تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سورة الكهف(وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2024
    المشاركات
    819

    افتراضي سورة الكهف(وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل)

    سورة الكهف

    ﴿ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴿٢﴾ مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢﴾] هذا القرآن قد اشتمل على كل عمل صالح موصل لما تستبشر به النفوس، وتفرح به الأرواح. السعدي:470.

    ﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١﴾] وخص رسوله ﷺ بالذكر؛ لأن إنزال القرآن عليه كان نعمة عليه على الخصوص، وعلى سائر الناس على العموم. البغوي:3/5.

    ﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١﴾] فحمد نفسه، وفي ضمنه إرشاد العباد ليحمدوه على إرسال الرسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم. السعدي:469.

    ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٩﴾] الخرور على الذقن عبادة مقصودة يحبها الله، وليس المراد بالخرور إلصاق الذقن بالأرض كما تلصق الجبهة، والخرور على الذقن هو مبدأ الركوع، والسجود منتهاه. ابن تيمية:4/249.

    ﴿ ا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿١٠٧﴾ وَيَقُولُونَ سُبْحَٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴿١٠٨﴾ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٧﴾] (ويخرون للأذقان يبكون): هذه مبالغة في صفتهم، ومدح لهم. وحق لكل من توسم بالعلم، وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة؛ فيخشع عند استماع القرآن، ويتواضع، ويذل، وفى مسند الدارمي أبى محمد عن التيمي قال: «من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق ألا يكون أوتى علماً؛ لأن الله تعالى نعت العلماء»، ثم تلا هذه الآية. القرطبي:13/189.

    ﴿ قُلْ ءَامِنُوا۟ بِهِۦٓ أَوْ لَا تُؤْمِنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٧﴾] (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا): أمر باحتقارهم، وعدم الاكتراث بهم؛ كأنه يقول: سواء آمنتم أو لم تؤمنوا، لكونكم لستم بحجة، وإنما الحجة أهل العلم من قبله، وهم المؤمنون من أهل الكتاب. (إن الذين أُوتوا العلم من قبله): يعني المؤمنين من أهل الكتاب، وقيل: الذين كانوا على الحنيفية قبل البعثة. ابن جزي:1/499.

    ﴿ وَقُرْءَانًا فَرَقْنَٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٦﴾] أي: على مهل؛ ليتدبروه، ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه. السعدي:468.


    ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٤﴾] الربط على القلب عكس الخذلان؛ فالخذلان: حلُّه من رباط التوفيق؛ فيغفل عن ذكر ربه ويتبع هواه، ويصير أمره فرطًا، والربط على القلب: شدُّه برباط التوفيق؛ فيتصل بذكر ربه، ويتبع مرضاته، ويجتمع عليه شمله. ابن القيم:2/157.


    ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٤﴾] بالصبر والتثبيت، وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم، ومفارقة ما كانوا فيه من العز، وخصب العيش، وفروا بدينهم إلى الكهف. البغوي:3/17.

    ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَٰهُمْ هُدًى ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٣﴾] ذكر تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- شباباً، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل. ابن كثير:3/72.

    ﴿ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُوا۟ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠﴾] هذه الآية صريحة في الفرار بالدين، وهجرة الأهل والبنين، والقرابات، والأصدقاء، والأوطان، والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة، وقد خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- فارا بدينه، وكذلك أصحابه... وهجروا أوطانهم، وتركوا أرضهم، وديارهم، وأهاليهم، وأولادهم، وقراباتهم، وإخوانهم رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين. القرطبي:13/216.

    ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُوا۟ مِنْ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا ﴿٩﴾ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُوا۟ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٩﴾] وفيه لفت لعقول السائلين عن الاشتغال بعجائب القصص إلى أن الأولى لهم الاتعاظ بما فيها من العِبر والأسباب وآثارها، ولذلك ابتدئ ذكر أحوالهم بقوله: (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيِّئ لنا من أمرنا رشدا). ابن عاشور:15/259.


    ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٧﴾] (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) يعني: ما يصلح للتزين؛ كالملابس، والمطاعم، والأشجار، والأنهار، وغير ذلك. (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) أي: لنختبرهم أيهم أزهد في زينة الدنيا. ابن جزي:1/502.


    ﴿ فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا۟ بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦﴾] في هذه الآية ونحوها عبرة؛ فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونِعمَت، وإلا فلا يحزن، ولا يأسف؛ فإن ذلك مُضعِفٌ للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كُلِّفَ به، وتوجه إليه، وما عدا ذلك فهو خارج عن قدرته. السعدي:470.


    ﴿ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٩﴾] جواز أكل الطيبات والمطاعم اللذيذة إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه، وخصوصاً إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك. السعدي:473.

    ﴿ قَالُوا۟ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٩﴾] الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده. السعدي:473.


    ﴿ وَكَلْبُهُم بَٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلْوَصِيدِ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٨﴾] قال ابن عطية: قلت: إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين. القرطبي:13/232.


    ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٨﴾] هذا أيضاً من حفظه لأبدانهم؛ لأن الأرض من طبيعتها أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله أن قَلَّبَهم على جنوبهم يميناً وشمالاً، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها. السعدي:472.


    ﴿ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٧﴾] أي: لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله؛ فهو الهادي، المرشد لمصالح الدارين. السعدي:472.

    ﴿ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٧﴾] ومعنى الآية: أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها، ولا عند غروبها؛ لئلا يحترقوا بحرها، فقيل: إن ذلك كرامة لهم وخرق عادة ابن جزي:1/504.

    ﴿ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوه ُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٦﴾] فيقال: إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم... وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه... فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة... ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس، ولا تشرع فيما عداها لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع. ابن كثير:3/73.

    ﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٦﴾] الولي: هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به؛ فالإيمان سبب يوالي به المؤمنون ربهم بالطاعة، ويواليهم به الثوابَ والنصر والإعانة. الشنقيطي:3/257.

    ﴿ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٤﴾] أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشأه من الشيطان... وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان؛ فذكر الله سبب للذكر. ابن كثير:3/78.

    ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَا۟ىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا ﴿٢٣﴾ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٣﴾] يعني: إذا عزمت على أن تفعل غدا شيئاً فلا تقل: أفعل غداً، حتى تقول: إن شاء الله. البغوي:3/23.

    ﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٢﴾] فيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى؛ إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه، أو لكونه لا يبالي بما تكلم به، وليس عنده ورع يحجزه... وفي الآية أيضاً دليل على أن الشخص قد يكون منهياً عن استفتائه في شيء دون آخر، فيستفتى فيما هو أهل له، بخلاف غيره؛ لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقاً، إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف، وما أشبهها. السعدي:474.

    ﴿ قُل رَّبِّىٓ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٢﴾] إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى؛ إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم، لكن إذا اطلعنا على أمر قلنا به، وإلا وقَفْنا. ابن كثير:3/77.


    ﴿ ۖ فَقَالُوا۟ ٱبْنُوا۟ عَلَيْهِم بُنْيَٰنًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُوا۟ عَلَىٰٓ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢١﴾] واتخاذ المساجد على القبور، والصلاة فيها منهي عنه؛ لأن ذلك ذريعة إلى عبادة صاحب القبر، أو شبيهٌ بفعل من يعبدون صالحي ملتهم. ابن عاشور:15/290.


    ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَآ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢١﴾] في هذه القصة دليل على أن من فرَّ بدينه من الفتن سلمه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب. السعدي:473.

    ﴿ وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَٰحِبِهِۦ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَنَا۠ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٤﴾] قال قتادة: تلك والله أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزة النفر. ابن كثير:3/81.

    يتبع

    الكلم الطيب


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2024
    المشاركات
    819

    افتراضي رد: سورة الكهف(وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل)

    ﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٩﴾] وقدم الإيمان على الكفر؛ لأن إيمانهم مرغوب فيه. ابن عاشور:15/307.


    ﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٩﴾] الله يؤتى الحق من يشاء وإن كان ضعيفا، ويحرمه من يشاء وإن كان قويا غنيا، ولست بطارد المؤمنين لهواكم، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا. القرطبي 13/260.



    ﴿ ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يُطاع ويكون إماماً للناس من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه؛ فلهج بذكر الله، واتبع مراضيَ ربه؛ فقدمها على هواه؛ فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما مَنَّ الله به عليه، فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل إماماً. السعدي:475.


    ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] (تريد زينة الحياة الدنيا): فإن هذا ضار غير نافع، قاطع عن المصالح الدينية؛ فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة؛ فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويُقْبِل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره. السعدي:475.


    ﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] في الآية استحباب الذكر والعبادة والدعاء طرفي النهار؛ لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويُرَغِّبُ فيه. السعدي:475.


    ﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] (واصبر نفسك) أي: احبسها صابراً (مع الذين يدعون ربهم): هم فقراء المسلمين: كبلال، وخباب، وصهيب. وكان الكفار قد قالوا له: اطرد هؤلاء نجالسك نحن. ابن جزي:1/507.


    ﴿ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٥﴾] قالت الحكماء: إنما شبه تعالى الدنيا بالماء... لأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة، كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى، ويذهب، كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل، كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا منبتا، وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا، وكذلك الدنيا: الكفاف منها ينفع، وفضولها يضر. القرطبي:13/289.



    ﴿ وَيَقُولُ يَٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّىٓ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٢﴾] ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه أن صاحب هذه الجنة التي أحيط بها تحسنت حاله، ورزقه الله الإنابة إليه، وراجع رشده، وذهب تمرده وطغيانه؛ بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه، وأن الله أذهب عنه ما يطغيه، وعاقبه في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا. السعدي:478.


    ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٢﴾] وأحاط به هذا العقاب لا لمجرد الكفر؛ لأن الله قد يمتع كافرين كثيرين طول حياتهم، ويملي لهم، ويسْتدرجهم، وإنما أحاط به هذا العقاب جزاء على طغيانه، وجعله ثروته وماله وسيلة إلى احتقار المؤمن الفقير. ابن عاشور:15/328.


    ﴿ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴿٣٩﴾ فَعَسَىٰ رَبِّىٓ أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٩﴾] أخبره أن نعمة الله عليه بالإيمان والإسلام -ولو مع قلة ماله وولده- أنها هي النعمة الحقيقية، وأن ما عداها مُعَرَّضٌ للزوال، والعقوبة عليه والنكال [السعدي:477].


    ﴿ وَلَوْلَآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٩﴾] أي: ما اجتمع لك من المال فهو بقدرة الله تعالى وقوته، لا بقدرتك وقوتك، ولو شاء لنزع البركة منه فلم يجتمع. القرطبي:13/280.


    ﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٦﴾] فأيُّ تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة حتى يظن بجهله أن من أُعطِيَ في الدنيا أُعْطِيَ في الآخرة، بل الغالب أن الله تعالى يَزوِي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب. السعدي:477.


    ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٥﴾] (وهو ظالم لنفسه): إما بكفره، وإما بمقابلته لأخيه؛ فإنها تتضمن الفخر، والكبر، والاحتقار لأخيه. ابن جزي:1/510.


    ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَة ِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ إِلَّآ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِۦٓ ۗ أَفَتَتَّخِذُون َهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥ ٓ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّۢ ۚ بِئْسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٠﴾] يقول تعالى منبهاً بني آدم على عداوة إبليس لهم، ولأبيهم من قبلهم، ومُقَرِّعاً لمن اتبعه منهم، وخالف خالقه ومولاه، وهو الذي أنشأه وابتدأه بألطافه، ورزقه وغذاه، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله، فقال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة)... ابن كثير:3/87.


    ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَة ِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٠﴾] سجود تشريف، وتكريم، وتعظيم. ابن كثير:3/87.


    ﴿ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٩﴾] قال قتادة: اشتكى القوم الإحصاء، وما اشتكى أحد ظلماً، فإياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه. القرطبي:15/459.


    ﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٨﴾] أي: بلا مال، ولا أهل، ولا عشيرة؛ ما معهم إلا الأعمال التي عملوها، والمكاسب في الخير والشر التي كسبوها. السعدي:479.


    ﴿ وَتَرَى ٱلْأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٧﴾] أي: بادية ظاهرة، ليس فيها مَعْلَمٌ لأحد، ولا مكان يواري أحداً، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم، لا تخفى عليه منهم خافية. ابن كثير:3/85-86.


    ﴿ ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٦﴾] الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره: الباقيات الصالحات؛ وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده؛ من: صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق. السعدي:479.


    ﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٦﴾] (المال والبنون): التي يفتخر بها عتبة وأصحابه الأغنياء (زينة الحياة الدنيا): ليست من زاد الآخرة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحة حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام». البغوي:3/34.


    ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبْرَحُ حَتَّىٰٓ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٠﴾] في هذا من الفقه: رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء -وإن بعدت أقطارهم- وذلك كان دأب السلف الصالح، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السعي الناجح؛ فرسخت لهم في العلوم أقدام، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام، قال البخاري: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس- رضي الله عنهم- في حديث. القرطبي:13/318.


    ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٧﴾] أي: لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات ربه، فتهاون بها، وأعرض عن قبولها. القرطبي:13/312.


    ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوٓا۟ إِذًا أَبَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٧﴾] وفي هذه الآية من التخويف لمن ترك الحق بعد علمه أن يحال بينهم وبينه، ولا يتمكن منه بعد ذلك، ما هو أعظم مرهب وزاجر عن ذلك. السعدي:481.


    ﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٦﴾] (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) أي: بالجنة لمن آمن، (ومنذرين) أي: مخوفين بالعذاب من كفر. القرطبي:13/311.


    ﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُوا۟ بِهِ ٱلْحَقَّ ۖ وَٱتَّخَذُوٓا۟ ءَايَٰتِى وَمَآ أُنذِرُوا۟ هُزُوًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٦﴾] ففرق بين الآيات الدالة على العلم التي يعلم بالعقل أنها دلائل للرب، وبين النذر: وهو الإخبار عن المخوف؛ كإخبار الأنبياء بما يستحقه العصاة من العذاب؛ فهذا يعلم بالخبر والنذر. ابن تيمية:4/260.



    ﴿ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٤﴾] كثير من الناس يجادلون في الحق بعد ما تبين، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق؛ ولهذا قال: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً) أي: مجادلة ومنازعة فيه، مع أن ذلك غير لائق بهم، ولا عدل منهم، والذي أوجب له ذلك وعدم الإيمان بالله إنما هو الظلم والعناد، لا لقصور في بيانه وحجته، وبرهانه. السعدي:480.


    ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٤﴾] عن علي: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- طرقه وفاطمةَ ليلاً؛ فقال: (ألاَ تصليان؟!) فقال علي: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثَنا، قال: فانصرف رسول الله حين قلت له ذلك ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته يَضرب فخذه ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً). ابن عاشور:15/348.


    ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٧﴾] أي: إنك لا تقدر على مصاحبتي؛ لما ترى مني من الأفعال التي تخالف شريعتك. ابن كثير:3/94.


    ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٧﴾] وفي هذا أصل من أصول التعليم: أن ينبِه المعلمُ المتعلمَ بعوارض موضوعات العلوم الملقنة؛ لا سيما إذا كانت في معالجتها مشقة. ابن عاشور:15/372.


    ﴿ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٦﴾] العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير؛ فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك فإما أن يكون ضاراً، أو ليس فيه فائدة؛ لقوله: (تعلمن مما علمت رشدا). السعدي:484.



    ﴿ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٦﴾] سؤال تلطف، لا على وجه الإلزام والإجبار، وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم. ابن كثير:3/94.



    ﴿ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُۥ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٣﴾] إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره. السعدي:483.


    ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٢﴾] وفي هذا دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض، وأن ذلك لا يقدح في الرضا، ولا في التسليم للقضاء، لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا سخط. القرطبي:13/322.


    ﴿ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٢﴾] استحباب إطعام الإنسان خادمَه من مأكله، وأكلهما جميعاً؛ لأن ظاهر قوله: (آتنا غداءنا) إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعاً. السعدي:483.


    ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] (وما فعلته عن أمري) أي: باختياري ورأيي، بل فعلته بأمر الله. البغوي:3/55.


    ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] (فأراد ربك): أسند الإرادة هنا إلى الله لأنها في أمر مغيب مستأنف، لا يعلم ما يكون منه إلا الله، وأسند الخضر إلى نفسه في قوله: (فأردت أن أعيبها) لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لا يسندها إلى الله؛ وذلك كقول إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء: 80]. ابن جزي:1/518.


    ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] ففيها ما يدل على أن الله تعالى يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده،وإن بعدوا عنه، وقد روي أن الله تعالى يحفظ الصالح في سبعة من ذريته. القرطبي:13/356


    ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم. ابن كثير:3/97.


    الكلم الطيب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2024
    المشاركات
    819

    افتراضي رد: سورة الكهف(وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل)

    ﴿ وَأَمَّا ٱلْغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَٰنًا وَكُفْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٠﴾] قال قتادة: قد فرح به أبواه حين وُلِد، وحزنا عليه حين قُتِل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما؛ فليرضَ امرؤ بقضاء الله؛ فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه فيما يحب. ابن كثير:3/96.


    ﴿ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِى ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٧٩﴾] القاعدة الكبيرة أيضاً وهي: (أن عمل الإنسان في مال غيره إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة؛ أنه يجوز، ولو بلا إذن، حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير)؛ كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا: لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال أو هدم بعض الدار فيه سلامة للباقي جاز للإنسان، بل شرع له ذلك. السعدي:485.


    ﴿ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءٍۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصَٰحِبْنِى ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٧٦﴾] وهنا لم يعتذر موسى بالنسيان: إما لأنه لم يكن نَسِي، ولكنه رجّح تغيير المنكر العظيم- وهو قتل النفس بدون موجب- على واجب الوفاء بالالتزام؛ وإما لأنّه نسي وأعرض عن الاعتذار بالنسيان لسماجة تكرر الاعتذار به. ابن عاشور:16/6.


    ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٩٥﴾] المعنى: قال لهم ذو القرنين: ما بسطه الله تعالى لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم. القرطبي: 13/384.


    ﴿ قَالُوا۟ يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰٓ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴿٩٤﴾ قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٩٤﴾] في هذه الآية دليل على أن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم، وسد فرجتهم، وإصلاح ثغورهم من أموالهم التي تفيء عليهم، وحقوقهم التي تجمعها خزانتهم تحت يده ونظره، حتى لو أكلتها الحقوق وأنفذتها المؤن لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم، وعليه حسن النظر لهم؛ وذلك بثلاثة شروط: الأول: ألا يستأثر عليهم بشيء، الثاني: أن يبدأ بأهل الحاجة؛ فيعينهم، الثالث: أن يسوي في العطاء بينهم على قدر منازلهم. القرطبي:31/384-385.

    ﴿ وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٨﴾] أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة. (وسنقول له من أمرنا يسرا) أي: وسنحسن إليه، ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة. وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين، الأولياء العادلين العالمين؛ حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد بما يليق بحاله. السعدي:485.

    ﴿ قُلْنَا يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٦﴾] معنى هذا: أن الله تعالى مكنه منهم، وحكَّمه فيهم، وأظفره بهم، وخيَّره: إن شاء قتل وسبى، وإن شاء مَنَّ أو فدى، فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه. ابن كثير:5/193.


    ﴿ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا ﴿٨٤﴾ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٤﴾] أي: استعملها على وجهها؛ فليس كل من عنده شيء من الأسباب يسلكه، ولا كل أحد يكون قادراً على السبب، فإذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به حصل المقصود، وإن عدما أو أحدهما لم يحصل. السعدي:485.

    ﴿ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٤﴾] وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها لم يخبرنا الله ولا رسوله بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم، فلهذا لا يسعنا غير السكوت عنها. السعدي:485.

    ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٤﴾] هذه القصة القرآنية تعطي صفات لا محيد عنها: إحداها: أنه كان ملكاً صالحاً عادلاً، الثانية: أنه كان ملهما من الله، الثالثة: أن ملكه شمل أقطارا شاسعة، الرابعة: أنه بلغ في فتوحه من جهة المغرب مكانا كان مجهولا؛ وهو عين حمئة. ابن عاشور:16/20.


    ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١١٠﴾] قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: علَّم الله رسوله ﷺ التواضع لئلا يزهو على خلقه؛ فأمره أن يقر، فيقول: إني آدمي مثلكم، إلا أني خصصت بالوحي وأكرمني الله به. البغوي:3/70.


    ﴿ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠٨﴾] أي: تحولاً ولا انتقالاً؛ لأنهم لا يرون إلا ما يعجبهم ويبهجهم، ويسرهم ويفرحهم، ولا يرون نعيماً فوق ما هم فيه. السعدي:488.

    ﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْنًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠٥﴾] وجُعل عدم إقامة الوزن مفرعاً على حبط أعمالهم؛ لأنهم بحبط أعمالهم صاروا محقرين، لا شيء لهم من الصالحات. ابن عاشور:16/48.

    ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلْأَخْسَرِين َ أَعْمَٰلًا ﴿١٠٣﴾ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠٣﴾] فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل، ويظن أنه محسن، وقد حبط سعيه. والذي يوجب إحباط السعي: إما فساد الاعتقاد، أو المراءاة. القرطبي:13/392.


    ﴿ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَن يَتَّخِذُوا۟ عِبَادِى مِن دُونِىٓ أَوْلِيَآءَ ۚ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَٰفِرِينَ نُزُلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠٢﴾] وإطلاق اسم النزل على العذاب استعارة علاقتها التهكم. ابن عاشور:16/45.

    ﴿ ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآءٍ عَن ذِكْرِى وَكَانُوا۟ لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠١﴾] أي: لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان؛ لبغضهم القرآن والرسول؛ فإن المبغض لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام من أبغضه، فإذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير فليس لهم سمع ولا بصر، ولا عقل نافع. السعدي:487.


    ﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَٰفِرِينَ عَرْضًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠٠﴾] يعرض عليهم جهنم، أي: يبرزها لهم، ويظهرها؛ ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها؛ ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهم والحزن لهم. ابن كثير:3/104.



    الكلم الطيب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •