الحديث الواحد، سيما أن إسناد عروة عن عائشة أيسر عليهم.
وقول النسائي: "وهذا أيضا خطأ"، إما أن يكون الغافقي يرويه عن صالح والأنصاري عن الزهري مثل رواية ابن عقبة عن الزهري مسندا.
وإلا فرواية يحيى بن أيوب الغافقي عن صالح بن كيسان غريبة، فلا يعلم له عنه مسند إلا هذا الحديث.
وإما أن يكون مثل ما أخرج ابن وهب في المدونة الكبرى [1 : 471]، فقال:
عن يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، فذكر حديثا آخر معضلا.
وقد فعل مثله أبو خالد الأحمر إلا أنه قال: عن عروة مرسلا، وهو خطأ أيضا.
فيما أخرج ابن عبد البر في التمهيد [12 : 68] من طريق هارون الْهَمْدَانِيّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ كُلِّهِمْ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ، فذكره مرسلا.
وقال الدارقطني في الفوائد المنتخبة:
وَالْمَحْفُوظُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صائمتين.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
وَذِكْرُ عُرْوَةَ فِيهِ وَهْمٌ مِنْ أَبِي خَالِدٍ. اهـ.
قلتُ: ولعله حديث الحجاج بن أرطأة فحسب.
فقد فصل بينهما عباد بن العوام فيما أخرج ابن بشران في فوائده [144]،
من طريق سعدويه، قال: عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
وَحَجَّاجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، فذكره مرسلا.
وأما حديث عبيد الله، فقد أخرجه النسائي [3281]، فقال:
أَنْبَأَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، فذكره مرسلا.
وهذا هو الراجح، ورجحه البزار في مسنده.
قلتُ: والعمري هذا هو المصغر، وهو ضعيف، ورواه عنه كذلك القعنبي ، وأبو همام ابن الزبرقان، أخرجهما الجصاص في أحكام القرآن.
وروي عنه مثل رواية الجماعة، فيما أخرج ابن وهب في موطئه [285]، فقال:
أَخْبَرَكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَيُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنِي، أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ أصبحتا صائمتين متطوعتين، فذكر الحديث مرسلا.
وكذلك أنكره الإمام أحمد، وقال: جرير كان يحدث بالتوهم. اهـ. "سنن البيهقي" 4/ 281، "شرح علل الترمذي" 2/ 409.
وقال ابن عبد البر: إلا أن غير جرير إنما يرويه عن يحيى بن سعيد، عن الزهري. اهـ.
وتوبع جرير فيما أخرج الدارقطني في الفوائد المنتخبة [50] من طريق أَحْمَد بْن مُوسَى الشَّيْبَانِيّ، قال:
أَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، زَوْجَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتَا: فذكر الحديث.
وقال: تَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ إِلا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ ".
وَكِلاهُمَا وَهْمٌ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ. اهـ.
سمعه ابن عيينة وهو يسأل الزهري بين ذلك ابن عبد البر وأخرجه في التمهيد.
ورواه الشافعي عن الزنجي، عن ابن جريج عن الزهري عن رجل عن رجل، ولم يقل ناس.
وقد اعتبر بالفعل، إذ روى جعفر بن برقان هذا الحديث عن الزهري مسندا، فأخطأ.
وكذلك أخطأ فيه صالح بن أبي الأخضر، ومحمد بن أبي حفص وعبد الله العمري، فبانوا.
والذي بعد ذلك حديثان في توهيم مالك، ولعل مسلما أراد أن ينزه كتابه عن التكلم في حديث مالك إجلالا له.
والله أعلم.
جزاك الله خيرا.
{الحديث الرابع والعشرون}سمعت مسلما يقول: ذكر حديث آخر(([1] وهم مالك في إسناده:
89- حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة أنه ذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته... وساقه(([2].
90- حدثنا أحمد بن جعفر المعقِري حدثنا النضر بن محمد حدثنا أبو أويس أخبرني ابن شهاب أن عباد بن زياد بن أبي سفيان أخبره أن المغيرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (([3].
ويونس عن ابن شهاب حدثنى عباد بن زياد. (([4]
والليث [عن] (([5]عقيل، قال ابن شهاب أخبرني عباد بن زياد عن عروة. (([6]
وعبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن عباد(([7].
فالوهم من مالك في قوله: "عباد بن زياد من ولد المغيرة" وإنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان كما فسره أبو أويس في روايته.
والمحفوظ عندنا من رواية الزهري رواية ابن جريج لاقتصاصه(([8] الحديث عن الزهري عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة عن أبيه، ثم فصّل في آخر الحديث زيادة الزهري عن حمزة بن المغيرة(([9].(([10]
([1]) لم يسبق ذكر حديث قد وهم مالك في إسناده.
([2]) أخرجه مالك (79).
([3]) لم أقف عليه، ويلاحظ –إن لم يكن في السند سقط- أن أبا أويس رواه عن الزهري عن عباد عن المغيرة، ولم يذكر فيه أيضا عروة، وأبو أويس اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي من حمير، وهو ابن عم مالك بن أنس.
([4]) أخرجه أبو داود (149).
([5]) في الأصل والمطبوع: وعقيل.
([6]) أخرجه الدارمي (1335) قال: أخبرنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة وحمزة بن المغيرة أنهما سمعا المغيرة بن شعبة يخبر أن رسول اللهأقبل وأقبل معه المغيرة بن شعبة... الحديث . وقد زاد في الإسناد حمزة.
([7]) أخرجه مسلم 1/ 317/ 318 (274) قال: حدثني محمد بن رافع وحسن بن علي الحلواني جميعا عن عبد الرزاق قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج حدثني ابن شهاب عن حديث عباد بن زياد؛ أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره؛ أن المغيرة بن شعبة أخبره؛ أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك... الحديث.
حدثنا محمد بن رافع والحلواني قالا: حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن حمزة بن المغيرة، نحو حديث عباد قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم "دعه".
([8]) أي قصه.
([9]) كما تقدم في الهامش السابق فابن جريج روى الحديث عن الزهري عن عباد عن عروة عن المغيرة، ثم رواه عن الزهري عن إسماعيل عن حمزة عن المغيرة. فيكون ابن جريج قد حفظه على التفصيل: من طريق الزهري عن عباد عن عروة، ومن طريق الزهري عن إسماعيل عن حمزة. وابن جريج من أحفظ الناس لحديث الزهري.
([10]) التلخيص: روى مالك عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة حديث سفره مع النبيفي غزوة تبوك. وقد وهم مالك في أمرين: نسبة عباد إلى المغيرة وهو ابن زياد بن أبي سفيان، وحذفه من السند عروة بن المغيرة.