الاستواء جلوس (1)
قال الله تعالى الرحمن على العرش استوى
والاستواء إذا انضم إليه على لا يكون عند أهل اللغة إلا بجلوس
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ، يَقُولُ: " الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ بَلِّغُوا نِسَاءَهُمْ أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ، وَأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لِأَزْوَاجِهِنّ َ لَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، ثُمَّ تَلَا {طه} [طه: 1] {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ إِلَّا بِجُلُوسٍ "
وخارجة مضعف في الرواية لكنه لا تأثير له هنا إذ هو لا يروي هنا شيئا إنما يتكلم في معاني الآية وهو من أهل العلم وقد تناقل أئمة السلف تفسيره هذا في كتبهم المؤلفة في المعتقد والرد على أهل الزيغ من غير نكير كعبد الله بن أحمد والخلال وابن بطة وغيرهم
وبه فسره أئمة التفسير من الصحابة والتابعين
قال الحكم بن معبد في كتاب الرؤيا: "ثنا موسى، ثنا روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: {الرحمن على العرش استوى}، فقال: جالس. اهــ
قال محمد بن المختار المصري في بحثه في المسألة: "والشعبي رحمه الله لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه، وسمع كبار أصحابه،
ومن المعروف عنه توقي التفسير بغير علم وإنكار ذلك أشد الإنكار،
قال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا علي بن مسهر، عن الحسن بن عمرو، عن الشعبي قال: أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي، وليس هم لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن،
قال: وكان أبو بكر يقول: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم». اهــ"
وقال الطبري: وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: «والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله».
وقال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها، ويقول: «تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن». اهـ كلامه
- قال الحكم بن معبد في كتاب الرؤية: حدثنا محمد بن حاتم، ثنا الفضل بن عباس، ثنا عبد الرحمن بن ثابت، عن يزيد بن هارون، عن عباد بن منصور، قال: سألت الحسن وعكرمة، عن قوله {الرحمن على العرش استوى}، قالا: جلس. اهـ وإسناده حسن
قال الخلال: أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبدالوهاب يقول: {الرحمن على العرش استوى} قال: «قعد»
وقيل للإمام أحمد بن حنبل: من نسأل بعدك؟ فقال: سل عبد الوهاب.وقال الإمام أحمد: عبدالوهاب أهل يُقْتَدَى به، عافا الله عبدَالوهاب، عبدُالوهابِ إمامٌ، وهو موضعٌ للفتيا.
قال الإمام النسائي في سننه: " قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي، فَجِئْتُهَا وَفَقَدْتُ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ، فَسَأَلْتُهَا , فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا، وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ، أَفَأُعْتِقُهَا ؟ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ اللهُ؟» , قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «فَمَنْ أَنَا؟» , قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «فَأَعْتِقْهَا»
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا الْأَسَدِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَعْلَمَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [الزخرف: 14]، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ "هـــ
وما ذكر الحديث الثاني في تفسير الآية إلا ليبين أن "الاستواء على" معناه في اللغة الجلوس
قال شيخ الإسلام الأنصاري الهروي في تفسيره لآية الاستواء: "الاستواء في اللغة جلوس وصعود والاستقرار" ثم رد على قول الجهمية الذين فسروه بالاستيلاء فقال: " والعرش في اللغة العرب يأتي بمعنى"السرير". وعلى هذا الاعتقاد أئمة أهل السنة والجماعة من لدن مصطفى عليه الصلاة والسلام ومن تبعه بإحسان" هــــ
إذا فالجلوس إحدى معاني الاستواء وتفاسيره الثابتة عن سلف الأمة وأئمتها المعروفة في اللغة العربية
سئل ابن عثيمين: عثمان الدارمي في رده على بشر المريسي أورد أن الاستواء يأتي بمعنى الجلوس، ما رأي فضيلتكم؟
الجواب
الاستواء على الشيء في اللغة العربية يأتي بمعنى الجلوس، قال الله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } [الزخرف:12-13]، والإنسان على ظهر الدابة جالس أم واقف؟ هو جالس، لكن هل يصح أن نعديه إلى استواء الله على العرش؟ هذا محل نظر، فإن ثبت عن السلف أنهم فسروا ذلك بالجلوس فهم أعلم منا بهذا، وإلا ففيه نظر هـ
وسنذكر في الحلقات التالية ما ورد في السنة النبوية والآثار من أدلة إثبات صفة الجلوس لله تعالى ومن أثبت الجلوس من سلف الأمة وأئمتها