السبيل لتجاوز تحديات المرحلة – وحدة الأمـة
لا يكاد يختلف اثنان على أن وحدة الأمَّة الإسلاميَّة هي السبيل الأمثل -إن لم نقل الأوحد- لتجاوز تحديات المرحلة التي تمر بها الأمة، والعودة بها إلى موقعها المعهود الذي ذكره الله -تعالى- بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ* أُمَّةٍ أُخْرِ*جَتْ لِلنَّاسِ...} (آل عمران:110)، وإن التفريط في وحدة الأمة وتماسكها نازلة خطيرة تستدعي من أهل الإسلام أن يكونوا على مستوى الحدث، وأن يتخذوا ما أمكن من الحيطة والحذر؛ فقد تواترت النصوص الشرعية التي تأمر بالوحدة، وتحض على الائتلاف، وتنهى عن التفرق والاختلاف، ومن ذلك قول الحق - جل وعلا -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103).
وحدة الأمَّة الإسلاميَّة هي السبيل الأمثل إن لم نقل الأوحد لتجاوز تحديات المرحلة التي تمر بها الأمة والعودة بها إلى موقعها المعهود الذي ذكره الله تعالى
وحدة العقيدة والثقافة واللغة والتاريخ والتقاليد والأخلاق هي أقوى دعائم وحدة الأمة الإسلامية منذ فجر التاريخ الإسلامي
من أول أعمال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة النبوية تأسيس المجتمع الجديد على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وإرساء دعائم المحبة والائتلاف بين المسلمين ونَبْذ العصبية الجاهلية التي تفرق الناس
الألباني: الشرع والعقل معًا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب (وهو وحدة المسلمين) المخلصون من العلماء الربانيين والمسلمون الصادقون حتى إذا خرج المهدي لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر
ابن عثيمين: لا يجمع الأمة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو أنَّ الأمة أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وتحاكمت إلى الكتاب والسنة ما تفرقت أبدًا
شرع المولى -سبحانه- للمسلمين شرائع في منتهى السماحة والعدالة والشمول لتنظيم شؤون الحياة، وإسعاد شرائح المجتمع كلها
ابن تيمية - رحمه الله-: إن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله وهو عبادة الله وحده لاشريك له، كما أمر به باطنا وظاهرا ونتيجة الجماعة فإنهم إذا اجتمعوا كانوا مطيعين لله بذلك مرحومين
الله عزوجل يأمر عباده بالوحدة وينهاهم عن التفرق والتنازع ويوجب عليهم الاعتصام بحبله المتين ليتم بذلك الاجتماع وتتوحد الأمة
لا يمكن للأمة أن تخرج من هوانها وتخلُّفها إلا بالرجوع إلى أصولها العقدية وجذورها التاريخية وتعض عليها بالنواجذ بفخر واعتزاز
النجدي: اعتصام أهل السنة والجماعة بالكتاب والسنة والمحافظة على الجماعة والائتلاف من أهم أركان منهجهم المبارك
الفوزان: ديننا دين الاجتماع والمحبة والتآلف وأي داعية يريد أن يفكك هذا التآلف وتلك الوحدة وأن يثوّر المسلمين بعضهم على بعض فإنه داعية ضلال يجب الأخذ على يده ويجب رد جهالاته وضلالاته
الحل أن ترجع الأمة إلى سابق عهدها بتوحيد الله ومحاربة الشرك، وتطبيق شرع الله
الدعوة إلى الوحدة الإسلامية ليست مشروعًا عاطفيا أو أُمنِيَة بعيدة المنال ضعيفة الأثر بل هي نداء صادق لتجميع طاقات الأمة ولمِّ شملها وتوحيد صفوفها
الناشي: في ظل ما تمر به الأمة في الوقت الراهن من حال شديدة من الضعف والفرقة أصبحت وحدة المسلمين فرضا شرعيا وواجبا حتميا لا يجوز التفريط فيه فالاجتماع على الحق قوة ومنعة
فالله -عزوجل- يأمر عباده بالوحدة، وينهاهم عن التفرق والتنازع، ويوجب عليهم الاعتصام بحبله المتين؛ ليتم بذلك الاجتماع وتتوحد الأمة، فجوهر رسالة أمة الإسلام وحدتُها واجتماعُها على تعظيم الخالق وعبادته، يقول -سبحانه وتعالى-: {وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون: 52)، ويقول - سبحانه -: {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92).
أول أعمال النبي - صلى الله عليه وسلم- في المدينة
وقد كان من أول أعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة النبوية: تأسيس المجتمع الجديد على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وإرساء دعائم المحبة والائتلاف بين المسلمين، ونَبْذ كل ألوان العصبية الجاهلية التي تفرق الناس، وتثير نعرات العصبية والاختلاف، فآصرة الاجتماع والولاء في المجتمع الإسلامي تقوم على الإيمان بالله -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنون وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة:71)، ولا يتحقق إيمان الإنسان إلا بإعادة تأسيس علاقاته وَفْقَ هذه الركيزة، امتثالاً لقول الحق - جل وعلا -: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنون بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة: ٢٢).
الوحدة إحدى فرائض الدين
وما أجمل قول القاضي عياض: «والأُلفة إحدى فرائض الدين، وأركان الشريعة، ونظامٌ شملَ الإسلام»!، لقد كان المجتمع العربي في الجاهلية مؤسَّسًا على التناصر والتآلف القبلي، فالقبيلة هي عصب القوة والعزة عند العرب، فلما جاء الإسلام أقام بنياناً جديداً يقوم أساسه على الأخوة في الدين، كما قال -سبحانه وتعالى-: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10). ركيزة تأسيس هذه الأمة
وجعل الله -تعالى- معيار التفاضل بين الناس هو الدين، يقول - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، وفي فتح مكة خطب النبي - صلى الله عليه وسلم- الناس، وأعلن للملأ ركيزة تأسيس هذه الأمة، « خطب رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم- الناسَ يومَ فتحِ مكةَ فقال يا أيها الناسُ، إنَّ اللهَ قد أذهبَ عنكم عبيةَ الجاهليةِ وتعاظُمَها بآبائها، فالناسُ رجلانِ: رجلٌ بَرٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللهِ، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللهِ، والناسُ بنو آدمَ، وخلقَ اللهُ آدمَ من الترابِ، قال اللهُ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات : 13)».
أساس بنيان الأمة وفي حجة الوداع استثمر النبي - صلى الله عليه وسلم- اجتماع الناس ليعلن بجلاء أساس هذا البنيان، واضعاً آخر اللمسات لحياة هذه الأمة المباركة، فقال - صلى الله عليه وسلم-: «إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا أحمر على أسود، إلا بالتقوى»، وعلى الرغم من أن إجراءً كهذا لم يكن تغييرًا سهلاً ولا شكليا في المجتمع القبلي، إلا أن التربية الربانية التي أسس عليها النبي - صلى الله عليه وسلم- علائق أصحابه - رضي الله عنهم - كانت مؤهِّلة لهم للامتثال والانصياع، ولو كان تغييراً جوهريا ينتزع عبيَّة الجاهلية وتفاخرَها بأحسابها وأنسابها. نعمة جليلة
ولهذا امتن الله - عزوجل - على عباده بهذه النعمة الجليلة، فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: 103)، ثم حذرهم - سبحانه وتعالى- من التفريط في هذه النعمة، فقال - سبحانه -: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105).
الدعوة إلى الوحدة الإسلامية إن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية ليست مشروعًا عاطفيا أو أُمنِيَة بعيدة المنال، ضعيفة الأثر، بل هي نداء صادق لتجميع طاقات الأمة، ولمِّ شملها، وتوحيد صفوفها، لكن مشروعاً كهذا يتضمن أمرين متلازمين: الأول: مواجهة المشاريع التي تستهدف إضعاف الأمة، وتقسيمها وإضعافها. والثاني: العودة إلى عوامل القوة الحضارية في الأمة، وعلى رأسها تعزيز وحدة الصف الإسلامي. مرارة التفرق والانقسام
لقد حصدت الأمة مرارة التفرق والانقسام، وأصابها الوهن والعجز، وأصبحت مهيضة الجناح، ولا يمكن أن تخرج من هوانها وتخلُّفها إلا بالرجوع إلى أصولها العقدية وجذورها التاريخية، وتعض عليها بالنواجذ بفخر واعتزاز.
دعائم وحدة الأمة الإسلامية
لا شك أن ثمة عوامل للشد والجذب نحو المركز هي التي تحافظ على وحدة الأمة، كما تشد جاذبية الأرض ما عليها من أشياء وأحياء وتمنع تطايرها وافتراقها في الكون الواسع. وحدة العقيدة
فعقيدة المسلمين في الله -تعالى- وفي أركان الإيمان واحدة، لا اختلاف بينهم في أصول الدين ومبادئه الأساسية، فالمسلمون كلهم يؤمنون بوحدانية الله -تعالى-، ويؤمنون بالملائكة، وبالكتب، وبالرسل، وباليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره، قال -تعالى-: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (سورة البقرة: 285)، وفي الآية بيان لعقيدة النبي - صلى الله عليه وسلم- وعقيدة أصحابه -رضي الله عنهم- أجمعين، وعقيدة سائر من يقتفي بسنته ويهتدي بهديه إلى يوم الدين، وفي حديث جبريل عرف النبي - صلى الله عليه وسلم- الإيمان بقوله: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فوحدة العقيدة والثقافة (لغة، وتاريخا، وتقاليد وأخلاقا) هي أقوى دعائم وحدة الأمة الإسلامية منذ فجر التاريخ الإسلامي.
وحدة الشعائر والشرائع فجميع ما يطبقه المسلمون في عباداتهم من شعائر جملة واحدة لا تختلف، وكذلك ما يحتكمون إليه من الشرائع في شتى جوانب الحياة، قال -تعالى-: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (سورة الشورى: 13)، قال السعدي -رحمه الله-: «ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجمع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق»، فقد شرع الله للمسلمين من الدين شعائر يعظمون بها الله -تعالى- ويتقربون بها إليه -سبحانه-، وأعظم تلك الشرائع هي أركان الإسلام وهي بعد الشهادتين: الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»، وهذه الأركان لا تستثني أحدا من المسلمين، وقد روعي في تشريعها تحقيق قوة الأمة الإسلامية وتماسكها وتعاون أفرادها فيما بينهم. وكذلك شرع المولى -سبحانه- للمسلمين شرائع في منتهى السماحة والعدالة والشمول لتنظيم شؤون الحياة، وإسعاد شرائح المجتمع كلها، قال -تعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} (سورة النساء: 105) وحدة المصادر والمراجع
للدين الإسلامي مصادر ومراجع محددة يتلقى منها المسلمون جميعًا العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع، قال -تعالى-: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (سورة النساء: 59)، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: «أمر الله في هذه الآية الكريمة، بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم»، فالحكم في أمور الدين إلى الله ورسوله، ولا يكون الرد عند الاختلاف إلا إليهما، أو إلى ما دلا عليه من مناهج الاستدلال وطرائق الاستنباط. وحدة التاريخ
قد ينكر بعضهم أن يكون للمسلمين في العصر الحاضر تاريخ مشترك بل وينكر أن يكون للعرب تاريخ مشترك، زاعماً أن لكل دولة عربية تاريخها المستقبل، وهذا الزعم يتسم بالتغرير السياسي والخداع الثقافي ومجافاة الواقع، ويكفي أن نلاحظ تفاعل جماهير العرب والمسلمين مع القضية الفلسطينية لنتمكن من معرفة كوامن الشعور بالتاريخ المشترك، ويقوي الشعور بوحدة الموقف التاريخي بالنسبة لعصر السيرة والراشدين؛ حيث يتسم بالإجلال. وحدة اللغة
إن اللغة العربية هي وعاء الثقافة الإسلامية، ووحدة اللغة من أهم العوامل التي تحدد سمات المجتمع بعد الدين، واللغة العربية تنتشر بقدر محدود بين الشعوب الإسلامية؛ لذلك فإن ثمة مهمات واسعة أمام المؤسسات الثقافية العربية وعلى رأسها الجامعات للقيام بدورات مستمرة لتعليم العربية على نطاق واسع. إن الجهود الحالية ضئيلة جدا ولكنها تستحق الشكر والتشجيع والرعاية. إن جولة ناجحة في عالم يتمتع بقدرة هائلة على الاتصال يمكن أن تعيد للعربية مكانتها في العالم الإسلامي كما كانت في القرون الأولى التي أعقبت الفتوحات الإسلامية عندما كانت لغة الأدب السياسة والحياة في سائر ديار الإسلام. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: «لا يجمع الأمة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلو أنَّ الأمة أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وتحاكمت إلى الكتاب والسنة ما تفرقت أبدًا، ويحصل لهم الأمن، ولكان لهم أمن أشد من كل أمن كما قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}». الشرع والعقل معًا يقتضيان ذلك
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- في كلام طويل عن المهدي وخروجه: «فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين متفرقين أحزابًا، وعلماؤهم -إلا القليل منهم- اتخذهم الناس رؤوسًا؟ لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع والعقل معًا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين والعلماء الربانيون حتى إذا خرج المهدي لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا بواجبهم، والله يقول: {وَقُلِ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}». ديننا دين الاجتماع
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ديننا دين الاجتماع والمحبة والتآلف بين المسلمين؛ ولذلك شرع لنا الاجتماع في المساجد لصلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، من أجل أن نتآلف ونتعارف ويتفقد بعضنا بعضاً حتى نكون جماعة واحدة صافي القلوب فيما بيننا، كذلك شرع لنا الاجتماع في صلاة العيدين وهو اجتماع أكبر، كذلك شرع لنا اجتماع أكبر في العام وهو اجتماع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها في الحج في صعيد واحد حول الكعبة المشرفة والمشاعر من أجل ائتلاف المسلمين وتعارف المسلمين وإظهار قوة المسلمين، فأي داعية يريد أن يفكك المسلمين ويثوّر المسلمين بعضهم على بعض فإنه داعية ضلال، يجب الأخذ على يده، ويجب رد جهالاته وضلالاته لئلا يُهلك المسلمين، فالواجب على المسلمين أن يتنبهوا لذلك، فلنتق الله -عزوجل-، ولننظر في واقعنا، ولنحذر من أعدائنا، ولنتمسك بديننا، ولنأخذ الأسباب الواقية من هذه الفتن، قال -تعالى-: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (الشورى:13). الاعتصام بالله
أكد الشيخ د. محمد الحمود النجدي أن اعتصام أهل السنة والجماعة بالكتاب والسنة والمحافظة على الجماعة والائتلاف من أهم أركان منهجهم المبارك قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} وعليهم حين يجتمعون ويدعون إلى الاجتماع أن يضبطوا ذلك الاجتماع بضابطين:
الأمر الأول: الاجتماع على كلمة الحق
وهو ما جاءت به نصوص القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، فدون الاجتماع على كلمة الحق والتقيد به لا يكون اجتماعا أصلا وذلك أن الباطل وأهله في اختلاف عظيم، فإذا هو جمع الدين كله علما وعملا فإن النتيجة هي الاتفاق والوحدة والقوة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: إن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما أمر به باطنا وظاهرا ونتيجة الجماعة فإنهم إذا اجتمعوا كانوا مطيعين لله بذلك مرحومين فلا تكون طاعة الله بفعل لم يأمر به من اعتقاد أو قول أو عمل، فلو كان القول أو العمل الذي اجتمعوا عليه لم يأمر الله به لم يكن ذلك طاعة لله ولا سببا لرحمته. الأمر الثاني: مراعاة ضوابط الاختلاف
وقد أمر الله -تعالى- بالاجتماع والاعتصام وحذر ونهى عن الافتراق والابتداع {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}، فإذا وقع خلاف بين أهل السنة فإنه يقع منضبطا بضوابطه الشرعية التي من أهمها الاحتكام إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ثم الحرص على الوحدة والائتلاف وصلاح ذات البين وجمع الكلمة قال -تعالى-: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. فرض شرعي وواجب حتمي
من جهته بين رئيس قطاع العلاقات العامة والإعلام سالم الناشي: أنه في ظل ما تمر به الأمة في الوقت الراهن من حالة شديدة من الضعف والفرقة، أصبحت وحدة المسلمين فرضا شرعيا، وواجبا حتميا، لا يجوز التفريط فيه؛ فالاجتماع على الحق قوة ومنعة، قال - صلى الله عليه وسلم- «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، فالشعور بالأخوة الإسلامية عززته الآيات الكثيرة في القرآن العظيم {وَالْمُؤْمِنون وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن كل ما يعكر صفو المجتمع المسلم، فقال «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». اختلال مفهوم الدين الصحيح
وأشار الناشي إلى أن الأمة الإسلامية أخفقت وأصابها الوهن، وعندما اختل عندها مفهوم الدين الصحيح بمعناه الشامل فابتعدت عن الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وانتشرت فيها فرق ومعتقدات يغلب عليها الجهل والخرافة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم- «يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم، لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ»، فسيطرة الوهن على الأمة له سببان: حب الدنيا وما فيها من شهوات وكراهية الموت المترتب عليه عدم إعداد القيادة الصالحة وعدم بناء القوة، والخذلان في إعلاء كلمة الله، ولا يرفع هذا الوهن إلا بالعودة إلى الله -تعالى- {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
اعداد: وائل رمضان