(1655) - (قوله صلى الله عليه وسلم: " لا وصية لوارث " رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه (2/37) .
صحيح.
وقد جاء عن جماعة كثيرة من الصحابة , منهم أبو أمامة الباهلى , وعمرو بن خارجة , وعبد الله بن عباس , وأنس بن مالك , وعبد الله ابن عمرو وجابر بن عبد الله , وعلى بن أبى طالب , وعبد الله بن عمر , والبراء بن عازب وزيد بن أرقم.
1 ـ أما حديث أبى أمامة , فله عنه طريقان:
الأولى: عن شرحبيل بن مسلم الخولانى قال: سمعت أبا أمامة الباهلى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى خطبته عام حجة الوداع: " إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه , فلا وصية لوارث ".
أخرجه سعيد بن منصور فى " سننه " (427) وأخرجه أبو داود (3565) والترمذى (2/16) وابن ماجه (2713) والبيهقى (6/264) والطيالسى (1127) وأحمد (5/267) من طريق إسماعيل بن عياش حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولانى به , وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده حسن كما سبق بيانه فى " الضمان والكفالة " رقم (1406) .
الثانية: عن الوليد بن مسلم , قال: حدثنا ابن جابر: وحدثنى سليم بن عامر وغيره عن أبى أمامة وغيره ممن شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ , فكان فيما تكلم به , فذكره.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم , وابن جابر اسمه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدى.
2 ـ وحديث عمرو بن خارجة , يرويه قتادة عن شهر بن حوشب , عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " فذكر فذكره أخرجه سعيد (428) والنسائى (2/128) والترمذى والدارمى (2/419) وابن ماجه (2712) والبيهقى والطيالسى (1217) وأحمد (4/186 و187 و238 و238 ـ 239) وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".
قلت: لعل تصحيحه من أجل شواهده الكثيرة , وإلا فإن شهر بن حوشب ضعيف لسوء حفظه.
3 ـ وأما حديث عبد الله بن عباس , فيرويه محمد بن مسلم عن ابن طاوس عن أبيه عنه مرفوعا: " لا وصية لوارث ".
قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ فى " التلخيص " (3/92) .
وله طريق أخرى عن ابن عباس بزيادة فى المتن إسنادها ضعيف كما يأتى بيانه فى الحديث الذى بعده , وقد اختلط أحدهما بالآخر على من خرج أحاديث " تحفة الفقهاء " (3/291) , (فتقولوا) [1] تحسين الحافظ المذكور عقب حديث ابن عباس المشار إليه الضعيف!
وهذا تخليط سببه عدم الرجوع إلى الأصول , وكم لهم من مثل هذا فى الكتاب المذكور.
4 ـ وأما حديث أنس بن مالك , فله عنه طريقان: الأولى: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أخبرنا سعيد بن أبى سعيد عن أنس بن مالك قال: " إنى لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم , يسيل على لعابها , فسمعته يقول: فذكره.
أخرجه ابن ماجه (2714) والدارقطنى (454 ـ 455) وعنه البيهقى , وقال ابن التركمانى: " وهذا سند جيد ".
وقال البوصيرى فى " الزوائد " (ق 168/2) : " وهذا إسناد صحيح , ورجاله ثقات ".
قلت: وهذا منهم بناء على أن سعيد بن أبى سعيد , إنما هو المقبرى , وصنيع البيهقى يدل على أنه ليس به , فإنه قال عقب الحديث: " ورواه الوليد بن مزيد البيروتى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبى سعيد شيخ بالساحل قال: حدثنى رجل من أهل المدينة قال: إنى لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ".
وتلقى هذا عن البيهقى الحافظ ابن عبد الهادى صاحب " التنقيح " فنقل عنه ـ ولم أره ـ الزيلعى أنه قال فيه: " حديث أنس هذا ذكره ابن عساكر , وشيخنا المزى فى " الأطراف " فى ترجمة سعيد المقبرى , وهو خطأ , وإنما هو الساحلى , ولا يحتج به , هكذا رواه الوليد بن مزيد البيروتى ... ".
قلت: فذكر ما قدمته عن البيهقى , وقد عارضه الشيخ أبو الطيب الآبادى , فقال فى " التعليق المغنى ": " لكن رواه الطبرانى فى " مسند الشاميين ": حدثنا أحمد بن أنس بن مالك حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أنس ... ".
قلت: فوقع فى هذا الإسناد التصريح بأنه المقبرى , فهذا يعارض ما استند عليه ابن عبد الهادى أنه الساحلى , وكنت أود أن أرجح عليه إسناد الطبرانى هذا لولا أن فيه هشام بن عمار وفيه ضعف , قال الحافظ: " صدوق , مقرىء , كبر فصار يتلفن , فحديثه القديم أصح ".
وعليه فرواية البيهقى أصح لأن الوليد بن مزيد البيروتى ثقة , لاسيما وظاهر كلام الحافظ فى " التهذيب " أنه قد توبع , فقد قال: " قد جاء فى كثير من الروايات عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبى سعيد الساحلى عن أنس , والرواية التى وقعت لابن عساكر , وفيها عن ابن جابر عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى , كأنها وهم من أحد الرواة , وهو سليمان بن أحمد الواسطى , فإنه ضعيف جدا , وإن المقبرى لم يقل أحد أنهيدعى الساحلى , وهذا الساحلى غير معروف , تفرد عنه ابن جابر ".
قلت: لكن الواسطى هذا ليس فى إسناد الطبرانى , فالعلة من هشام بن عمار , والله أعلم.
الطريق الثانية: عن أبى حارثة كعب بن خريم حدثنا سليمان بن سالم الحرانى عن الزهرى عن أنس بن مالك به.
أخرجه تمام فى " الفوائد " (10/2) .
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل الحرانى هذا , ضعيف اتفاقا.
5 ـ وأما حديث ابن عمرو , فيرويه حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجوز وصية لوارث , والولد للفراش وللعاهر الحجر ".
أخرجه ابن عدى فى " الكامل " (ق 105/1) فى ترجمة حبيب هذا , وقال: " وأرجو أنه مستقيم الرواية ".
قلت: هو صدوق كما فى " التقريب " , واحتج به الشيخان , فالإسناد عندى حسن , للخلاف المعروف فى رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , وقد روى من طريق أخرى عن عمرو بن شعيب به , وفيه زيادة لا تصح , كما يأتى بيان فى الحديث الذى بعده.
وقد خلط أيضا مخرجو " التحفة " بين إسنادى هذا الحديث تخريجا وتضعيفا , فقالوا (3/291) : " وحديث ابن عمرو , أخرجه الدار قطنى فى السنن وابن عدى فى " الكامل " ولفظه أن النبى صلى الله عليه وسلم (2) قال ابن حجر: وإسناده واه.
وسهل بن عمار (أحد رجال السند) كذبه الحاكم , وأخرجه ابن عدى فى " الكامل " ,
وليس فيه " إلا أن تجيز الورثة " ولين حبيب بن الشهيد (أحد رجال السند) وقال: أرجو أنه مستقيم الرواية "!
قلت: فتأمل كيف خلطوا بين إسناد الدارقطنى , وهو الواهى الذى فيه سهل بن عمار كما يأتى بيانه فى الحديث الذى بعده , وبين إسناد ابن عدى الحسن! ثم تحرف عليهم حبيب المعلم , إلى حبيب الشهيد! والأول صدوق كما تقدم , وأما الآخر , فثقة ثبت كما قال الحافظ أيضا فى " التقريب " , وهم نقلوا ذلك عن " تلخيص الحبير " للحافظ , و" نصب الراية " للزيلعى , وهو القائل فى حبيب المعلم عن ابن عدى: " ولين حبيبا هذا ... " وإنما وقع منهم مثل هذا الخلط والخبط من العجلة فى التأليف , وقلة التحقيق!
6 ـ وأما حديث جابر , فله عنه طريقان: الأولى: عن عمرو بن دينار عنه مرفوعا بلفظ: " لا وصية لوارث ".
أخرجه الدارقطنى فى " السنن " (466) من طريق فضل بن سهل حدثنى إسحاق بن إبراهيم الهروى أخبرنا سفيان عن عمرو به.
وعزاه الزيلعى (4/404) لابن عدى عن أحمد بن محمد بن صاعد عن أبى موسى الهروى عن ابن عيينة عن عمرو به.
وقال الزيلعى: " وأعله بأحمد هذا , وقال: هو أخو يحيى بن محمد بن صاعد , وأكبر منه , وأقدم موتا , وهو ضعيف ".
قلت: قد تابعه فضل بن سهل عند الدارقطنى , وهو ثقة محتج به فى " الصحيحين " , فبرئت (من) [1] ذمة أحمد بن صاعد , وبقية الرجال ثقات رجال الشيخين غير إسحاق بن إبراهيم أبى موسى الهروى , وهو ثقة قال الذهبى فى " الميزان ": " وثقة ابن معين وغيره , وقال عبد الله بن على بن المدينى: سمعت أبى يقول: أبو موسى الهروى روى عن سفيان عن عمرو عن جابر " لا وصية لوارث " , وكأنه عن عمرو مرسلا , وغمزه ".
قلت: رواية ابن المدينى هذه , أخرجها الخطيب فى ترجمة الهروى هذا (6/337) بإسناده عنه به , إلا أنه قال عقب الحديث: " حدثنا به سفيان عن عمرو مرسلا , وغمزه ".
قلت: ولعل هذا هو مستند قول الدارقطنى عقب الحديث: الصواب مرسل ".
فإن كان كذلك , فليس بالصواب عندى , لأن أبا موسى الهروى قد ثبتت ثقته , بخلاف عبد الله بن على بن المدينى , فقد ترجمه الخطيب فى " التاريخ " (10/9 ـ 10) , ولم يذكر فيه توثيقا , بخلاف أخيه محمد , وروى عن حمزة بن يوسف قال: " سألت الدارقطنى عن عبد الله بن على بن عبد الله المدينى: روى عن أبيه " كتاب العلل "؟ فقال: إنما أخذ كتبه وروى أخباره مناولة , قال: وما سمع كثيرا من أبيه , قلت: لم؟ قال: لأنه ما كان يمكنه من كتبه ".
قلت: فليتأمل الناظر فى هذه الرواية , هلى عدم تمكين على بن المدينى ابنه عبد الله من كتبه , إنما هو لعدم ثقته به , أو لشىء آخر.
وعلى كل حال , فعبد الله هذا , إن لم يثبت فيه هذا الجرح , فلم تثبت عدالته , فمثله لا ينبغى أن يعارض به رواية الثقة الهروى , ولذلك فإسنادها عندى صحيح , فى نقدى , والله أعلم.
الطريق الأخرى: يرويه نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد عن أبيه عنه مرفوعا به.
أخرجه أبو نعيم فى " أخبار أصبهان " (1/227) .
قلت: وهذا سند واه جدا , ابن دراج هذا , قال الحافظ: " متروك , وقد كذبه ابن معين ". 7 ـ وأما حديث على , فله عنه طريقان أيضا: الأولى: عن يحيى بن أبى أنيسة الجزرى عن أبى إسحاق الهمدانى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب مرفوعا: " الدين قبل الوصية , وليس لوارث وصية ".
أخرجه الدارقطنى (466) والبيهقى (6/267) والخطيب فى " الموضح " (2/88) قلت: وهذا سند ضعيف جدا , يحيى هذا , قال الإمام أحمد: متروك الحديث.
وقال البيهقى: ضعيف.
نعم لم يتفرد به , فقد رواه ناصح بن عبد الله الكوفى عن أبى إسحاق عن الحارث عن على به , وهذا هو الطريق.
الثانى: أخرجه ابن عدى كما فى " نصب الراية " (4/405) وقال: " وأسند " يعنى ابن عدى " تضعيف ناصح هذا عن النسائى , ومشاه هو , وقال: إنه ممن يكتب حديثه ".
قلت: لكن الحارث وهو الأعور ضعيف أيضا , فلا ينبغى تعصيب العلة بناصح!
8 ـ وأما حديث ابن عمر , فيرويه محمد بن جابر عن عبد الله بن بدر: سمعت ابن عمر يقول: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية , وأن لا وصية لوارث " ومحمد ابن جابر هو الحنفى اليمامى ضعيف لسوء حفظه.
9 و10 ـ وأما حديث زيد والبراء , فيرويه موسى بن عثمان الحضرمى عن أبى إسحاق عن البراء وزيد بن أرقم قالا: " كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ... " الحديث , وفيه: " ليس لوارث وصية ". أخرجه ابن عدى فى " الكامل " (385/2) فى ترجمة الحضرمى هذا وقال: " حديثه ليس بالمحفوظ ".
وفى الباب عن مجاهد مرسلا مرفوعا: " لا وصية لوارث ".
أخرجه الشافعى (1382) وعنه البيهقى (264) وإسناده صحيح مرسل.
وفى الباب عن ابن عباس أيضا موقوفا عليه بلفظ: " كان المال للولد , وكانت الوصية للوالدين , فنسخ الله من ذلك ما أحب , فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين , وجعل للأبوين , لكل واحد منهما السدس , وجعل للمرأة الثمن , والربع , وللزوج الشطر والربع ".
أخرجه البخارى (4/286) والدارمى (2/419 ـ 420) والبيهقى (296) عن ابن أبى نجيح عن عطاء بن أبى رباح عنه.
قلت: وهو شاهد قوى لحديث الباب , فإن جزم الصحابى بنسخ آية الوصية لا يمكن أن يكون على الغالب إلا بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة القول , أن الحديث صحيح لا شك فيه , بل هو متواتر , كما جزم بذلك السيوطى وغيره من المتأخرين.
أما الصحة , فمن الطريق الثانية للحديث الأول , وقد تفرد بذكرها هذا الكتاب مع التنبيه على صحته دون سائر كتب التخريجات التى وقفت عليها.
وأما التواتر , فانضمام الطرق الأخرى إليها , وهى وإن كان فى بعضها ضعف , فبعضه ضعف محتمل , يقبل التحسين لغيره , وبعضه حسن لذاته , كما سبق بيانه , لاسيما ولا يشترط فى الحديث المتواتر سلامة طرقه من الضعف , لأن ثبوته إنما هو بمجموعها , لا بالفرد منها , كما هو مشروح فى " المصطلح ".
ومن ذلك تعلم , أن قول الإمام الطحاوى فى " مشكل الآثار " (3/136) فى أحاديث ذكرها , هذا أحدها:
" وجدنا أهل العلم احتجوا بهذا الحديث , فوقفنا بذلك على صحته عندهم ... وإن كان ذلك كله لا يقوم من جهة الإسناد ".
ومثله قول البيهقى عقب بعض أحاديث الباب: " وقد روى هذا الحديث , من أوجه أخر , كلها غير قوية , والاعتماد على الحديث الأول , وهو رواية ابن أبى نجيح عن عطاء عن ابن عباس ".
يعنى حديثه الموقوف الذى ذكرته آنفا.
فإنما صدر ذلك منهم بالنظر إلى بعض الأسانيد والطرق التى وقعت لهم , وإلا فبعضها قوى , صححه الترمذى وغيره.
وله عند سعيد بن منصور (425 و426 و429) شاهدان مرسلان صحيحان عن مجاهد وعمرو بن دينار وطاوس أيضا.
__________
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
[1] {كذا فى الأصل , ولعل الصواب: فنقلوا}
(2) قلت: كذا الأصل , وفيه سقط ظاهر فاحش يبدو بأدنى تأول لمن تتبع تخريجنا للحديث.
الكتاب : إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني