-
قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
أولًا: معنى القاعدة:
المراد بالمشقة الجالبة للتيسير: المشقَّةُ التي تنفكُّ عنها التكليفات الشرعية، أما المشقة التي لا تنفكُّ عنها التكليفات الشرعية؛ كمشقَّة الجهاد، وألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل البغاة والمفسدين والجناة، فلا أثر لها في جلب تيسير، ولا تخفيف([1]).
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: «المشاقُّ ضربان:
أحدهما: مشقة لا تنفك العبادة عنها؛ كمشقة الوضوء، والغسل في شدة السَّبَرَات([2])، وكمشقة إقامة الصلاة في الحَرِّ والبَرْد، ولا سيما صلاة الفجر، وكمشقة الصوم في شدَّة الحَرِّ وطول النهار، وكمشقة الحج التي لا انفكاك عنها غالبًا، وكمشقة الاجتهاد في طلب العلم والرحلة فيه، وكذلك المشقة في رجم الزناة، وإقامة الحدود على الجناة، ولا سيما في حق الآباء والأمهات والبنين والبنات، فإن في ذلك مشقة عظيمة على مقيم هذه العقوبات؛ بما يجده من الرقة والمرحمة بها للسرَّاق والزناة والجناة من الأجانب والأقارب البنين والبنات؛ فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات ولا في تخفيفها؛ لأنها لو أثَّرت لفاتت مصالح العبادات والطاعات في جميع الأوقات أو في غالب الأوقات، ولَفَات ما رُتِّب عليها من المثوبات الباقيات ما دامت الأرض والسموات.
الضرب الثاني: مشقة تنفك عنها العبادات غالبًا؛ وهي أنواع:
النوع الأول: مشقة عظيمة فادحة؛ كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأطراف؛ فهذه مشقة موجبة للتخفيف والترخيص؛ لأن حفظ المُهَج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات ثم تفوت أمثالها.
النوع الثاني: مشقة خفيفة؛ كأدنى وجع في إصبع، أو أدنى صداع، أو سوء مزاج خفيف؛ فهذا لا لفتة إليه ولا تعريج عليه؛ لأن تحصيل مصالح العبادة أولى من دفع مثل هذه المشقة التي لا يؤبه لها.
النوع الثالث: مشاقٌّ واقعة بين هاتين المشقتين، مختلفة في الخِفَّة والشِّدَّة؛ فما دنا منها من المشقة العليا، أوجب التخفيف، وما دنا منها من المشقة الدنيا، لم يوجب التخفيف؛ إلا عند أهل الظاهر؛ كالحُمَّى الخفيفة، ووجع الضرس اليسير، وما وقع بين هاتين الرتبتين مختلف فيه، ومنهم من يُلْحقه بالعليا، ومنهم من يُلحقه بالدنيا؛ فكلما قارب العليا كان أولى بالتخفيف، وكلما قارب الدنيا كان أولى بعدم التخفيف»اهـ([3]).
[1])) «شرح القواعد الفقهية» لأحمد الزرقا (ص157).
[2])) قال في «النهاية» (2/ 333): «السَّبَرَات: جمع سَبْرة بسكون الباء؛ وهي شدة البرد»اهـ.
[3])) «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» (2/ 9، 10).
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
ثانيًا: أدلة القاعدة:
أدلة هذه القاعدة كثير في الكتاب والسُّنَّة؛ نذكر منها:
قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6].
وقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)﴾ [الطلاق: 7].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: 152].
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: 101].
وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: 106].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)﴾ [البقرة: 173].
وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [الفتح: 17].
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»([1]).
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»([2]).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: «مَا لَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لَا، فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالعَرَقُ المِكْتَلُ - قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: «خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»([3]).
والاحاديث في هذا المعنى كثيرة.
[1])) أخرجه البخاري (1117).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115).
[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111).
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
قال السيوطي رحمه الله: «قال العلماء: يتخَرَّج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته»اهـ([1]).
[1])) «الأشباه والنظائر» (ص77)، ط دار الكتب العلمية.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان
النوع الأول: مشقة عظيمة فادحة؛ كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأطراف؛ فهذه مشقة موجبة للتخفيف والترخيص؛ لأن حفظ المُهَج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات ثم تفوت أمثالها.
ما المراد بمشقة منافع الأطراف؟
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم
ما المراد بمشقة منافع الأطراف؟
بارك الله فيكم.
قوله: (كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأطراف): أي: الخوف على الأطراف أن تقطع، أو الخوف من تعطل الأطراف وذهاب منافعها، وإن لم تقطع.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
هذه منافع الأطراف، فما المراد إذن بمشقة الأطراف؟!
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم
هذه منافع الأطراف، فما المراد إذن بمشقة الأطراف؟!
يقصد أن ضياع الأطراف أو تعطلها وتوقف منافعها، يؤدي إلى المشقة الشديدة التي توجب التخفيف والتيسير.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم
نفع الله بعلمكم
بارك الله فيكم.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
ثالثًا: قواعد مندرجة تحت هذه القاعدة:
1- (الضرورات تبيح المحظورات).
ومعنى القاعدة: أنَّ الأشياء المُحَرَّمة شرعًا تباح عند الحاجة الشديدة إليها؛ وهي الضرورة.
وعلاقة هذه القاعدة بالقاعدة الأُمِّ (المشقة تجلب التيسير): أنَّ الضرورة تُمثِّل مشقة على المكلف، فيجب التيسير عليه، ولو باستباحة المحرم.
وهذه القاعدة أيضًا لها علاقة بالقاعدة الكبرى (الضرر يزال)؛ من حيث أنَّ المكلَّف إذا تلبَّس بضرورة، أُزيلت، ولو بالمُحرَّم، إذا لم تزُل إلا به.
وقد دلَّ على هذه القاعدة أدلَّة كثيرة من الكتاب والسُّنَّة؛ نذكر منها:
قوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: 119].
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)﴾ [البقرة: 173].
وقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَ ةُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدِّي َةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾ [المائدة: 3].
وآيات أخرى في نفس المعنى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ».
فأباح له النبي ﷺ قتل النفس؛ للضرورة.
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: «ائْتُوا رَوْضَةَ كَذَا، وَتَجِدُونَ بِهَا امْرَأَةً، أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَابًا»، فَأَتَيْنَا الرَّوْضَةَ: فَقُلْنَا: الكِتَابَ، قَالَتْ: لَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجَنَّ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّك ِ، فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا... الحديث([1]).
فتجريد الأجنبية مُحَرَّم، ولكنهما كانا سيفعلان ذلك للضرورة.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ومن التطبيقات على هذه القاعدة:
- جواز أكل الميتة للمضطر، وجواز شرب الخمر؛ لمن أشرف على الهلاك من العطش.
- جواز النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب للإيمان في حالة الإكراه.
- جواز نظر الحاكم والشاهد إلى المرأة الأجنبية للضرورة.
- جواز الغِيبة؛ للنصح، أو التحذير، أو الشهادة.
- جواز ذهاب المرأة للطبيب الرجل إذا كانت مريضة مرضًا شديدًا، ولا توجد الطبيبة المعالجة.
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3081)، ومسلم (2494).
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
2- (ما أبيح للضرورة يُقَدَّر بقدْرها).
هذه القاعدة تُعدُّ قيدًا لقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات).
ومعناها: أن المحظور الذي أُبيح للضرورة؛ إنما يُباح فقط بالقَدْر الذي تُدفَع به الضرورة أو تُرفَع؛ فإذا اندفع الضرر، فلا يجوز ارتكاب هذا المحظور، ورجع الحُكْم إلى أصله وهو التحريم.
ودلَّ على هذه القاعدة أنَّ الله تعالى أباح المحظور عند الضرورة فقط؛ فلا يجوز لنا أن نتعدَّاه إلى غير الضرورة؛ وقد قال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173]؛ فدلَّ على أنَّ من بغى وتعدَّى، فهو آثم.
ويُعبَّر عن هذه القاعدة أيضًا بلفظ: (إذا ضاق الأمر اتَّسع، وإذا اتَّسع ضاق).
والمقصود بالاتساع: الترخيص، والمقصود بالضيق: المشقة.
فالمعنى: أنه إذا ظهرت مشقة في أمر فيُرَخَّص فيه ويُوَسَّع، فإذا زالت المشقة عاد الأمر إلى ما كان.
ويُعبَّر عنها أيضًا بلفظ: (ما جاز لعذر بطل بزواله).
ومن التطبيقات على هذه القاعدة:
- أن المضطر لا يأكل من الميتة إلا بقدر ما يدفع عن نفسه الهلاكَ فقط.
- الطبيب لا ينظر من المرأة إلا بقدر الحاجة فقط.
- إذا حصل النصحُ أو التحذير بألفاظ، فلا يجوز الزيادة عليها.
- إذا وضع المكلف جبيرة لكسر أو جرح ونحوه؛ فلا يجوز أن تتعدَّى الجبيرة موضع الحاجة.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
3- (الاضطرار لا يبطل حق الغير).
وعلاقة هذه القاعدة بالقاعدة الأم (المشقة تجلب التيسير) وقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات): أنَّ المكلف لو وقع في ضرورة، ثم أزالها بما فيه حق لغيره؛ فإنه يضمن هذا الحق.
مثال ذلك:
لو تعرض للهلاك من شدَّة الجوع، فوجد طعام غيره، فأكله؛ فإنه يضمنه.
وهذه القاعدة مقيَّدة بأنْ يكون هذا الغير لا علاقة له بالوقوع في الضرورة؛ فأما إنْ كان هو سبب الضرورة، فحقه يبطل؛ كقتل الصائل من إنسان أو حيوان.
وذَكَر العلماء هذا القيد بقاعدة أخرى؛ وهي: (من أتلف شيئًا لدفع أذاه له؛ لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذاه به، ضمنه).
قال ابن رجب رحمه الله: «مَن أتلف شيئًا لدفع أذاه له، لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذاه به، ضمنه.
ويتخرَّج على ذلك مسائل: منها: لو صال عليه حيوان آدمي أو بهيم، فدفعه عن نفسه بالقتل؛ لم يضمنه، ولو قتل حيوانًا لغيره في مخمصة؛ ليحيي به نفسه، ضمنه»اهـ([1]).
[1])) «قواعد ابن رجب» (1/ 206).
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
4- (الميسور لا يسقط بالمعسور).
أي: من قَدَر على بعض العبادة وعجز عن باقيها؛ يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها.
مثال ذلك:
- مَن عَجَز عن القراءة في الصلاة، يلزمه القيام.
- من عجز عن قراءة بعض الفاتحة، لزمه الإتيان بالباقي.
- من عجز عن بعض الغسل، أو الوضوء، لزمه الإتيان بما قدر منه.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.
-
رد: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) أدلتها، ومعناها، وتطبيقات العلماء عليها، والقواعد المندرجة تحتها.